شهدت الساحة السياسية الإيرانية في الآونة الأخيرة توترا حامي الوطيس بين الرئيس المنتخب لولاية ثانية حسن روحاني، وبين المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، شهدت فصولا كثيرة، أعادت للأذهان الخلاف بين مؤسسها الخميني وأول رئيس لها أبو الحسن بني صدر
، والتي انتهت بعزل الأخير من منصبه.
لا يحتاج الخلاف بين روحاني وخامنئي، الكثير من البحث والاستنباط التاريخي، من أجل استحضار حادثة الخميني-بني صدر، فروحاني، بنفسه تطرق في إحدى خطاباته إلى الحادثة، وحذر من تكرارها، ما فسرت من قبل الكثيرين من المحللين بأنها رسالة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي.
إن تناولنا الأزمة بين الرئيس الإيراني ومرشدها الأعلى، بالتحليل على ضوء الخلاف بين الخميني وبني صدر، فإننا نرى النتائج كالتالي: محاكمة روحاني وعزله من منصبه، إلا أنّ هذا النمط من التحليلات ليست علمية.
وفي هذا الصدد يقول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر: “الاختلافات مهمة بقدر التوافقات”، من أجل ذلك إذا أردنا تحليل حدث ما من منظور تاريخي علينا أنّ نتوقف عند الفروقات والاختلافات بين الحالتين”.
لا شك من وجود متشابهات بين حالتي “الخميني-بني صدر”، و”خامنئي-روحاني”، إلا أنّ قائمة الاختلافات تطول، وعلينا الوقوف عندها قبيل طرح أي استنتاج.
عندما عارض بني صدر الخميني، كان يستقوي بـمنظمة “مجاهدي خلق”، التي كانت مسلحة ومستعدة لخوض حرب شوارع، وبالنظر إلى روحاني نرى أنه مازال يدور في فلك سلفه الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، وكان ذلك واضحا في حملته الانتخابية في مايو/أيار الماضي.
كما أن روحاني، يحاول قدر الإمكان الاستفادة من ميراث الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، لكنه لم يستطع إلى الآن بلورة قاعدته الشعبية الانتخابية، فإذا نظرنا إلى داعمي روحاني، نجدهم من الإصلاحيين وناشطي حركة الخضر ومن اليمين المعتدل، والأقليات الدينية، كما تتضمن “الناخبين السلبيين”، الذي يصوتون للإصلاحيين لا حبا لهم بل كرها بالنظام ككل. لذلك نجد في هذه النقطة فرقا واضحا بين روحاني وبني صدر.
وعلى فرض أنّ الأزمة تفاقمت بين المرشد والرئيس، فلن يكون من السهولة بمكان لخامنئي عزل روحاني، مثلما حدث لبني صدر، على يد الخميني، والسبب في ذلك أنّ النظام الإيراني في 1981، كان برلمانيا، وثمة رئيس وزراء جرى تعيينه بضغط من الخميني ومجلس الشورى.
ومن جانب آخر كانت المكانة التي يحظى بها الخميني في عيون الشعب الإيراني عند عزله لبني صدر وإبان الحرب العراقية الإيرانية، مكانة مرموقة جدا. أما المرشد الحالي فيفتقر للكاريزما التي كان الخميني يتمتع بها، إضافة إلى أزمة شرعية يعاني منها، فنجد أنّ أقرب أصدقائه يشون بحقه أمور تحط من قدره.
وعلاوة على ذلك، الخميني كان مقداما وثوريا، وبقي متمسكا طيلة الثورة بمطلبه، المتمثل في “رحيل الشاه”، وبقي على عزيمته بعد انتصار ثورته، ووراء القرارات التي اتخذها، إلا أنّ الخميني، لا نجد فيه هذه القدر الكافي من الثقة بالنفس.
ولعل الاهتزاز في ثقته بنفسه، تبدو جلية في تصريحاته المتضاربة من الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع المجموعة الدولية (5+1)، ومن خلال مواقف يتحدث فيها تارة عن “ليونة البطل” وتارة أخرى حول الأفكار الثورية.
وبالمقارنة بين سجل انتهاكات حقوق الإنسان بين روحاني وبني صدر، نجد أنّ سجل روحاني، ليس ناصعا كما سجل بني صدر، حيث شغل الرئيس الإيراني الحالي مناصب أمنية عدة قبيل فوزه بالرئاسة في 2013.
ولا بد لنا في نهاية هذا السرد، أنّ نقف عند نقطة غاية في الأهمية؛ فالخلاف بين الخميني وبني صدر، كان خلافا بين رجل دين وآخر سياسي، أما الخلاف بين خامنئي وروحاني، فهو خلاف بين رجلي دين، كلاهما يستخدم الخطاب نفسه، ويستقون لغتهم من منبع واحد، ونرى ذلك جليا في كثرة اقتباس روحاني، لخطاباته من كتاب “نهج البلاغة” المنسوب للإمام علي بن أبي طالب، وبالتالي نجد أنّ المرشد والرئيس يتسلحان بالسلاح نفسه ويمتلك كل منهما المقدرة على “تكفير” الآخر.
وبالنظر إلى كل ما سبق، نستطيع القول أنّ الخلاف بين روحاني وخامنئي مازال قائما، إلا أنه لم يصل لنقطة الحرب المعلنة بينهما، وعلى الرغم من التصريحات الحادة لبعضهما، إلا أنّ كلاهما ما زال يضع على الطاولة مبدأ “العطف عند المقدرة”.ة الإيرانية).
وكالات