ولم يكن المنشور 108 الصادر عن وزارة التربية هو الوحيد حينها حيث سبقه منشور للوزارة الأولى اعتبر الحجاب “زيًا طائفيًا منافيًا لروح العصر وسنة السليم”، ولحقته مناشير عديدة صادرة عن وزارات متعددة على غرار وزارة التعليم العالي، والصحة العمومية. وتكشف الإحصائيات بأن المؤسّسات التعليمية كانت أكثر المؤسّسات التي تم فيها التضييق على حرية اللباس تليها وزارة الداخلية بكل هياكلها ثم مؤسسات الصحة العمومية.
حيث انجر عن انتهاك حرية التونسيات في اللباس عدة انتهاكات أخرى مثل المنع من الارتزاق وانتهاك الحق في التعليم والحق في التنقل، ليتطور الأمر إلى الإيقاف والهرسلة والمضايقات الأمنية طيلة عقود.
وقد عكس انتهاك حرية اللباس مدى تعسف نظام الاستبداد ومصادرته لأبسط حريات التونسيات في اختيار لباسهن، حيث كان انتهاك حرية اللباس في تونس ممنهجا ذلك أن منع ارتداء الحجاب تم عن طريق جملة من الإجراءات والآليات الإدارية فاُعتبر ارتداؤه “إخلالاً بواجب التحفظ المفروض على الموظف وخطأ فادحًا يستوجب الطرد”، وذلك إضافة للإجراءات الأمنية التعسفية.
فقد اعتبر المسؤولون في أجهزة النظام السابق أن “الحجاب” ذو رمزية ومفهوم سياسي فتم إعداد الخطط لمنعه وللتصدي للنساء اللواتي يرتدينه، حيث شن النظام حملات ضد المحجبات اللاتي لم تكنّ بالضرورة ناشطات سياسيًا بل كن تلميذات وطالبات وموظفات في الإدارة وعاملات وربات بيوت. تعرّضن للهرسلة والإهانة في الطريق العام وكان يتم الاعتداء عليهن ونزع الحجاب بالقوة ثم الجرّ إلى مراكز الشرطة لإمضاء التزام بخلعه.
كما تم منع المحجبات من دخول الإدارات والمؤسسات العمومية، وانتهاك حقهن في التعليم. فكان نتاج هذه المناشير، التعرض للمراقبة الأمنية والحرمان من الفضاء العام حتى وصل الأمر للحرمان من الارتزاق.
وقد تصدت جمعيات حقوقية لهذه المناشير وساندت ضحاياه باعتبارها تدخلاً سافرًا في مجال الحريات الفردية، حيث رافق حقوقيون النساء في المعركة القضائية أمام المحاكم التي قضت لصالح النساء الشاكيات في أغلب قضايا الطرد من مقاعد الدراسة والعمل لمجرّد ارتداء الحجاب، وذلك رغم عدم القضاء بعدم دستورية هذه المناشير، وأيضًا عدم حصول المتضررات على حقهن زمن المخلوع.
ومثل تشبث المرأة التونسية بحقها في ارتداء ما تشاء وعدم انصياعها للمناشير والأوامر الظالمة رغم كل الممارسات القمعية والمضايقات نوعًا من الصمود والمقاومة طيلة عقود الاستبداد. وقد استردّت التونسيات حريّتهن في اللّباس بفضل الثورة.
ورغم الإجماع اليوم حول حرية المرأة التونسية في ارتداء الحجاب أو ما تشاء من لباس، تنادي بعض الأصوات بمنع ارتداء لباس آخر وهو النقاب، خاصة في ظلّ تصاعد الخطر الإرهابي والخشية من استغلاله في العمليات الإرهابية. وهي طلبات يرفضها جمع واسع من الحقوقيين بعنوان حرية ارتداء اللباس مع التأكيد في الوقت ذاته على حق السلطات في تقييده في بعض الفضاءات العمومية لاعتبارات أمنية صرفة.