تحاول حركة المقاومة الإسلامية “حماس” الحفاظ على علاقاتها مع معظم الدول العربية والإسلامية المتخاصمة في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يصفه محللون سياسيون، بالسعي للتعايش مع “متناقضات المنطقة”.
ففي الوقت الحالي، تعمل الحركة جاهدة للوقوف على مسافة متقاربة في العلاقة التي تربطها بين دول المحورين المتناقضين العربيين، (السعودي الإماراتي البحريني المصري)، و(القطري).
كما تحرص حماس، في ذات الوقت، على الحفاظ على علاقاتها مع إيران.
واستبعد محللون سياسيون، أن تتمكن الحركة من الحفاظ على علاقات متينة مع كافة المحاور في ذات الوقت.
وكانت حماس، التي تقيم علاقات قوية مع دولة قطر، قد عقدت مؤخرا، تفاهمات مع مصر، بوساطة القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، والمعروف بقربه من القيادة الإماراتية.
وتهدف التفاهمات إلى التخفيف من الحصار المفروض على قطاع غزة، في أعقاب خطوات اتخذها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ضد القطاع، وبررها بهدف إجبار حماس على المصالحة وتسليم إدارة القطاع لحكومة التوافق.
ويستبعد المحلل السياسي هاني المصري، مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، برام الله، قدرة حركة “حماس” في الجمع بين متناقضات المنطقة العربية، والمحافظة على علاقتها مع الدول العربية المتخاصمة.
ويقول المصري :” ستحاول حركة حماس الحفاظ على علاقات مع الخصوم العربية لكنّها لن تنجح على المدى البعيد، سيطلب منها دفع أثمان لتقاربها مع بعض الدول”.
ويوضح أن قبول كلا من (السعودية والإمارات ومصر)، بوجود “حماس” في دائرتهم، له أثمان عالية.
ويلفت إلى أنه من الواضح أن مصر ستقدم لـ”حماس” تسهيلات فيما يتعلق بتخفيف أزمات قطاع غزة، بالقدر الذي تؤمّن فيه الأخيرة الحدود الفلسطينية-المصرية.
أما الإمارات، فستقدم للحركة تسهيلات أخرى، مقابل ابتعادها عن “قطر وإيران”، بحسب المصري.
وقال:” حماس في النهاية سوف تضطر للاختيار بين أحد المحورين، ومن غير السهل اختيار الإمارات والسعودية، لأنها تتناقض مع توجّه الحركات الإسلامية”.
ويرى المصري في التقارب الأخير بين “حماس” مع مصر، بالخيار “الإجباري” والتكتيكي، الذي يمنح الحركة، الوقت، كي تفكّر في حلول أخرى تتناسب مع الحالة الفلسطينية ووضعها.
ويعتقد المصري، بوجود خلافات داخل حركة حماس، بين تيارين، الأول يريد التقارب مع دول تدعم المقاومة كإيران، وآخر يريد حلولًا سياسية للأزمات التي تمرّ بها القطاع.
بدوره، يرى الدكتور مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بمدينة غزة، أن السياسة العامة لحركة حماس، تميل دوما إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع كافة المحاور والدول.
وأوضح:” حماس بسياستها الواضحة تؤكد دائمًا أنها لن تكون جزءًا من أي محور أو تحالف إقليمي، نظرًا لحاجتها لدعم كافة الدول الإسلامية والعربية”.
لكن التفاهمات الأخيرة، التي اتفق عليها زعيم حركة “حماس” بغزة، يحيى السنوار، مع مصر، والقيادي المفصول من حركة “فتح” محمد دحلان، تشير إلى أن حماس تذهب باتجاه المحور (السعودي-الإماراتي-المصري)، على حدّ قوله.
وتابع:” سواء ارتضت حماس أن تكون جزءًا من هذا التحالف أو لا، هكذا ستفهم الخطوة الأخيرة لها، في المنطقة العربية والإسلامية”.
ويرى أبو سعدة أن ذهاب “حماس” لنسج علاقات مع مصر “ليس خيارًا لها بقدر ما هو ممر إجباري للحركة، للخروج من الأزمة السياسية، والإجراءات العقابية الأخيرة التي اتخذها الرئيس محمود عباس في القطاع”.
وأضاف:” حماس أو السنوار (قائد الحركة بغزة)، يعلمان أن المخرج الوحيدة للأزمات التي يعيشها القطاع، هو البوابة المصرية، وأي علاقات دون ذلك لن يكون له أي جدوى حقيقة”.
وخلال الفترة القادمة، قد تُجبر “حماس” لتخفيف علاقاتها مع الدول المتخاصمة مع المحور (السعودي-الإماراتي-المصري)، حسب أبو سعدة.
وأضاف:” قد لا تسمح مصر لحماس بالاستمرار في إقامة علاقات وثيقة مع قطر، وغيرها من البلاد التي تختلف معها سياسيا”.
وتابع:” لن يسمح لحماس بالجمع بين المتناقضات”.
وعلى المدى القريب، يرى أبو سعدة أن “حماس” ستحسن علاقاتها مع المحور السعودي الإماراتي المصري، كـ”خطوة تكتيكية”، وليست استراتيجية، كما حصل سابقًا في علاقتها مع “سوريا وإيران”.
ويقول:” واضح أن حماس أمام خيارين، إما أن تتصالح مع محور (السعودية-الإمارات-مصر)، وإلا ستكون النتائج كارثيّة عليها وعلى غزة، لأن بوابة مصر، مفتاح لحل أزماتها”.
من جانبه، يقول الدكتور أحمد يوسف، رئيس مركز “بيت الحكمة للاستشارات وحل النزاعات” (غير حكومي)، إن سياسة حركة “حماس” الحالية، تتلخص في “ألا تكون جزءًا من سياسة التحالفات والتناقضات الموجودة في المنطقة الشرق أوسطية”.
وتابع يوسف، المقرّب من حركة “حماس”، في حديثه مع وكالة “الأناضول”:” خصوصية القضية الفلسطينية وطبيعة الظروف التي تمرُّ بها حماس في غزة، ووفقا لوثيقتها الجديدة، تجعل التواصل قائمًا مع الجميع، فيما تحرص في وقوفها على مسافة متقاربة من جميع الأطراف المتخاصمة”.
وأوضح أن “حماس” تراهن على الشعوب العربية والإسلامية وحكّام تلك الدول للوقوف خلف القضية الفلسطينية، باعتبارها قضيتهم المركزية.
ويعتقد يوسف أن إعادة الحركة لعلاقاتها مع مصر، وحلفائها، سيلقى تفهّماً من (تركيا، وقطر، وإيران)، نظرًا لاندراج تلك العلاقة “ضمن خيارات الضرورة، فيما تعتبر إحدى الممرات الإجبارية لتجاوز الوضع القائم في قطاع غزة”.
واستكمل قائلًَا:” في نهاية الأمر حماس تريد من جميع أطراف ودول المنطقة أن يتفهموا أنها مضطرة للحفاظ على علاقاتها معهم ولو بالحد الأدنى، أو في سياقات الضرورة”.
لكن لن تغيّب “خيارات الضرورة”، بحسب يوسف، وفاء حركة “حماس” لعلاقاتها مع دول عربية وإسلامية ترى في القضية الفلسطينية قضية مركزية لها، مثل (إيران، وقطر، وتركيا).
وتحكم حركة “حماس” مع تلك الدول الثلاث ضوابط العهد والوفاء، لما قدموه من دعم مهم للقضية الفلسطينية، بحسب يوسف.
وأضاف:” إيران قدّمت الكثير من الدعم ولا زالت، لكتائب القسّام، الجناح المسلّح لحماس، وليس من باب الوفاء التنكّر لهذا الدعم”.
ويضيف:” بعض الحوارات التي جرت بين حماس وأطراف عربية، حملت للحركة نصائح بقطع العلاقة مع الطرف المناقض لها، لضمان استمرارية العلاقة الأولى وتوسعتها”.
وأكمل:” لكن الحركة ذكيّة وتدرك حركات الترويض التي تسعى لها تلك الأطراف، إلا أن طابع الوفاء (للدول التي قدّمت دعمها للقضية الفلسطينية، وللحركة)، يفرض على الحركة أن تحافظ على الصداقات مع الأطراف العربية أو الإسلامية”.
وأردف قائلًا:” المبدأ الذي تتناصح عليه قيادات حماس هو ألا تكون في طرف أو ضمن حلف عربي أو إسلامي، ضد آخر، وأن تلتزم الصمت حتّى تتجاوز الخلافات التي تصدّعت بها جدران الأمة العربية والإسلامية”.
ويعتقد يوسف أن “حماس” بطبيعة سياساتها، وحسب ما تتطلع إليه، تستطيع أن تتعايش مع المتناقضات الموجودة في المنطقة.
ويشير يوسف إلى أن “حماس” تمتلك من “النباهة والذكاء السياسي، ما لا يجعلها تظهر في المشهد على أنها مع طرف ضد آخر”.
وكالات