رغم مقتل رموز “إمبراطوريته الإعلامية” وتصفيتهم، فإن تنظيم الدولة الإسلامية ظل متمسكًا بمنهجه في نشر الفيديوهات المرعبة لسير المعارك في العراق وسوريا، وخاصة في
الساحة الشامية، بعد أن خسر أغلب الأراضي التي كان يسيطر عليها في الأراضي العراقية.
التنظيم وفي إصدار جديد نشرته ولاية حمص بعنوان “صولات الفداء 3″، أعاد إلى الأذهان “الغزوات” التي كان يقوم بها أواسط العام 2014 والتي أسفرت عن السيطرة على أغلب الأراضي السورية والعراقية ومن ثم إعلان زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي “الخلافة الإسلامية” من على منبر جامع النوري الكبير في الموصل.
في إصداره الأخير، بدأ تنظيم الدولة بإظهار مقاتلين اثنين يطلقان الرصاص بكثافة على قوات النظام السوري على إيقاع أنشودة حماسية، قبل أن يظهر “انتحاري” يتوعد الأعداء بالمفخخات في إشارة إلى السلاح الفتاك للتنظيم وهو السيارات والشاحنات والعربات المفخخة التي عجز طيران التحالف الدولي والروسي على إيقافها.
بعد “الشو التحريضي” في أول الفيديو، اختار القائمون على هذا الإصدار بث “كلمة تحريضية قبيل الانطلاق لغزو مواقع النصيرية” ينصح فيها أحد خطباء التنظيم نحو 20 مقاتلاً من المتجمعين أمامه بالتوبة وتجديد النية قبل لقاء العدو لأن النصر لا يكون بعدة ولا عدد وإنما بالصدق والإخلاص.
المتأمل في أصول الخطاب السلفي الجهادي سيلحظ ارتكازه على قاعدتين أساسيتين هما الترغيب والترغيب
يكاد يكون مشهد الخطب والكلمات التحريضية القاسم المشترك بين جميع إصدارات تنظيم الدولة الإسلامية منذ أن كان عراقي المنشأ بقيادة أبي عمر البغدادي ومن قبله أبي مصعب الزرقاوي أمير جماعة التوحيد والجهاد الموالية لتنظيم القاعدة، وصولاً إلى الدكتور في علم القراءات أبي بكر البغدادي.
تهدف الكلمات التحريضية التي يبثها تنظيم الدولة في إصداراته المتنوعة إلى شحذ همم أنصاره الذين يراقبون سير المعارك والحملة الدولية ضده من خلال ما ينشره فقط، فالصبر والتقوى وغيرها من المصطلحات الشرعية، أساس الخطاب الجهادي ببعده المحلي والعالمي، فمن ناحية هو تثبيت للمقاتلين ومن ناحية أخرى تحريض للمناصرين للنفير والالتحاق بإخوانهم “المرابطين”.
إن المتأمل في أصول الخطاب السلفي الجهادي سيلحظ ارتكازه على قاعدتين أساسيتين هما الترغيب والترغيب، فبالترغيب يزداد المقاتلون شحنة للانغماس والإثخان فيمن يعتبرونهم “أعداء الله” للفوز بـ”جنة عرضها السماوات والأرض”، وأما فيما يتعلق بالترهيب، فبالتخويف من التولي عند الزحف والتركيز على أنه إحدى الكبائر التي شدد الشرع الإسلامي في عقوبتها نظرًا للمخلفات التي يترتب عنها “كشف ظهر المجاهدين”.
بعد هذه الكلمة التحريضية، هرع المقاتلون لأخذ أماكنهم والالتحاق بأرض المعركة ضد قوات النظام السوري والمليشيات الداعمة له شرقي تدمر بريف حمص الشرقي، وقد استخدم مخرج الإصدار مقاطع فيديو مختلفة ومنتقاة بدقة لإظهار عزيمة مقاتليه وقوة إيمانهم رغم ضعف إمكانياتهم مقارنة بعدوهم.
بعد ذلك، يظهر الانتحاري أبو أيوب المغربي ليفجر عربته على تجمع لقوات النظام شرق محطة الأرك، لكن قبل الانطلاق، توعد الرجل الستيني من قسم بلاد الإسلام برجال يريدون الجنة ثم انطلق والكاميرا تتابع عملية تفجير سيارته وسط أهازيج الأناشيد الجهادية التحريضية.
سيارة أبي أيوب المغربي لم تكن الوحيدة، حيث تبعتها 3 سيارات أخرى مفخخة، فجرها 3 انتحاريين على قوات النظام في مناطق متفرقة من صحراء “ولاية حمص” التي عرفت معارك استنزاف كبيرة خاضها تنظيم الدولة مع المليشيات الشيعية المعززة بالطيران الحربي الروسي والسوري.
الجهاز الإعلامي لتنظيم الدولة الإسلامية تأثر بمقتل كبار كوادره، فقلة الإصدارات الدورية وضعف الإنتاج والإخراج و”الغرافيك” مقارنة بإصدارات سابقة سحبت البساط من “هوليوود”
على إثر بث مشاهد العمليات الانتحارية، عرض التنظيم مقاطع فيديو متنوعة لمعارك السخنة المتواصلة منذ أشهر، مظهرًا عدد من القناصة يستهدفون عناصر من جيش النظام هاربين في الصحاري الوعرة، ومن ثم سيطرتهم على أحد المقرات والأسلحة الخفيفة والثقيلة.
يبدو واضحًا من الفيديو أن المعارك التي صورها التنظيم قديمة نوعًا ما، فلباس مقاتليه شتوي والحال أن توقيت نشر الفيديو كان في 13 من شهر آب أغسطس الحاليّ، وقد سبق هذا الإصدار إصداران آخران هما “صولات الفداء 1+2” في شهري أغسطس وسبتمبر 2016، مما يطرح تساؤلات عن تأثر الآلة الإعلامية لتنظيم الدولة سلبًا نتيجة قلة الكوادر ومقتل كبار المسؤولين الإعلاميين على غرار وزير إعلامه وائل عادل حسن سلمان الفياض الذي أكدت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” مقتله منتصف شهر سبتمبر الماضي.
بقية مشاهد الإصدار لم تأت بجديد ولم تخرج عن “السكربت” الموحد الذي وضعه التنظيم حتى لا يزيغ عنه المنتج والمخرج والمصور، صور لمعارك واشتباكات عنيفة بين مقاتلي “الدولة” وقوات النظام، استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة على غرار عربات “البي أم بي”، وجثث لمقاتلين من الجيش السوري، قبل أن يختمها بكلمة تحريضية أخرى لأحد الخطباء المفوهين يتوعد “روما” و”طهران” و”قم”، أعقبها فرار خصوم التنظيم وتركهم “الغنائم”.
يومًا بعد يوم، يتأكد للمراقبين أن الجهاز الإعلامي لتنظيم الدولة الإسلامية تأثر بمقتل كبار كوادره، فقلة الإصدارات الدورية وضعف الإنتاج والإخراج و”الغرافيك” مقارنة بإصدارات سابقة سحبت البساط من “هوليوود”، إضافة إلى محدودية اللقطات المستخدمة في عملية التركيب وقِصر مدة الفيديوهات المنشورة، تكشف عن أزمة تعاني منها “وزارة إعلام” التنظيم.
نون بوست
هذا المقال لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع