قال محللون سياسيون فلسطينيون، إن الوثيقة السياسية الذي أعلنتها حركة حماس، أمس الإثنين، قد تفاقم الانقسام الفلسطيني. ورأوا في حوارات صحفية، أن حركة فتح، التي يتزعمها الرئيس
الفلسطيني محمود عباس، قد تعتبر أن الوثيقة، وسيلة تهدف حماس من خلالها إلى إزاحتها من صدارة المشهد السياسي، كونها تقترب بشكل واضح من برنامج منظمة التحرير الفلسطينية.
من جانبه، قال أسامي القواسمي، الناطق باسم حركة فتح، في الضفة الغربية، إن وثيقة حماس الجديدة مطابقة لموقف منظمة التحرير الفلسطينية في العام ١٩٨٨.
وقال في تصريحات صحفية:” نطالب حماس بالاعتذار لمنظمة التحرير الفلسطينية، بعد ثلاثين عاما من التخوين والتكفير، وما تسبب ذلك من انقسام حاد في الشارع الفلسطيني”.
وأضاف:” إن قبول حماس باقامة دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران ٦٧ كصيغه توافقية، وتطبيق القانون الدولي هو تماما الموقف الذي خرجت فيه كافة الفصائل في العام 1988، ولم يكن ذلك موقفا لحركة فتح، وانما موقفا توافقيا لكافة الفصائل”.
لكن رئيس المكتب السياسي لحماس، قال في معرض إجابته على تساؤلات الصحفيين، إن حركته لا تقدم نفسها بديلا عن أحد.
وأضاف خلال المؤتمر الصحفي، الذي عقده مشعل في العاصمة القطرية، الدوحة، مساء أمس:” لا نهدف من اعتدالنا إلى إقصاء الآخرين عبر مزاحمتهم (..) اعتدالنا لنفسنا وشعبنا وليس لمنافسة الآخرين، حماس ليست بديل لحركة فتح، ولا أحد بديل لأحد، ولا أحد يستطيع أن يقصي أحدا”.
وأعلنت حركة “حماس”، أمس، عن وثيقتها السياسية الجديدة، المكوّنة من 42 بنداً، والتي تسعى من خلالها إلى الحصول على القبول الإقليمي والدولي، وإبعاد سمة “الإرهاب” عنها، بحسب مراقبين.
وتوافق حماس في الوثيقة على إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، دون الاعتراف بشرعية دولة إسرائيل.
كما ذكرت أن صراعها مع اليهود، ليس دينيا، وأنها لا تعاديهم، بل تقاوم من احتل الأرض الفلسطينية.
واحتوت الوثيقة على العديد من البنود التي تؤكد على رفض الحركة للتطرف، وتؤكد على “الوسطية والاعتدال”، وعلى أنها حركة فلسطينية، دون الإشارة إلى ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين.
وقال الدكتور مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، إن حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية قد تنظر بتوجّس إزاء ما وصفه بـ”الاعتدال السياسي” الوارد في الوثيقة، من جانب “حماس”.
وقال إن حركة “حماس” تقترب كثيراً من برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، أو من برنامج ما يسمى بـ”الحد الأدنى الفلسطيني”، والذي تمّ اعتماده في 15 نوفمبر/ تشرين ثاني 1988، في دورة للمجلس الوطني.
وأضاف، خلال حديثه مع وكالة “الأناضول”:” ذلك البرنامج قائم بالأساس على قبول دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، وإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين على أساس القرار الأُممي (194)”.
ويرى أبو سعدة أن حركة “حماس” من الناحية النظرية اقتربت من برنامج “منظمة التحرير الفلسطينية”، رغم تمسّكها بعدم الاعتراف بإسرائيل، أو قبولها لمشروع “حل الدولتين”.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن الوثيقة السياسية لحركة “حماس” قد تثير مخاوف لدى حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية، بأن حماس تسعى لإزاحتهما عن المشهد السياسي الفلسطيني.
وأضاف:” بتقديري هناك تخوّف حول قدرة حماس على فعل ذلك، من أجل الوصول للمجتمع الدولي والعالم العربي، خاصة بعد وثيقتها الجديدة التي تشير إلى أن الحركة لديها من المرونة والقدرة ما يجعلها قادرة تمثيل الشعب الفلسطيني”.
وحول تهيئة الوثيقة الظروف لحركة “حماس” كي تدخل منظمة التحرير الفلسطينية، قال أبو سعدة إن الأمر “ليس سهلا”.
وأضاف:” حماس ترغب في أن تكون جزءاً من المنظمة لكن بعد إصلاحها وإعادة بنائها، بينما ولّد نجاح الحركة في الانتخابات التشريعية تخوفاً لدى السلطة، والرئيس محمود عباس، من دخولها للمنظمة”.
ويرى أبو سعدة أن فتح منظمة التحرير الفلسطينية أبوابها أمام دخول حركتي “حماس، والجهاد الإسلامي”، قد يؤدي إلى هيمنة الحركتين إلى جانب الفصائل اليسارية عليها، وإقصاء “فتح”، وهذا ما يثير تخوفات الرئيس الفلسطيني.
وتزيد هذه الوثيقة من التنافس بين حركتي “فتح” و”حماس”، الأمر الذي قد يؤدي إلى تعزيز “الانفصال”، بحسب أبو سعدة.
وقال:” الانقسام الفلسطيني موجود منذ 10 سنوات، وخطوات الرئيس الأخيرة تجاه قطاع غزة، ورد حماس عليها تعزز من الانفصال، فيما يعزز كل ما يحدث كرزمة واحدة، على الساحة الفلسطينية من الانقسام السياسي”.
ويتوقع أبو سعدة أن تفتح الوثيقة السياسية أبواباً جديدة لـ”حماس” في العالمين العربي والاسلامي، وفي المجتمع الدولي.
لكن ورغم اقتراب “حماس” من برنامج منظمة التحرير، إلا أنها لم تقترب من شروط الرُباعية الدولية وأهمها “الاعتراف بإسرائيل، وقبول مشروع حل الدولتين”، الأمر الذي يحول دون وجود انفتاح أمريكي، أو من قبل “الاتحاد الأوروبي” على الحركة، بحسب أبو سعدة.
ويتفق طلال عوكل، المحلل السياسي والكاتب في صحيفة “الأيام” الفلسطينية الصادرة من الضفة الغربية، مع أبو سعدة في أن الوثيقة قد تزيد من التوتر الفلسطيني الداخلي.
وقال:” حركة فتح قد تخشى من المرونة السياسية التي تبديها حماس في وثيقتها، لتفعيل دورها على المستوى السياسي والانفتاح على الخارج”.
وأضاف:” بقدر ما تنطوي وثيقة حماس الجديدة على مواقف معتدلة، لكنها تنطوي على تصعيد محتمل بين الطرفين (حماس وفتح)”.
ومن جانب آخر، يرى عوكل أن الوثيقة الجديدة، قد تكون ورقة قوة، لدخول حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية.
وقال:” الوثيقة السياسية لحركة حماس تقترب من برنامجي حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية”.
ويرى أن برنامج الوثيقة يشبه إلى حد كبير موقف “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” (فصيل يساري، وإحدى فصائل منظمة التحرير).
وقال:” الجبهة عضو في منظمة التحرير، وفي برنامجها لم تتخلَ عن الحقوق والثوابت، وترفض (اتفاق) أوسلو، وحماس اليوم لا تعترف بإسرائيل، وهي حركة تحرر وطني بمرجعية إسلامية”.
لكن عوكل، يرى أن دخول حركة “حماس” لمنظمة التحرير قد يواجه الكثير من العقبات، أبرزها خشية حركة “فتح” من هيمنتها المحتملة عليها.
وأضاف:” نعاني من أزمة في عقلية الشراكة السياسية الفلسطينية، فحماس تريد أن تهيمن على المنظمة، وفتح تخشى على مكانتها داخل المنظمة”.
وبحسب الوثيقة، فإن حماس تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية، “إطاراً وطنياً للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه، مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية”.
من ناحيته، يرجّح المحلل السياسي جهاد حرب، (أستاذ العلوم السياسية السابق في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية)، أن تُثير الوثيقة مخاوف حركة فتح، حيال إمكانية إجراء “حماس” مفاوضات مباشرة مع إسرائيل.
وقال:” هذا الأمر قد يكون مثار جدال بين الحركتين، خاصة أن هناك خشية دائمة لدى حركة فتح من ذهاب حماس لمفاوضات مع إسرائيل، دون الرجوع لمنظمة التحرير”.
ويستبعد حرب أن تؤدي الوثيقة الجديدة إلى اعتراف المجتمع الدولي بحركة حماس، كممثل للشعب الفلسطيني.
وقال:” قد تكون الوثيقة مقدمة لمطالب جديدة من المجتمع الدولي لحماس، وتنفيذ ما يُسمى باشتراطات الرباعية الدولية عام 2006، وفي مقدمتها الاعتراف بإسرائيل، ونزع سلاحها.
ويرجّح حرب عدم مقدرة “حماس” على تقديم إجابات مباشرة على تلك المطالب التي قد تُطرح.
وتعبّر حركة “حماس”، بشكل متكرر خلال تصريحات سابقة لها، عن رفضها بشروط اللجنة الرباعية الدولية للسلام (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة)، والتي تطالبها بالاعتراف بإسرائيل، ونزع سلاحها.
وترفض “حماس” أيضا مبدأ التفاوض مع إسرائيل، وتنسيق أجهزة السلطة الأمني مع السلطات الإسرائيلية.
ويسود الانقسام السياسي أراضي السلطة الفلسطينية منذ منتصف يونيو/حزيران 2007، في أعقاب سيطرة “حماس” على قطاع غزة، بعد فوزها بالانتخابات التشريعية، في حين تدير حركة “فتح” التي يتزعمها الرئيس محمود عباس الضفة الغربية.
ولم تكلل جهود إنهاء الانقسام بالنجاح طوال السنوات الماضية، رغم تعدد جولات المصالحة بين الحركتين.
وكالات