ماذا درس الأتراك عن العرب في حصة التاريخ؟

هيئة التحريرLast Update :
toon330
toon330للتاريخ أوجه عديدة يسرد فيها كل طرف جانب من الرواية التي يفضلها، ويشاع أن هناك الكثير من المعلومات التاريخية الخاطئة والمزورة والسبب الرئيسي في هذه الفوضى التاريخية
أن السياسيين هم غالبًا من يكتبون التاريخ بينما يقف الباحثون والمؤرخون في المؤخرة وأصواتهم بالكاد تكون مسموعة.
قبل أيام عديدة، أثار رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية التركية، ما يقال عن خيانة العرب للعثمانيين في الحرب العالمية الأولى، والتي وصفها بأنها “كذبة تاريخية دُرست في المدارس التركية بشكل مقصود”، مصوبًا هذا الخطأ التاريخي قائلًا: “من الخطأ اتهام كل العرب بالغدر بسبب بعض الأخطاء التي حدثت خلال الحرب العالمية الأولى”.
ويكمل: “قيل لنا لسنوات طويلة أن العرب طعنوا ظهورنا من الخلف وخانوا أجدادنا العثمانيين، عبروا عن هذه الحادثة بأقبح الأوصاف التي يمكن استخدامها، وبالمقابل تعلم العرب أن الدولة العثمانية استعمرتهم لمئات السنين، كما أنه تم تفريق الشعبين بالحدود الجغرافية المصطنعة وتم تدريسهم و تدريسنا حوادث تاريخية خاطئة لنصبح أعداءً وفي خصام دائم بسبب هذه الأكاذيب التي تحاول أن تقطع الأواصر بين تركيا والعالم العربي من خلال إثارة بعض الاضطرابات التاريخية”.
جاء هذا التصريح بعد سلسلة من التوترات التي تواجهها تركيا مع العالم الأوروبي، محاولة أن توثق علاقاتها بالشرق الأوسط، مع العلم، أن هذا التصريح قد يغير من النظرة العامة للعرب من قبل الأتراك، وقد تزول من عقولهم فكرة أن “العربي خائن”، خاصة أن حزب التنمية والعدالة له تأثيره الخاص على الشعب التركي وقد يساعد هذا الخطاب التاريخي الجديد على إزالة هذه الصورة النمطية من العقول التركية.
صفحات التاريخ الأولى
عند الرجوع للأرشيف العربي التركي التاريخي، نجد أن العلاقة بين الشعبين بدأت في معركة طلاس في منطقة شمال ما وراء النهر التي تعتبر مهدًا للعديد من الإمبراطوريات والحضارات والتي أكسبت أهلها صفات قتالية وحركية ومن هذه الشعوب الأتراك، وفي الجهة الأخرى، عُرف العرب بشجاعتهم وفتوحاتهم الإسلامية للكثير من البلاد.
جمعت هذه المعركة بين الشعبين ضد الصينيين عام 751 ميلاديًا، وتعد هذه النقطة أول لقاء بين الأتراك والعرب، لكن في رواية أخرى، يُعتقد أنه كان هناك لقاءات سابقة لهما وذلك لوجود كلمة “الترك” في كثير من الأشعار التي كُتبت في زمن الجاهلية.
بعد أن تزعزعت الصين بسبب خسارتها أمام الفتوحات الإسلامية، أعلن الخاقان الأكبر “قراخانلي ساتك بغرا خان” الدين الإسلامي كدين رسمي ووحيدة لشعوب هذه المنطقة ومن بينهم السلالة التركية، وهذا عام 924 ميلاديًا.
قدم الأتراك مساهمات ثقافية وفكرية كان لها ثقل في تاريخ الحضارة الإسلامية، ومن أهم الشخصيات التركية التي تركت مؤلفات ثمينة، محمود القشغري مؤلف ديوان لغات الأتراك
ولم يكن هذا القرار السبب الوحيد في انتشار الإسلام بين الأتراك، فمدينتا أوزبكستان وبخاري تعد من أولى المدن التركية التي تم فتحها داخل حدود أوزبكستان والتي عاش فيها العرب معهم لسنوات طويلة وعندما جاء قرار من عمرو عبد العزيز بإخلاء العرب لهذه المدن، كتب أهاليها كتابًا يقولون فيه: “لقد عشنا مع هؤلاء القوم طول هذه السنين معًا وتفاهمنا وصاروا واثقين منا ونحن منهم واثقين”، وهذا بحسب معاهدة سمرقند 717 والتي كانت أساسًا في تقوية العلاقة بين الشعبين.
وسببًا آخر ساعد في نشوء علاقة قوية بين الأتراك والعرب، حين ضعفت الفتوحات الإسلامية بسبب الاختلافات الداخلية بين الأمويين وبدأ العباسيون في تولى الحكم في البلاد، استغلت الصين هذه الأزمة لتسيطر على منطقة ما وراء النهر، لكن هذه الخطة كانت نتيجتها الفشل والهزيمة بسبب اتحاد الجنود العرب مع الأتراك ليحققوا انتصارًا تاريخيًا إسلاميًا كبيرًا معًا، ولتكون هذه منعطفًا حقيقيًا في هذه العلاقة.
فسمح العرب بتجنيد الأتراك وتعيينهم في مناصب رفيعة في الدولة، وبالمقابل قدم الأتراك مساهمات ثقافية وفكرية كان لها ثقل في تاريخ الحضارة الإسلامية، ومن أهم الشخصيات التركية التي تركت مؤلفات ثمينة، محمود القشغري مؤلف ديوان لغات الأتراك، يوسف هاس حاجب الذي ألف “كوتادكو بيليج”، كما تعتبر منتجاتهم الفكرية من الأفضل والتي توصف بـ”العصر الذهبي”.
بعد جيل واحد فقط من التعاون في الشؤون العسكرية والأمنية والدينية والثقافية الفكرية، زادت الزيجات بين الشعب لتكون دليلًا على الثقة الكبيرة بين الطرفين وعلى كثرة المصالح والمنافع المشتركة.
أما بالنسبة لزمن الدولة السلجوقية التي كانت داعمًا أساسيًا للصداقة بين الشعبين وحولتها إلى أخوة، فمنذ أن تأسست هذه الدولة أصبح الأتراك يتوجهون إلى مصر والعراق وسوريا لدعمهم لأهداف الدولة التي كانت تحارب ضد البيزنطيين وتدافع عن المسجد الأقصى ضد الحملات الصليبية، ليظهر الجانب الوطني والانتماء المشترك بين الشعبين العربي والتركي.
أيضًا لا بد من الذكر، أن الدولة السلجوقية ساعدت على نشر اللغة العربية بين الأتراك حتى أصبحت اللغة التي يتعلمها الأتراك في المدارس ويتحدثون بها في حياتهم اليومية متخلين عن اللغة التي كانت متداولة بينهم، كما يذكر أن بغداد أول مدينة قُدم فيها قاموس اللغة التركية للخليفة العباسي.
عرف عبد الحميد الثاني بمواقفه الحساسة بشأن الصهيونية والاستيطان الإسرائيلي في فلسطين، ومن عباراته المشهورة “لقد فتح القدس الشريف لأول مرة الخليفة عمر، لن أتحمل وصمة بيع هذه المنطقة لليهود وجريمة خيانة الأمانة التي أودعت عندي لحمايتها من قبل المسلمين”
وبينما كانت تنقل محاور القوة من بغداد إلى القاهرة في زمن حكم الدولة المملوكية التي تجد في أشعار تلك الفترة أونصافًا عن قتال الأتراك مع العرب ضد الصليبيين، كان في الجهة الأخرى في الأناضول تحدث تغيرات أثرت بشكل كبير على مجرى التاريخ وهو دخول الدولة العثمانية على الساحة وفتح القسطنطينية وهجرة الجماعات التركية من تركستان إلى الأناضول لتستقر على أراضي الإمبراطورية التي استمر حكمها لأكثر من 600 عام.
بعد غزو السلطان ياووز سليم للدولة المملوكية وحكمه للمحافظات الأساسية في العالم العربي مثل سوريا والعراق ومصر وحتى ما شبه الجزيرة العربية عام 1510، وكانت المنطقة العربية تشعر بالامتنان لتولى الدولة العثمانية مقاليد الحكم في المنطقة ولم ينظر لها كعنصر أجنبي عنهم، خاصة أن الإمبراطورية العثمانية أصبحت المدافع الأول عن الإسلام، إذ قال عبد العالم والمؤرخ المصري عبد الوهاب الشعراني: “اليوم يعتبر العثمانيون وجنودهم الوحيدين المدافعين عن الإسلام والذين جعلوه فخرًا لنا”.
واختصارًا للكثير من المجريات التاريخية وصولًا إلى زمن حكم عبد الحميد الثاني للدولة العثمانية والتي تعتبر فترة حكمه التي استمرت 33 عامًا من أهم المراحل التي شكلت العلاقات العربية التركية، فلقد كانت علاقاته مع الزعماء العرب قوية، كما أنه حافظ على التواصل مع العائلات العربية البارزة والهيئات المهمة في المجتمع العربي، والأهم من ذلك، أنه أنشأ سكة حديد الحجاز التي تصل بين إسطنبول والمناطق العربية المهمة مثل بيروت ودمشق والقدس والمدينة المنورة.
كما أنه اعتنى بتبادل البعثات التعليمية بين إسطنبول والقاهرة ودمشق، بجانب مواقفه الحساسة بشأن الصهيونية والاستيطان الإسرائيلي في فلسطين، ومن عباراته المشهورة: “لقد فتح القدس الشريف لأول مرة الخليفة عمر، لن أتحمل وصمة بيع هذه المنطقة لليهود وجريمة خيانة الأمانة التي أودعت عندي لحمايتها من قبل المسلمين”.
قطع الأواصر العربية التركية
شهدت الحرب العالمية الأولى عام 1914 انهيار للعديد من الدول وتقسيم المنطقة العربية وإثارة الشكوك بين الدول، كما أنها كانت بداية الانفتاح على مفاهيم القومية والوطنية، خاصة بعدما قام حزب الاتحاد والترقي التركي بالدفع نحو العقلية القومية التي تتعارض مع التركيبة المجتمعية للأتراك، والذي عاش على أرضهم عرب وفرس وشركس وأكراد ويونانيين وأرمن.
جدير بالذكر أن هذا الحزب القومي باتجاهاته الفكرية دعا الأتراك إلى عدم التحدث أو الكتابة بالأبجدية العربية، وبالذهاب إلى المدارس التركية وهذا ما سبب استفزازًا للمشاعر القومية لكلا الطرفين.
استغلت بريطانيا هذه التوترات لصالحها ودعمت هذه الانتفاضة العربية ضد الدولة العثمانية بقيادة الشريف حسين، الذي الذي أراد أن يملك حكمًا مستقلًا على المشرق العربي وخاصة الحجاز والذي تمتلكه هواجس استبداله أو تنحيه عن الحكم
خلال هذه الحرب، أعدم حاكم سوريا آنذاك، جمال باشا الملقب بالسفاح والذي كان عضوًا في حزب الاتحاد والترقي، عددًا من القوميين والمثقفين العرب في لبنان بتهمة الأنشطة القومية وهذا رغم صدور حكم عفو عام بقضيتهم إضافة إلى عدم وجود دليل على تورطهم بهذه النشاطات، وبسبب هذا الأمر، كتب شريف مكة، الحسين بن علي، مذكرة دبلوماسية للإمبراطورية العثمانية مستنكرًا هذه الأفعال، ونتيجة لهذه المذكرة، أرسلت الدولة العثمانية جنودها إلى المنطقة على اعتبارها أن هذا المرسال عبارة عن تمرد عليها، وهذا ما جعل العرب يطلبون النجدة من البريطانيين.
ولسوء الحظ، استغلت بريطانيا هذه التوترات لصالحها ودعمت هذه الانتفاضة العربية ضد الدولة العثمانية بقيادة الشريف حسين، الذي أراد أن يملك حكمًا مستقلًا على المشرق العربي وخاصة الحجاز والذي تمتلكه هواجس استبداله أو تنحيه عن الحكم خاصة أنه تم تعيينه بهذا المنصب من قبل الدولة العثمانية.
نتيجة لكل ما سبق، أعلن الشريف تمرده ضد العثمانيين، وبما أنه شريف مكة ومن نسب نبي المسلمين محمد، طلب من العرب الانضمام إليه لتكوين مملكة عربية مستقلة عن الحكم العثماني، إلا أن الاستجابة كانت ضعيفة فلم يتقدم سوى بضعة آلاف من المحاربين السجناء العرب الذي أغرتهم بريطانيا بالإفراج عنهم مقابل قتالهم في ثورة الشريف حسين، والتي لاقت نجاحًا لا بأس به مع كل ما تقدمه بريطانيا من دعم مادي وأسلحة وتكنولوجيا، لكن لم يأخذ أحد هذا التقدم على محمل الجد.
مجريات الحرب العالمية الأولى ومفهوم القومية الذي دخل عليهم من الثقافة الأوروبية جعل الأتراك والعرب يتناسون أنهم جزء من منظومة متعددة الأعراق ونقاط القوة المشتركة بينهم كثيرة
ورغم أن البريطانيين وعدوا الشريف حسن بتسليمه السلطة على المشرق العربي، فإن بريطانيا كانت متفقة مسبقًا مع فرنسا واليهود بتقسيم كل من فلسطين والعراق وسوريا واليمن بينهم، وبالفعل لم يف البريطانيون بوعدهم للشريف حسين ليتم نفيه إلى قبرص لتصبح المنطقة العربية مستعمرات بريطانية وفرنسية وتنتهي الدولة العثمانية بشكل كامل.
وكانت هذه النهاية بداية الجدال بين العرب والأتراك الذين اعتادوا أن يقاتلوا سويًا على نفس الجبهة وكانوا عبارة عن يد واحدة في الأمور العسكرية والدينية والثقافية، إلا أن مجريات الحرب العالمية الأولى ومفهوم القومية الذي دخل عليهم من الثقافة الأوروبية جعلتهم يتناسون أنهم جزء من منظومة متعددة الأعراق ونقاط القوة المشتركة بينهم كثيرة والتاريخ أكبر دليل على ذلك.
ماذا يقول الأتراك عن هذه الأحداث المصيرية؟
في تركيا، درس الأتراك أن العربي خائن بحكم ثورة الشريف حسين ضد الدولة العثمانية، وفي ظل انتشار هذه الفكرة هناك الكثير منهم يعتقد أن هذا التمرد لم يكن له أي ثقل لولا التدخل البريطاني الذي اجتهد في تحشيد الأطراف التركية والعربية ضد بعضهما حتى تزول أحلامهم وأهدافهم بخلق وحدة إسلامية.
أما بالنسبة للمدارس العربية، ففي دروس التاريخ غالبًا ما كان يُعبر عن حكم الدولة العثمانية للمنطقة العربية بأنه “استعمار مستبد”، ونتيجة لهذه الدروس التاريخية اتسعت الفجوة بين الأجيال الحالية لينظر كل منهما للآخر بالعين التي قرأ منها التاريخ في المدارس.
العرب وقفوا بجانب الدولة العثمانية لمدة 400 سنة وكانوا من أكبر وأوائل المساندين للإمبراطورية العثمانية
في مقابلة تليفزيونية على قناة “تي ري تي” قال البروفيسور التركي في جامعة مرمرة أحمد شيمشيرجيل: “لا يتم السؤال إن قام اليونانيون بخيانتنا أو البلغاريون أو الإنجليز وهذا لأنه لا يتم ذكر الخيانة سوى بجانب اسم العرب، ولتوضيح هذه النقطة الجدلية، يمكن أن نقول إن العرب لم يخونوا العثمانيون، بل كانت خيانتهم لأنفسهم من الصفوف الداخلية في منطقتهم.
والحقيقة أن العرب وقفوا بجانب الدولة العثمانية لمدة 400 سنة وكانوا من أكبر وأوائل المساندين للإمبراطورية العثمانية، وعند ذكر الشريف حسين نجد أن هذا الاسم أصبح رمزًا للخيانة التاريخية، رغم أنه عاش 20 سنة في إسطنبول قبل أن يعينه عبد الحميد الثاني أميرًا على مكة المكرمة”.
في حديث آخر مع الكاتب والمؤرخ التركي، قادر مصر أوغلو، قال: “لا وجود للادعاءات التي تقول إن العرب قاموا بخيانتنا، ولا تعتبر ثورة الشريف حسين خيانة، لأن بريطانيا استغلتها واستخدمتها كأداة لتفكيك العلاقات التركية العربية وبسبب تهديدها للشريف الحسين بضرب مكة بالقنابل إن تراجع عن الخطة المتفقة عليها وهذا الخلاف بسبب مكر بريطانيا لا غير”.
 
نون بوست
 
هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع
Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News