اعتبرت ورقة بحثية أصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن مواقف المعارضة السورية في ظل الثورة التي يشهدها البلد وأيضا في العقد الأخير، لا سيما بعد الاحتلال الأميركي للعراق، أصبح يعتريها كثير من الالتباس والغموض من القضايا العربية المصيرية بعد أن كانت تتسم بالراديكالية.
ورأت ورقة تحليل سياسات -حصلت الجزيرة نت على نسخة منها- أن المعارضة السورية أخذت تتعامل مع هذه القضايا في مواقفها سلبًا أو إيجابًا انطلاقًا من التضادّ مع النظام دون التّركيز على وجهة النّظر الشعبية التي لم تنتج افتراقا كبيرًا مع القضايا العادلة التي تبناها النظام السياسي القائم في خطابه تاريخيًّا.
ونبهت إلى أن المعارضة السورية في مواقفها من القضايا القومية المركزية لا تتعامل مع واقع سوريا المركب ووزنها الإستراتيجي، رغم أن من يريد أن يحكم سوريا سوف يضطر إلى التعامل مع هذا الواقع وهذا الوزن.
تنازلات:
وأشارت وحدة تحليل السياسات في المركز التي أعدت الورقة إلى أن العديد من قوى المعارضة الحزبية التقليدية سارع بعد انطلاق الثورة إلى تقديم تنازلاتٍ مسبقة بشأن القضايا المصيرية، وسارت في ضوء فرضيّتها بقرب التدخّل الخارجي لفرض مناطق الحظر الجوّي باستلهام الصّورة العراقيّة عام 1991 أو السيناريو الليبي مؤخرا.
ورأت الوحدة أن هذا السلوك بات يتجاوز حدود البراغماتية إلى نمط برامجي متبع سلوكيا عند بعض القوى التي عملت طويلا في الخارج، وبسبب افتقارها إلى فكر ديمقراطي ووطني قادر على تصور بناء الهوية الوطنية على أسس المواطنة والانتماء لدولة المواطنين الملتزمة ببعد الانتماء العربي مصيريا وقضاياه المركزية، وتحديدا القضية الفلسطينية.
ولفتت الورقة إلى أن تأخر الحركة الاحتجاجية السورية في تحقيق الحسم السريع لبلوغ أهدافها، وطول المدة الزمنية ساهم في دخول اللاعبين الدوليين والإقليميين -بمصالحهم وتوجهاتهم- على خط التأثير المباشر في تطور مسار الثورة السورية، لا سيما بعد شهر أغسطس/آب 2011، وترافق ذلك مع ظهور كيانات سياسية للمعارضة السورية تجلت في “المجلس الوطني السوري” و”هيئة التّنسيق الوطنيّة”. وقد تولت هذه الكيانات قيادة التفاعلات السياسية السورية من المواقف الدولية المستجدة، وخاصة الغربية منها.
غياب القومية:
وفي سياق متصل، أكدت الورقة أنه على الرغم من أن الثورة السورية تتقاطع مع باقي الثورات العربية الأخرى في شعارات الحراك الشعبي الاحتجاجي، ولم تتطرق للقضايا القومية المصيرية الكبرى، وتركزت مطالبها على قضايا الحرية والديمقراطية.
إلا أنه وعلى خلاف حالتي تونس ومصر عشية الثورة، فإن اتجاهات الرأي العام في سوريا كانت متناقضة مع النظام اجتماعياً وسياسياً على مستوى التنمية والحريات، وليس على قضايا السياسة الخارجية السورية، ولا سيما الموقف من الصراع العربي الإسرائيلي ودعمه لحركات المقاومة العربية (حزب الله، وحركة المقاومة الإسلامية “حماس”).
تعقد المشهد:
“تعقد المشهد السوري لا يعود إلى طبيعة نظام الحكم القائم فقط، بل إن موقع سوريا الجغرافي وأهميته الجيوسياسية، وتشابك دورها مصيريا بقضايا الصراع العربي الإسرائيلي، وتفاعلات أدوار اللاعبين الجيوستراتيجيين الدوليين والإقليميين فرض مدخلاته في مسار الثورة السورية”.
واعتبرت الورقة البحثية أن تعقد المشهد السوري لا يعود إلى طبيعة نظام الحكم القائم فقط، بل إن موقع سوريا الجغرافي وأهميته الجيوسياسية، وتشابك دورها مصيريّا بقضايا الصراع العربي الإسرائيلي، وتفاعلات أدوار اللاعبين الجيوستراتيجيين الدوليين والإقليميين فرض مدخلاته في مسار الثورة السورية.
وأمام هذا الواقع بدأت تظهر سيناريوهات عديدة عن طبيعة النظام السياسي المستقبلي في حال تم إنتاج التغيير، وماهية سياسته الخارجية، ولا سيما الموقف من الصراع العربي الإسرائيلي (الجولان، فلسطين)، ومن إيران، ومستقبل حركات المقاومة العربية، والعلاقة مع الغرب، والنظرة إلى إسرائيل، والتموضع الإقليمي خاصة في ظل الاستقطاب الحاصل في المنطقة.
وقدرت وحدة تحليل السياسات أن منهج معارضة النظام في كل سياساته -بما فيها الخارجية- من أجل نزع الشرعية عنه واستجداء الدعم من الرأي العام العالمي والدعم الدولي أيضا، يتسبب في الانزلاق إلى تبني خيارات خطاب “التنازلات” كنقيض لخطاب الممانعة الذي هو خطاب فعلي موجود لدى النظام السوري حتى إن كان غرضه منه هو ضمان الشرعية والدعم الداخلي.
كما رأت أن خطاب بعض القوى المعارضة ينطوي على ارتباك في مفاهيمها السياسية، يتجلى في اتهامها الدائم للنظام بأنه نظام “غير مقاوم”، وأنه “فرّط” بالقضايا القومية، وفي ذات الوقت يُلاحظ في منهج عملها طروحات تتقرب من الغرب بلغة “تقديم التنازلات” ونهج الاعتدال الذي يحبذه.
نصائح للمعارضة”.
المعارضة السورية “المنظمة سياسيا” كما أنها مطالبة بالصلابة في الموقف من النظام حتى إسقاطه وقيام الديمقراطية، فإنها أيضا مطالبة بالتحرر من سطحية خطابها الخارجي ومحاولة كسب الدعم وفق منهج تقديم التنازلات في القضايا المصيرية”.
وأكدت الدراسة أن الثورة السورية تخوض معركة حياة أو موت لإسقاط الاستبداد، وأن طول المعركة واستشراس النظام في الدفاع عن وجوده سمح بتداخل عوامل دولية وإقليمية إستراتيجية فرضها وزن سوريا، مما فسح المجال لمناقشة هذه القضايا القومية المركزية.
ونبهت إلى أن المعارضة السورية “المنظمة سياسيا” كما أنها مطالبة بالصلابة في الموقف من النظام حتى إسقاطه وقيام الديمقراطية، فإنها أيضا مطالبة بالتحرر من سطحية خطابها الخارجي ومحاولة كسب الدعم وفق منهج تقديم التنازلات في القضايا المصيرية، لأن ذلك لم يكن سببًا لانطلاق الثورة الشعبية ولا سبب إصرارها على تحقق هدف إسقاط النظام.
ودعت الورقة المعارضة السورية إلى التركيز في نضالها على مواجهة الاستبداد وتحقيق التغيير الديمقراطي، وهي عناصر كفيلة لوحدها بضمان تعاطف الرأي العام العربي وأيضًا الرأي العام في الدول الديمقراطية، وحذّرت من أن محاولة كسب الدعم بتقديم التنازلات في القضايا المصيرية، قد يكرس ثقافة شعبية سلبية ضد هذه القضايا على نحو لا يتلاءم مع دور سوريا التاريخي ووزنها الإستراتيجي وأهمية موقعها، بغض النّظر عن النظام السياسي الحاكم.