تحاول أن تنظم أنفاسها، صخرة ثقيلة جاثمة فوق صدرها، دموعها لا تستجيب لتوسلاتها وتأبى التوقف عن الانهمار، ستفارق الحاجة وفاء حيها الذي لا تعرف غيره، للمرة الأولى تشعر
بالعجز يتسلل لأطرافها، حتى عقلها توقف عن التفكير، سترحل بعد أن ذاقت من ويلات الحرب والحصار ما لا يتحمله إنسان.
الحاجة وفاء أو المعروفة باسم أم غازي ستخرج مع طفلتيها من حي برزة في دمشق إلى محافظة إدلب شمالي سوريا مفارقة عاصمة الياسمين، في حيرة من أمرها ماذا تصطحب معها، حاجياتها أم ذكرياتها التي تملأ البيت.
تتلمس صورا تتصدر الجدار لزوجها الذي قتل برصاص قناصة النظام في أول مظاهرة خرجت في الحي، وبجانبها صورة لابنها الوحيد غازي الذي قتل خلال المعارك الأخيرة مع قوات النظام.
تقول الحاجة وفاء “أجبرت على الرحيل لأني على قوائم المطلوبين لأفرع المخابرات، ومن لم يشهد ما في أقبيتها فلا يعلم مدى الخوف منها، فالأشهر الستة التي قضيتها فيها لا تزال ذكرياتها محفورة على جسدي، وأنا في حيرة من أمري، إن بقيت فأقبية السجون تنتظرني وإن خرجت فلا مأوى والمجهول بانتظاري، ولكن التشرد أرحم من الموت ألف مرة وفي آخرها يلصق على وجهي رقم وأدفن في مقبرة جماعية”.
هكذا هو حال المئات ممن خرجوا من حي برزة الدمشقي إلى إدلب ضمن اتفاق بين المعارضة وقوات النظام يقضي بتسليم الحي كاملا مقابل خروج من يرغبون من الأهالي ومقاتلي المعارضة.
يتم تنفيذ الاتفاق على عدة مراحل، تبدأ بخروج الدفعات الأولى إلى إدلب وتنتهي بإجلاء مقاتلين من اصول كردية إلى جرابلس شمال حلب ويتخللها إطلاق سراح أسرى ومعتقلين من الطرفين.
ويأتي هذا الاتفاق بعد رفض فصائل المعارضة المسيطرة على برزة أي عمل عسكري ليستغل ذلك النظام السوري بفصله عن أحياء دمشق الشرقية وفرض حصار مطبق على أهالي الحي.
واتهم نشطاء فصائل المعارضة في حي برزة بالتواطؤ مع قوات النظام ومنع أي عمل عسكري تجاه العاصمة دمشق وذلك بتنسيق بين الطرفين، وقال القيادي في فيلق الرحمن أبو محمد الفاتح إن “النظام يقطف ثمار الهدن في محيط دمشق ليتابع مسلسل التهجير”.
واعتبر الفاتح أن المناطق المهادنة “تضعف إرادة القتال لدى ثوارها وتتراجع حميتهم في الدفاع عن أرضهم، مما يسهل استسلام المنطقة بعد تصعيد بسيط مركز من قبل النظام”.
وأكد أن ثوار برزة “أخطؤوا في تعويلهم على الوعود الكاذبة للنظام وتخوفهم من نقض اتفاق الهدنة معه، مما منعهم من الاستفادة الحقيقية من مساندة ثوار الغوطة وتوسيع المعارك مع النظام ونقل المعركة إلى أرضه”.
في حين لم يصدر أي تصريح من اللواء الأول التابع للمعارضة المسلحة والمسيطر على حي برزة يشرح فيه الأسباب التي دفعتهم لقبول الاتفاق مع النظام دون أن تسبقه معارك كما حصل في المناطق التي شهدت اتفاقيات مماثلة بمحيط دمشق.
وتحاول قوات النظام فرض اتفاق مشابه في القابون ونجحت في فرض ذلك على حي تشرين المتصل جغرافيا معه ويعتبر جزءا منه بإخراج من فيه من المقاتلين ومن بقوا من الأهالي إلى إدلب.
وفي حي القابون تختلف المعادلة لخلوه من المدنيين واتصاله عبر أنفاق مع الغوطة الشرقية المعقل الأبرز للمعارضة في محيط دمشق، مما دفع المعارضة في الحي لاتخاذ قرار المواجهة، بالنظر إلى أن مصيره مرتبط بمصير الغوطة الشرقية التي تشهد هجمات للنظام كان آخرها من بلدة بيت نايم جنوبي الغوطة مستغلا اقتتال فصائل المعارضة فيها.
وتأتي التطورات السابقة في وقت تروج وسائل إعلام النظام لما وصفتها بمعركة الحسم في الغوطة الشرقية بعد الانتهاء من السيطرة على أحياء دمشق الشرقية.
المصدر: الجزيرة