جاء اختيار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السعودية وإسرائيل وإيطاليا، كوجهة لأولى جولاته الخارجية، لرسم ملامح سياسته الخارجية، التي تعيد واشنطن إلى الشرق الأوسط بقوة.
الجولة،
التي تبدأ 23 مايو/أيار الجاري، اعتبرها مراقبون أنها “عودة قوية” لواشنطن إلى منطقة الشرق الأوسط لتأكيد خريطة التحالفات السابقة.
بينما رآها آخرون “محاولة لتصحيح أخطاء” الرئيس السابق باراك أوباما، التي ابتعدت قليلاً عن الحلفاء التقليديين، لصالح التقارب مع إيران.
وأعلن ترامب أن أولى زيارته الخارجية، منذ توليه منصبه في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، ستكون للسعودية ثم إسرائيل، قبل التوجه إلى إيطاليا.
وتبدأ الجولة، وفق ترامب، قبل اجتماعات الناتو في بروكسل 25 مايو/أيار الجاري، وتبدأ بتجمع تاريخي في السعودية للقادة من جميع أنحاء العالم الإسلامي.
“مغامرة ترامب الإبراهيمية الممتازة”، بهذا العنوان تناولت صحيفة “ذي اتلانتيك” الأمريكية، الجولة، بتوقيع الكاتب ديفيد غراهام، الخميس قبل الماضي، قال فيه “الرئيس ترامب يضع الكثير من ثقله على زيارته الخارجية الأولى، بالتخطيط لزيارة الأوطان الرمزية للديانات الإبراهيمية الثلاثة (الإسلام والمسيحية واليهودية) في الوقت نفسه الذي يدعو فيه إلى وحدة عالمية”.
وأشار إلى أن السعودية “تفضل خط ترامب المتشدد مع طهران”، بدلاً من نهج سلفه (أوباما)، الذي هزتهم جهوده الساعية لتحسين العلاقات مع إيران.
وفي صحيفة “المونيتر” الأمريكية كتب خبير الأمن بروس ريدل، أن السعوديين “يخططون لثلاثة أحداث خلال زيارة ترامب هذا الشهر، الأول هو جلسة مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، ومن ثم لقاء مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وأخيراً لقاء مع قادة مسلمين آخرين وممثليهم في استعراض لقوة التحشيد السعودية وتأثيرها الواسع”.
وطبقاً لريدل، فإن العائلة السعودية الحاكمة، “متشوقة للدعم الأمريكي ضد إيران في اليمن وسوريا والعراق”.
ونوه في الوقت نفسه إلى أن “قطاعاً واسعاً من العامة في العالم العربي، ينظر إلى إدارة ترامب كعدو للإسلام”.
ويتوقع المحلل السياسي، ومدير “انتيليجينس بروجكت” في معهد بروكينغز ذائع الصيت، أن يكون ثمة “اتفاق لمحاربة الإرهاب بما في ذلك القاعدة وداعش، لكن خلف الكواليس سيريد السعوديين بعضاً من التحرك من جانب الإدارة، لمنع أي خطوة قانونية ضد المملكة عبر جاستا”.
وجاستا هو المختصر الإنجليزي لقانون العدالة من رعاة الإرهاب، والذي اصدره الكونغرس الأمريكي، في تحد واضح لأوباما، والذي رفع الحصانة التي يكفلها القانون الأمريكي للدول غير المدرجة في تصنيف رعاة الإرهاب (إيران وسوريا والسودان)، بالسماح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة حكومات الدول التي يتورط مواطنيها بتنفيذ عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة.
ويعتقد المحلل السياسي الأمريكي وخبير شؤون الشرق الأوسط المختص بالإرهاب والجماعات المسلحة، رياض محمد، أن الرئيس الأمريكي يريد من خلال زيارته لمراكز الديانات السماوية الثلاث “تحقيق عدة أهداف أولها “ترميم الشرخ الذي أحدثته سياسات أوباما مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.
ويضيف أن الزيارة تحمل في مضمونها كذلك “رسالة رمزية تتمثل في رغبته الظهور كصانع للسلام بين الأديان الثلاثة في العالم”.
ولايغفل محمد عن عمق الجانب البرغماتي لزيارة رجل الأعمال السابق، فهو يؤكد على أن الرئيس الأمريكي “يحاول تدعيم العلاقات الاقتصادية مع اثنين من أكبر مشتري الأسلحة الأمريكية في العالم، هما السعودية وإسرائيل”.
وتطرق رياض، إلى أن ترامب “ربما يأمل في رأب الصدع الذي تسببت به تصريحاته خلال فترة حملته الإنتخابية مع بابا الفاتيكان، الذي يتبعه قرابة 70 مليون كاثوليكي في الولايات المتحدة، وربما يكون إعداداً لتأييد كاثوليكي له فيما إذا قرر الرئيس ترامب الترشح لولاية ثانية، كما كان قد أعلن في السابق”.
وفي فبراير/ شباط الماضي دخل ترامب في سجال مع البابا فرانسيس عندما قرر الأخير الذهاب إلى الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك للصلاة مع المهاجرين العالقين على الحدود بين البلدين، ما دعا ترامب إلى أن يصف البابا بكونه “مسيس جداً”، وهو ما رد عليه الأب الروحي للكاثوليك بقوله “أن من يفكر ببناء الجدران فقط اينما كانت بدلاً من بناء الجسور، ليس مسيحياً”.
رياض محمد، أكد أن زيارة ترامب تحمل مؤشر “عودة واشنطن للمنطقة، ليمنح الطمأنينة لحلفائه هناك بحمايتهم من النفوذ الإيراني، كذلك لاستقطاب دعم مالي أكبر من دول مجلس التعاون الخليجي في محاربة داعش، وتعاون امني موسع بين هذه الدول واسرائيل من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى”.
من جهته يشير خبير الشرق الأوسط والأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية دانييل سيروير إلى أن ترامب “يكسر التقاليد الأمريكية، التي تبدأ بزيارة كل من كندا والمكسيك، لأنه لا يتوقع ترحيباً حاراً من أي من هذين البلدين. لكنه يتوقع ترحيباً حاراً في الفاتيكان والمملكة العربية السعودية وإسرائيل”.
وبسبب تهديد الرئيس الأمريكي لكندا والمكسيك بإلغاء اتفاق التجارة الحرة في أمريكا الشمالية، والذي يضمن حرية نقل البضائع دون رسوم جمركية، ازداد التوتر بين أوتاوا والمكسيك من جهة وواشنطن من الجهة الأخرى.
ويؤكد سيروير أن “السعوديين يحبون ترامب لأنهم يعتقدون بأنه سيتحدى إيران ولن يتصدى لأداء المملكة في مجال حقوق الإنسان، كما أن ترامب يحب السعوديين للأسباب التقليدية لأن المملكة غنية وتشتري الكثير من الأسلحة الأمريكية، لذا فإن هذا يبدو تطابقاً بالنسبة لي”.
ويرى الباحث الأمريكي المعروف أن محاولة ترامب اصلاح العلاقات المشروخة بين واشنطن والرياض ستكون “عن طريق الاستسلام لرغبات المملكة”.
أما على صعيد الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، فهو لايرى الأمل في أن ينجح في أمر فشل فيه سلفه من الرؤساء الأمريكيين، حيث يقول “لا أعتقد أن لديه فكرة عما يفعله، أو على الأقل لم يصدر عنه أي تلميح بأن لديه أي فهم لتعقيدات الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني على الإطلاق. كما أنه لم يقدم أي مقترحات لحل واضح، عدا عن تشكيكه بحل الدولتين. ليس لديه أي فهم لأبعاد الصراع”.
ويختلف السفير الأمريكي السابق وخبير معهد الشرق الأوسط للدراسات ريتشارد مورفي مع سيروير، في كونه يرى أن ثمة أمل في أن يتمكن ترامب من التوصل إلى نتيجة في وساطته بين الاسرائيليين والفلسطينيين، ويقول، في مكالمة هاتفية،: “أعتقد أنه (..)ترامب سيحاول بجدية (التوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين)”.
وتابع “لكن الحقيقة، أن موقف الإسرائيليين والفلسطينيين شديد التباعد حتى عن قبول الحد الأدنى من الطلبات التي قد يقبل بها أي من الطرفين”.
وشدد على أن الاتفاقية – وإن تم التوصل إليها – فهي “بكل تأكيد لن تكون اتفاقية سريعة” يتم من خلالها حسم مسائل “الحدود والأمن ووضع القدس، فليس هنالك ارضية مشتركة يمكن البدء من خلالها هناك”.
ويشرح الدبلوماسي الأمريكي السابق، الذي عمل سابقاً في ممثليات بلاده في لبنان، سوريا، السعودية، والأردن، رؤيته لدوافع ترامب في اختيار الرياض وتل أبيب وروما، قبلة لأولى زياراته.
ويقول: “أتوقع أنه يريد التأكيد على لعبه دور في بناء العلاقات مع السعوديين ورفاقهم في مجلس التعاون الخليجي، وهو بذهابه إلى إسرائيل، يريد أن يرى بنفسه ما الذي يمكن فعله للتوصل إلى اتفاق ما وصفه بـ(أعظم الإتفاقيات)”، متحدثاً عن الأمر بصفته “سمسار عقارات”.
ويعتبر الدبلوماسي السابق أن استياء السعوديين من أوباما مرده إلى أن الإدارة السابقة “فتحت العلاقات مع إيران بطريقة أثارت شكاً متزايداً داخل السعودية وولد لديهم إحساسا بأنهم قد تم تجاهلهم”.
وأوضح أن السعوديين لم ينظروا إلى الاتفاق النووي مع إيران من “مرآة” منعهم من امتلاك سلاح نووي، لكن رأوها كخطوة أساسية للإيرانيين لـ”يؤسسوا لموطئ قدم أكبر في الشرق الأوسط”.
وأشار إلى أن “هنالك حساسية شديدة لدى السعوديين من الدور الذي لعبته، وتحاول أن تلعبه، في الشرق الأوسط”.
وقال ترامب، إن أولى زيارته الخارجية، منذ توليه منصبه في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، ستكون للسعودية ثم إسرائيل.
وكالات