أكدت مجلة «إيكونومست» في مقال لها أن الشرق الأوسط تحول إلى أنقاض على وقع قصف الطائرات والمدافع وأزيز الرصاص الذي يضرب جل أركانه، موضحًا أن الجهاديين ليسوا
مسؤولين وحدهم عن هذا الدمار.
فقبل ألف عام، أمر حاكم القاهرة المجنون بتدمير كافة الكنائس – بما في ذلك الضريح المقدس في القدس، وهو مرقد السيد المسيح. وغزا المغول بغداد، وارتكبوا مذابح بشعة وأتلفوا كل الكتب بقذفها في نهر دجلة مما تسبب في تحول مياهه إلى اللون الأسود. ودمر تيمورلنك كل شيء سوى المستشفيات والمساجد فيما أطلق عليه أحد المؤرخين اسم «حج التدمير» لمدن المنطقة العظيمة. وتحققت نبوءة ياحوم – النبي الإنجيلي – بدمار نينوى على أيدي البابليين.
بيد أن الدمار الذي شهدته المنطقة في السنوات الثلاث الأخيرة لا يُضاهى – تقول المجلة – فوفقًا للأمم المتحدة، دُمرت نصف مدينة الموصل في العراق، وثُلث المدينة القديمة في حلب في سوريا. جرى تدمير مئات المآذن والأديرة والتماثيل.
أكدت منظمة اليونسكو أن 22 من أصل 38 موقعًا ثقافيًا معرضون للخطر في الشرق الأوسط. يقول مايكل دانتي – من المدارس الأمريكية للبحث الشرقي – تعليقًا على ذلك «المنطقة تشبه أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية».وينوه المقال إلى أن عناصر الدولة الإسلامية يضخمون من مسئوليتهم عن ذلك الدمار. فقد صوروا أنفسهم وهم يدمرون معابد تاريخية ومساجد وكنائس، هم لا يغضبون من اتهامات أعدائهم لهم بالتسبب في تدمير تاريخ المنطقة. وهو ما أكده قائد قوات التحالف في الموصل – الجنرال جوزيف مارتن – بعد أن دمر الجهاديون مئذنة جامع النوري التاريخية.
لكن التقرير يشدد على أن الأمريكيين والروس – ومن ورائهم حلفاؤهم على الأرض – قد تسببوا في دمار هائل مثل الجهاديين. تشير بيانات المدارس الأمريكية للبحث الشرقي أن تنظيم الدولة دمر 15 موقعًا في الموصل، بينما دمر التحالف الدولي 47 موقعًا خلال عملية استعادة المدينة. وقام الديكتاتور بشار الأسد – بمساعدة من حلفائه الروس – بتدمير الأعمدة التاريخية التي تعبد عندها سمعان العمودي – الراهب السوري الشهير الذي عاش في القرن الرابع الميلادي. ولم تسلم المواقع التاريخية في سوريا من البراميل المتفجرة التي يلقيها نظام الأسد، ولا من متفجرات المتمردين المدعومين من الغرب.
في عام 2011 – يشير التقرير – قدم المجلس الدولي للمتاحف ICOM قائمة بالمواقع التراثية في ليبيا وإحداثياتها لحلف الناتو لتجنب قصفها. لكن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن كان أقل دقة مع القائمة التي تلقاها؛ إذ استهدفت غارات جوية المتحف الوطني في ذمار، الذي يضم 12500 من القطع الأثرية، وكذلك السد العظيم في مأرب – إحدى عجائب الهندسة القديمة – ومجمع القاسمي المكون من أبراج مشيدة من الطوب الطيني في مدينة صنعاء القديمة. وترى هانا بينوك – المديرة السابقة للـICOM – أن أفضل حماية للقطع الأثرية هو بتركها تحت الأرض.
تزداد الضغوط على المجتمع الدولي للعمل على إنقاذ التراث في المنطقة. ففي مارس (آذار) الماضي – يضيف التقرير – أكد مجلس الأمن أن الهجمات على المواقع الثقافية تعد جريمة حرب. وفي سبتمبر (أيلول)، أقر أحمد الفقي المهدي بالذنب في المحكمة الجنائية الدولية بجرائم التدمير الثقافي في مالي، إذ اعترف بتلقيه أوامر بتفجير الأضرحة الإسلامية في تمبكتو. ومن المتوقع أن يقر قضاة المحكمة الجنائية الدولية تعويضات (لا يعرف من سيدفعها)، مما يشكل سابقة لمطالبات مماثلة في مواقع التراث الأخرى.
ويرى التقرير أن الفقر واليأس وانهيار الحس الوطني يستحثون التخريب. اختفت الصخرة التي تحمل بصمة يد النبي محمد من مسجد في حلب العام الماضي. أما المستودعات الأثرية في مصر والبالغ عددها 72 مستودعًا – وتعج بالآلاف من القطع الأثرية غير المصنفة – وتحرسها شرطة غير مسلحة، فهي كنز ثمين للصوص الآثار. يشجع الطلب الدولي على الآثار على نهبها. وفي يوليو (تموز) تم تغريم هوبي لوبي، وهي سلسلة من متاجر الحرف اليدوية الأمريكية، بمبلغ 3 ملايين دولار لاستيرادها الآلاف من الأقراص المسمارية القديمة وأختام الأسطوانات من العراق. وقد ساعدت هذه التجارة على تمويل تنظيم الدولة بشكل غير مباشر.
معظم المهربين يفلتون من العقاب. وقامت شرطة العاصمة في لندن – وهي أكبر سوق للآثار في العالم – بتعليق عمل وحدة الفن والتحف في يونيو (حزيران). ويبدو أن السلطات في العالم العربي لديها أولويات أكثر إلحاحًا – أو ليس لديها أولويات بالأساس. فرغم هدوء الأوضاع في ليبيا، لكن البلاد لم يعد لديها إدارة فعالة للآثار لحماية كنوز البلاد. وقد فقدت ليبيا الكثير من المقاتلين لحماية ليبتيس ماجنا، مسقط رأس سيبتيميوس سيفيروس الإمبراطور الروماني في القرن الثاني، من المتشددين.
إن إعادة الإعمار تكون في كثير من الأحيان كناية عن مزيد من التدمير – يختتم التقرير – إن انتقد خبراء الآثار طريقة إعادة ترميم الكنوز المدفونة تحت بيروت بعد حربها الأهلية. بدأت بالفعل عمليات التنقيب عن الكنوز في حلب، التي غالبًا ما يقوم بها رجال الأسد. ربما يجري إنقاذ بعض الكنوز ولعل الأضواء الكاشفة تعود إلى قلعة المدينة الرائعة التي تعود للقرن الـ12. ومن المفترض أن يعود برج الساعة القديم في المدينة القديمة للعمل قريبًا للمرة الأولى منذ ست سنوات. وربما يجري ترميم بعض الواجهات أيضًا. ولكن أساسات البرج التي قد تُرفع قريبًا على المدينة سوف تمزق طبقات موقع أثري يبلغ من العمر 8 آلاف سنة. فالجرافات يمكن أن تكون أكثر ضررًا من الدبابات.
ساسة بوست