يبدو أنّ السحر انقلب على الساحر في اليمن، فها هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المعروف بـ”الأمير الطائش”، يُعرب عن رغبته في الخروج من مستنقع الحرب اليمنية التي
بدأها بيديه، وجرّ إليها حلفاءه. فبعد أكثر من عامين على فشله في الحرب التي راح ضحيتها آلاف المدنيين، وشرد عشرات الآلاف، وانتشر وباء الكوليرا، وباتت البلاد مرتعًا للبطش الإماراتي بالتعذيب والاعتقال في السجون السرية؛ رفع بن سلمان الراية البيضاء خفيةً، معلنًا في السر، رغبته الخروج من اليمن، أو هكذا يقول تقرير موقع “ذا إنترسبيت” الذي ننقله لكم مترجمًا بتصرف.
أعرب مسؤول سعودي كبير، عن أمله في انتهاء كارثة الحرب اليمنية الدائرة. وقد صرح بذلك إلى اثنين من أبرز مسؤولي السياسة الخارجية في واشنطن خلال ربيع هذا العام. كما أدلى محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، والذي يحكم البلاد فعليًا، بتلك التصريحات إلى مارتن إنديك، وستيفن هادلي. وقد شغل مارتن إنديك منصبًا دبلوماسيًا رفيعًا خلال إدارتي كلينتون وأوباما، بينما شغل هادلي منصب كبير مستشاري الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، جورج بوش الابن.ونقل إنديك فحوى هذه المحادثة إلى يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، وأكبر داعمي صعود نجم بن سلمان في واشنطن. وقد كتب العتيبة إلى إنديك صبيحة يوم 20 أبريل/نيسان، قائلًا: “أعتقد أن محمد بن سلمان أكثر براغماتية بكثير مما نسمعه في المواقف الرسمية السعودية”، ليأتي رد إنديك على العتيبة سريعًا، قائلًا: “أعتقد ذلك أيضًا، فقد كان واضحًا جدًا في حديثه معي، ومع ستيفن هادلي، أنه يريد الخروج من اليمن، كما أنه لا يجد غضاضةً في علاقة الولايات المتحدة مع إيران، طالما كانت الأهداف واضحةً، ويتم التنسيق لها مقدمًا”، ليرد العتيبة على هذا بقوله: “لا أعتقد أننا سنجد أبدًا قائدًا أكثر براغماتية من ذلك في هذا البلد. ما يجعل التواصل معه هامًا للغاية، وقد يأتي ذلك بأفضل النتائج التي لم نكن نستطيع الحصول عليها من السعودية”.
هذا وقد حصل موقع “ذا إنترسبيت” بشكل مباشر على الرسائل المتبادلة بين إنديك والعتيبة، والتي نُشرت للمرة الأولى، يوم الإثنين الماضي في موقع “ميدل إيست آي”، وهذ محادثات قرصنتها مجموعة من المخترقين من حساب البريد الإلكتروني الخاص بالعتيبة، وهو البريد الإلكتروني الذي اعتاد استخدامه في المراسلات الرسمية.
وقد كشفت تصريحات ابن سلمان عن مدى تورط بلاده في الحرب اليمنية غير المنجزة إلى الآن ومنذ أكثر من سنتين. ورغم رغبته في الخروج من اليمن، إلا أنه يواجه معضلة تنفيذ ذلك، بعد الخطوة المتهورة التي ساق وارءه فيها عدة دول، بعنجهية تجعل خروجه من هناك أمرًا شديد الصعوبة، إلا إن اعترف بهزيمته بشكل صريح.
وأُزهقت في حرب اليمن آلاف الأرواح، كثير منهم من المدنيين، من خلال حملات قصف مكثف نفذتها السعودية بمساعدة والولايات المتحدة الأمريكية. كما شاركت الإمارات العربية المتحدة أيضًا في هذه الحرب في ظل تحالفها مع السعودية. وقد أدت تلك الحرب إلى انتشار المجاعة، وتفشي داء الكوليرا بمعدلات غير مسبوقة. وقد كان ولا يزال للإمارات دور مشبوه في اليمن، سواءً بحربها المزودجة ضد الحوثيين من جهة، وضد الحكومة الشرعية من أُخرى، فضلًا عن تورطها في ممارسات تعذيب وحشية، وإدارتها لمعتقلات سرية.
ومنذ عام 2015 على أقل تقدير، بدأ العتيبة في تلميع صورة محمد بن سلمان في أروقة واشنطن، وذلك من خلال الحديث عنه مع مسؤولين رفيعي المستوى، وفي الاجتماعات الهامة، وذلك وفقًا لأحد المصادر الذي شهد تلك الحملة بنفسه. فقد أدى العتيبة دورًا غير معتاد لسفير دولة يعمل لصالح مسؤول رسمي من دولة أخرى.
إلا أن هذه الرسائل تبين رؤيةً جديدة لأولويات العتيبة ورئيسه، محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات؛ في صعود نجم محمد بن سلمان، خاصة في ظل العداوة، التي بدت بين بن زايد ومحمد بن نايف الأمير السعودي، وولي العهد السابق الذي كان في طريقه نحو العرش، إلا أن ابن سلمان أطاح به ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
وبعد يوم واحد من تبادل الرسائل الإلكترونية، بين مارتن إنديك والعتيبة حول اليمن، تواصل الصحفي بصحيفة واشنطن بوست، ديفيد إغناتيوس، مع العتيبة للحديث عن اللقاء الأخير الذي أجراه مع ابن سلمان، ليرد عليه العتيبة عبر رسالة إلكترونية، حصل عليها موقع “ذا إنترسبيت”، جاء فيها: “أتوجه لك بجزيل الشكر لبذل الوقت في الذهاب إلى ابن سلمان، وإجراء لقاء معه. كشخص يعلم المنطقة جيدًا، يبدو لي من خلال كتابتك لهذه المقالة، أنك بدأت تشاهد ما كنا نتحدث عنه طوال العامين الماضيين. ياله من تغيير مثير للاهتمام. تغير في الموقف، تغير في الأسلوب، تغير في الاتجاه”.
ويكمل العتيبة رسالته قائلًا: “أعتقد بأننا متفقون جميعًا على ضرورة إجراء هذه التغييرات في السعودية، لذا، أنا سعيد لأنك اقتنعت بما كنا نراه من قبل، وحاولنا إيصاله مرارًا وتكرارًا. وسوف يكون لصوتك ومصداقيتك أثر كبير في فهم وإقناع كثير من الناس بما يحدث”، ويؤكد العتيبة بأن “المهمة الحالية هي فعل كل ما هو ممكن لضمان نجاح محمد بن سلمان”.
الترا صوت