قبل أن اخوض فى مقالى هذا أحب أن أؤكد أننى أخضع دينياً للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وأعتنق كل معتقداتها وإيمانياتها وأن مقالى هذا ليس خروجاً على تقاليد الكنيسة ولكنة محاولة منى لدق ناقوس الخطر
تجاة أحد الظواهر التى يمكن لها إذا ما لم يتم التصدى لها أن تكون سوساً ينخر فى عظام الكنيسة ويجب أن أنوة أننى لست ضد البركة فى الكنيسة ولكن ضد من يتخذها مجالاً للبزنس بدون وعى وبعيداً عن رقابة الكنيسة لتصبح تجارة يتم من خلالها تغيب الشعب وإبعادة عن صحيح العقيدة ويتم إلصاق معتقدات جديدة بعيدة كل البعد عن عقيدة الكنيسة تخدم هذا البزنس وتكرس لإمبراطورياتة وأباطرتة دون إعتبار للأثار المدمرة التى تتبع ذلك وحتى لا أكون مجحفاً وأتهم بمعادة الكنيسة فإننى هنا لن أسرد سوى الواقع الذى يؤكد وجة نظرى مستعصماً فى ذلك بمواقف أباء الكنيسة تجاة تلك الظاهرة وعلى رأسهم ورأسنا جميعاً أقوال قداسة البابا المعلم الأنبا شنودة الثالث أبو التعليم
قنديل بقرش
القنديل أو سر مسحة المرضى هو سر من أسرار الكنيسة السبعة يمارسة الكاهن فى منزل المريض وهو عبارة عن وعاء صغير ( طبق ) يوضع فية بعض الزيت وفتيل وتتلى علية بعض الصلوات ثم يضاء ويمسح بة المريض ولأن الأقباط يعتقدون فى بركات القنديل فقد تطور الأمر الى أن يتم عمل القنديل فى المنزل سواء كان هناك مريض أم لا لتعم بركات صلوات القنديل فى المنزل، وفى عصور ماضية وحتى وقت قريب كان الكهنة يتخذون من عمل هذا القنديل مصدراً للرزق فقد كانت الكنيسة فقيرة وإيراداتها تكاد تكون منعدمة فكان الكاهن يقوم بعمل هذا القنديل مقابل قرش صاغ وأى كانت قيمة العملة فى هذا الزمان فهذا القرش كان مبلغاً متدنياً ولكن مع تعدد القناديل كان الكاهن يتحصل فى نهاية الشهر على مبلغاً لا بأس بة يعينة على مقتضيات الحياة وهو فى هذا لا يخالف قوانين الكنيسة فالقديس بولس الرسول أقر أن ” خادم الأنجيل يأكل من الأنجيل ” وكان القنديل هو وسيلة تواصل بين الكنيسة والشعب فالكاهن بعد ان يفرغ من صلاة القنديل كان لا مانع فى أن يقوم بتفسير بعض نصوص الأنجيل والرد على أسئلة أهل المنزل الدينية وهو ما كان يقوى إرتباط الشعب بالكنيسة .. ومر زمن ليس بالكثير ما يقرب من خمسون عاماً إختفى القنديل فيها وذهبت بركاتة من المنازل وإنقطعت رجل أبونا من دخول المنازل فالكاهن لم يعد بعد فى حاجة الى تلك القروش الضئيلة التى يتحصل عليها من القنديل لأن أبونا تبدلت أحوالة وأصبح من راكبى العيون والهامر فماذا حدث حتى يتم هذا الأنقلاب ؟
الإنفتاح ومنع زيارة القدس
تواكب قرار قداسة البابا شنودة الوطنى بمنع زيارة الأقباط الى القدس مع بداية عصر الأنفتاح الذى ظهرت فية طبقة من الأثرياء وعمت فية البلاد إنتعاشة إقتصادية شملت كل طبقات الشعب والكنيسة هى جزء من هذا الوطن وبات ملحوظاً الرفاهية التى بدأت تظهر على الشعب ولكن كانت هناك مشكلة وهى أنة على الرغم من أن الشعب أصبح ميسوراً مالياً إلا انة لا يوجد تدفق لهذة الأموال فى شرايين الكنيسة بالقدر الكافى وكان قرار البابا بمنع زيارة القدس هو ( طاقة القدر ) التى إنفتحت للكنيسة فالأقباط لديهم رغبة عارمة فى زيارة الأماكن المقدسة خاصة وانهم أصبحوا قادرون على تحمل نفقات تلك الزيارة ولكن لا قبل لأحد بمخالفة قررات البابا مهما كان فلماذا إذن لا يتم خلق بديل للأماكن المقدسة داخل كنائس الأقباط ينفق فيها الأقباط ما كانوا سوف ينفقونة فى القدس؟ ولكن كان لا بد من توافر ثلاثة عناصر لينجح هذا المشروع وهى
1 ــ أماكن مقدسة : فالقدس تتخذ قدسيتها من أنها المدينة التى عاش فيها المسيح وكل مكان خطا فية السيد هو مصدر للبركة ولكن لا ضير فمصر هى محطة هروب العائلة المقدسة وكل كنيسة تقع على خط سير العائلة المقدسة هى مكان مقدس
2 ـ مصادر للقداسة : ظهرت هناك مشكلة وهى أن الكنائس والأديرة التى مرت بها العائلة المقدسة سوف تنتعش مادياً ولكن ماذا عن باقى كنائس الكرازة ؟ وكان الحل فى أن على كل الكنائس أن تبحث فى تاريخها وتاريخ منطقتها الجغرافية عن بعض الشهداء والقديسين اللذين قتلوا إبان عصر الإستشهاد وأن تقيم لهم المزارات والأحتفالات، ولكن لن يذهب الناس لنوال بركة قديسين لا يعلمون عنهم شيئاً فكان التفكير فى عمل حملات دعائية من أفلام سينمائية منفذة بطريقة الفديو تسرد حياة ومأثر هؤلاء القديسين وإصدار كتيبات دورية تحكى أحدث معجزات هؤلاء القديسين على ألسنة أشخاص معاصرين يرمز لهم بالحروف الأولى والمطالع لهذة الكتيبات يكتشف أن أسلوب سرد كل المعجزات بطريقة واحدة وهو ما يعنى أن هناك من يؤلف تلك الكتيبات وتطور الأمر وأصبح هناك ترويجاً لقديسين لم تعترف بهم الكنيسة بقداستهم بعد ماتو منذ بضعة سنين مثل القديس يسى ميخائيل والقمص عبد المسيح المقارى والأم أيرينى التى لم يمضى على نياحتها بعد ثلاث سنوات ولكن المشكلة لم تتوقف عند هذا الحد فهناك كنائس فى مناطق سكنية جديدة لم تمر بها العائلة المقدسة ولم تلحق بعصر الإستشهاد فماذا عنها وكان التفكير فى أن تعطى هذة الكنائس أجزاء من رفات بعض القديسين لتقيم لها المزارات والأحتفالات وفى البداية كانت الكنيسة تدقق فى إعطاء أجزاء من الرفات للكنائس ولكن بمرور الوقت أصبحت تلك الرفات توزع بلا ضابط ولا رقيب حتى وصلت منازل الصفوة وظهر بها الكثير من الغرائب والطرائف مثل قطعة من ثوب العذراء مريم وجزء من شعر مريم المجدلية ولا تسألنى من أين أتت الكنيسة بهم ؟
3 ـ البركة : كانت هناك معضلة كبيرة وهى أن الشعب قد بدأ فى معرفة القديسين اللذين تم الترويج لهم وبدأ يذهب الى حيث مقارهم يلتمس بركتهم ولكن ما هو تذكار تلك البركة ؟ إبتدعت كل كنيسة تذكاراً معظم الكنائس تكتفى بإعطاء زيوت للبركة والبعض الأخر مياة لا يعرف لها مصدراً والأخير يعطى رمالاً من قبر القديس ومن العجيب أنة فى قبر القديس يسى ميخائيل قد فرغ الرمل من قبرة فأصبحت الكنيسة تضع أمام القبر رمال صفراء عبئت فى أجولة ليأخذ منها الزوار ما يشاؤون وكانت الكنائس تعطى هذة التذكارات مجاناً مكتفية بما يقدمة الزوار من تبرعات ونذور ولكن هذا لم يشبع الكنيسة ولا الزوار
الصينى يكسب
بدأ التفكير فى تصنيع بعض التذكارات التى توضع فى معارض داخل الأديرة والكنائس يشترى منها الزائرون ما يروق لهم كتذكار لبركة المكان وقديسة ولكن هذة التذكارات كانت رديئة الصنع غير مبهرة وهنا كان الصينى سيد الموقف فقام أباطرة البركة بإستيراد العديد من التذكارات من الصين التى تم تصنيعها خصيصاً لتتوائم مع معتقدات الكنيسة القبطية من صور واقلام واباجورات وإكسسوار موبايلات وساعات يد وحائط وأبليكات ..الخ من تحف وهدايا وسرعان ما إكتسحت هذة المنتجات الأديرة والكنائس وكانت المفاجأة فى إستيراد تماثيل بالحجم الطبيعى للقديسين لتروج فى الكنائس وهو ما تحرمة الكنيسة القبطية ولكن البزنس لا دين لة
التطور الطبيعى لتجارة البركة
راجت تجارة الرمال والزيوت ومن بعدها الصينى داخل الكنيسة وكلة على سبيل البركة ولكن كان هناك من لة رأى أخر وهو إن كانت التجارة بالقديسين على سبيل البركة أصبحت رائجة وتدر الكثير من الأموال فماذا إذن لو تاجرنا بالمسيح على سبيل البركة ؟ أليس المسيح هو مصدر كل البركات ؟ كانت تلك هى الفكرة الشيطانية التى إختمرت فى رأس مكارى يونان كاهن الكنيسة المرقسية بكلوت بك فالشعب يقبل على القديسين إلتماساً لعمل معجزات شفاء فماذا لو عرف الشعب أن المسيح بنفسة يقوم بعمل تلك المعجزات ؟ ومعجزات القديسين مستترة يحكيها الشعب ولكن معجزات المسيح يجب أن تكون علانية وعلى الهواء مباشرة ووجد يونان ضالتة المنشودة فى تعلم السحر الأسود وبدأ فى تجربة ما تعلمة على نطاق ضيق وأخذ يجود فى صناعتة حتى وصل الى درجة الإحتراف وهنا قرر ببجاحة يحسد عليها الترويج لنفسة عن طريق كنيستة ذات الشعبية الكبيرة ـ الكاتدرائية القديمة ـ حيث إدعى أن المسيح يجرى على يدية معجزات شفاء وإخراج شياطين وكان هذا هو التطور الطبيعى لتجارة البركة وعن هذا يقول قداسة البابا شنودة الثالث فى كتابة سنوات مع أسئلة الناس جـ 9″ إن محبة المواهب وصنع المعجزات ، قد تكون حرباً يحاربك بها الشيطان . ويخدعك ليرضي كبرياءك ثم يضللك .ما أسهل علي الشيطان – بالمعجزات – ان يقود إلي الضلال ، أو يقود إلي الكبرياء بخدعة أيات كاذبة … أما المعجزات فإنها لا تخلص النفس فكثير من الذين صنعوا المعجزات هلكوا . كما نسبت معجزات إلي الشيطان واتباعه . أنظر إلي قول الرب في العظة علي الجبل : كثيرون يقولون لي في ذلك اليوم ” يارب ، أليس باسمك تنبأنا ، وباسمك اخرجنا الشياطين ، وبأسمك صنعنا قوات كثيرون ” فحينئذ أصرح لهم إني أعرفكم قط . اذهبوا عني يا فاعلي الإثم . يا للعجب ! كانوا فاعلي إثم ، وهلكوا.”
موقف الكنيسة
والسؤال الذى يطرح نفسة أمامنا الأن هو هل ترضى الكنيسة وتوافق على تجارة البركة ؟ الأجابة بالطبع لا ولكن الكنيسة تنبهت لهذة التجارة مؤخراً بعد أن توحشت ونيافة الأنبا بيشوى هو على رأس المحاربين لتلك الخرافات فهو يتخذ موقفاً متشدداً فى مواجهه تلك التجارة ويرفض الإعتراف بقداسة قديس لم تصدر الكنيسة إعترافاً بقداستة فهو “يرى أن القديس لا يحكم بقداستة إلا بعد مرور خمسون عاما على نياحتة وأكبر دليل على ذلك أن الكنيسة لم تعترف بعد بقداسة البابا كيرلس السادس سلف البابا شنودة على الرغم من حسن سيرة هذا القديس وكثيرون أقروا بذلك ولكنها قوانين الكنيسة التى لا فصال فيها فما بالنا بقديس لم تمر على وفاتة خمس سنوات ؟ ” كذلك يرفض نيافتة وجود التماثيل فى الكنيسة لما لها من دلالات وثنية .
الحرب إذن ضروس داخل الكنيسة بين أبائها وبين أباطرة البركة وبعضهم محسوب على الكنيسة فتجارة البركة صرفت الشعب عن تعاليمة وغيبت عقولة فأصبح الجميع يلهث وراء بركة المعجزات لقد إنصرف الأقباط عن مسيحهم وأخذوا يلهثون عن رمال هنا وزيوت هناك ودجل وشعوذه على جانب أخر لقد أصبح الأرثوذكس مسيحيون شكلاً بلا مضمون يسهل على أى جهه إختراقهم فكرياً وعقائديا .. أفبعد هذا يمكن لنا أن نتحدث عن غزو بروتستانتى للكنيسة ؟ بصراحة عيب
عادل جرجس سعد