تنتظر منطقة الشرق الأوسط الحبلى بالأزمات، العام المقبل، مولودا جديدا في شكل تحالف استراتيجي، يبدو أنه سيكون شبيها بمنظمة حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، وهي
اختصار لـ(North Atlantic Treaty Organization)
التحالف المرتقب ربما يحمل اسما شبيها، وهو “ميتو” (METO)، اختصارا لـ(Middle East Treaty Organization)، لكنه سيختلف فيما يتعلق بأهدافه وعمره الافتراضي وأمور أخرى مقارنة بالحلف الغربي، الذي تأسس عام 1949 ويقع مقره في بروكسل، ويضم حاليا 28 دولة.
ووفق خبراء عسكريين ومحللين سياسيين عرب، ثمة خمسة أسباب يبدو أنها تستدعي مولد هذا التحالف، وهي: القضاء على “داعش”، ومواجهة إرهاب ما بعد تفكك التنظيم، وتحجيم إيران وبتر أذرعها، وتشكيل خريطة تحالفات جديدة بالمنطقة، وأخيرا حصار التواجد الروسي في المنطقة.
لكن، وبحسب هؤلاء الخبراء والمحللين، يواجه “ميتو” خمسة تحديات، وهي: غياب الاتفاق علي مفهوم للإرهاب وتسمية الحركات الإرهابية، وعدم الإجماع على إيران كتهديد مشترك، والمشاكل الداخلية للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وجمود عملية السلام، إضافة إلى الأمور اللوجيستية والمالية.
وخرجت القمة العربية الإسلامية الأمريكية، التى شاركت فيها 55 دولة في العاصمة السعودية الرياض، الأحد الماضي، بإعلان نوايا لتأسيس “تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي”، بحلول 2018، لتحقيق “الأمن والسلم” في المنطقة والعالم.
ودون تفاصيل أكثر، تضمن الإعلان إمكانية توفير عدد من دول التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب (الذي تأسس منتصف ديسمبر/ كانون أول 2015) لقوة احتياط قوامها 34 ألف جندي، لدعم العمليات ضد المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا عند الحاجة.
“ميتو”.. عمر محدود
الخبير المصري في الشؤون العسكرية والاستيراتيجية، العميد المتقاعد، صفوت الزيات، يذهب إلى أن “التحالفات إما أن تكون أقرب إلى الناتو، أي بين دول تجمعها تهديدات ومصالح مشتركة طويلة الأجل، أو تحالفات نتيجة رغبة لمواجهة تهديدات محدودة الأجل، مثل التحالف ضد الغزو العراقي للكويت (1990)، وتحالف غزو العراق، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية (2003)، والتحالف الغربي ضد (العقيد الليبي الراحل) معمر القذافي (2011)، والتحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن (2015)”.
بناء على هذه المقاربة، يقول الزيات، إن “التحالف المرتقب أقرب إلى التحالفات المؤقتة، مثل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، بينما الناتو يرتكز على شراكات شبه دائمة”.
والتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب أعلنت عنه السعودية، وتشارك فيه حتى الآن 41 دولة، بينها تركيا، وباكستان، ومصر، ولبنان، والبحرين، والأردن.
وبشأن الانتظار شهورا حتى الإعلان عن التحالف، يرى الزيات أنه “يحتاج إلى وقت ومشاورات لإعلان هيكل سياسي أولا وليس عسكريا، والاتفاق على الأهداف والتكوين، وهذا سبب تأجيل إعلان تأسيسه إلى العام المقبل”.
متفقا مع الزيات، يقول أستاذ العلوم السياسية المصري، المتخصص في الشؤون العربية، أحمد تهامي، للأناضول، إن “تحالف الشرق الأوسط سيكون أقل درجة من الناتو، وسيحتاج وقتا للاتفاق على التهديدات المشتركة قبل الانتقال إلى المواجهة”.
وفي 20 نوفمبر/ تشرين ثان 2016، نشرت صحيفة “الأهرام” المصرية (مملوكة للدولة) ورقة أمريكية أرسلت إلى عواصم عربية للتشاور بشأن تأسيس منظمة بالشرق الأوسط، تكون بمثابة حلف عسكري للدفاع المشترك، تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وعضوية مصر والسعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والأردن.
وبحسب الورقة الأمريكية، ستحتل إسرائيل صفة المراقب في المنظمة، التي ستواجه ثلاثة أعداء، وهم: “داعش”، وإيران، وما أسمته “الإسلام المتطرف”.
“ميتو”.. الجسد والأعضاء
وحول التكوين المحتمل لتحالف الشرق الأوسط (ميتو)، يرجح الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، أن “الدول التي شاركت في قمة الرياض (55 دولة)، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ستكون على الأقل من المشاركات في التحالف المرتقب، فبالتأكيد لم تحضر القمة وتوافق على إعلان التحالف دون مشاركة”.
أما الزيات فيرى أنه “إضافة إلى دولة المقر (للتحالف المرتقب) السعودية، ستنضم مصر وباكستان وتركيا وبقية دول مجلس التعاون الخليجي (الإمارات، وقطر، والكويت، والبحرين، وسلطنة عمان) على الأقل إلى التحالف”.
وبشأن تعداد قوات التحالف، يعتبر الخبير العسكري المصري أن “رقم 34 ألف جندى، الذي أعلن عنه في بيان قمة الرياض، يقارب فرقتين عسكريتين، وهو رقم ضعيف في مسرح عمليات واسع بالمنطقة”.
وستكون ساحة عمليات التحالف المرتقب، وفق الأكاديمي المصري، أحمد تهامي، في حديث للأناضول، “أولا في العراق وسوريا، وقد يتطور الأمر حسب الأحداث في المنطقة”.
وبشأن ترتيب العمليات، يذهب الزيات إلى أن “واشنطن لن تتورط بإرسال قوات برية، ولكن ستقدم الدعم الجوي والاستخباراتي واللوجستي للتحالف المرتقب”.
“ميتو”.. 5 تحديات
وثمة تحديات تواجه التحالف المرتقب، وهي، بحسب الزيات: “غياب الاتفاق على مفهوم الإرهاب وتسمية الحركات الإرهابية، وعدم وجود إجماع واضح على إدراج إيران كتهديد مشترك، وثالثا مشاكل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الداخلية التي قد تشغله عن شؤون الشرق الأوسط”.
كما أن “عدم التوصل إلى حل حقيقي للقضية الفلسطينية حتى الآن” يمثل تحديا رابعا، وفق جواد الحمد، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن (غير حكومي)، الذي يقول إنه “طالما لم تحل القضية الفلسطينية فلن تجد أية تحالفات، لاسيما هذا التحالف الغامض، وما يصعب الأمر حديث ترامب في قمة الرياض عن أن (حركة المقاومة الإسلامية) حماس إرهابية في ظل تودده لإسرائيل”.
ويضيف عبد الخالق عبد الله تحديا خامسا، وهو “التحديات اللوجستية والمالية التى قد تعوق خروج هذا التحالف إلى النور”.
“ميتو”.. 5 أسباب للميلاد
وربما تتغلب على تلك التحديات خمسة أسباب تستعجل ميلاد التحالف المرتقب، حيث يرى الزيات أن “مواجهة داعش، وتحجيم إيران سببان رئيسيان للتعجيل بتشكيل التحالف”.
وهو ما يتفق معه تهامي بقوله للأناضول إن “التحالف يهدف إلى طمأنة أمريكية للسعودية، ومواجهة العدو المعلن داعش، على أن يتطور الأمر إلى تحجيم إيران، التي اتفق الخليج وواشنطن على خطورة تحركاتها”.
ويضيف تهامي سببا ثالثا لظهور هذا التحالف، وهو “تشكيل خريطة جديدة للقوى، وتطوير التحالف مستقبلا ليكون مظلة لتقارب إسرائيلي خليجي عسكري وسياسي لتحقيق هدف أساسي هو تنشيط المسار التفاوضي لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية (المتوقفة منذ 2014)”.
لكن الأكاديمي الإماراتي عبد الله يعتبر أن “الوجود الأمريكي في التحالف يغنى عن إسرائيل”، ويرى سببا رابعا لتكوين التحالف وهو “محاربة إرهاب ما بعد داعش”.
ويرى أن “داعش يشهد عدّا تنازليا لقوته، والتحالف يبحث في محاربة الإرهاب أولا وأخيرا، لاسيما في مرحلة ما بعد داعش، عبر طريقين، وهما مواجهة الإرهاب فكريا ومواجهة الجماعات المذهبية، التي تديرها إيران في المنطقة، ولا تقل شراسة عن داعش”.
وعلى هامش قمة الرياض، الأحد، جرى الإعلان عن افتتاح المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف، ويحمل اسم “اعتدال”، كأول مجمع دولي يواجه منابع التطرف الفكري، وفق وسائل إعلام سعودية.
ومحددا سببا رابعا يستدعي مولد التحالف المرتقب، يقول الأكاديمي الإماراتي إن “الولايات المتحدة الأمريكية حاليا لا تريد لروسيا أن تستحوذ على المنطقة، ولذا من المهم جدا أن يتشكل التحالف في هذه الفترة، بقيادة واشنطن، لحصار تواجد موسكو بالمنطقة”.
وفي فبراير/شباط الماضي، كشفت تصريحات صحفية وتسريبات متواترة عن رغبة أمريكية في إيجاد تحالف في الشرق الأوسط، أشبه بـ”الناتو”، بمشاركة عربية ودعم إسرائيلي، لمواجهة “أعداء مشتركين” منهم إيران و”داعش”.
وهو طرح دعمه آنذاك أكثر من مسؤول إسرائيلي، وأبرزهم وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، الذي تحدث عن إمكانية تقديم تل أبيب في هذا الصدد “وسائل لمكافحة الإرهاب عبر القدرات الاستخباراتية والإمكانيات العسكرية”.
المصدر: وكالات