مع اشتداد الصراع في سوريا بين النظام والمعارضة، وتواصل عمليات القصف واللجوء والنزوح، طرحت فكرة إنشاء مناطق عازلة داخل البلاد، لتتحول لاحقا إلى الحديث عن مناطق آمنة،
ومن ثم غاب الحديث عن هذه المناطق لتخرج بصيغة جديدة وهي “مناطق تخفيف التوتر” التي نتجت عن اتفاق وقع مؤخرا بمؤتمر “أستانة4”.
فكرة إنشاء هذه المناطق باختلاف المصطلحات والمسميات، دارت في عدة حلقات، ومرت بمراحل عديدة، ومواقف دولية متبانية.
في 4 أيار/ مايو الجاري، وقعت الدول الضامنة لمباحثات أستانة (تركيا وروسيا وإيران) حول سوريا، مذكرة تشكيل “مناطق تخفيف توتر” في البلاد، وذلك في ختام اجتماعات الجولة الرابعة للمؤتمر في العاصمة الكازاخية، ودخل القرار حيز التنفيذ اعتباراً من منتصف ليل الجمعة/السبت الماضي.
وتنص المذكرة على تحديد أربع “مناطق خالية من الاشتباكات”، تشمل محافظة إدلب (شمال غرب)، وأجزاء من محافظات اللاذقية وحماة وحلب المجاورة، وبعض المناطق شمالي محافظة حمص (وسط)، والغوطة الشرقية بريف دمشق، ومحافظتي درعا والقنيطرة، جنوبي سوريا.
وتعود فكرة “المناطق الآمنة” بداية إلى تركيا في العام 2011 عام بعد أشهر من بداية الأزمة السورية، حيث طرحت في عدة مناسبات دولية، خلال اجتماعات دول أصدقاء الشعب السوري، أو عبر دول مجموعة العمل، خطتها بإنشاء “مناطق عازلة”، سرعان ما تحول اسمها إلى مناطق آمنة، وذلك لازدياد وتيرة قصف النظام بمختلف الأسلحة لمناطق سيطرة المعارضة.
وأسفرت عمليات القصف هذه إلى حركة نزوح كبيرة من هذه المناطق، ولجوء مئات الآلاف إلى تركيا، إلى أن وصل عددهم اليوم الى نحو 3 ملايين، ولاقت هذه الخطة قبولا كبيرا من قبل الدول الأوروبية، فيما عارضتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كما رفضت ذلك روسيا، التي تدعم النظام منذ بداية النزاع.
ومع بدء عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العام 2014، عاد الحديث مجددا عن المناطق الآمنة، بعد إعلان تركيا مشاركتها، عقب مفاوضات مع أمريكا، ولكن هذا الأمر لم يتحقق، وأعرب وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري، معارضة بلاده لهذه المناطق، في ظل تأييد فرنسي بريطاني.
كما أرجع البيت الأبيض سبب الرفض إلى أن الرئيس أوباما لا يعتبر هذه المناطق حلا عمليا لما يحدث في سوريا، لأنه لا يريد أن يضع الولايات المتحدة في موقف تكون فيه مسؤولة عن فرض هذه المناطق الآمنة، كما كانت مبررات طلب تشكيل المناطق الآمنة متوقفة على موافقة من مجلس الأمن الدولي، وبسبب خشية استخدام روسيا لحق النقض (الفيتو) ضد أي قرار بهذا الصدد، تم تعطيل طرح هذا الأمر.
فكرة تركيا عن المناطق الآمنة كانت تدور حول مناطق حظر طيران تسيطر عليها المعارضة المسلحة، ويتم تأسيس البنية التحتية لها خدميا، وإنشاء مدن حديثة تضم اللاجئين السوريين في دول الجوار، وتكون ملاذا للهاربين من مناطق الاشتباك في سوريا، لتكون مدنا نموذجية.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعاد فكرة هذه المناطق مجددا إلى الواجهة بعد فترة قصيرة من توليه الحكم قبل أشهر، حيث قال إنه سيقيم مناطق آمنة في سوريا لحماية الأشخاص الفارين من العنف هناك، دون ذكر تفاصيل عنها، لتبدأ التكهنات والتسريبات، بأنها ستكون في مناطق حدودية في الشمال والجنوب، بحماية الدول الفاعلة في سوريا، وهي أمريكا وتركيا وروسيا.
وفي ظل كل هذا جاءت مذكرة مناطق خفض التوتر التي وقعت بين تركيا وروسيا وإيران كدول ضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا، لتكون حلقة جديدة في هذه السلسلة، التي ربما لا تكون الأخيرة.
مؤسس الجيش الحر العقيد رياض الأسعد، قال معلقا على المذكرة الجديدة، إن “المناطق الآمنة هي فكرة قديمة، أول من طرحها الاتراك لتكون مناطق خالية من القصف، وتعود الحياة لبعض المناطق، لتكون محفزا للاجئين في الخارج، بالعودة لهذه المناطق”.
واستدرك في تصريح صحفي “لكن اليوم مناطق خفض التوتر مصطلح غير مقبول، وعبر التاريخ لم نسمع بخفض التوتر، هناك إما وقف إطلاق النار، أو حظر أو توقف للطيران”.
واعتبر الأسعد ان “هذا المصطلح خلقه الروس كما الهدن بغرض التهجير، وسباق الزمن وقطع الطريق على الدول التي يمكن أن تفكر بمشروع المناطق الآمنة الحقيقية، التي تحقق الأمن والأمان للسوريين، فاستبقوا الأمر ليعطوا شرعية لوجودهم، ليتحولوا من غزاة ومحتلين، لضامن، وكذلك إيران”.
الأسعد وصف المناطق الآمنة بأنها “يجب ان تكون خالية من كل انواع القصف والأعمال العسكرية، وهو التعريف الطبيعي لها، وتعود الحياة تدريجيا فيها، وبناء البنية التحتية، وتأمين المستلزمات، مما يشجع عودة اللاجئين والنازحين”.
وحول تطور فكرة المناطق الآمنة وصولا إلى مناطق خفض التوتر، أفاد “فكرة المناطق الامنة لم تتطور بل تراجعت بشكل كبير”.
وأردف “يحاولون كسب الزمن للاستيلاء على أكبر قدر من الأرض”.
ولفت إلى أن “هناك تجاذب اليوم بين أمريكا وروسيا، وطرحت الفكرة من تركيا قبل سنوات ولم يأبه ويتفاعل معها أحد، قبل أن يعيد طرحها ترامب ويتم إقرارها بشكل جديد وهو مناطق تخفيف التوتر في استانة”.
من ناحيته، قال الكاتب والباحث اللبناني علي باكير إلى أن “مناطق خفض التوتر تختلف عن المناطق الآمنة، وأعتقد أنّها طرحت بالأساس من قبل الجانب الروسي لإحداث هذا النوع من الخلط، فموسكو تريد ان تقول للآخرين ولاسيما أمريكا وتركيا، هذه هي المناطق التي لطالما طالبتم بها، تعالوا وادعموا هذه الفكرة”.
وأضاف “لكن باعتقادي فان الهدف من طرح هذه الفكرة من قبل الجانب الروسي، هو العمل على كسب المزيد من الوقت، واحتواء الموقف الأمريكي، كي لا يذهب بعيدا بعد الضربة المحدودة التي تمّ توجيهها لنظام الأسد”، ويقصد قصف مطار الشعيرات في حمص وسط البلاد، عقب قصف مدينة خان شيخون بريف إدلب (شمال) من قبل النظام بالأسلحة الكيمياوية.
باكير وحول رأيه في فاعلية هذه المناطق، أفاد “عملياً، ليس هناك مصداقية لدى روسيا أو ايران كي تضمنا تنفيذ اتفاق مناطق خفض التوتر، وحتى إن فعلا ذلك فطالما أنّ هذا الاتفاق لا يستند إلى أي من قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالوضع السوري، وغير مرتبط بعملية الانتقال السياسي، فستظل قدرة موسكو وطهران ونظام الاسد على اختراقه قائمة، عندما يرون ان الوقت قد حان لذلك”.
وفي 4 أبريل/ نيسان الماضي، قتل أكثر من 100 مدني، وأصيب أكثر من 500(غالبيتهم من الأطفال) في هجوم بالأسلحة الكيميائية شنته طائرات النظام على “خان شيخون” بريف إدلب وسط إدانات دولية واسعة.
وردًا على الهجوم، هاجمت الولايات المتحدة في 7 أبريل/نيسان الماضي قاعدة الشعيرات الجوية في محافظة حمص (وسط) بصواريخ عابرة من طراز “توماهوك”، مستهدفة طائرات للنظام ومحطات تزويد الوقود ومدرجات المطار.
وكالات