شكلت المظاهرات التي نظمها الحراك الجنوبي بقيادة محافظ عدن المقال عيدروس الزُبيدي، الخميس الماضي، بالعاصمة المؤقتة لليمن، صدمة لدى أنصار الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه
منصور هادي، باعتباره أول شرخ في صفوفهم قد يؤدي إلى إحداث كسر في معسكر الشرعية يصعب جبره.
غير أن هناك من يرى أن هذا الشرخ يمكن احتواؤه، لأن معسكر الرئيس هادي والحراك الجنوبي في مواجهة خطر أكبر، يتمثل في تحالف جماعة أنصار الله “الحوثيين” وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، التي لازالت تسيطر على العاصمة صنعاء منذ 2014، ناهيك عن خطر تنظيم القاعدة المتمركز في المحافظات الشرقية والجنوبية.
كما أن السعودية التي تقود التحالف العربي لا يمكنها أن تسمح بحدوث كسر في معسكر الشرعية، من شأنه نسف “عاصفة الحزم” وتبديد “إعادة الأمل”، لذلك من المتوقع أن ترمي الرياض بكامل ثقلها لاحتواء الخلاف، وإعادة توحيد الصفوف لمواجهة الخطر الأكبر، لأن انهيار جبهة اليمن، من شأنه تهديد الأمن القومي للسعودية مباشرة، خاصة في ظل الصراع الإقليمي المحتدم مع إيران، المتهمة بدعم “الحوثيين”.
* إعلان عدن التاريخي.. ردة فعل مؤقتة
لم يكن الطقس هو التغير الوحيد الذي شهدته مدينة عدن خلال الأيام الماضية، فالعاصمة المؤقتة لليمن والشهيرة بصيفها الساخن وارتفاع درجة الحرارة كأعلى المدن اليمنية، كانت مسرحا لصراع ساخن داخل معسكر الشرعية، على خلفية إقالة الرئيس عبدربه منصور هادي لمحافظها السابق، عيدروس الزُبيدي.
ومنذ الخميس الماضي، استحوذ الإعلان الصادر عن الفعالية الجماهيرية التي أقامها الحراك الجنوبي في محافظة عدن، على اهتمامات الشارع اليمني، باعتباره أول شرخ رسمي في صفوف الشرعية التي مازالت تقاتل منذ أكثر من عامين، لاستعادة الدولة من الحوثيين وقوات الرئيس السابق.
وفي حين اعتبر مراقبون، أن الإعلان القاضي بتفويض محافظ عدن المقال، عيدروس الزُبيدي، بتشكيل “هيئة سياسية” برئاسته ليس سوى مجرد ردة فعل مؤقتة من الحراك الجنوبي، وتكريم للمحافظ عقب القرار الصادم الذي أزاحه من منصبه.
ويرى آخرون، أن ما يسمى بـ”إعلان عدن التاريخي”، يكشف عن تصدع رسمي هو الأول من نوعه، في معسكر الشرعية وحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي، منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عامين.
ويطمح الحراك الجنوبي الذي ينتمي له محافظ عدن السابق الزبيدي، إلى تقديم نفسه بأنه القوة الأكبر على الأرض والتي لا يمكن تجاوزها في أي تعيينات للحكومة اليمنية، أو في أي مشاورات سياسية تتعلق بمستقبل الدولة الاتحادية، وأن لا يتلقى المزيد من الصدمات المفاجئة كتلك التي حدثت يوم 27 إبريل/نيسان الماضي، حين أقال الرئيس هادي، “الزبيدي” والوزير “هاني بن بريك”، من منصبيهما بشكل غير متوقع.
* مهاجمة الشرعية صباحا والترحيب بها مساءً
خلافا لأهداف الحرب التي يخوضها التحالف العربي بقيادة السعودية من أجل دعم الشرعية الدستورية للرئيس هادي بعد انقلاب الحوثيين وصالح، قال “إعلان عدن”، إن “الإرادة الشعبية الجنوبية هي صاحبة الشرعية الحقيقية دون غيرها، وهي تعلن رفضها لقرارات هادي، وأي قرارات مماثلة مستقبلا”، كما وصف قرارات هادي بـ”الاستفزازية والمؤامرة التي تعبّر عن نفسية عدوانية”.
وكما هو الحال في العاصمة صنعاء، بدا أن الحراك الجنوبي يحاكي تجرية “الحوثيين وصالح” في تشكيل “مجلس سياسي أعلى” يكون هو السلطة الأرفع التي تدير مؤسسات الدولة، وتحدث عن “قيادة سياسية وطنية” لحكم مدن الجنوب، دون تسمية أعضاءها.
ولم يمض الكثير من الوقت حتى بدأت نشوة القوة تتضاءل من قبل معسكر الحراك الجنوبي، فشرعية هادي التي تم مهاجمتها صباحا، كانت محل ترحيب في المساء، وذلك بسبب ارتباطاها بالتحالف العربي.
وقال الزبيدي، في تصريحات صحفية “نحن مع الشرعية حتى انتهاء عاصفة الحزم”.
أما بن بريك، فأعلن في كلمة أمام أنصار الحراك الجنوبي: “نحالف من تحالفه السعودية والإمارات، ونوالي من تواليه السعودية والإمارات”، في إشارة إلى الرئيس هادي.
وكان لافتا عدم صدور أي تعليقات من قبل الحكومة الشرعية على ما أسفرت عنه مظاهرة عدن، غير أنها ردت عمليا بإرسال المحافظ الجديد “عبدالعزيز المفلحي”، لممارسة مهامه، وذلك بعد يومين من إقامة فعالية الحراك، فيما بدأ واضحا، أن السعودية هي من تكفلت بإخماد ثورة غضب الحراك الجنوبي.
* دعم سعودي لهادي وتحفظ إماراتي
وعلى الرغم من الحشود التي وصفوها بـ”المليونية”، إلا أنها لم تغير شيئا على الأرض بالنسبة للحراك الجنوبي في عدن، فيما اعتبرها مراقبون بأنها “تكريم رمزي” للمحافظ السابق، عيدروس الزبيدي.
ويرى ماجد المذحجي، المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية (غير حكومي)، أنه “لم يعد هناك أي فرق في أي حشود على الشارع”.
ولفت إلى أن ما يخلق الفرق هو قدرة الأطراف على مسك السلطة الفعلية.
وقال المذحجي: “هادي يملك تلك القوة، ومهما بدا ضعيفا لكنه يمتلك القدرة على التعيين وحرمان أي شخص يعارضه من الوصول إلى الموارد والسلطة الفعلية”.
وأضاف “ما قدمته الإمارات لمن تم إقالتهم من حلفائها هو شكل من التعويض الرمزي، صادقت على على ذلك الحشد الجماهيري بالشارع لكن ينتهي الأمر إلى أشبه لتعيين رمزي لقيادة المجلس السياسي لكنه لا يمتلك أي تغيير على الأرض، وحده عبد العزيز المفلحي، محافظ عدن من يمتلك ذلك”.
وأشار المذحجي، إلى أن وصول المحافظ الجديد المفلحي إلى عدن والاستقبال الرسمي وتكريسه محافظ، يقوض آخر فرص ما تبقى من خلق ذلك القرار الخاص بالشارع.
ولفت إلى أن “الحشود والدعاية السياسية المضادة غير مؤثرة كليا، حيث يتحول أنصار الإمارات إلى موقع أشبه بموقع المعارضة، دون أن يكونوا فاعلين بشكل أكبر”.
وقال “مشكلة الإمارات أنها صنعت أسماء لكن لا تمتلك أدوات نفوذ على الأرض، خلافا لهادي، والسعودية”.
ويعتقد الباحث اليمني، أن قرار إزاحة المحافظ السابق، تم برعاية سعودية واضحة رغم التحفظ الإماراتي، وتم تتويج ذلك بلقاء الملك سلمان بالرئيس هادي، بعد أيام من صدوره.
وأوضح المذحجي: “هذه رسالة دعم غير مسبوقة قدمها السعوديون للقرار، وأعتقد أن الأمر حسم ولم يعد هناك فرصة بالمعنى السياسي للآخرين”.
* الجديد في عدن.. والمقال إلى الرياض
ويعتبر مراقبون، أن إعلان الحراك الجنوبي تشكيل قيادة سياسية لإدارة مناطق الجنوب والحديث عن رفض لأي قرارات مستقبلية من الحكومة الشرعية تمس القيادات الجنوبية.
وقال رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والإعلام، “باسم الشعبي”، “النخب اليمنية التي في المشهد، جنوبا وشمالا، تتعامل بردود أفعال، وليس لديها مشاريع. وردود الأفعال هذه بعضها تكون كارثية إذا لم يتم احتواؤها والسيطرة عليها وفرملتها”.
ووفقا للشعبي، فان على الشرعية “أن تتحول إلى دولة أو إلى سلطة وطنية قوية ومدنية في عدن، وسيلتف الناس حولها”.
ولفت إلى أن هناك تباينات سيتم تسويتها.
وذكر الشعبي، أن عدن “بحاجة لوظيفة الدولة، وإذا تمكن المحافظ الجديد من الحفاظ على الأمن واستعادة الخدمات والمؤسسات فعدن ستكون معه”.
وبعد وصول المحافظ الجديد، عبد العزيز المفلحي، السبت الماضي، إلى عدن، باشر مهامه رسميا الأحد، بعد يوم واحد فقط من وصوله، من خلال عقد اجتماع ركز فيه على حل أزمة الكهرباء الحادة في عدن، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة وكثرة الانقطاعات الكهربائية.
وشكل ذلك رسالة قوية من المحافظ الجديد إلى سكان عدن، بأنه الأقدر على تحسين ظروف معيشتهم مقارنة بما عانوه في مراحل سابقة، خصوصا مع الإعلان عن استلام محطة كهرباء جديدة بعدن، بمنحة قطرية، تولت شركة تركية إنجازها، الأمر الذي من شأنه امتصاص بعض الاحتقان الاجتماعي.
ولم يصدر أي رد فعل مناوئ لوجوده من قبل الحراك الجنوبي، مع أنباء عن طلب سعودي للقيادات الجنوبية، وعلى رأسها المحافظ السابق الزبيدي، بالقدوم إلى الرياض للتفاهم حول بعض القضايا، وهو ما من شأنه امتصاص حدة الأزمة، ووضع حدود للخلاف.
وكالات