في يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، قُتل 3017 شخصًا، وأصيب 6291 شخصًا آخرين إصابات خطيرة عندما انهار برجا التجارة العالميان بزجاجهما الأسود إلى الأرض، وانتشرت غيمة مخيفة من الغبار الحار، ومات رجال الإطفاء مع من ماتوا، وبعد سنوات
غطى فيها الرماد أكثر الأسئلة إصرارًا حول التفجير، ألفت «سوزان ليندارو» كتابًا بعنوان «عندما تصبح الحقيقة خيانة»، تكشف فيه أسرارًا عن هجمات 11 سبتمبر2001 في الذكرى الـ16 للتفجير، وأنها من تدبير الاستخبارات الأمريكية والموساد الإسرائيلي، ونعرض خلال السطور التالية عرضًا لأهم ما أورده هذا الكتاب.
رواد برج التجارة العالمي فور وقوع تفجير 11 سبتمبر 2001 يحاولون القفز من النوافذ لتفادي ألسنة اللهب.
كانت سوزان رئيس فريق الاتصال الخاص بمكافحة الإرهاب المكلف بالتواصل مع البعثة الليبية والسفارة العراقية في الأمم المتحدة في وقت انقطعت فيه العلاقات الرسمية بين واشنطن وهاتين الدولتين، إضافة لكونها كاتبة وناشطة معارضة للحرب، فكان عمل سوزان قائمًا على حفاظ المصالح العراقية والأمريكية لحل قضايا الخلاف، وحذرت من عواقب شن حرب على العراق، وقدمت تقارير تحذر من احتمال وقوع هجوم بالطائرات على برج التجارة العالمي بنيويورك منذ بداية عام 2001، وكانت النتيجة أن احتجزتها السلطات الأمريكية خمس سنوات بتهمة العمالة للعراق، ثم شككت وزارة العدل في قواها العقلية، ثم وُضعت في مصحة للأمراض العقلية في قاعدة عسكرية.
اصرخي بأعلى صوتك يا سوزان
أنا ناشطة معارضة للحرب، إنني بريئة، لقد حاربت الإرهاب أكثر من أي إنسان آخر، كل شيء فعلته كان في سبيل الحفاظ على أمن الولايات المتحدة، وسلام الشرق الأوسط. * سوزان ليندارو خلال محاكمتها.
عندما جاء هذا اليوم الذي أُخذت فيه سوزان على حين غرة، تذكرت نصيحة ضابط الاستخبارات بول هوفين « تذكري يا صغيرتي أن تصرخي بأعلى صوتك حين يأتون لقتلك»، لفت نفسها برداء خلال لحظات، ثم ركضت إلى النافذة لترى حشدًا من الرجال الذين يرتدون سترات واقية من الرصاص، ويتجمعون أمام الشرفة الأمامية، في حين وقف عدد أكبر من الشرطة الاتحادية في الساحة، كانوا من مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولديهم مذكرة باعتقالها، تم إبلاغها أنها رهن الاعتقال وفقًا لقانون «الباتريوت»، وأي شيء تقوله سيستخدم ضدها في المحكمة الفيدرالية.
ذكرى 11 سبتمبر
وصلت سوزان إلى مبنى المحكمة الفيدرالية في بالتيمور، أخرجوها من السيارة بطريقة مهينة، ثم سلموها لقاضي التنفيذ، إلى أن يأتي المحامي الذي عينته المحكمة عنها، وفي قفص الحجز قرأت التهم الموجهة إليها وكانت «القيام بدور عميل عراقي غير مرخص، والتآمر مع الاستخبارات العراقية»، وعلمت قبل المحاكمة أنها ستقضي 25 عامًا بالسجن.
كانت سوزان أول ضحايا الحزب الجمهوري، لامتلاكها معلومات مباشرة عن أحداث 11 سبتمبر كان قادة الحزب الجمهوري يعملون جاهدين على إخفائها عن الشعب الأمريكي، وعن تصرفاتهم غير الدستورية التي أقدموا عليها للحفاظ على بقائهم في السلطة، فقد عارضت العدوان العسكري الغربي بالحدة نفسها التي عارضت بها الإرهاب.
أما بالنسبة لصلتها بالاستخبارات، فوضحت أنها حققت نجاحات دون التنصت على المكالمات الهاتفية، أو التعذيب بالماء، أو التفتيش بدون إذن قانوني، ولم يحدث أن شاركت في تسليم أشخاص، أو اختطافهم، ثم نقلهم إلى سجون سرية لإخضاعهم لتحقيقات وحشية، ولم تقم بغواية الجهاديين الصغار لإعداد تفجيرات حتى تتمكن من اعتقالهم لبناء شهرة لنفسها، وألزمت نفسها بالحوار والدبلوماسية.
تعيش سوزان حياة مزدوجة بين كونها وسيطة سرية ضمن حملة مكافحة الإرهاب التي تقودها الاستخبارات الأمريكية، ووكالة استخبارات الدفاع، وحياتها العامة بوصفها ناشطة معارضة للحرب، وكانت أحد ضباط الاتصال الثلاثة المكلفين بالتواصل مع البعثة العراقية في الأمم المتحدة قبل الحرب، ما جعلها تمتلك كمًا كبيرًا من المعلومات الاستخباراتية عن المرحلة السابقة للحرب، خاصة أنها شاركت مباشرة في بعض الأحداث، وكانت واثقة أن الوضع سيتغير سريعًا بمجرد أن يتلقى أحد المسؤولين الكبار مكالمة هاتفية تبلغه أن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي وقعوا في خطأ شنيع، واكتشفت بعد مدة قصيرة أنهم اعتقلوا هم الثلاثة لأنهم (عملاء عراقيون)، حين قرر الكونجرس والبيت الأبيض تلفيق الوثائق الاستخباراتية.
قلل خبراء الإعلام من خطورة سياسة الإدارة الأمريكية في سحق المعارضين في مجتمع الاستخبارات، ولم يجدوا عيبًا في الممارسة المنهجية للكونجرس الذي دأب على تفتيت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وإلقاء اللوم عليها بخصوص المعلومات الاستخباراتية المغلوطة في المرحلة السابقة للحرب، ما حطم معنويات العاملين بالوكالة لسنوات لاحقة.
حوكمت سوزان، وكانت ثاني من يسقط تحت «قانون الباتريوت» وهو القانون الذي وقع عليه الرئيس جورج بوش بعد 45 يومًا من هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، والذي أعطى السلطات صلاحيات واسعة في مراقبة الأشخاص، والتنصت على هواتفهم واتصالاتهم ومراسلاتهم، بما في ذلك شبكة الإنترنت، من دون إذن قضائي. وقد أقر الكونجرس هذا القانون في ثلاثة أيام فقط، واعترف العديد من المشرعين أنهم لم يقرؤوا النص.
وقد تكشفت طوال السنوات الماضية أسرار كثيرة عن سوء استخدام هذا القانون فيما يخص انتهاك الحريات المدنية، وتبين أن وكالات الاستخبارات قد تجاوزت – بذريعة مكافحة الإرهاب – التوجيهات الرئاسية أو الأوامر التنفيذية، والقوانين التي صاغها الكونجرس، وقد انطلقت مؤخرًا دعوات داخل الكونجرس تطالب بتعديل هذا القانون.
«أمريكا غبية جدًا»؟ لا أحد يعلم
كان قلق فريق سوزان، بإدارة دكتور ريتشارد فيوز، ضابط وكالة الاستخبارات الأمريكية، يتزايد بعد محاكمة «لوكيربي 2000» وقضية لوكربي هي قضية جنائية ترتبت على سقوط طائرة ركاب أمريكية تابعة لشركة طيران (بان أمريكان) أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي في إسكتلندا سنة 1988، جعلهما يفكران في شكل العمل الإرهابي القادم، فقد تم تفجير طائرة في ديسمبر 1988، وأخرى في سبتمبر 1989، وكان الفريق الأمريكي طوال محاكمة الليبيين يخشى أن يؤدي الاستعراض العاطفي للمحامين الإسكتلنديين إلى نوع من «هجمات الوفاء»، فقد كان أداء المحامين الإسكتلنديين في أثناء سير المحاكمة سيئًا، حتى إن فشل المحكمة الإسكتلندية كان موضوع تندر في عموم العالم العربي.
كانت سوزان ودكتور فيوز يرون أن تسييس قضية لوكيربي، وضعف الدليل الجنائي المقدم للمحكمة، ينذران بأخطار كبيرة، وفي الشهور التي سبقت هجمات 11 سبتمبر، اشتكى الدكتور فيوز من إضرار الولايات المتحدة بمصداقيتها في أوساط التنظيمات الإرهابية بسبب قضية لوكيربي، ما جعل هذه التنظيمات تتساءل عما إذا كانت الولايات المتحدة، بالرغم من مصادرها الاستخباراتية الضخمة كلها، غبية جدًا، بحيث لم تستطع إلقاء القبض على الفاعل الحقيقي، أو أنها خائفة لأن الإرهابيين الحقيقيين أقوياء جدًا ومدعومون جيدًا.
فمع أن معظم الأمريكيين رفضوا الاعتراف ببراءة ليبيا في حادث لوكيربي، فإن المشكلة الأساسية تمثلت في التنظيمات الإرهابية التي كانت تعرف الحقيقة، وتتعجب من حماية أمريكا للمجرمين الحقيقيين، فقد اعترف الإرهابي أبو نضال صراحة بدوره في تفجير لوكيربي، باسم المجلس الثوري لحركة فتح، ونفى أن يكون للمتهمين الليبيين علاقة بالهجوم.
وكان أبو نضال منشئ أول منظمة إرهابية تخصصت في اختطاف الطائرات، ومقايضة الرهائن بفديات تقدر بملايين الدولارات، ونفذ هجمات إرهابية في 20 بلدًا، وقتل وجرح أكثر من 900 شخص على مدار عقدين، وشارك في الحرب الأهلية بلبنان في ثمانينيات القرن الماضي، وتحالف مع حزب الله، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثم استقر في ليبيا بعد مغادرة بيروت، وظل فيها حتى 1998. وبعد مقتل أبي نضال في تبادل لإطلاق النار مع رجال المخابرات العراقية ببغداد في شهر يوليو 2002، اعترف التنظيم ثانية بتفجير لوكيربي ومعه عائلة أبي نضال وأصدقاؤه، وأعربوا عن أسفهم لأن المواطن الليبي عبد الباسط المقراحي بريء وأدين بالخطأ.
كان موقف أمريكا كافيًا لدفع الجيل القادم من الجهاديين للانتقام بصورة لا تقاوم، فقد تلهم محاكمة لوكيربي الإرهابيين الشباب بشن نوع من «هجمات الوفاء» للأبطال الذين سبقوهم، وكانوا أكبر من أن يُلقى القبض عليهم، ووفقًا لهذه الرؤية وضع فريق فيوز وسوزان سيناريو لتهديد متطرف يفترض احتمال حدوث هجوم كبير، يشمل عمليات اختطاف طائرات أو تفجيرها، وأعلنا في 2 أغسطس 2001، أثناء جلسة اجتماع الكونجرس للموافقة على تعيين «مويلر» رئيسًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، أن أسوأ السيناريوهات على وشك الوقوع بدقة متناهية.
أمريكا: لقد عرفنا المتهم.. هيا نطلق سراحه ونذبح صديقنا
حملت سوزان لدبلوماسيي العراق هذا التهديد: «ستقصف الولايات المتحدة العراق، وتعيده إلى العصر الحجري، وسيكون القصف أسوأ مما تعرض له العراق من قبل، في حال اكتشاف أي مخطط إرهابي لاختطاف الطائرات أو تفجيرها، ولم يبلغنا بذلك، سيخسرون كل شيء، سندمرهم»، ووصفت التهديد بأنه جاء من أعلى المستويات في الحكومة، أعلى من مدير وكالات الاستخبارات الأمريكية ووزير الخارجية، ما يعني أن هذا المستوى الرفيع كان الرئيس جورج بوش، أو نائب الرئيس ريتشارد تشيني، أو وزير الدفاع دونالد رامسفيلد.
بنسلفانية تبكي خطيبها عامل الإطفاء الذي راح ضحية تفجير 11 سبتمبر في الذكرى الثانية عشرة للحادث.
نبه مدير سوزان على أن تطلب – بإلحاح – إلى ليبيا والعراق نقل أي معلومات تتعلق بالتخطيط لاختطاف طائرات، أو تفجير مطارات، وأصر على ضرورة تحذير الدبلوماسيين من أن بغداد قد تتعرض لهجوم عسكري كبير في حال اكتشاف الولايات المتحدة أن حكومة بغداد كان لديها معلومات ولم تبلغها عن طريق القناة السرية التي هي سوزان.
كانت التحذيرات الأمريكية مدفوعة بأكثر من مجرد الرغبة في تضييق حلقة الإرهاب، شيء ما يجري في الخفاء، ففي أواخرأبريل (نيسان) 2001 أطلق دكتور فيوز مدير سوزان تهديدات علنية لثني الحكومات العربية عن دعم مخطط محتمل، وازداد التوتر في صيف 2001، وناقشا عمليًا هجوم 11 سبتمبر، وبدؤوا في التركيز على مركز التجارة العالمي في يونيو.
كان فريق سوزان مدركًا للهدف بدقة، ويتوقعون للهجوم أن يكمل الحلقة التي بدأها «رمزي يوسف» في الهجوم على مركز التجارة العالمي 1993، وتوقعوا أن الوسيلة المستخدمة هي طائرات يستولي عليها الخاطفون، ويستخدمونها كمقذوفات لمهاجمة البرجين، مع احتمال استخدام جهاز ذري حراري لتدمير البنايات.
السبب الذي جعل دكتور فيوز يطلب من سوزان الابتعاد عن نيويورك، ليس من احتمال إصابتها في حال انهيار البرجين، لكن تعرض أي فرد يخصهم لملوثات مكونات عسكرية مثل الإشعاع الذري وما يعلق في الغبار أو الهواء، وحتى الآن لم تتكهن سوزان بطريقة وصول هذه المعلومات لدكتور فيوز.
أمريكا: نعم كنا نعلم ولكن سننكر
في اجتماع صبيحة 12 سبتمبر 2001
السيد الرئيس، لقد فعلتم الكثير لهذا البلد، ولكن، كيف شعرتم عندما تناهى إلى مسامعكم هذا الهجوم الإرهابي؟
الرئيس بوش: حسنًا حسنًا، لن تصدق كيف كان شعوري، كنت يومها في فلوريدا، كنت في فلوريدا عندما اتصل بي كبير الموظفين آندرو كارد، في الحقيقة كنت أجلس في أحد الفصول المدرسية، أتحدث عن برنامج قراءة ناجح، كنت أجلس خارج الفصل، ثم شاهدت طائرة ترتطم ببرج، أنت تعرف، كان التلفاز يعرض الأخبار، فقلت، وأنا طيار سابق: يا له من طيار فاشل، ثم قلت: لا بد أنه كان حادثًا رهيبًا.
واجهت الولايات المتحدة مشكلة، ففي أواخر ديسمبر 1998 استطاع صحفي يدعى يوسف زاي، يعمل مع مجلة تايم الأمريكية، الوصول إلى المقر السري لجهادي شاب يُدعى أسامة بن لادن، وأجرى معه مقابلة صحافية، مدح فيها أسامة منفذي تفجير السفارة الأمريكية في دار السلام ونيروبي في كينيا، وادعى المسؤولية عن مهاجمة أهداف داخل الولايات المتحدة بداية 1993، بما في ذلك أول هجوم على مركز التجارة العالمي، وتفجير مدينة أوكلاهوما. وحين سأله الصحافي: ماذا تتوقع أن يكون رد أمريكا الآن؟ أجاب بن لادن إجابة مخيفة.
يتعين على أي لص أو سارق مجرم يدخل بلدًا آخر من أجل السرقة أن يتوقع القتل في أي لحظة، أما أن تتوقع القوات الأمريكية أي شيء مني شخصيًا، فهذا يعكس مفهومًا ضيقًا، يوجد الملايين من المسلمين الذين يشعرون بالغضب، على الأمريكيين أن يتوقعوا ردات فعل من المسلمين تتناسب مع الظلم الذي يلحقونه بهم. * أسامة بن لادن.
ما جعل هجوم 11 سبتمبر دليلًا على فشل تنظيمي لا فشل استخباراتي، كان أكثر من سبب واضح:
1- في محاكمة رمزي يوسف 1996 أحد المنفذين لتفجير مركز التجارة العالمي عام 1993، في قاعة المحكمة الفيدرالية أعلن عن تخطيطه لـ11 سبتمبر، بالإضافة لوجود الخطة على حاسوبه الخاص عند اعتقاله وكانت الخطة تحت اسم «بوجنكا»، ووصف فينيس كانيسترو، المدير السابق لقسم مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات الأمريكية، هذه الخطة بأنها «طموحة جدًا ومعقدة، ويصعب تنفيذها، ولا شبيه لها في العمليات الإرهابية الأخرى التي نعرفها» وظلت خطة «بوجنكا» في سبات سنوات عدة.
ولكن ما حدث في ربيع 2001 هو أن الاستخبارات الأمريكية حصلت على معلومات مفادها أن الإرهابيين ينوون تنفيذ هجوم شبيه بخطة «بوجنكا»، لكن القيادة الجوية لأمريكا الشمالية كانت تجري مناورات في كندا وألاسكا، على بعد آلاف الأميال من الهدف المفترض في نيويورك، وتزامنت المناورات مع مناورة عسكرية سوفييتية لحماية الأجواء الأمريكية كما لو كانت روسيا تهاجم الولايات المتحدة، وكان من المقرر إجراء هذه المناورات الحربية بين يومي 10 و14 سبتمبر.
2- لم تصل الجيش الأمريكي معلومات عن خطة «بوجنكا»، معتقدًا أن إعلان حالة الاستنفار بسبب المناورات العسكرية الروسية، فلم يكن مستعدًا بالتبعية لمواجهة هجوم شامل على نيويورك، ونتيجة لذلك عاش قادة سلاح الجو حالة من الفوضى يوم 11 سبتمبر، فقال قائد «نوراد» لمنطقة نيويورك وواشنطن إن القادة في «نوراد» اعتقدوا أن هجمات 11 سبتمبر جزء من المناورات العسكرية.
وقال العقيد روبرت مار: «كان من المفترض أن ترد المناورات العسكرية على الهجمة الإرهابية، لكن الوقود والصواريخ في الطائرات الحربية كانا في حدودهما الدنيا لأول مرة». والمثير للشك هو أن الجيش الأمريكي زرع صواريخ مرتين فوق البيت الأبيض عند علمه بتهديدات ضربه بالطائرات، لتصيد الصواريخ أي هدف إرهابي، ولكن أقوى قيادة عسكرية على وجه الأرض ظلت خارج الدائرة محرومة من المعلومات المتعلقة بتهديد خطير لسيادة الدولة.
3- ذكرت وكالة الأمن القومي أنها رصدت 33 محادثة تشير لهجوم إرهابي وشيك، بجانب أربعة تحذيرات بتسلل إرهابيين لأمريكا عن طريق كندا يخططون لتنفيذ هجمات على معالم أمريكية رئيسة من ضمنها مركز التجارة العالمي في الأشهر السابقة لسبتمبر، ومع اشتداد التحذيرات حتى أول سبتمبر، رفض النائب العام جون آشكروفت طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي الحصول على إذن تفتيش الحاسب الشخصي لزكريا موسوي عضو تنظيم القاعدة الذي قُبض عليه قبل ثلاثة أسابيع من 11 سبتمبر.
وأخيرًا، وفي يوم 10 سبتمبر 2001 اعترضت وكالة الأمن القومي مكالمتين بين أفراد في الخارج، تشيران إلى احتمال وقوع هجمات إرهابية، ولم تُترجم هاتان المكالمتان إلى الإنجليزية، وتُعممان على الجهات المعنية إلا في 12 سبتمبر 2001.
4- اعترف بوش في اليوم التالي للتفجير بمعرفته بشريط الموساد المصور عن أول طائرة ارتطمت بالبرجين. وهذا الفيديو كان دليلًا مهمًا على معرفة إسرائيل السابقة بهجمات 11 سبتمبر، وأيضًا رفض الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني بدء التحقيقات، وصرح توم داشلي زعيم الديمقراطيين في الكونجرس لمحطة سي إن إن الإخبارية: «أعرب نائب الرئيس عن قلقه من أن أي مراجعة لما حدث يوم 11 سبتمبر، ستتطلب تخصيص موارد وموظفين على حساب الحرب على الإرهاب». وبعد ذلك قطع البيت الأبيض الرواتب عن لجنة التحقيق.
العالم كله كان يعرف؟
كانت حركة طالبان قد تلقت مساعدة مالية من الولايات المتحدة قبل هجمات 11 سبتمبر لتدمير زراعة الخشخاش في أفغانستان التي تنتج 85% من الأفيون والهيروين في العالم، ومع ذلك لم تتعامل الأخيرة بجدية مع الأمر، في الوقت نفسه أخذت وكالات الاستخبارات الخارجية الصديقة تنقل تحذيرات عن هجوم في أواخر الصيف وبداية الخريف، تستخدم فيه الطائرات أسلحة لمهاجمة أهداف داخل الولايات المتحدة، ونقلت إسرائيل والأردن ومصر معلومات مماثلة لهجوم إرهابي قبل أربعة أسابيع من 11 سبتمبر، وفي 7 سبتمبر 2001 بعثت الاستخبارات الفرنسية رسالة عاجلة عن هجوم وشيك داخل الولايات المتحدة، وذكرت صحف ألمانية أن خاطفي الطائرات أجروا 206 مكالمات هاتفية دولية قبل الهجوم، موجهة إلى السعودية وسوريا، ولكن رفضت وكالة الأمن القومي نشر قائمة مفصلة بهذه المكالمات.
أما المؤشر الأكبر للمعرفة السابقة عن الهجوم، فجاء في تحذير أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية على مستوى العالم وكان نصه «قد يتعرض المواطنون الأمريكيون لتهديد إرهابي من مجموعات متطرفة لها علاقة بتنظيم القاعدة» وتضمن التحذير معلومات جُمعت في مايو 2001، وأشار إلى أن أعضاء القاعدة لا يفرقون بين الأهداف الرسمية والمدنية.
تحكي سوزان أنه في 6 أغسطس 2001 تسلم الرئيس بوش في مزرعة كراوفورد في تكساس، مذكرة من وكالة الاستخبارات الأمريكية تتحدث عن تهديد بوقوع هجوم إرهابي من شبكة أسامة بن لادن على الولايات المتحدة، وقد قيل لسوزان إن الرئيس بوش وضع المذكرة جانبًا، ثم قال: «حسنًا، والآن وبعدما غطيتم عورتكم، دعونا نذهب لنلعب الجولف».
وعن ذلك يقول سيدني بلومنتال، المستشار السابق للرئيس كلينتون: «لقد حاول ريتشارد كلارك لفت نظر إدارة بوش إلى تهديد القاعدة، وفي 6 أغسطس 2001 تلقى بوش التهديد الأخير، لكنه كان غير مبال، ويفتقر إلى أدنى إحساس بالمسؤولية».
تؤكد سوزان في كتابها أن وكالة الاستخبارات الأمريكية كانت تعرف بالمؤامرة، ووزارة العدل تعرف، ومكتب مكافحة الإرهاب يعرف، لأنها من أبلغتهم بذلك، وقد اعتقلوها لمنعها من الحديث للإعلام. ولكن الشيء الذي لم تكن تعرفه سوزان، هو أن جهة أخرى من الاستخبارات كانت تعمل ضدهم بشراسة.
كشف مصدر موثوق لسوزان أنه في الساعة الثالثة من ليلة الثالث والعشرين من أغسطس 2001، التقطت كاميرات المراقبة في جراج مركز التجارة العالمي وصول ثلاث شاحنات، وأظهر فحص الصور أن هذه الشاحنات كانت مختلفة عن شاحنات الخدمات، وأنها لا تحمل أي علامات، وأن شاحنات خدمات البرجين غادرت محيطهما الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، أي قبل نحو نصف ساعة من وصول مجموعة الشاحنات الغريبة.
صورت كاميرات المراقبة هذه الشاحنات وهي تغادر البرجين عند الساعة الخامسة صباحًا، وطوال الليالي العشر اللاحقة ظلت هذه الشاحنات المجهولة تأتي إلى مركز التجارة العالمي في تلك الساعة تحديدًا بعد مغادرة عمال خدمات المبنى، وقد استمر الحال هكذا حتى اليوم الثالث من سبتمبر 2001 ولم تعد هذه الشاحنات إلى المكان مرة أخرى بعد ذلك.
ولم تبلغ لجنة التحقيق بظهور هذه الشاحنات، واختفت أفلام كاميرات المراقبة، والتزم مصدر سوزان الصمت للحفاظ على وظيفته وتعويض تقاعده وسمعته، وتسلم دكتور فيوز في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) مبلغ 13 مليون دولار من المخصصات الطارئة لتحقيقات 11 سبتمبر، وعدها تعويضًا ماليًا خاصًا به، ليبدأ فيما بعد بناء بيت في فيرجينيا بداية عام 2002.
كيف ظل الحديد منصهرًا لأسابيع؟ ومن الذي صور الانفجار ولم يهرب؟
انقسم الأمريكيون إلى فريقين: أحدهما يرى أن الطائرات هي التي دمرت مركز التجارة العالمي، والآخر يعتقد أن التدمير كان بفعل متفجرات عسكرية مُتحكم فيها، أما سوزان فترى أن اختطاف الطائرات والتدمير المُتحكم فيه قد وُقّتا ليُكمل أحدهما الآخر، ما وصفته بعملية «التغطية والخداع».
توصلت معظم فرق الاستخبارات إلى استنتاج مفاده أن الطائرات وحدها لا تستطيع تدمير البرجين، وإذا كان الهدف هو إحداث أكبر قدر من التدمير، فلابد أن ذلك تطلب بعض المساعدة الإضافية، وذكرت سوزان شكها وأكدته وفقًا للثغرات الموجودة في القصة المتداولة عن الهجوم، وقالت إن البرجين دُمرا باستخدام قنابل الثرميت التي نقلت في الشاحنات المجهولة قبل أيام قليلة من الهجمة.
هذه المعلومات التي تفسر السقوط الحر للبرجين، وانصهار الحديد إلى غبار في موقع الحادث، والبحيرة المعدنية التي ظلت في موقع الحادث لأكثر من ستة أسابيع منعت فيهم العمال من رفع الأنقاض التي كانت في درجة حرارة 2000 درجة مئوية، والتي يعجز وقود الطائرات عن الوصول إليها، وهي الرواية التي أكدها المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا.
كانت سوزان على الهاتف مع دكتور فيوز لحظة الهجوم يصرخان في بعضهما البعض، وعندما حققوا مع سوزان بخصوص مصادر الدكتور فيوز الذين زودوه بالمعلومات قبل الهجوم، وهم من لم يكشف عنهم فيوز، فتذكرت سوزان لحظة مكالمتهما، بينما فيوز يعلق بعصبية على شريط فيديو الطائرة المختطفة الأولى وهي تُحلق فوق ميناء مانهاتن قبل ثوان من ارتطامها بمركز التجارة العالمي.
كانت آلة التصوير ممسوكة بيد ثابتة، ولم يكن المصور هاويًا أو مذعورًا من الأحداث، وقد سألها حينها فيوز: «هل تعتقدين أن وجود رجل أو امرأة ينتظران على الرصيف ومعهما آلة تصوير سينمائية لتصوير الهجوم هو من قبيل الصدفة؟ هؤلاء عملاء إسرائيليون، لم يكن وقوفهم في هذا المكان محض مصادفة، كانوا يعرفون أن الهجوم سيقع، كانوا ينتظرون ذلك منذ الصباح».
الثغرة كانت في عرض شريط فيديو الطائرة الأولى الذي استلمه كبار مسؤولي الاستخبارات الأمريكية بسرعة قبل انهيار البرج الثاني، ما يعني أن الفيلم قد صوره جهاز استخبارات صديق مثل الموساد، وأنه لا يمكن لأي إنسان بث الشريط بهذه السرعة إلا إذا كان أحد كبار ضباط وكالة الاستخبارات الأمريكية.
إسرائيل بطل كل أزمة «إسرائيل vs العراق»
كانت إسرائيل – بعد هجمات 11 سبتمبر – الدولة الأجنبية الوحيدة التي تتصيد لشراء وثائق الأمن القومي في واشنطن، أما العراق فلم يكن بحاجة إليها، لأنه كان يملك وثائق مصرفية ومالية لشبكة التمويل النقدية التي تملكها شخصيات رئيسة لها علاقة بأسامة بن لادن، وعلاقة ارتباط شرق أوسطية بتفجيرات أوكلاهوما، وبأول هجوم على مركز التجارة العالمي 1993.
أراد العراقيون مقايضة هذه المعلومات الاستخباراتية ضمن تسوية شاملة لرفع العقوبات عنه، وبالفعل في مطلع صيف 2001 كانت محادثات القنوات الخلفية مع الدبلوماسيين العراقيين في نيويورك قد وصلت إلى مرحلة متقدمة، بإشراف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والتي امتدت من نوفمبر 2000 حتى مارس 2002، وأفضت إلى تعاون بين أمريكا والعراق، وهو الخبر الذي وصل للإسرائيليين، من خلال مسؤولي الاستخبارات الأمريكية، ليتصل أحد عملاء الموساد مرات بمنزل سوزان يعرضون حقيبة مليئة بالنقود في أي مكان بالعالم لقاء هذه الوثائق.
رغم رفض سوزان لعرض الموساد، لم تتخيل كيف يمكن لواشنطن رفض وثائق توضح نظام التعامل الداخلي لشبكة أسامة بن لادن المالية، وتبين نموذج تورط الشرق الأوسط في تفجيرات إرهابية، ولكن رغم بحث حكومة صدام حسين عن مصالحة عاجلة مع الولايات المتحدة، وتأكيد التزامها بأنها حليف لواشنطن، وحنين بغداد إلى الأيام الخوالي عندما شكل العراق قلعة استراتيجية في وجه التطرف الإسلامي بإيران، إلا أن ما كان يعني البيت الأبيض هو شن حرب على العراق – رغم التزام الأخيرة بسرية المحادثات وتسليم الوثائق – لا حماية الولايات المتحدة من الإرهاب.
سذاجة العراقيين
والآن قد تتساءلون: لماذا أعود إلى التاريخ القديم؟ والجواب هو أنه ليس تاريخًا قديمًا، لأننا ذهبنا إلى الحرب في العراق للتستر على إهمال القيادة الذي أفضى إلى هجمات 11 سبتمبر، وهي حرب لم يكن لزامًا علينا أن نخوضها، لقد خضت حروبًا عدة، وأنا لا أصدق أسباب هذه الحرب، لأنه لا يتعين عليك أن تخوض حربًا ما لم يوجد أي دليل ألبتة. * ويزلي كلارك جنرال متقاعد في خطاب ألقاه في تكساس 2006.
لقد فعل العراق المستحيل ليثبت أنه لم تعد لديه أي أسلحة لتدميرها، وهذه حقيقة ثبتت صحتها في أعقاب الغزو الأنجلو-أمريكي، فقد دمر مفتشو الأمم المتحدة كل نظام سلاح قبل انسحابهم في ديسمبر 1998، وذكرت تقارير ما بعد الحرب أن مخزون السلاح العراقي دُمر في نهاية 1996، وأن امتلاكه لأسلحة دمار شامل أكذوبة، ولكن بعدما فرضت الأمم المتحدة سياسة عزل العراق بطلب من أمريكا وبريطانيا.
وقد سمح برنامج «النفط مقابل الغذاء» ببيع ما قيمته 5 ملايين دولار من النفط الخام كل ستة أشهر، ليتمكن العراق من شراء الغذاء والدواء لـ22 مليون إنسان، والأسوأ هو منع العراق من زيادة إنتاج النفط للمساعدة في دعم الاقتصاد الوطني بتعجيزه عن شراء أدوات الصيانة، وبتحكم الأمم المتحدة في الموارد الطبيعية.
وتحت هذه العقوبات وفي عام 2003 كان الذكور من عمر 18 عامًا يعيشون في ظروف قاسية مذ كانوا في سن الخامسة، فلم يكن مستغربًا أن كثيرًا منهم قد انضموا إلى الحركات الثورية لطرد أمريكا، ففي بداية حرب الخليج أغسطس 1990 كانت كل ثلاثة دنانير عراقية تساوي دولارًا واحدًا، وعند تنصيب بوش رئيسًا أصبح الدولار يساوي ألفي دينار عراقي، ومع نهاية العقوبات في 2003 كان 1.7 مليون طفل ومسن عراقي قد ماتوا من الجوع ونقص الدواء.
رغم ذلك، فمع سعي دكتور فيوز في شهري يونيو ويوليو 2001 للحصول على أي معلومات استخباراتية من العراق، والعراق فقط دون ليبيا، وتهديدها في حال وقوع هجوم، تؤكد سوزان ظنها بأن متآمرين من مؤيدي الحرب من المحافظين الجدد في أعلى الهرم الحكومي ظلوا يضغطون على مجتمع الاستخبارات قبل أشهر من هجمات 11 سبتمبر، للقبول بإعلان الحرب على العراق في أعقاب الهجوم المتوقع.
أدرك العراقيون التهديد جيدًا، ففي شهر مايو 2001 قدم العراقيون حلًا سريعًا، فقد وافقت بغداد – منذ الأيام الأولى لإدارة بوش – على السماح لمكتب التحقيقات الفيدرالي بإرسال فريق لمكافحة الإرهاب إلى العراق، لمراقبة الجهاديين المتطرفين الذين قد يحاولون استغلال ضعف سلطة الحكومة المركزية لشن هجمات إرهابية في دول الجوار، وكانت وكالة الاستخبارات الأمريكية قد تقدمت بهذا الطلب عن طريق سوزان بعد الهجوم على المدمرة الحربية الأمريكية «يو إس إس كول» في المياه اليمنية في أكتوبر 2000. ووافق العراق على إبداء حسن نوايا تجاه السعودية ودول الخليج.
وعند إخبار العراقيين بسيناريو 11 سبتمبر المتوقع، طلب دبلوماسي عراقي من الولايات المتحدة دعوة مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى زيارة العراق، لكن هذا لم يحدث، وبررت إدارة بوش ذلك بأنها لا تزال تتلمس طريقها في السياسة الخارجية، ورغم التباطؤ، أصرت أطراف في البيت الأبيض على استمرار التهديدات للعراق في حالة وقع هجوم على أمريكا.
وفي دفاعهم عن موقفهم احتج الدبلوماسيون العراقيون، قائلين: كيف تطلب الولايات المتحدة التعاون وهي لم تتخذ أي خطوة لإرسال فريق من مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى بغداد؟ فقد كشف هذا الفشل في التحرك خللًا في القيادة الجمهورية الجديدة في واشنطن.
أرسلت سوزان رسالة لندرو كارد كبير موظفي البيت الأبيض، والسيناتور جون ماكين، والتي تمت إدانة سوزان فورها قبل شروعها في الحديث إلى وسائل الإعلام، نصها:
«عليكم أن تدركوا – قبل كل شيء – أنكم إذا قررتم غزو العراق، فإن أسامة بن لادن سينتصر، وإن تنظيمه سيتخلص من عزلته، ويزداد عددًا بانضمام متطوعين جدد إليه، وستحاول شخصيات شعبية أن تنشئ تنظيمات شبيهة بتنظيم القاعدة، ما يؤدي إلى زيادة عدد هذه التنظيمات المسلحة، وبذلك تكون الولايات المتحدة قد قضت على نفسها بالضربة القاضية، إنكم – باستخدام قانون إعلان الحرب – ستجعلون أسامة بن لادن ومنظمته يأسران أفئدة الشعوب، ويبعدانها عن الحكومات المعتدلة في الدول الإسلامية، إن شعار «السلطة للشعب»، الذي نسميه الديمقراطية سيؤدي حتمًا إلى ظهور المتشددين».
ساسة بوست