المسرحيات «المتلفزة» تجتاح مصر اليوم، ملتزمة شروط الفضائيات التي من أهمها أن يكون العرض كوميدياً خفيفاً لا مجال فيه للتفكير أو تعكير صفو المشاهد. المهم أن تحقق
المسرحية مشاهدة عالية، لجذب أوسع عدد ممكن من المعلنين. وانتشرت الظاهرة بعد نجاح الفنان أشرف عبدالباقي، ومن بعده محمد سعد وسواهما، وبات همّ غالبية الشباب المسرحيين الالتحاق بالركب وتقديم عروض مسرحية للتلفزيون تحقق الانتشار والكسب المادي وتقود إلى السينما، كما حدث مع بعض الوجوه الجديدة.
وإذا كان مسرح التلفزيون لا ينشغل كثيراً بتقديم المسرح الذي نعرفه أو الذي نريده، معتمداً على حضور النجم وجماهيريته الكفيلة بتحقيق نسبة مشاهدة عالية بغض النظر عن المضمون، فما الذي يستطيع الشباب تقديمه لهذا المسرح؟ حتى إن ساروا على نهج النجوم، فمن أين لهم القدرة على منافستهم؟ ربما خطر هذا السؤال لتلك المجموعة من الشباب الذين قرروا خوض التجربة وتقديم عروض مسرحية للتلفزيون.
المجموعة يقودها المخرج محمد علام الذي سبق أن قدم عروضاً لافتة لمسرح الدولة والمسرح الجامعي والمسرح الخاص، تنوعت ما بين الكوميدي والتراجيدي، وما بين النصوص المحلية والنصوص العالمية، كما أن لديه ورشة لإعداد الممثل وتدريبه على فنون الأداء.
اختار علام أن يبدأ رحلته مع مسرح التلفزيون بعرض يمكن اعتباره «حلاً وسطاً» بين الفن والهدف التجاري، فكتبه بنفسه تحت عنوان «شمس الآلاتي» ضمن مشروع أطلق عليه «بيانولا»، وقدمه لليلة واحدة على مسرح «النهار» في القاهرة، وصوَّرته إحدى القنوات الفضائية تمهيداً لعرضه.
اسم العرض وملصقه الدعائي، يحيلان إلى فيلم «شمس الزناتي» للنجم عادل إمام المقتبس عن الفيلم الأميركي «العظماء السبعة»، المأخوذ بدوره عن الفيلم الياباني «الساموراي السبعة».
لكن لا شيء من الفيلم في العرض المسرحي سوى أن المدعو «شمس» يحارب «أشرار الفن» بآلته الموسيقية، ليس أكثر. أشرار الفن هنا هم الذين يقدمون الغناء الهابط .
يرث شمس المهنة عن أبيه الذي يقدم له نصائحه في شكل كوميدي قبل موته. ويجمع شمس فرقته القديمة ويقرر العودة إلى الغناء، فيقدمون لوناً هجيناً بين الشرقي والغربي. نسمع مايكل جاكسون بنكهة شرقية، والراي الجزائري بمذاق مصري، لكن في النهاية لا تجد الفرقة نفسها في ذلك كله، فتقرر تقديم ما يسمى أغاني المهرجانات لتحقق نسبة مشاهدة عالية على الإنترنت ما يدفع شركات الإنتاج إلى التسابق على التعاقد معها لتقديم مزيد من هذا اللون.
وعلى رغم الإغراءات الكبيرة التي تقدمها تلك الشركات، يرفض شمس الاستمرار في تقديم هذا اللون، ما يجعل أعضاء فرقته ينصرفون عنه. إلا أنهم يعودون إليه بعد اقتناعهم بوجهة نظره التي تقول بإمكان تقديم فن جاد يعبر عن الهوية ويحقق في الوقت ذاته مكاسب مادية.
ربما هي الآلية نفسها التي عمل بها المخرج في عرضه المسرحي الكوميدي الذي لا يكف مشاهده عن الضحك من كثرة توالي الإفيهات والمواقف، خصوصاً أنه قدم مجموعة متنوعة من الممثلين غير المعروفين، يمتلك بعضهم مواصفات جسدية لافتة، كالفتاة السمينة صاحبة البنية القوية.
العرض في إجماله مبهج، فباستثناء إفيهات تبدو خارجة عن تقاليد المجتمع، نجد أنه قدم الاستعراض الذي يروق الشباب، واسكتشات لطيفة، وتنويعات مختلفة من الغناء. طبخة شبه متكاملة تخللتها أفكار المخرج والمؤلف بسلاسة، فلم يضطر إلى الانتصار للفن الجاد عبر نقيضه.
ويظل المسرح المتلفز بلا ديكور أو كتل ضخمة ولا حتى موتيفات. لا شيء سوى شاشات عرض على جوانب المسرح الثلاثة تعكس طبيعة المشهد، من تصميم مهندس الديكور وائل عبدالله. وأتت موسيقى كريم عرفة واعية لطبعية العرض وفكرة التنوع بين الغناء العشوائي والرصين، وهو ما عمل عليه الملحن موظفاً كلمات الشاعر راؤول في شكل جيد. كما جاءت استعراضات رشا مجدي لتعكس قدرات الممثلين والراقصين على التنويع في الأداء.
لا أحد يستطيع التكهّن بنجاح هذه التجربة أم لا، فالأمر يخضع لأمزجة المشاهدين التي غالباً ما تنصرف إلى العروض الخفيفة التي يقدمها نجوم معروفون. نحن أمام عرض فيه من الخفة بمقدار ما فيه من العمق، وفيه ممثلون لا يقلون موهبة عن أعضاء الفرق الشهيرة. وفي بطولة العمل هاني سراج، لقاء الصيرفي، محمود عساف، محمد الحناوي، فادي يسري، ضحى عادل، بورا ميشيل، أحمد شمس، إيناس الليثي، فيروز العوضي، عمر صلاح، مايكل رفلة، إبراهيم سيد، وندا بهجت.
المصدر: الحياة