تمثل السينما العربية حضور قوى وفعال فى الدورة الـ70 لمهرجان كان السينمائى التى تقام فى الفترة من 17 إلى 28 مايو، وذلك من خلال ثلاثة أفلام من تونس والجزائر وفلسطين، وتغيب
هذا العام السينما المصرية عن المنافسة فى المهرجان العالمى، بعد أن كانت حاضرة بقوة فى دورة العام الماضى بفيلم «اشتباك» للمخرج محمد دياب الذى افتتح به المهرجان قسم «نظرة ما».
وجود السينما العربية هذا العام يتمثل فى وجود فيلمين فى مسابقة «نظرة ما» التى تعد الأهم فى اكتشاف التجارب الشبابية الجريئة والجديدة، الفيلم الأول هو «على كف عفريت» للمخرجة التونيسية كوثر بن هنية الفائزة أخيرًا بالتانيت الذهبى لأيام قرطاج السينمائية فى دورته الأخيرة عن فيلمها «زينب تكره الثلج»، لتعود بذلك السينما التونسية من جديد فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان بعد غياب 17 سنة.
«على كف عفريت» إنتاج تونسى فرنسى وبطولة مريم الفرجانى وغانم الزرلى ونعمان حمدة ومحمد العكارى وشاذلى العرفاوى وأنيسة داود ومراد غرسلى. ويطرح الفيلم قصة الفتاة «مريم» وعلاقتها بالضابط يوسف محاولة انتقامها منه بعد إهداره كرامتها.
وعبرت بن هنيه عن امتنانها لكل من ساهم فى إنجاز هذا العمل، وقالت: إن قصة الفيلم مستوحاة من قصة واقعية أثارت الجدل وشغلت اهتمام الرأى العام منذ فترة فى إشارة إلى حادثة اغتصاب فتاة من قبل رجل أمن، وأشارت إلى أنها استعانت بتفاصيل هذه الحادثة واسترجعت وقائع تلك الليلة التى عاشتها الفتاة حسب تعبيرها.
جدير بالذكر أن المخرجة كوثر بن هنية كانت قدمت سنة 2014 فى مهرجان كان السينمائى، العرض العالمى الأول لفيلمها «شلاط تونس» خارج مسابقة الدورة 67 للمهرجان، وكان من بين تسعة أفلام تم عرضها ضمن الأقسام الموازية.
الفيلم الثانى الذى يمثل السينما العربية فى مسابقة «نظرة ما» هو «طبيعة الوقت» للمخرج الجزائرى كريم موساوى وهو أول فيلم روائى طويل له، بعد عدة أفلام قصيرة مهمة مثل فيلم «الأيام السابقة» و«ما الذى يجب أن نقوم به».
الفيلم إنتاج جزائرى فرنسى مشترك، ويتعرض للوضع فى جزائر اليوم ما بين التقاليد والتطلع إلى الحداثة من خلال قصص ثلاثة شخصيات شهدت نقاط تحول فى حياتها حيث أصبحت القرارات صعبة عندها مثل مسألة مغادرة البلاد.. وهم وكيل عقارى ثرى، وطبيب أعصاب طموح يلاحقه ماضيه، وامرأة شابة ممزقة بين صوت العقل ومشاعرها.
كما أن القصص الثلاث تغوص فى أعماق النفس البشرية وأهوائها ومشاغلها وخرابها وأحلامها المعطلة، وتعكس أيضا شيئا من طبيعة الانشقاق والانكسار والخيبات التى تتواصل فى بنية المجتمع العربى المعاصر.
وقد دخل كريم موساوى عالم السينما فى 2013 بفضل فيلمه «الأيام السابقة» الذى نال عدة جوائز فى المهرجانات الدولية.
يتمتع كريم موساوى بالثقة فى النفس بعد تجربته القصيرة مع الإخراج، كما قال: «أشعر بأنى مخرج سينمائى، على الرغم من قصر المدة»، مشيرًا إلى أن علاقته مع السينما روحية وليست مادية، معتبرًا أن التفكير فى العيش من السينما فقط يعد انتحارًا فى الجزائر. وأضاف موساوى فى هذا الإطار أن أكبر هم بالنسبة إليه كمخرج، هو كيفية عرض الأفلام أمام الجمهور التى تعطيه حالة من الرضا الداخلى والتواصل، ويعتبر أكبر شىء يجب أن يتعلق به المخرج من وجهة نظره.
يرجع المخرج الشاب كريم موساوى الفضل إلى الأفلام التى شاهدها فى حياته عندما كان هاويا للسينما، فى دخوله عالم الإخراج السينمائى، حيث يقول: إن متابعته للأفلام خلال سنوات التسعينيات جعلته يعشق الصورة ودفعه ذلك نحو البحث عن فرصة لإخراج فيلم قصير. ويؤكد موساوى الذى بدأ يشق طريقه نحو النجاح مع تجربته «قبل الأيام»، الفيلم الحاصل على عديد الجوائز فى مهرجانات، أن التكوين الذاتى هو أساس العملية الفنية، كما أوضح بأن تعلم تقنيات الإخراج ليس عملية صعبة، مشيرًا إلى أن أول علاقة له بالصورة كانت عبر التقاط الصور الفوتوغرافية، قبل أن يتجه إلى الفيديو.. وينصح موساوى هواة السينما بعدم الإحباط فى بداية الطريق، مؤكدًا على ضرورة الإيمان بالقدرة الداخلية والصبر. وأرجع كريم موساوى سر نجاح التجربة الإخراجية إلى الإرادة وتحدى قلة الإمكانات.
بينما يشارك المخرج الفلسطينى الدنماركى مهدى فليفل بفيلمه «رجل يغرق» فى مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان كان السينمائى، ويسرد «رجل يغرق» حكايات إنسانية، مستلهمة من واقع الحياة الفلسطينية فى المخيمات ومعاناة الفلسطينيين من صعوبة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل تلك المخيمات وكثرة الازدحام وانتشار الأمراض فيها.
ويحاول مهدى فليفل توثيق ما يعيشه الفلسطينى داخل المخيمات، أو خارجها سينمائيا عبر أفلام ترتكز على جماليات الصورة، ومفردات التوثيق البصرى بإعادة بناء سينمائى للوقائع، وقد عاش فليفل الوضع الصعب فهو ينتمى لعائلة منكوبة فى مخيم عين الحلوة فى لبنان وتسكنه تلك الآلام.
وأكد فليفل أن أفلامه دائما حول اللاجئين «لأنه واحد منهم» وأنه تمنى تقديم سينما ترتقى إلى التجربة المكسيكية التى هى الأكثر إبداعًا، اليوم، ولا أقصد ما قدمه المخرج كارلوس ريغاداس فقط بل ميشال فرانكو ومخرج فيلم Potosi ألفريدو كاسترويتا وآمات إسكالانتى من الجيل الجديد… أظن أنهم أفضل المخرجين اليوم فى السينما.
تجدر الإشارة إلى أن «نظرة ما» هى فئة من فئات المسابقة يتنافس فيها صناع الأفلام من الجيل الصاعد، أصحاب الأساليب المختلفة فى السرد والمتميزة فى أصالتها وجرأتها على جائزة أفضل فيلم.