يقول هينريك كريستينسن رئيس معهد علوم الروبوتات السياقية في جامعة كاليفورنيا بسان دييغو “أتوقع ألا يحتاج الأطفال الذين يولدون اليوم إلى قيادة سيارة أبدا، فالسيارات بلا سائق
ستسود خلال 10 إلى 15 عاما، وتؤكد شركات السيارات-دايملر، وجنرال موتورز، وفورد أنه في خمس سنوات سوف يكون لديها سيارات بلا سائق على الطرقات”.
يتسارع العمل لتطوير السيارات ذاتية القيادة بشكل كبير، وتشارك فيه أكثر من 35 شركة سيارات وتكنولوجيا، من بينها شركة آبل وغوغل وإنتل وأودي وبي إم دبليو وتسلا وأوبر وفورد وفولكس واغن ونيسان وشركة تصنيع الحافلات الصينية.
وصرحت شركتا فورد وبي إم دبليو بأن سياراتها ذاتية القيادة ستكون جاهزة بحلول عام 2021. كما أعلنت شركة نيسان عن خططها لإطلاق سيارة “نيسان ليف” الكهربائية ذاتية القيادة في الأسواق بحلول عام 2020، في حين أعلنت غوغل أنها أجرت عمليات تطوير كبيرة لسياراتها ذاتية القيادة. أما شركة صناعة الرقائق الإلكترونية إنتل فقد استحوذت حديثا على شركة “موبيل آي” الإسرائيلية المتخصصة في تكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة مقابل 15.3 مليار دولار.
وتمتاز السيارات ذاتية القيادة بأن معظمها كهربائية أي صديقة للبيئة، لكن الأهم من ذلك للشركات العالمية هو الكمية الهائلة من البيانات التي ستجمعها السيارة الواحدة أثناء سيرها من خلال الكاميرات وأجهزة الاستشعار المزودة بها، التي يتوقع أن تفوق قيمتها قيمة السيارة نفسها.
بل ويعتقد جيم بارباراسو المسؤول عن أنظمة التقل الذكية في شركة إتش تي إن بي (HTNB) الأميركية المتخصصة في إنشاءات الطرق، أنها ستشعل حمى جديدة تشبه حمى البحث عن الذهب التي شهدها القرن التاسع عشر، ولكنها ستدور هذه المرة حول البيانات التي بدأت تصبح بمنزلة عملة المجتمع الرقمي.
بدأ تجريب السيارات الآلية بلا سائق عام 2012 عندما أصدرت ولاية نيفادا أول رخصة لسيارة ذاتية القيادة في مايو/أيار 2012. وتلاحقت عمليات تجريب السيارات ذاتية القيادة في عدة ولايات أميركية، ثم سمحت بلدان أخرى بتجربتها كبريطانيا وسنغافورة. ويتوقع أن تجوب هذه السيارات الشوارع في المستقبل القريب، وبشكل متزايد عاما بعد عام.
والموضوع يشمل جميع أنواع السيارات الصغيرة والكبيرة والشاحنات أيضا. فشركة ماكينزي للاستشارات تتوقع أنه في غضون ثماني سنوات فقط فإن ثلث الشاحنات في الولايات المتحدة سوف تقود نفسها، مع العلم أن عدد الشاحنات في الولايات المتحدة يتجاوز ثلاثة ملايين.
ورغم أن التجارب الحالية لا تزال تتطلب وجود سائق مرافق، يتوقع أن تبدأ قريبا تجارب تمضي فيها السيارة وحدها، أي بلا سائق احتياطي داخلها.
يبلغ عدد العاملين بوظيفة سائق في الولايات المتحدة الأميركية نحو خمسة ملايين شخص، أي ما يقارب 3% من إجمالي الوظائف. ويتوقع الخبراء أن تختفي هذه الوظائف تدريجيا في العقدين القادمين.
لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فتوماس فراي المدير التنفيذي لمعهد دافنشي الأميركي وأحد أشهر المتحدثين عن المستقبل يتوقع أن يؤدي انتشار السيارات ذاتية القيادة إلى اختفاء 128 نوعا من الوظائف الأخرى المرتبطة بها، مثل وظائف شركات التدريب على القيادة، والدوائر التي تصدر شهادات السياقة، والدوائر المسؤولة عن المخالفات، وغيرها الكثير.
ويتوقع أيضا أن نشاهد بدءا من عام 2030 طرقا سريعة مخصصة فقط للمركبات ذاتية القيادة، أي لا يسمح باستخدامها إلا من قبل المركبات التي لديها الإمكانية للتحول إلى وضعية القيادة بدون سائق.
ماذا عن الدول العربية؟
ربما تبدو السطور السابقة ترفا لغالبية مواطني البلدان العربية، إذ كيف يمكن لسيارات ذاتية القيادة أن تسير مثلا في مدينة كالقاهرة، تمتلئ شوارعها بالحفر وتسير فيها سيارات قديمة الطراز تكاد تلامس بعضها بعضا في زحمة خانقة؟
يبدو هذا التساؤل للوهلة الأولى مشروعا، لكن إذا انطلقنا من الواقع الفعلي للبلدان العربية نجد أنه لم يعد بإمكاننا وضعها جميعا في سلة واحدة من حيث جودة الطرق وحداثة وسائل النقل واستخدام التكنولوجيا الرقمية، فالاختلافات بينها باتت كبيرة جدا.
فوفقا لتقرير التنافسية العالمية 2016-2017 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، احتلت دولة الإمارات المرتبة الأولى عالميا في جودة الطرق، بينما جاءت لبنان في المرتبة 124 من أصل 138 دولة شملها التقرير.
وتزداد الفجوة الرقمية بين البلدان العربية اتساعا عاما بعد عام، فوفق أحدث بيانات أصدرها الاتحاد الدولي للاتصالات حول معدلات انتشار استخدام الإنترنت عالميا التي غطت 205 دول، احتلت البحرين وقطر ودولة الإمارات المراتب 10 و14 و17 على التوالي، بينما احتلت اليمن وليبيا والعراق المراتب 144 و161 و169 على التوالي.
وفي حين أنشأت دولة الإمارات أول مجلس للثورة الصناعية الرابعة على مستوى العالم، تمضي بعض الدول العربية قدما في تدمير بلدانها. ولدى بعض البلدان العربية خطط طموحة لتبني المركبات ذاتية القبادة، فقد أعلنت دبي عن خططها الرامية إلى تحويل 25% من رحلات التنقل فيها إلى ذاتية القيادة بحلول عام 2030.
وهذا لايعني الانتظار 13 عاما كي نرى السيارات ذاتية القيادة تجوب شوارع دبي، لأن هذا ربما يبدأ تدريجيا خلال عامين أو ثلاثة أعوام. وتبدي بلدان خليجية أخرى كالمملكة العربية السعودية وقطر اهتماما ملحوظا بالمركبات ذاتية القيادة وتخطط لاستخدامها مستقبلا.
يبلغ عدد العاملين بوظيفة سائق في السعودية نحو مليون سائق للعائلات فقط، وإذا أضفنا إليهم العاملين بهذه المهنة لدى شركات الأعمال وشركات النقل زادت نسبتهم على 10% من إجمالي الوظائف المقدر بنحو 11 مليون وظيفة في المملكة، ويعود ارتفاع هذه النسبة جزئيا إلى منع المرأة من قيادة السيارة، واستخدام عدد كبير من العائلات لسائق، ولكن حتى لو رفع هذا المنع، وهو أمر قد يحدث قريبا، فسوف يستغرق تغيير هذه النسبة وقتا طويلا، إلا في حال انتشار السيارات ذاتية القيادة.
أما على صعيد إجمالي بلدان مجلس التعاون الخليجي فيقدر عدد العاملين بوظيفة سائق بنحو 1.6 مليون، أي ما يعادل 6.4% من إجمالي الوظائف المقدر بنحو 25 مليون وظيفة. وإذا انتقلنا إلى إجمالي البلدان العربية التي يقدر فيها عدد الوظائف بنحو 120 مليون وظيفة تقريبا فيمكننا تقدير عدد العاملين بوظيفة سائق بنحو خمسة ملايين وظيفة (في مصر وحدها يوجد ما يقارب المليون سائق يتبعون نقابة النقل البرى).
تشير تصريحات المسؤولين والمؤشرات المتوفرة حاليا إلى أن بلدان مجلس التعاون الخليجي ستمضي قدما في تبني المركبات ذاتية القيادة، وسيؤدي ذلك تدريجيا إلى اختفاء العديد من الوظائف وبروز وظائف جديدة، وسيؤثر ذلك على ديموغرافية هذه البلدان وسوق العمل في الوقت نفسه. ويجب أن يؤخذ ذلك في الخطط المستقبلية لهذه البلدان.
أما البلدان العربية الأخرى، خاصة تلك التي تسهم فيها السياحة بحصة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي، فعليها أن تبذل جهودا كبيرة لتحسين البنية الأساسية للمواصلات، وإلا فقد تتحول إلى متحف حي لتاريخ النقل الإنساني.
الجزيرة