رسخت الجولة التي يقوم بها حاليا، الوسيط الأممي، إسماعيل ولد الشيخ، الاعتقاد بأن تسوية الحرب اليمنية باتت بيد أطراف إقليمية متنافسة، أكثر من أي وقت مضى، بحسب مراقبين. وبدأ ولد الشيخ، الأسبوع الماضي، جولته، من مسقط، حيث مكث عدة أيام،
التقى خلالها المسؤوليين العمانيين، الذين يحتفظون بعلاقات ودية مع الحوثيين، لكن دون الكشف عن تفاصيلها.
ومن العاصمة العمانية، غادر المبعوث الأممي إلى الرياض، للاجتماع مع قادة الحكومة اليمنية، بجانب مسؤولين خليجيين، بينهم الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبداللطيف الزياني.
ومن صنعاء، المحطة الثالثة، سافر الوسيط الأممي، وعلى غير المتوقع، إلى طهران، الحليف الأبرز للحوثيين، والتي تدعمهم بالسلاح، بحسب اتهامات الحكومة الشرعية وحليفتها الرياض، بالسلاح.
وبعدما سيطر الحوثيون، وقوات حليفهم، الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في 2014، على عدة محافظات، بينها صنعاء، قادت الرياض، في مارس/ آذار 2015، وبطلب من الرئيس عبد ربه منصور هادي، تحالفا إقليميا لصدهم.
ورغم السرية التي أحاطت بنتائج جولة ولد الشيخ، إلا أن أول ما يُستشف منها، بحسب مراقبون، المدى الذي بلغته سطوة القوى الإقليمية، في الملف اليمني، لا سيما زيارته طهران.
وكان الوسيط الأممي قد قام بزيارتين إلى العاصمة الإيرانية، الأولى في مايو/ أيار 2015، بعد أيام من تقلده منصبه، والثانية في نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام.
وفي آخر بيان صحفي له، عقب إنهاء زيارته إلى الرياض، وصف ولد الشيخ اجتماعاته هناك بأنها “موفقة”.
ودون تقديم تفاصيل أكثر، أفاد الرجل بأن لقاءات الرياض “سمحت للأطراف بالتعبير عن مخاوفهم”.
لكن الراجح أن علاقة إيران بالحوثيين، كانت حاضرة في هذه الاجتماعات، وبناءً عليها كانت زيارة الوسيط إلى طهران لـ”نقل هذه المخاوف”، وفق مراقبون للشأن اليمني.
ولم تكشف وسائل الإعلام الإيرانية شئيا عن زيارة ولد الشيخ، التي التقى خلالها وزير الخارجية، جواد ظريف، ونائبه جابري أنصاري، سوى عموميات، مثل أنها “مهمة صعبة، لدعم تحقيق السلام”.
ومع أنها ليست الزيارة الأولى، إلا أن وسائل إعلام إيرانية، منها قناة “العالم”، ذكرت أن “إيران تدخل على خط الأزمة اليمنية”.
وأشارت إلى أن المسؤوليين الإيرانيين رهنوا تسوية الحرب، بـ”حيادية الأمم المتحدة”، في تطابق نسبي مع موقف الحوثيين الذين يتهمون ولد الشيخ بالانحياز إلى الطرف الآخر.
ووسط اتهامات لأطراف النزاع الداخلي بأنها لم تعد سوى “بيادق في رقعة شطرنج، تديرها أطراف اقليمية”، يعتقد مراقبون أن الأزمة اليمنية، تدخل في تعقيدات متطاولة، تستنسخ التجربتين السورية والليبية.
ويعتقد المحلل السياسي اليمني، ونقيب الصحفيين الأسبق، عبد الباري طاهر، أن “الرهان على حل داخلي ضعف كثيرا، لصالح الأطراف الإقليمية، والتي تعيش هي الأخرى أزماتها الخاصة، ما يؤشر إلى نزاع طويل الأمد”.
وفي تعليقه، يذهل طاهر إلى أبعد من ذلك بقوله إن جولة ولد الشيخ “مؤشر على أن الحل خرج إلى اليد الإقليمية، وهولاء وكلاء لأطراف دولية، ما يخرج الأمر إلى الطرف الدولي”.
والحال كذلك، يتعقد الأمر أكثر، لأن “اليمن بالنسبة للعالم، في الهامش، وليس في المتن، فالأطراف الدولية لديها قضايا ذات ثقل أكبر، والأطراف الإقليمية غارقة في مشاكلها الخاصة”، يضيف طاهر.
وشدد على أن “المشكلة هنا في الداخل، والأطراف اليمنية ميتة الضمير، فالبلد الذي يتقاتلون فيه وعليه، من أجل أن يحكمونه، يعاني من الموت وأمراض فتاكة ومجاعة”.
وفيما دمغ أطراف الصراع المحلية بأنها “مستفيدة من الحرب ولا نية لها في السلام”، قال إن الحل السياسي “أصبح معقد، في ظل اتجاه الأوضاع يوميا، إلى تصعيد عسكري أكبر”.
وتتصدر جولة ولد الشيخ خارطة الطريق حول مدينة وميناء الحديدة، على البحر الأحمر، التي تقضي بانسحاب الحوثيين لصالح إدارة محايدة، لكن مطالبة التحالف العربي بوضع مماثل في مطار صنعاء، الخاضع لسيطرة خصومهم، عقدت الأمر.
وتلزم الخارطة التحالف بوقف أي عمليات عسكرية في الساحل الغربي، في حال انسحاب الحوثيين، بالإضافة إلى استخدام عوائد الميناء في دفع رواتب موظفي الدولة، المتوقفة منذ 10 أشهر.
ومنذ أغسطس/ آب الماضي، يفرض التحالف حظرا على الرحلات من وإلى مطار صنعاء، غير أنه يستثني تلك التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في الشأن الإنساني.
ومن المنتظر أن تكون صنعاء، الوجهة المقبلة للوسيط، لكن لا يُعرف بعد، إن كانت آخر محطات جولته، التي قال إنها ستستغرق أسبوعين.
وكالات