حاول بيديه المنهكتين انتشال جثة زوجته وهو يذرف الدموع وينادي بقية المنقذين لمساعدته لعله يجد أحدا من بين 27 فردا من عائلته على قيد الحياة، بينما تعالت الصيحات من منزل آخر
وهم يخرجون طفلا بالتكبير والحوقلة، في مشاهد تكشف جانبا من مآسي الموصليين.
وعلى بعد أمتار يجلس رجل عجوز بدا عليه الذهول وهو غارق في حزنه، منتظرا انتشال أفراد عائلته من منزل أقربائه الذين أجبرهم تنظيم الدولة الإسلامية على التجمع فيه عندما اقتربت القوات العراقية من منطقتهم كما يقول.
وكان الجيش الأميركي اعترف بقصف مناطق في الجانب الغربي من مدينة الموصل بناء على معلومات من القوات العراقية الأسبوع الماضي.
وقالت رئيسة مجلس قضاء الموصل بسمة بسيم إن هناك نحو خمسمئة قتيل في تلك المجزرة التي وصفتها بـ”المتعمدة”، ما دفع القيادات الأمنية إلى منعها من دخول الموصل -حسب قولها- بينما أعلن مجلس محافظة نينوى أن المدينة منكوبة.
دمار وركام
ويرى ناشطون ومراقبون أن القصف الجوي والمدفعي استخدم بشكل كبير في معركة الجانب الغربي على عكس ما حدث في الجانب الشرقي، حيث تحولت مناطق واسعة إلى ركام فاق فيها الدمار نسبة 50٪ كما في الدواسة وشارع حلب وباب الطوب، وهي مناطق تقع ضمن الموصل القديمة التي هجرها معظم سكانها بسبب القصف.
وتركز القصف في الموصل الجديدة على الفرع الثالث من جهة مقبرة الحي، الذي أصبح أطلالا تكدست فوق أشلاء مئات المدنيين الذين تجمعوا في منازل أقربائهم وجيرانهم بأمر من عناصر تنظيم الدولة.
“دعوني أدخل وأنقذ أطفالي على مسؤوليتي”… صرخ فوزي وهو يطلب من مقاتلين في جهاز مكافحة الإرهاب السماح له بالدخول إلى المنطقة التي قصفت من حي “الموصل الجديدة” لإنقاذ أبنائه وأبناء عمومته من تحت الأنقاض بعد تلقيه اتصالا من زوجته الناجية ليلة التاسع عشر من الشهر الجاري.
ويقول فوزي في تصريح للجزيرة نت “تعرضت منطقة الموصل الجديدة لقصف جوي على مدى الأيام 16 و17 و18 من شهر مارس/آذار الجاري، وسقط بسبب ذلك فرع كامل يضم عشرات المنازل على رؤوس أصحابها، ولم يتقدم أحد لإنقاذهم حيث كانت المنطقة غير آمنة ولا يزال بعض عناصر تنظيم الدولة فيها”.
ويضيف فوزي الذي التقيناه في مستشفى بأربيل وهو يرافق اثنين من أبنائه وزوجته الجرحى “تلقيت اتصالا من زوجتي عصر يوم الثامن عشر من مارس قالت لي إن المنزل قد أطبق علينا وأن الجيران أنقذوني وأن أبناءنا وأبناء عمومتنا ومئات الناس من جيراننا تحت أنقاض المنازل وهم بحاجة إلى إنقاذ عاجل وإلا فلن يخرج منهم أحد حيا”.
إبادة
ويؤكد فوزي أنه وصل في صباح اليوم الثاني إلى المنطقة وأراد الدخول لإنقاذ أهله، وهو من أخبر القوات الأمنية أن هناك مئات الناس تحت الأنقاض وهم على بعد أمتار من المنطقة، قائلا إنه استطاع إنقاذ طفلين من أبنائه، بينما فقد الثالث و37 من أبناء عمومته من عشيرة الحياليين في المنزل نفسه.
من جانبه، قال عادل -شقيق الجريح معتز الناجي الوحيد بعد أن توفي أفراد عائلته- إن أخاه “سيفقد عقله إذا علم إنه الوحيد من العائلة الذي بقي على وجه الدنيا”.
وأضاف عادل للجزيرة نت وهو بجانب أخيه الجريح في إحدى مستشفيات أربيل “أنه كان في المنطقة ذاتها أثناء القصف، وأن سبب الكارثة هو اعتلاء مسلحي تنظيم الدولة أسطح المنازل وإطلاقهم النار تجاه القوات الأمنية، ما دعا الطائرات إلى قصف المنازل وإيقاع مئات القتلى والجرحى”.
وذكر المتحدث “أنهم لم يستطيعوا إنقاذ الناس بسبب الاشتباكات حتى دخلت القوات العراقية وعلمت بالحادث وأبلغت الدفاع المدني الذي لم يستطع العمل بسبب قصف التنظيم المكان بالهاون، وهو ما أخر عمليات الإجلاء أكثر”.
وكان المرصد العراقي لحقوق الإنسان قال إن 3864 مدنيا قتلوا وأصيب أكثر من 22 ألفا في الفترة بين 19 فبراير/شباط و20 مارس/آذار الجاري جراء العمليات العسكرية وممارسات تنظيم الدولة.
كما ذكر المرصد أنه تم تدمير أكثر من عشرة آلاف وحدة سكنية خلال شهر من عمليات تحرير الجانب الغربي من الموصل.
الجزيرة