اعتبر مهتمون بالشأن الإعلامي المغربي أن معاناة جريدة التجديد التي توقفت عن الصدور لا تختلف كثيرا عما تعيشه المؤسسات الصحفية من هشاشة مالية، في وقت رأى آخرون أن إغلاق
الجريدة يمثل بداية نهاية الصحافة المكتوبة في المغرب.
يأتي هذا بينما شبّه رئيس تحرير جريدة التجديد الأخيرة بالشهيد الذي اغتالته رصاصة التحكم الاقتصادي من خلال استغناء معلنين كبار عن خدماتها بشكل مفاجئ.
وقررت مؤسسة التجديد توقيف إصدار جريدتها وموقعها الإلكتروني “لأسباب اقتصادية قاهرة بعد أزمة مالية خانقة استمرت لسنوات لم تفلح معها محاولات الإنقاذ المتتالية”.
وجاء في بلاغ للمؤسسة أن معلنين كبارا أوقفوا -لأسباب غير مفهومة- عقود الإعلانات التي كانت تجمعهم بالمؤسسة، معبرّة عن تطلعها إلى إعلام وطني “تغيب عنه أساليب التضييق الاقتصادي الذي أصبحت تعانيه بعض المؤسسات الصحفية الجادة، ويرهن حرية الصحفيين ومصداقيتهم”.
أزمة خانقة
وفي تصريح قال رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية عبد الله البقالي إن إغلاق التجديد عنوان بارز على أزمة خانقة تتهدّد مختلف الصحف المغربية، وأضاف أن توقفها إعلان صريح لبداية نهاية الصحافة المكتوبة في المغرب إذا لم يتم الانتباه إلى هذه الأزمة.
وعبر البقالي عن قناعته بأن المؤسسات الصحفية بالمغرب تعيش في العموم وضعية حرجة وهشاشة مالية كبيرة بسبب تراجع نسبة القراءة، وما يعنيه ذلك من تداعيات على المبيعات التي تسجل نسبة تراجع سنوية تتراوح بين 15 و25%، فضلا عن تراجع مداخيل الإعلانات.
وحول ما إذا كان توقف بعض الجرائد عن الصدور بسبب عدم انسجام خطها التحريري مع رغبات الجهات المعلنة، أكد البقالي أن هذه قاعدة عامة تعرفها معظم الصحف.
وقال “لا يمكن أن ننكر أن للمعلنين دورا في الخط التحريري لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة”.
ومن وجهة نظر رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير محمد العوني فإن فاعلين اقتصاديين بالمغرب “يمكن لهم أن يُحيوا أو يُميتوا جرائد بعينها خارج معيار المردودية الاقتصادية التي من المفروض أن توجه الإعلان”.
وقال العوني للجزيرة نت إن الإعلان التجاري تحول بالمغرب إلى أداة لخنق حرية الإعلام واستقلالية الصحفيين، وخنق حرية التعبير بصفة عامة.
حصار
من جانب آخر، أورد عبد الله البقالي أسبابا مباشرة تساهم بشكل متواصل في تراجع مداخيل الصحف المغربية من الإعلانات، ومنها ظاهرة اللوحات الإعلانية التي تغزو الشوارع العامة، حيث وجد فيها المعلنون بديلا عن الصحافة المكتوبة.
وإلى جانب اللوحات الإعلانية المنصوبة في مواقع هامة بمختلف المدن، يضيف البقالي سببا آخر يساهم بشكل لافت في تراجع مداخيل الصحف، ويتعلق الأمر بأحد أشهر المواقع في العالم (غوغل ) الذي يتكلف بالقيام بالإعلان عبر كل المواقع الإلكترونية بتكاليف يسيرة مع استهداف دقيق للفئة التي يعنيها هذا الإعلان.
ويقول البقالي” سجلنا في السنة الماضية استحواذ هذا الموقع على حوالي 17% من مداخيل الصحافة الوطنية المكتوبة الخاصة بالإشهار”.
وتعليقا على قرار إغلاق التجديد قال رئيس تحريرها حسن بويخف إن هذا المنبر عاش حالة حصار كبير حرمه حصته من مشتريات الجرائد من قبل الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، كما حرمه من موارد الإعلانات التجارية.
وأضاف “تعد من ضحايا التحكم في توجيه موارده، وخاصة إعلانات مؤسسات عمومية وشبه عمومية، وإعلانات معلنين كبار”.
واعتبر بويخف ضمن مقاله الأسبوعي أن جريدة التجديد شهيد آخر في ساحة الإعلام المغربية اغتالته رصاصة التحكم الاقتصادي “وكل أملنا أن ينتهي عهد قتل الصحافة برصاص الإعلان الموجه”.
الجزيرة