استقلال القضاء”، مطلب أبرز رفعه مرتدو ثوب العدالة في مصر مؤخرا احتجاجا على تحويل صلاحية اختيار قادتهم لرأس النظام، وهو ما أعاد للأذهان أزمة مماثلة بين الصحفيين والسلطة التنفيذية
دامت عاما، وانتهت مؤخرا لصالح الأخيرة.
فبعد مجلس لنقابة الصحفيين يميل معظمه إلى “التمرد”، جاء آخر مؤخرا أغلبه “غير مناوئ” للسلطات. ومرر البرلمان تشريعا لتشكيل الهيئات المنظمة للصحافة رغم اعتراض عليه من حملة الأقلام. وأفرز التشريع هيئات صحفية وإعلامية مستحدثة يغلب عليها المؤيدون للسلطات.
وفيما يرى البعض أن أزمة رؤوساء الهيئات القضائية التي يعينها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، شهدت “تصعيدا إعلاميا غير مبرر وإثارة لشائعات”، يعتبرها وزير أسبق للعدل في حديثه للأناضول، تمثل مساسا باستقلال القضاء، متوقعا صدور حكم بعدم دستورية التعديلات الأخيرة بشأن تعيين رؤوساء الهيئات القضائية التي أقرها كل من البرلمان والرئيس مؤخرا.
ويرى نقابي مصري بارز،، أن أزمتي القضاة والصحفيين، امتداد لأزمات متوالية سابقة مع رأس البلاد طالت الأطباء ورؤساء الجامعات والهيئات الرقابية، في إطار ما يعتبره “خطة سيطرة متوالية وشاملة ينفذها النظام”، معربا عن قلقه أن يستمر ذلك في عام الاستعدادات للانتخابات الرئاسية التي تجرى في 2018.
ويوم الجمعة المقبل، كان من المفترض أن يناقش نادي قضاة مصر (رابطة غير حكومية تهتم بشؤون القضاة) في جمعية عمومية غير عادية قضية استقلال القضاء، وهو ما يتزامن مع مرور عام على يوم “كرامة الصحفيين” للدفاع عن مطالب صحفية رفعت وقتها في هذا الإطار.
غير أن أعلي هيئة تنفيذية بنادي قضاة مصر، قررت مساء أمس الاثنين اتخاذ إجراءات الطعن بعدم دستورية القانون أمام المحكمة الدستورية العليا (أعلى محكمة بالبلاد)، وتأجيل الجمعية العمومية التي كان عنوانها الأبرز “استقلال القضاء” حتى إشعار آخر لعرض نسخة معدلة من قانون السلطة القضائية مثار الجدل تنال ثقة الجمعية.
ويحق للجمعية العمومية التقدم بهذه النسخة المعدلة إلي البرلمان للنظر فيها تمهيدا لاحتمال التصويت عليها بالقبول أو الرفض.
عام بين “استقلال” القضاء و”كرامة” الصحفيين
التعديلات، التي اعتبرها نادي قضاة مصر في بيان سابق “تهدد استقلال القضاة”، صادق عليها السيسي، الخميس الماضي، بما يتضمن منحه حق تعيين رؤساء الهيئات القضائية من بين 3 نواب ترشحهم الأخيرة خلال 60 يوماً على الأقل، تسبق خلو المنصب.
ويأتي ذلك على خلاف ما كان معمولاً به من اختيار أقدم نواب الهيئة، رئيساً لها، وحصر دور رئيس البلاد في التصديق على الاسم.
ويمتد شغل القاضي للمنصب لمدة 4 سنوات أو المدة الباقية له حتى بلوغه سن التقاعد (70 عاما) أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله.
والهيئات هي: النيابة الإدارية (تختص في التحقيق في المخالفات الإدارية)، وهيئة قضايا الدولة (هيئة قضائية تنوب قانونياً عن الدولة في الداخل والخارج)، ومجلس الدولة (يفصل في المنازعات والمخالفات الإدارية)، ومجلس القضاء الأعلى (أعلى سلطة معبرة عن القضاة)”.
وفي صمت سبق هذا التشريع بنحو أسبوعين، شكل السيسي 3 هيئات بالبلاد معنية بالصحافة والإعلام، بشخصيات أغلبها مؤيدون بارزون لنظامه، تطبيقا لتشريع برلماني صادق عليه في ديسمبر/ كانون أول الماضي، يعيد تنظيم عمل تلك المهنتين البارزتين بمصر، وسط رفض نقابي وقتها لصدور تشريع إنشاء الهيئات منفردا، دون آخر مختص بالقوانين المنظمة لعمل الصحافة والإعلام.
وجاء التشريع الأخير وسط عام مليء بالتجاذبات بين السلطة التنفيذية والصحفيين وقرارات قضائية سمحت في مطلع مايو/آيار 2016 بدخول الشرطة في سابقة تاريخية، لمقر نقابة الصحفيين وسط القاهرة للقبض على صحفيين اثنين كانا يواجهان تهما متعلقة بالتحريض على التظاهر دون ترخيص، وصعدت النقابة مواقفها في يوم أطلق عليه “يوم الكرامة”،
مطالبة باعتذار الرئاسة وإقالة وزير الداخلية مجدي عبد الغفار، وهو مالم يحدث حتى الآن.
فيما خضع نقيب الصحفيين وقتها، يحيي قلاش، ورئيس لجنة حريات النقابة خالد البلشي (اللذان خسرا منصبيهما النقابي في انتخابات مارس/آذار الماضي)، وعضوها مجلسها الحالي جمال عبد الرحيم، لمحاكمة بتهمة إيواء المتهمين الاثنين، وصدر بحقه قلاش والبلشي وعبد الرحيم حكم غير نهائي بالحبس مع وقف التنفيذ، وأثناء ذلك تم اختيار مجلس جديد للصحفيين أغلبه غير مناوئ للنظام.
وعلى نحو ما كان الصحفيون منقسمين في أزمتهم قبل عام بين من مؤيد للتصعيد ضد النظام أم لا، حيث تصدر الصحفي المصري المخضرم، مكرم محمد أحمد الرافضين (صار فيما بعد مسؤولا عن إحدى الهيئات المنظمة لعمل الصحافة)، فالموقف الآن يتكرر مع القضاة فهناك تيار مع القبول بالتشريع وآخر يرفضه من حيث المبدأ.
المؤيدون والرافضون.. سيطرة أم شائعات؟
وزير العدل الأسبق بمصر، أحمد سليمان، يرى، أن “التصديق الرئاسي وتمرير تشريع رؤساء الهيئات القضائية هو نيل من استقلال القضاء بتدخل سلطة تنفيذية في تعيين سلطة أخرى”.
ويضيف سليمان، وهو قاض أيضا أحيل للتقاعد لموقفه من النظام الحالي: “القضاة أكلوا يوم أكل كثيرون، منهم الصحفيون وغيرهم”.
وأكد أن “القانون جاء ليطيح بصاحب الأقدمية في التعيين في رئاسة مجلس الدولة ومحكمة النقض وهما على الترتيب القاضي يحيي الدكروري، صاحب حكم بطلان اتفاقية تيران وصنافير(الموقعتين بين مصر والسعودية)، وبعده القاضي أنس عمارة الذي أشيع أنه مع قضاة الاستقلال”.
ويرى النقابي المصري البارز، الصحفي خالد البلشي، في حديث للأناضول، أن “القضية ليست في أن أكل القضاة أو غيرهم، الحقيقة نحن جميعا نؤكل (..)، وبالطبع لو كان هناك رد فعل حقيقي وقوي مع الصحفيين، لكان قد صعب المهمة في القادم”.
ويؤكد البلشي وهو رئيس سابق للجنة الحريات بنقابة الصحفيين أن “ما حدث للقضاة حدث في مشروع الهيئات الإعلامية والصحفية ومن قبلهم طال المجتمع المدني والنقابات المهنية لاسيما الأطباء (بعد أن قاموا بتظاهرات غاضبة ضد اعتداء أمني في فبراير/ شباط 2015)،
وقانون عزل الهيئات الرقابية (صدر في يوليو/ تموز 2015 بقرار رئاسي مهد للإطاحة بمسؤول رقابي بارز هو هشام جنينه)، وتعيين رؤساء الجامعات (قرار رئاسي في 2014 ألغى انتخاب قادة الجامعات)”.
واعتبر البلشي أن “الاستقلال فقد في أكثر من مكان في مقابل مزيد من السيطرة المتوالية والشاملة من رئيس السلطة التنفيذية”، وهو ما يتفق معه سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسي، في حديث للأناضول، معتبرا ما يحدث “إجراءات لتجميع كل السلطة في يد الرئيس السيسي ومن يؤيده”.
في المقابل، يصف رفيق سلام، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية ما يتردد بأنه “شائعات غرضها إحداث توترات داخل الجهاز التنظيمي للدولة”، مؤكدا أن “القانون أضاف للقضاء ولم يمس استقلاله وينظم عمل الهيئات القضائية فقط”.
ونافيا أسباب صدوره التي أثيرت، يضيف سلام في تصريحات سابقة لصحيفة الوطن الخاصة بمصر (موالية للحكومة)، أن “الاعتراضات هدفها الاستعراض الإعلامي فقط، وليست مصلحة الدولة (..) وأعتقد أن القانون صدر بصفة عامة وليس بأسماء أشخاص أو جهات أو هيئات معينة”.
مستقبل صدام .. القضاة والنظام
عن التطورات المنتظرة يوضح وزير العدل الأسبق، أحمد سليمان أنه “في كل الأحوال ليس أمام القضاة إلا القبول بالقانون ثم التعامل معه”.
وكان المجلس الأعلى للقضاء أعلن أمس الأول الأحد، موافقته على القانون المثار بعد يوم من موافقة هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة، وتحدد مجلس الدولة 13 مايو/آيار الجاري لإعلان أسماءه في إشارة لقبوله بالقانون.
وبعد إعلان نادي قضاة مصر الطعن أمام المحكمة الدستورية، توقع سليمان أن تقضي المحكمة بعدم دستورية التعديل.
أما النظام، فيتوقع خالد البلشي، أن يتلزم بسينارو واحد وهو “استكمال نفس الخطوات سعيا لاستمرار السيطرة على كل شيء”.
وأوضح أن “السيطرة على القضاء والإعلام في عام من المفترض أنه يشهد الاستعداد لانتخابات رئاسية يؤشر لمستقبل ما سنذهب له وهو ما يحتاج لتحرك الآن”.
وتلك السيطرة خطوة يراها الأكاديمي سعد الدين إبراهيم في حديثه للأناضول “إنذارا لمن سيخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة”، بعد أن أعلن الرئيس المصري اعتزامه خوضها واستعداده للقبول بالهزيمة فيها إذا رفض .المصريون استمراره
وكالات