من المألوف جدا في أيامنا هذه انتقاد الكرملين لعدم الكفاءة، فالقرارات المثيرة للجدل إلى جانب مجموعة من المؤسسات الوطنية الرئيسية التي تنتمي لمثل هذا الخط المثير للجدل أعطت
مثل هذا الانطباع، ولكن أحيانا يتسرع البعض عندما يتهمون روسيا بأنها “خدعت” من قبل تركيا. المثير للاهتمام أن مثل هذه الانتقادات التي توجه علنا إلى روسيا لم توجه ضد إيران على الرغم من أن طهران قد عادت إلى أنقرة خلال وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة الموالية للولايات المتحدة ضد أردوغان، ولكن المعايير المزدوجة هي القاعدة عندما ينخرط الناس في مساجلات، لقد أشعلت القضية الانتقادات ضد روسيا أكثر بكثير وخاصة من المعلقين المنتمين للمحور متعدد القطبية الذين ينتقدون محورهم.
هذا هو الحال بالضبط مع الأخبار الواردة بأن القوات التركية عبرت الحدود إلى سوريا، وكانت ردود الأفعال الأكثر شيوعا بأنه يتم التلاعب بالرئيس بوتين من قبل أردوغان كجزء من السياسية الميكافيلية واسعة النطاق الذي تميز الرئيس التركي ، على الرغم من أن مثل هذه التهمة يمكن أن توجه بطبيعة الحال ضد آية الله في إيران. على أية حال فإن الرواية السائدة بين مؤيدي المحور متعدد القطبية تظهر الحزن واليأس من قبل رواد الفيس بوك حول التصرف الغبي لروسيا بثقتها بتركيا والعمل على مساعدتها بالتقارب مع المحور الأوراسي. كما قد تكون اتهامات الناس لروسيا نوعا من الموضة الشعبية والحداثية كمن يروح عن نفسه أو يتحدث جهارا عن إحباطه بين فترة وأخرى كحالة من التعويض النفسي وبالتالي هم يريدون رؤية التدخل التركي كمؤامرة أحادية القطبية وليست تنسيقا مع المحور متعدد القطبية.
لشرح ذلك ، وحتى لحظة كتابة هذا التقرير (11:30 MSK)، لم تصدر موسكو ولا طهران ولا حتى دمشق أي بيان يدين التدخل العسكري التركي، موقع وكالة الأنباء الرسمية العربية السورية (سانا) بقي صامتا بشكل ملحوظ حول هذا التطور. هذا سيعتبر غريبا جدا إذا قبلنا الافتراض بأن التحركات التركية تشكل “غزوا” ضد سوريا، في حين يخترع منتقدو الكرملين كل أنواع التفسيرات حول صمت موسكو ، فإن أشخاصا أقل يبررون سبب صمت طهران ودمشق. صحيح أن تركيا تنسق جزءا من عملها بمساعدة الدعم الجوي الأمريكي، لكن هناك رواية حول ذلك تحتاج إلى مزيد من التفصيل.
توقفت الاشتباكات الأخيرة بين الجيش العربي السوري (SAA) ووحدات حماية الشعب الكردية YPG في الوقت الحاضر في الحسكة نتيجة وساطة روسية، ولكن حتى عندما كانت المعارك مستمرة اتفق كثير من المراقبين أن ذلك ليس في مصلحة الجانبين السوري والكردي وليس في مصلحة الولايات المتحدة أيضا، لأن ذلك من شأنه أن يعرقل بشكل كبير جهود التسوية ما بعد الصراع وخاصة في الحفاظ على سيادة الجمهورية العربية السورية الإقليمية وبقائها موحدة. ومع ذلك لا يوجد مثل هذه الحساسيات الدبلوماسية عندما يتعلق الأمر بقدرة تركيا على القيام بذلك، لأنه من المعروف عالميا بأن أنقرة تعارض بشراسة إنشاء دويلة كردية “فديرالية” على طول حدودها الجنوبية. كذلك فإن معظم الناس يدركون أن الولايات المتحدة تحاول يائسة كسب ود تركيا ومنع انسحابها من حظيرة القطب الواحد، ولهذا حرص الأمريكي على مساعدة شريكه في الشرق الأوسط علنا في أحدث عملياته.
لجعل الأمر أكثر بساطة فروسيا والجيش السوري – لأسباب سياسية واستراتيجية طويلة الأجل – لا يريدان مهاجمة وحدات حماية الشعب الكردية YPG ومنعها من احتلال شمال سوريا، في حين أن تركيا ليس لديها مثل هذه التحفظات للقيام بذلك، و هي حريصة أكثر على القيام “برفع الأحمال الثقيلة عنها وخاصة إذا كان سلاح الجو الأميركي يقوم بمساعدتها ويستهدف الإرهابيين على أرض الواقع خلال هذه الفترة. القصد الأمريكي في كل هذا هو لإثبات أن الولايات المتحدة “حليف مخلص” لتركيا، ولإنجاح محاولة المصالحة التي تحاول واشنطن القيام بها مع أنقرة، وفي هذه الحالة، فإنه يجري استغلال “الأحمق المفيد جدا ” في مساعدة المحور متعدد القطبية في سعيه لتدمير ‘إسرائيل الجيوسياسية” الثانية في “كردستان”. وبعد كل هذا فلا يزال الرافضون يشيرون إلى حقيقة أن تركيا لا يمكن الوثوق بها، وأن وجود قوات أجنبية أو ترتيب أي هجمات عسكرية على الأراضي السورية من دون إذن دمشق يشكل انتهاكا لسيادتها و خرقا للقانون الدولي، وهذا صحيح بالتأكيد إذا كان الرئيس الأسد لم ينسق كل شيء حول هذا مع نظيره التركي.
ومع ذلك فإن الأمر قد يكون “غير مريح” لأكثر المتحمسين (عادة من الأجانب) من أنصار سوريا بالاعتراف بذلك، لقد انخرطت دمشق وأنقرة في محادثات سرية منذ شهور في العاصمة الجزائرية الجزائر، كما أكد ذلك مرارا وتكرارا العديد من المصادر الإعلامية في وقت مضى منذ ربيع هذا العام. وعلاوة على ذلك، فقد أرسلت تركيا نائب قائد الاستخبارات مرات لدمشق قبل أيام للقاء نظرائه السوريين، ولذلك فإن هذا قد يفسر السبب بعدم إدانة روسيا وإيران للتوغل التركي في سوريا، ويفسر أيضا صمت المسؤولين السوريين وعدم احتجاجهم بصوت عال ضد ذلك. أكثر وأكثر، فالأدلة تشير إلى أن العملية هي جزء من التحرك الكبير الذي تم تنسيقه مسبقا مع سوريا وروسيا وإيران. ومع ذلك، لأسباب سياسية داخلية في كل من سوريا وتركيا، فمن المتوقع الإقرار في المقابل بوجود تنسيق ما بين الطرفين، لكنه من المرجح أيضا أن يتم الحديث عن عنتريات متبادلة بين أنقرة ودمشق.
ما هو أهم، ألا نستمع كثيرا إلى تركيا وسوريا، ولكن علينا مشاهدة ومراقبة ما تقوله وتفعله روسيا وإيران، لأن هذين البلدين هما الأكثر قدرة على الدفاع عن سوريا في أي عدوان ضد أراضيها وهم يقفون بحزم معها لسنوات ، وإن كان منظورهما مختلفا ولكنه يتميز بتضافر الجهود وتكاملها (العملية الجوية الروسية لمكافحة الإرهاب والقوات الخاصة الإيرانية على ارض واحدة). هذه ليست مساهمة تقدم شرحا مقبولا بأي حال من الأحوال بالنسبة للولايات المتحدة التي لديها حملة غير شرعية مقابل هذه الحملة المنسقة من قبل المحور متعدد القطبية، ولكن للتوثيق الدقيق فإن الدخول في هذا المشروع التركي نتيجة ذكاء أردوغان هو شرط مسبق لتطبيع العلاقات بين الجانبين.
روسيا تفتقر إلى الإرادة السياسية من أجل تطهير الإرهابيين الوهابيين والانفصاليين الأكراد بنفسها من شمال سوريا، وهذه حقيقة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند التحليل والتنبؤ بالأحداث بغض النظر عن دعم أو إدانة أمر كهذا، لكن هذا الوضع الحقيقي يعتبر عاملا رئيسيا وكبير التأثير على الوضع السوري، لذلك من المعقول ألا تعترض سوريا وروسيا وإيران جهارا على تركيا من أجل خداع الولايات المتحدة ودفعها إلى القيام بذلك بدلا من السعي وراء مصلحتها الذاتية. المتغير الرئيسي الذي يجب أن يذكر في هذه المرحلة هو أن إدانة روسيا وإيران للعملية الجارية في تركيا من شأنه أن يبرهن على أن خطأ ما يحدث في خطتهم المنسقة والمتعددة الأطراف، أو أن تركيا كانت مجرد حصان طروادة يطعن بالظهر ويوالي أميركا كل هذا الوقت وأن الشكوك المحيطة حول جهود موسكو وطهران والمخصصة بإقناع أنقرة بالانضمام إلى محور متعدد القطبية قد ذهبت أدراج الرياح.
في الختام، يود الكاتب أن يحيل القارئ إلى مقالته منذ أكثر من شهر حول “الحرب الإقليمية التي تلوح باسم” كردستان تعبر الفرات”، حيث كان من المتوقع أن روسيا سوف تجمع التحالف متعدد القطبية لدحر محاولات الولايات المتحدة ” لنحت ‘إسرائيل الجيوسياسية” الثانية في “كردستان” شمال سوريا، ومع ذلك “يمكن الافتراض بشكل معقول أن هناك يدا روسية غير مرئية تنسق بلطف الأنشطة الإقليمية لوقف هذا. مع عبور تركيا إلى سوريا لاستباق وحدات حماية الشعب الكردية YPG ومنعها من توحيد كل أراضيها في شمال سوريا فهي تمنع المشروع الجيوسياسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذا وضعنا في اعتبارنا دبلوماسية سريعة الخطى بين روسيا وإيران وتركيا خلال أشهر طويلة من المفاوضات السرية الجارية بين أنقرة ودمشق، فجميع الأدلة تشير أن هذا التطور الأخير في الحرب على سوريا يشكل احتمالا أقل لمؤامرة أحادية القطب واحتمالا أكبر لخطة منسقة للمحور متعدد القطبية لوضع حد لهذا الصراع ومحاولة لاستباق تقسيم سوريا.
(هذا التحليل لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع) .