بين الحصر والعطاء تراوحت العلاقة بين الإمارات وقطاع غزة، البداية كانت بعطاءٍ سخيّ في عهد الشيخ «زايد آل نهيان»، تمثل بدعم المشاريع الخيرية في كل مكان ولكافة الفئات المجتمعية دونما تمييز لأحدٍ على الآخر، وفقًا
للون الحزبي أو الانتماء التنظيمي، وما لبثت أن انهارت تلك العلاقة برحيل الرجل، بل وازدادت سوءًا بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية في عام 2006، التي أفرزت نجاح حركة المقاومة الإسلامية «حماس» نجاحًا ساحقًا.
وقتها عبّرت الإمارات عن خشيتها من الحركة التي نعتتها بـ«الإرهاب» وراحت تُطارد كل من له علاقة بها من قريب أو بعيد، فاتُهمت بتسهيل عمليات تصفية قيادات الحركة المُقيمين في الخارج كـ «محمود المبحوح» الذي اُغتيل في أحد فنادق دُبي، وبحسب نجله «عبد الرءوف» الذي يُقيم في تركيا فإن شرطة الإمارات تسترت على اثنين من رجال السلطة الفلسطينية قدّما دعمًا لوجستيًا لفريق الاغتيال بتعريفهما على الهدف «والده» ولم تقم بتقديمهما للمحاكمة.
كان ذلك كفيلًا بأن يزيد توتر العلاقات بين الإمارات وحماس، لكن الأولى عادت لتفرش بساط الصلح عبر «ذراعها الأمنية» محمد دحلان، مستثمرةً بذلك حالة الإقليم وما وصلت إليه «حماس» في قطاع غزة من أوضاع مزرية في ظل عقوبات الرئيس «محمود عباس» المتوالية لها بدءًا من رفض المُصالحة إلا وفق هواه وشروطه التي تُنهي أي وجود للحركة التي فازت بالأغلبية في انتخابات 2006.
ألقت الإمارات بـ«محمد دحلان» طُعمًا للحركة فبدا لها أنّه الخلاص لها وللشعب الفلسطيني في القطاع الذي يُعاني ويلات الحصار الإسرائيلي والتخبط العربي والتشرذم الوطني، ولتحقيق ذلك استخدمت مصر التي سهلت لرجلها العمل في أراضيها والتنقل بين أرجائها بعقد مؤتمرات واجتماعات سرية مع الحركة، أفضت أخيرًا إلى اتفاق رسمي بالسماح للمال الإماراتي أن يحل أزمات القطاع الإنسانية، سواء المتعلقة بالكهرباء أو المصالحة الاجتماعية، أو فتح المعبر وإقامة مشاريع لتشغيل الشباب الذين ضاعت أحلامهم بالمستقبل خلال سنوات الانقسام العشر الماضية.
ولم تجد الإمارات أفضل من الأزمة الخليجية وحصار قطر لتقوم بدورها المُساند لـ«حماس» في غزة وتُجبرها بشكلٍ خفيّ على لفظ الصديقة «قطر» والالتجاء إليها، وهو ما حدث فعلًا، فظهرت مؤخرًا بثوب البديل عن الدور القطري، حتى قيل إنها ستُشكل لجنة لإدارة أعمالها في قطاع غزة، التي بدأت تُمولها في أعقاب الاتفاق الأخير بين حماس ورجلها الأمني «محمد دحلان» برعاية مصرية.
الإمارات ودحلان الخيار الوحيد لـحماس
حالة النفوذ التي شكلها «محمد دحلان» جعلت «حماس» تبدو مُكرهّة على التفاوض معه حول شراكة سياسية في غزة لتخليصها من وهن السنوات العشر من الحصار والانقسام، بالإضافة إلى نزع صفة الإرهاب عنها التي وصمتها بها دول الخليج مؤخرًا، فالرجل وفق خبراء ومحللين تتم إعادة إنتاجه من مصر والإمارات كبديل قيادي لحركتي فتح وحماس في القطاع، في وقت بدا واضحًا تخلي دول الإقليم عن محمود عبّاس الذي يخوض معه صراعًا حامي الوطيس على السلطة بعد انشقاقه وقيادته للتيار الإصلاحي.
وهو ما دللت عليه دراسة لـ «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» بعنوان: «قطاع غزة .. هل ثمة فرصة للتغيير؟»، حيث أشار مُعد الدراسة البروفسور «كوبي ميخال» إلى أن الأزمات التي نتجت عن حصار قطاع غزة لعشر سنوات متتالية بالإضافة إلى الإجراءات العقابية التي التزم الرئيس الفلسطيني «محمود عبّاس» بتنفيذها تواليًا منذ مارس/آذار 2017 الماضي وحتى الآن، ناهيك عن رغبة مصر ودول الخليج وبخاصة الإمارات في منح دحلان الفرصة للعودة إلى قطاع غزة وتحسين قدرته على التنافس على خلافة عبّاس، جميعها كانت سببًا في تعزيز المصالح بين تلك الأطراف وإسرائيل.
ونبّه إلى ضرورة استثمار المال السياسي والاقتصادي الإماراتي لإزاحة التأثير القطري من قطاع غزة وذلك عبر مشاريع إعادة الإعمار بالإضافة إلى مشاريع أخرى في مجال الطاقة وتحلية المياه وإنشاء مناطق صناعية من شأنها أن تُوجد فرص عمل وتُخفض من نسب البطالة بين الشباب، مع التأكيد على ممارسة الضغوط على «حماس» بوقف تعزيز قدرتها العسكرية، خاصةً في ظل مطالبة دول الحصار الخليجي حماس بإنهاء علاقاتها مع قطر.
تعاظم الدور الإماراتي
ولعل المُتابع لما يدور في الأروقة السياسية على الساحة الفلسطينية، يُجزم بتعاظم الدور الإماراتي في قطاع غزة تحديدًا وفقًا للتفاهمات الأخيرة، فمنذ أن خرجت للنور بدأت المساعدات الإغاثية تهطل على الفلسطينيين هناك بشكلٍ منتظم سواء على شكل مشاريع تنموية من شأنها أن تُحسن واقع التشغيل للشباب وتُقلل من نسب البطالة المتفاقمة منذ بدأ الحصار والانقسام أو على شكل مساعدات إغاثية للطبقات الهشة والفقيرة كالعمال وأسر الشهداء والجرحى بما يُحقق مصلحتها بالالتفاف الجماهيري حولها بدلًا من «قطر».
وقد أشار عددٌ من العمال في قطاع غزة في سياق أحاديث منفصلة مع «إضاءات» إلى أنهم تلقوا مساعدات مالية بقيمة 200 شيكل أي ما يُعادل 56 دولارًا (الدولار = 3.57 شيكل) من اللجنّة الوطنية الإسلامية للتنمية والتكافل الاجتماعي «تكافل» وقال هؤلاء: «إن الأموال ضئيلة مقارنة باحتياجاتهم» مُطالبين بمزيد من المشاريع التنموية التي تُحقق لهم مصدر رزق ثابتا بدلًا من الارتهان للمساعدات الإغاثية من هنا وهناك.
وبحسب بيان صادر عن اللجنّة، فإن قرابة 24 ألف غزي من طبقة العمال والأسر الفقيرة والمهمشة حصلوا على منحة الـ 200 شيكل خلال الأيام القليلة الماضية، سبقهم 33 ألفا آخرون كانوا قد حصلوا على المنحة قبل شهرين، أي في أوائل توقيع اتفاق التفاهمات «حماس-دحلان»، وبذلك تكون حصيلة ما وزعته الإمارات على مدار الأشهر الماضية لفئة العمال والفقراء في غزة والبالغ إجمالي عددهم 57 ألف مستفيد حوالي (11.400.000 شيكل) بقيمة 3.200 مليون دولار تقريبًا.
ومع بداية العام الدراسي الجديد 2017-2018، كشف «فريد أبو عاذرة» مسئول التعليم في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» أن دولة الإمارات العربية المتحدة أعلنت عن تقديمها منحا مالية وعينية للطلبة الفلسطينيين في قطاع غزة ممن يُعانون أوضاعًا اقتصادية صعبة ولم يتمكنوا من توفير مستلزمات العام الدراسي، سواء من القرطاسية أو الزي والحقيبة المدرسية، وقال أبو عاذرة إن عدد الحقائب التي سيتم توزيعها وفقًا لمنحة الإمارات حوالي 40464 حقيبة مدرسية بها قرطاسية، وستستفيد منها 38 مدرسة تم تحديدها مسبقًا، وأضاف أن 15 مدرسة أخرى سيتم فيها توزيع زي مدرسي على 1500 طالب، بالإضافة إلى مستلزمات أخرى بقيمة 150 دولارا لكل طالب.
تمثل الوجود الإماراتي المستتبع للاتفاق بين حماس ودحلان في عطاءات نقدية للفئات الهشة والفقيرة بما تزيد قيمته على ثلاثة ملايين دولار، في حين يتم الاتفاق على إنعاش القطاع الصحي وباقي الخدمات المتردية
ويوم الاثنين 28 أغسطس، وفي مؤتمرًا خاصًا للجنة الوطنية الإسلامية للتنمية والتكافل الاجتماعي«تكافل» أُعلن فيه عن منحة إماراتية مصرية لدعم المشاريع الصحية في قطاع غزة في وقتٍ تُعاني فيه من انهيار تام في القطاع الصحي جراء نقص الأدوية والكوادر الطبية بعد قرارات الرئيس عبّاس بإحالة موظفي قطاع الصحة في قطاع غزة للتقاعد المُبكر.
وأخبر «جواد الطيبي» رئيس اللجنة الصحية، أن اللجنة الإمارتية المصرية ستعمد إلى تزويد القطاع بالأدوية بقيمة مليون ونصف المليون دولار شهريًا، لمنع وصول مخزون الأدوية في وزارة الصحة لـ«الصفر». وكشف أن الأولوية في الأدوية الواردة للقطاع الصحي ستكون لمرضى الكلى والسرطان بالإضافة إلى الأدوية الخاصة بالتخدير والمضادات الحيوية وكافة الأدوية والمستلزمات الطبية التي تحتاجها غرف العمليات وبات رصيدها في الآونة الأخيرة صفرًا بسبب إجراءات عبّاس العقابية ضد غزة.
وبالسؤال عن مدى كفاية تلك الواردات الطبية لتحسين القطاع الصحي أجاب «الطيبي» بالنفي، مؤكدًا أن القطاع الصحي في غزة على حافة الانهيار وأن ما تقوم به اللجنة مجرد تخفيف من واقع الأزمة بدايًة وليس حلًا جذريًا لها، نظرًا لتعاظم احتياجات القطاع. كاشفًا عن محاولة تحسين الخبرات الطبية وتطويرها عبر استقدام أكثر من 70 طبيبًا مصريًا لتغطية التخصصات التي تحتاجها وزارة الصحة، بالإضافة إلى شراء أجهزة طبية بقيمة 2.9 مليون دولار أمريكي، جميعها مُقدمة من دولة الإمارات، وقال: «إن هذه الخطوة من شأنها تقليل عدد التحويلات الطبية إلى الخارج».
وبحسب «الطيبي» فقد رصدت اللجنة ما قيمته 600 ألف دولار من أجل شراء أدوية ومستلزمات طبية للقسطرة القلبية، بالإضافة إلى 800 ألف دولار أخرى لتأمين جميع الأدوية التي بلغ رصيدها في مخازن وزارة الصحة (صفرًا).
تراجع الدور القطري
وفي المقابل تُشير الوقائع على الأرض إلى تراجع الدور القطري نسبيًا في قطاع غزة بعد التفاهمات التي اُبرمت بين حماس ودحلان قبل أشهر، وبحسب مختصين ومُقربين من الأعمال الخيرية والمشاريع الإغاثية التي كانت تدعمها وتنفذها قطر فإن هناك تراجعًا حقيقًا فيها، وقال مصدر لـ«إضاءات» قريب من عمل المؤسسات الخيرية في القطاع: «إن خفض البرامج والمشاريع الإنسانية والتنموية التي تُمولها قطر في قطاع غزة سيؤثر سلبًا على الفئات المهمشة والضعيفة التي تستفيد منها»، وشدد على أن أي تراجع عائد إلى الضغوط الدولية التي تُمارس ضد قطر في ظل أزمتها الأخيرة مع دول الخليج يهدف إلى إحلال الإمارات محلها في القطاع، خاصةً في ظل التفاهمات التي أبرمتها حماس مع رجل الإمارات وذراعها الأمنية «محمد دحلان».
لا يغيب عن أي متابع للساحة الغزّية العطب الذي الذي أصاب المشروعات المدعومة من جانب قطر في ظل حصارها الحالي، غير أن حماس تؤكد على بقاء صلاتها مع الدوحة رغم التفاهمات الجديدة
وبحسب «معين رجب»، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، فإن المشاريع القطرية تُعاني تراجعًا مستمرًا منذ الأيام الأولى للأزمة الخليجية في مايو/آيار الماضي، معبرًا عن خشيته من أن يؤدي التراجع إلى حالة من القطيعة والتوقف النهائي للمشاريع القطرية في قطاع غزة، خاصةً بعد التفاهمات الأخيرة المزمع بدء تنفيذها في سبتمبر/أيلول الحالي والمتوقع أن تُعزز الدور الإماراتي على حساب القطري، ناهيك عن الضغوط الدولية التي تُقاسيها قطر من أمريكا وبعض دول الخليج بدعم الإرهاب مما سيدفعها –حسب تقديره- إلى التقليل من حجم المشاريع التي تُمولها في القطاع أو الاكتفاء باستكمال المشاريع المرصودة ميزانيتها سابقًا دون العمل على تمويل مشاريع جديدة لحين حل أزمتها ونفي الاتهامات عنها بدعم وتمويل الإرهاب.
لكن السفير القطري «محمد العمادي» في آخر زيارة له لقطاع غزة أكد أن مشاريع اللجنة القطرية في غزة لم تتوقف وأنها تسير بشكلٍ جيد، وأضاف في مؤتمر صحفي له في 23 أغسطس/آب 2017، أن بلده ما زالت تُصر على دعم القضية الفلسطينية بكل مكوناتها، وذلك في إطار شعورها بالمسئولية تجاهها ولما تُشكله القضية الفلسطينية من أهمية استراتيجية في استقرار المنطقة العربية بشكلٍ عام.
وشدد في سياق حديثه على استمرار بلده قطر في دعم المشاريع الإنسانية والإغاثية في القطاع، أملًا في تخفيف واقع الأزمات التي يُعاني منها المواطن الغزي في ظل تنصل السلطة الفلسطينية من واجباتها، بل واتخاذ رئيسها «محمود عباس» عدة إجراءات عقابية بحقهم بدأت بقطع الرواتب لموظفيه العاملين في القطاع بنسب تتراوح بين 30 و50% ولم تنته بسن قانون التقاعد المُبكر لإجبار «حماس» التي تُدير القطاع على التراجع وقبول شروطه للمصالحة بحل اللجنة الإدارية وعدم مشاركتهم في القرار السياسي.
ومنذ العام 2012 تتولى قطر إدارة مشاريعها في قطاع غزة عبر اللجنة القطرية لإعادة الإعمار والتي خُصصت لها منحة بقيمة 407 ملايين دولار مُقدمة من الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، نُفذ خلالها أكثر من 100 مشروع منها مدينة حمد السكنية، بالإضافة إلى إنشاء 8 عمارات سكنية جديدة بتكلفة إجمالية تصل إلى 5.5 مليون دولار.
لن نتخلى عن قطر
وأفرزت حالة التراجع للدور القطري في قطاع غزة عددًا من الأسئلة حول ما إذا كانت حركة حماس بإمكانها التخلي عن قطر والارتماء في حضن الإمارات؛ نظرًا لظروف المحاصرة التي تُعانيها قطر بعد أزمتها الأخيرة، وفي هذا السياق يُجيب «مُصطفى الصواف» الكاتب والمحلل السياسي المُقرب من حماس في قطاع غزة بأن حركته لن تتخلى عن علاقاتها الوثيقة بقطر لصالح الإمارات، وقال في اتصال هاتفي: «إن المشاريع التي سيتم تمويلها من الإمارات وتنفيذها في قطاع غزة وفقًا للتفاهمات الأخيرة لن تكون بديلًا للمشاريع القطرية وإنما ستُمكن الإمارات من إيجاد موطئ قدم لها في غزة».
وشدد أن عدم وجود حالة من الثبات في الموقف المصري والإماراتي من شأنه أن يُعزز فرضية عدم قطع حماس علاقاتها بقطر نهائيًا واستمرارها في تلقي المساعدات منها ولو كانت ضئيلة أو تراجعت نسبتها وفقًا للأزمة الراهنة.
وبدوره «صلاح البردويل» عضو المكتب السياسي لحركة حماس أقر بأن التقارب مع محمد دحلان الذراع الأمنية للإمارات ومحاولة الأخيرة التمويل لعددٍ من المشاريع في قطاع غزة بهدف تحسين ظروف العيش والتقليل من واقع الأزمات الإنسانية والاقتصادية التي أنهكت المواطن هناك، لن تؤثر على علاقة الحركة بقطر ولن تُنهي تأثير مشاريعها الإنسانية التي فاقت المليار دولار. وقال: «إننا مدينون لقطر ولن نُدير لها ظهرنا»، وتابع أن الخلافات العربية لن تؤثر على علاقات الحركة الخارجية بالدول التي دعمتها في أحلك الظروف في إشارةٍ منه إلى قطر وتركيا.
وكشف «البردويل» خلال حديثه عن رزمة من المشاريع التي تعتزم الإمارات تمويلها في غزة بقيمة 15 مليون دولار شهريًا وقال: «ننتظر تنفيذ 17 مشروعًا بدعم إماراتي ومراقبة مصرية لإغاثة سكان القطاع».
ويبدو من خلال حديث «البردويل» أن المخابرات المصرية التي كانت شاهدة على اتفاق «حماس–دحلان» ستتولى عملية الرقابة على كل مبلغ يتم التبرع به من قبل الإمارات لصالح غزة، وذلك في إطار الضمانات العملية لترحيل تلك الأموال للشعب الفلسطيني بعيدًا عن أي جهات سياسية قد تستخدمها في أعمال لا ترغب بها الإمارات كـ«دعم المقاومة وتعزيز قوتها العسكرية».
انتكاسة في اتفاق القاهرة
وعلى الرغم من الوعود الكثيرة وحملة التطمينات للقيادة الفلسطينية بغزة بالسير قدمًا في تحسين الأوضاع الإنسانية إلا أن الزيارة الأخيرة لوفد حماس للقاهرة منتصف أغسطس/آب 2017 أظهرت ما يُخالف تلك الوعود وعاد وفد الحركة بهمٍ كبير، بعد تراجع الشقيقة مصر عن وعدها بفتح المعبر بشكل دائم والاكتفاء فقط بتسهيل الحركة عبره للفلسطينيين في قطاع غزة، عبر فتحه على فتراتٍ متقاربة -وفق ما أخبر به «البردويل»، عضو المكتب السياسي لحركة حماس-، وشدد أن سبب ذلك التراجع يكمن في حالة الفوضى الأمنية في سيناء، حيث تربط المخابرات المصرية بين فتح المعبر للغزيين بشكل كامل وهدوء واستتباب الأمن بشكل تام في سيناء، وقال: «في هذه الحالة لن نضمن فتح المعبر بشكل كامل لأن الأوضاع الأمنية في سيناء غير مستتبة حالها كحال أي دولة في العالم».
وكانت مصر أثناء الاتفاق وعدت «حماس» بفتح المعبر بشكل كامل بمجرد الانتهاء من أعمال الصيانة والترميم في الصالة المصرية المرتقبة في أوائل سبتمبر/أيلول الحالي إلا أن الزيارة الأخيرة أثبتت زيف الوعد وربطه بالأوضاع الأمنية في سيناء، إضافةً إلى تلكؤ المصريين في إنهاء أعمال البناء والتوسعة في صالة المعبر من الناحية المصرية وتجهيزها بما يسمح بنقل البضائع والأفراد معًا، حيث أكد «البردويل» أن بناء وتجهيز الصالة يحتاج لأكثر من شهر وهو ما يجعل إمكانية فتح المعبر في أوائل سبتمبر/أيلول الحالي ضعيفًا جدًا.
هذه الحالة من النقض في الوعد والتلكؤ في إنهاء أعمال الصيانة دعت «فايز أبو شمالة»، كاتب ومُحلل سياسي، يُجزم في تدوينة له على صفحته فيسبوك أن عدم فتح معبر رفح على مصراعيه أمام الغزيين وبشكل دائم سببه أمريكا، التي ضغطت –وفق قوله- على مصر بأن تتراجع عن بعض بنود اتفاقات القاهرة التي جرت بين حماس ودحلان، وقال: «إن أمريكا اعترضت على فتح المعبر دون وجود حرس الرئيس عباس ومصر انصاعت لرغبتها» لافتًا إلى أن أمريكا بهذا الضغط أثبتت أن الرئيس عبَاس هو الأغلى لديها من بين كل الملوك والرؤساء العرب.
ومن جانبه يرى «طلال عوكل» الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، أن عدم إيفاء مصر بوعدها بفتح معبر رفح البري دليل صارخ على انتكاسة التفاهمات التي وُقعت بين حماس ودحلان في القاهرة، وأضاف في مقابلة صحفية أن الوقائع على الأرض تُشير إلى عدم تطبيق الكثير من التفاهمات التي أُبرمت وفقًا لحالة المماطلة المصرية والتي كان سببها الصراعات الداخلية بين الأجنحة المصرية حول التفاهمات، فمنهم من يرفضها ولا يرغب في تنفيذ أي جزء منها ومنهم من يتعاطى معها بحذر.
وفي ظل الإعلان عن عدم فتح معبر رفح بشكل كامل بالتزامن مع عيد الأضحى المبارك الذي وافق الأول من سبتمبر/أيلول الحالي بالإضافة إلى ما تحدث به بعض المسافرين الحجاج من قطاع غزة وكذلك بعض العائدين من سوء في المعاملة على الجانب المصري ومنع بعض المواطنين العالقين من العودة إلى القطاع؛ في ظل ذلك تبدو حزمة التسهيلات الموعودة من مصر ودحلان «مخدرٍ» سرعان ما ينتهي أثيره.
اضاءات