47 مليون ناخب فرنسي يتوجّهون، اليوم الأحد، إلى صناديق الإقتراع، لاختيار رئيس جديد للبلاد، في اقتراع “تاريخي” يأتي هذا العام مثقلا بالتهديدات الإرهابية.
11 مرشحا يتنافسون على تأشيرة العبور إلى قصر الإليزيه، غير أن 4 فقط منهم صنفتهم استطلاعات الرأي ضمن قائمة الأوفر حظا، وهم المرشح المستقل، إيمانويل ماكرون، ومرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، ومرشح اليمين التقليدي، فرانسوا فيون، واليسار الراديكالي، جان لوك ميلونشون.
إقتراع على وقع التهديدات
هجوم إرهابي، استهدف مساء الخميس الماضي، حافلة للشرطة الفرنسية بقلب العاصمة الفرنسية باريس، وأسفر عن مقتل شرطي وإصابة اثنين آخرين وسائحة، وفق الحصيلة الرسمية، في حادثة بعثرت المشهد العام في البلاد قبل 3 أيام فقط من الرئاسية.
عملية أعلن تنظيم “داعش” على الفور مسؤوليته عنها، ويعتقد المطلعون على الشأن السياسي المحلي أن تداعياتها ستنعكس آليا على نوايا التصويت، خصوصا في ظل تفاقم التهديدات المخيمة بثقلها على يوم الإقتراع.
وأمس السبت، كشفت صحيفة “لو باريزيان”، نقلا عن مذكّرة سرية للاستخبارات العامة بفرنسا و”المديرية المركزية للأمن العام” في البلاد، وجود مخاطر أمنية محدقة بالدور الأول للرئاسية، بما في ذلك “تهديدات يطرحها متشدّدون”.
وذكرت الصحيفة أن السلطات قررت، بناء على ذلك، تكثيف إجراءاتها الأمنية حول مكاتب التصويت، معلنة حشد ما لا يقلّ عن 50 ألفا من قوات الأمن ممن سيضطلعون اليوم بمهمة تأمين المكاتب البالغ عددها 69 ألفا بالأراضي الفرنسية وبمقاطعاتها وأقاليمها الواقعة خارج القارة الأوروبية.
وجاء في مذكرة الإستخبارات الفرنسية أن “الحضور الأمني على امتداد عملية التصويت أمر ضروري”، لافتة أن تعبئة القوات اللازمة تطلب العديد من التدابير بينها “فرض قيود على إجازات الأمنيين”.
الصحيفة ذكرت أيضا، نقلا عن مسؤول رفيع بالشرطة الفرنسية لم تسمّه، أن “دوريات ستخصص لتأمين مكاتب التصويت”.
ولم توضح اليومية الفرنسية تاريخ إعداد المذكّرة السرية، أي ما إن جرى ذلك قبل أو بعد إطلاق النار بجادة “الشانزيليزيه” في باريس.
وعلاوة على الإرهاب، تطرّقت الوثيقة أيضا إلى أن “المديرية المركزية للأمن العام” تخشى وقوع تجاوزات في حال مرور لوبان أو ميلونشون، إلى الدور الثاني للاقتراع، مشيرة أنه “من المتوقع، بيقين شبه كامل، اندلاع احتجاجات في هذه الحالة”.
احتجاجات متوقعة أرجعتها المخابرات الفرنسية إلى “حركات اليسار الراديكالي”، ضمن موجة احتجاجية يمكن أن “تتسبب في اضطرابات خطيرة”، وفق المصدر نفسه.
العزوف.. ثقل قد يفرز نتائج صادمة
كشفت استطلاعات الرأي بفرنسا أن نسبة العزوف عن التصويت بالدور الأول للرئاسية تناهز هذا العام 35 %، وهو رقم “صادم” وفق الإعلام الفرنسي، بالنسبة لاقتراع قادر، في الحالات العادية، على استقطاب 80 % من الناخبين.
ارتفاع في عدد الفرنسيين الذين قرروا مقاطعة الاقتراع، يأتي، وفق مراقبين، كنتيجة بديهية لما يعتبره الكثير منهم “غيابا للوضوح على مستوى العرض الانتخابي لهذا العام”، ما يدفع “الأكثر راديكالية” منهم إلى التصويت.
“المعهد الفرنسي للرأي العام” “إيفوب” (مستقل)، قدّر في دراسته الدورية، الصادرة في 7 أبريل/ نيسان الجاري، أن معدّل عزوف الناخبين الفرنسيين عن التصويت بلغ 35 %، ما يعني أن نسبة المشاركة المتوقعة لن تزيد على 65 %، أي أنها أقل حتى من تلك المسجلة في انتخابات 2002 (71.60 %).
امتناع يشي، في حال تجسّد خلال تصويت اليوم، بأنه سيكون المحدد الرئيسي لنتائج الجولة الأولى للاقتراع، لأنه كلما ارتفع عدد المقاطعين له من تيار معيّن، إلا ورجحت الكفة لصالح التيار المنافس.
فعزوف عدد من ناخبي اليسار قد يدعم احتمال مرور مرشحيْ اليمين التقليدي واليمين المتطرف (فيون ولوبان) إلى الدور الثاني، تماما مثلما حصل في رئاسيات 2002، حين شهدت البلاد مواجهة بين مرشحيْ اليمين جاك شيراك، واليمين المتطرف جان ماري لوبان، انتهت بفوز الأول.
لكن في حال غلبت كفة العزوف في معسكر اليمين، فقد ينتهي الاقتراع بجولة ثانية بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان، ما يطرح -احتمالا- الخطر نفسه وهو صعود اليمين المتطرف إلى الحكم.
وفي الواقع، فإن السيناريو نفسه شهدته أيضا رئاسيات 2012، والتي انتهت بفوز الرئيس المنهية ولايته، فرانسوا أولاند، بفضل عزوف جزء من ناخبي اليمين عن التصويت، محققا تقدما بنحو 1.1 مليون صوت من أصل 46 مليونا، عن منافسه اليميني نيكولا ساركوزي.
سيناريوهات مفتوحة
يعترف عدد كبير من المحلّلين السياسيين بفرنسا بأن المشهد الانتخابي لم يكن بذات الضبابية التي هو عليها اليوم، وبنفس التضارب الناضح من جميع تفاصيله: رئيس منتهية ولايته فضّل الإنسحاب وعدم الترشح لولاية ثانية، وشاب في الـ 39 من عمره (ماكرون)، وبدون خبرة سياسية تقريبا، على رأس المرشحين أوفر حظا.
وبين الأمريْن، تحوم مخاطر الاستبعاد منذ الدور الأول على التيارات التقليدية التي لطالما هيمنت على المشهد السياسي (اليمين واليسار)، ما يفتح الاقتراع على جميع الاحتمالات، بما في ذلك مرور الأضداد (اليمين المتطرف واليسار الراديكالي) إلى الدور الثاني.
في الأثناء، يخشى مراقبون حدوث تداعيات سلبية على نوايا التصويت، في ظل التوتر الأمني الذي تشهده البلاد في الآونة الأخيرة، على خلفية هجوم “الشانزيليزيه”، قبل 3 أيام، وحادثة اعتقال مسلح لوّح، أمس السبت، بسكين في وجه دورية للشرطة بمحطة للقطارات بباريس.
ومع أن استطلاعا أجراه معهد “إيفوب” ونشر أمس أول الجمعة، أي قبل ساعات قليلة من سريان فترة الصمت الإنتخابي (بدأت منتصف الليل نفسه بفرنسا ومنتصف الخميس الماضي بأقاليم ما وراء البحار)، أظهر تقدما طفيفا لـ “ماكرون” (24.5 %)، تليه لوبان بـ 22.5 %، إلا أن التجارب الانتخابية السابقة أظهرت مفارقة كبيرة بين نوايا التصويت للناخب الفرنسي وبين قراره الأخير أمام صناديق الإقتراع.
فما بين النوايا والتجسيد، يعتبر مراقبون أن هناك فجوة هائلة محكومة في الغالب بالأحداث التي تسبق الإقتراع مباشرة، علاوة على الخلفية الفكرية لكل ناخب، وحتى لحالته النفسية أو ما يحدث معه من أحداث عرضية قبل إدلائه بصوته.
ضبابية قد تقلب جميع التوقعات، وتبعثر ترتيب “إيفوب” الذي وضع، استنادا إلى استطلاع شمل عينة من الفرنسيين يقدر عددهم بـ 3 آلاف، فرانسوا فيون في المركز الثالث بـ 19.5 %، متقدما بفارق بسيط على جان لوك ميلونشون (18.5 %)، وقد تفرز ثنائيا غيّبته جميع التوقعات وجميع السيناريوهات المطروحة.
وكالات