العلاقات بين الوكالة اليهودية والكتلة الوطنية والمعارضة الشبهندرية

هيئة التحريرLast Update :
dfskgjjdf112fdlddffff

dfskgjjdf112fdlddffff

تعالج هذه الدراسة العلاقات والاتصالات السرية التي أجرتها الوكالة اليهودية مع قادة الكتلة الوطنية السورية والمعارضة الشهبندرية أثناء الثورة العربية الفلسطينية الكبرى في المدّة 1936- 1939.

وتتابع ماهية العلاقات السرية التي أقامها جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية بأبرز قادة الكتلة الوطنية، مثل جميل مردم، ولطفي الحفار، ونسيب البكري، وبقادة المعارضة الشهبندرية، مثل عبد الرحمن الشهبندر، ومحمد الأشمر، ونصوح بابيل. وتستند هذه الدراسة أساسًا إلى المصادر الأولية، وبخاصةٍ تقارير كبار جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية عن هذه الاجتماعات والاتصالات، وإلى محاضر الاجتماعات بين مسؤولي الوكالة اليهودية وقادة الحركة الوطنية في سورية، والمحفوظة في الأرشيفات الإسرائيلية، ولا سيما الأرشيف الصهيوني المركزي، والتي كانت سرية عقودًا طويلة.

مقدمة

تعالج هذه الدراسة[1] العلاقات والاتصالات السرية التي أجرتها الوكالة اليهودية مع قادة الكتلة الوطنية السورية والمعارضة الشهبندرية، أثناء الثورة العربية الفلسطينية الكبرى في المدة 1936-1939؛ فلقد أدركت الوكالة اليهودية أن سورية باتت تشكّل منذ انطلاق هذه الثورة قاعدة إسناد، ومركزًا قياديًّا مهمًّا للثورة الفلسطينية على مختلف الصُعُد. لذلك اهتمت الوكالة اليهودية اهتمامًا كبيرًا بها، وكثف جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية من اتصالاته السرية بنخب سورية مختلفة؛ بغرض التأثير فيها لوقف الدعم الذي كان يقدمه الشعب السوري وقواه الوطنية للثورة الفلسطينية، وكسبها للعمل لمصلحة الوكالة اليهودية، وشق صدع بين الحركة الوطنية السورية والحركة الوطنية الفلسطينية، والحصول على دعم هذه النخب لإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين، وتهميش حقوق الشعب العربي الفلسطيني وحل القضية الفلسطينية في إطار اتفاق عربي – يهودي صهيوني شامل على حساب الشعب العربي الفلسطيني.

وتستند الدراسة إلى مصادر أولية، وفي مقدمتها تقارير كبار المسؤولين في جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية الذين أجروا تلك الاتصالات، والتي كانت سرية عقودًا طويلة، وهي محفوظة في الأرشيفات الإسرائيلية. كما تستند إلى مذكرات قادة الوكالة اليهودية حينئذ، علاوة على الدراسات والكتب والمذكرات التي عالجت تلك المدة.

مواصلة اتصالات الوكالة اليهودية بقادة الكتلة الوطنية

عقدت الوكالة اليهودية اجتماعين رسميين بالكتلة الوطنية في آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر 1936[2]. ولم يعقد الطرفان بعد هذين الاجتماعين اجتماعات رسمية بينهما. بيد أن الوكالة اليهودية أجرت في أعقاب هذين الاجتماعين الرسميين سلسلة واسعة من الاتصالات والاجتماعات غير الرسمية ببعض قادة الكتلة الوطنية وبعض قادة المعارضة الشهبندرية، وقيادات ونخب سورية أخرى، من خلال القسم العربي (جهاز المخابرات) التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية.

ففي بداية كانون الثاني/ يناير 1937؛ وصل مندوبا الدائرة السياسية للوكالة اليهودية إلياهو ساسون[3] وإلياهو أبشتاين[4] إلى دمشق؛ لإعطاء رئاسة الكتلة الوطنية محضرَيِ الاجتماعين السابقين بين الوكالة اليهودية والكتلة الوطنية، وتهنئة قادة الكتلة الوطنية بتشكيل الحكومة السورية الجديدة، بموجب الاتفاقية السورية – الفرنسية (1936)، وإجراء اتصالات بقادة الكتلة ونخب سورية أخرى. واجتمع مندوبا الوكالة اليهودية في هذه الزيارة بجميل مردم (1893-1960) رئيس الحكومة السورية، وشكري القوّتلي (1893-1967) وزير الدفاع والمالية السوري، وفخري البارودي (1887-1966)، وفايز خوري (1895-1960)، ونصوح بابيل (1905-1986)، ووديع تلحوق (1914-1984)، وفريد زين الدين (1909-1973)[5]. وهم من شخصيات الكتلة الوطنية والمعارضة الشهبندرية للحكومة الكتلوية.

ففي 2 كانون الثاني/ يناير 1937 قام إلياهو ساسون وإلياهو أبشتاين يرافقهما عميل الوكالة اليهودية في دمشق دافيد بينتو[6] بزيارة شكري القوّتلي في بيته في دمشق. وكانت هذه الزيارة زيارة مجاملة بروتوكولية. فبعد تقديمهما التهنئة له بمناسبة تشكيل الحكومة السورية، أخبراه أنهما زاراه من أجل إعطائه محضرَي الاجتماعين السابقين بين الكتلة الوطنية والوكالة اليهودية، واعتذرا عن التأخر في إحضار هذين المحضرين لانشغال الكتلة الوطنية بالانتخابات البرلمانية، وبتشكيل الحكومة السورية. شكر القوّتلي مندوبَي الوكالة اليهودية ساسون وأبشتاين على تهنئتهما، وعلى إتيانهما بالمحضرَين، ووضح لهما أن الحكومة السورية التي تشكلت قبل نحو عشرة أيام فقط، لا تستطيع إجراء مفاوضات مع الوكالة اليهودية؛ لأنها منهمكة جدًا في القضايا السورية الداخلية[7].

وفي 4 كانون الثاني/ يناير 1937 اجتمع ساسون وأبشتاين وبينتو، برئيس الحكومة السورية جميل مردم في مقر الحكومة السورية بدمشق. وسلّم أبشتاين في بداية هذا الاجتماع جميل مردم رسالة من حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، هنأه فيها بتشكيل الحكومة السورية الجديدة، وكذلك نقل له شفويًا تهنئة موشيه شرتوك رئيس الدائرة السياسية للوكالة اليهودية بهذه المناسبة. وعبر جميل مردم عن شكره لوايزمان وشرتوك على تهنئتيهما، وقال إن الاجتماعين اللذين عقدهما مع حاييم وايزمان (Chaim Weizmann 1874-1952) تركا فيه أثرًا عميقًا. وأعرب عن اعتقاده أنه ما دام هناك رجل سياسي مثل وايزمان، ورجل محنك وخبير في قضايا الشرق الأوسط مثل موشيه شرتوك Moshe Shertuk 1894-1965))، فإنه متفائل بأن قضية العلاقات بين اليهود والعرب ستجد لها الحل المرغوب فيه. وأضاف مردم أنه اطلع على ما دار في الاجتماعين السابقين بين الكتلة الوطنية السورية والوكالة اليهودية، ووضح لهما أن الحكومة السورية مشغولة جدًا بالقضايا الداخلية السورية، وأنها ستعالج مسألة المفاوضات مع الوكالة اليهودية في أول فرصة تسنح لها بعد معالجة القضايا السورية الداخلية. وأعرب عن أسَفه لعدم التوصل إلى سلام بين ‘الشعبين العربي واليهودي’ وأكد اعتقاده أن الصراع بين هذين الشعبين هو صراع بين أقرباء وليس صراعًا بين غرباء[8].

اجتماع أبشتاين ودافيد هوز مع جميل مردم

على إثر اندلاع ثورة 1936، واشتداد حدتها، بادرت الحكومة البريطانية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1936 إلى تشكيل لجنة تحقيق ملكية لتقصي الأوضاع في فلسطين، أطلق عليها اسم ‘لجنة بيل’ Peel Commission باسم رئيسها اللورد بيل. وقد أوصت اللجنة، بعد استماعها إلى أطراف الصراع، في تقريرها الذي قدمته إلى الحكومة البريطانية، والذي صدقت عليه الحكومة البريطانية في تموز/ يوليو 1937، بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام؛ قسم عربي ويلحق بشرق الأردن، وقسم يهودي وتقام عليه دولة يهودية ويتم طرد العرب الفلسطينيين من هذا القسم، وكان عددهم يناهز 300 ألف عربي فلسطيني، وقسم يبقى تحت الانتداب البريطاني مدة من الزمن، ويشمل القدس وبيت لحم والناصرة وممرًا من القدس إلى يافا مع المدن التي يمرّ بها كاللد والرملة، وكذلك يشمل هذا القسم حيفا وطبرية وصفد وعكا وجزءًا واسعًا من النقب[9].

وفي حين رفضت اللجنة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني (1895-1974) توصيات لجنة بيل وعملت على إفشالها وحشد البلدان العربية ضدها، فإن ردّات فعل الحركة الصهيونية الأولية اتسمت بمعارضة شديدة؛ لأن توصيات اللجنة منحت اليهود ‘جزءًا صغيرًا’ فقط من فلسطين. بيد أن هذه المعارضة أخذت تتضاءل وتخفت رويدًا رويدًا، وتتحول إلى تأييد متحفظ بسبب توصية اللجنة بطرد العرب الفلسطينيين من الدول اليهودية المقترحة. وقد أولى دافيد بن غوريون توصية اللجنة بطرد الفلسطينيين أهمية قصوى، وأكد أن على الحركة الصهيونية ‘التمسك بالتوصية كما كان تمسكنا بوعد بلفور، بل كما هو تمسكُنا بالصهيونية ذاتها. يجب علينا التمسك بهذه التوصية بأقصى قوتنا وإرادتنا وأمانينا، لأن في هذه التوصية من مجمل التوصيات، تعويضًا ما عن سلخ بقية أجزاء البلاد […]. إن بند الترحيل بحسب اعتقادي، أهم من جميع مطالبنا لزيادة المساحة […] وإذا لم يكن في إمكاننا إخراج العرب من بين ظهرانينا الآن ونقلهم إلى مناطق عربية؛ الأمر الذي تقترحه لجنة ملكية بريطانية، فإنه لن يكون بمقدورنا القيام بذلك بسهولة – هذا إذا أمكننا القيام بذلك أصلًا – بعد إنشاء الدولة، عندما يكون كل العالم المعادي ينظر إلينا بسبع عيون لمراقبة تصرفنا نحن تجاه أقليتنا'[10].

في خضم النقاش عن لجنة بيل وما قد توصي به، استقل إلياهو أبشتاين ودوف هوز[11] طائرة صغيرة من مطار اللد في فلسطين إلى مطار دمشق، في 26 شباط/ فبراير 1937، للاجتماع برئيس الحكومة السورية جميل مردم. وهدفت الوكالة اليهودية من هذه الزيارة إلى تعزيز علاقاتها به، وإلى بلورة موقف مشترك معه من لجنة بيل. وكانت قيادة الوكالة اليهودية في تلك المدة تقف ضد تقسيم فلسطين بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، وتسعى لإنشاء الدولة اليهودية في كل فلسطين. إلى جانب ذلك، سعت الوكالة اليهودية للتفاهم مع جميل مردم في أن أي حل للقضية الفلسطينية يجب أن يأخذ في الحسبان مطالب جميع الأطراف، ولا سيما مطالب الحركة الصهيونية وليس فقط مطالب العرب وبريطانيا[12]. وقد رتب هذا الاجتماع دافيد بينتو الذي انتظرهما في مطار دمشق، وأطلعهما – وهما في الطريق للاجتماع – على أن رئيس الحكومة السورية جميل مردم يواجه صعوبات جمة. فمن ناحية، يعارض كبار موظفي سلطات الانتداب الفرنسي في سورية السياسة المرنة التي كانت تتبعها الحكومة الفرنسية تجاه الحكومة السورية. ومن ناحية أخرى، كان جميل مردم يتعرض لنقد شديد ومعارضة من قادة الكتلة الوطنية السورية لعدم رضاهم عن سياسته المعتدلة التي يتبعها تجاه فرنسا، ولعدم رضاهم عن البطء في تحقيق الأهداف السورية، إضافة إلى تعرضه لحملات المعارضة الشهبندرية الشعواء ضده وضد حكومة الكتلة الوطنية.

استهلّ دوف هوز الاجتماع بقوله إنه تدور شائعات عن إمكان أن توصي لجنة بيل الملكية بتقسيم فلسطين إلى دولتين؛ واحدة يهودية وأخرى عربية. وأضاف أنه إذا ما أوصت لجنة بيل بتقسيم فلسطين، وجرى تنفيذه فعلًا، فإنه سيؤذي المصالح اليهودية والعربية في فلسطين، وسيؤذي سوريّة أيضًا. ووضح إلياهو أبشتاين في هذا الاجتماع أن الوكالة اليهودية لا تطالب الحكومة السورية بالتدخل في القضية الفلسطينية مثلما تدخل الملوك العرب. فقد عالج الملوك العرب القضية الفلسطينية من منطلق وجود جانبين اثنين فقط في القضية الفلسطينية؛ هما العرب وبريطانيا، وتجاهلوا الجانب اليهودي في القضية الفلسطينية. وأكد أبشتاين أن أي محاولة للسير في الطريق التي سلكها الملوك العرب ستلاقي الفشل؛ لأنه لن يتم التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية من دون الجانب اليهودي.

وأجاب رئيس الحكومة السورية جميل مردم، بأنه وزملاءَه في قيادة الكتلة الوطنية يقبلون فرضية وجود ثلاثة أطراف في القضية الفلسطينية؛ وهم العرب واليهود وبريطانيا، ويرون أن التوصل إلى السلام الحقيقي يتم فقط إذا أُخذ في الحسبان مصالح جميع هذه الأطراف. وأضاف مردم – وفق تقرير إلياهو أبشتاين – أن السوريين أناس عمليون، ونظرتهم إلى القضية الفلسطينية هي نظرة عملية، وعبّر عن اتفاقه مع مندوبي الوكالة اليهودية في رفض تقسيم فلسطين، وأكد أن أي حل للقضية الفلسطينية ينبغي أن يقوم على أساس علاقات السلام والتعاون بين العرب واليهود في جميع نواحي الحياة المادية والروحانية. وأردف قائلًا: إن الكتلة الوطنية حاولت في اتصالاتها مع الوكالة اليهودية فهم مطالبها فهمًا جذريًا وشاملًا، وسعت لإدراك جوانب القضية الفلسطينية من خلال تفهم ‘الرؤية القومية للوكالة اليهودية وإدراك المنفعة التي قد تأتي من المشروع الصهيوني في فلسطين للشعب العربي كله ولعرب فلسطين أنفسهم’. ووضح جميل مردم أن هذا لا يعني أن الكتلة الوطنية تقبل جميع ما طرحه مندوبو الوكالة اليهودية في الاجتماعات السابقة. وأردف أن الكتلة الوطنية في الوقت نفسه لم توقف هذه الاتصالات بالوكالة اليهودية، واستمرت في إجرائها بصبر وبحسن نية؛ من أجل التوصل إلى نتائج مرضية ومعقولة. وأبلغ جميل مردم مندوبي الوكالة اليهودية في ختام الاجتماع أنه سيعرض على حكومته مضمون ما جرى في هذا الاجتماع، وأنه سيتصل بالحاج أمين الحسيني رئيس اللجنة العربية العليا بغرض التأثير فيه وفي سائر القادة الفلسطينيين[13].

يبدو أن جميل مردم لم ينجح في مسعاه للتأثير في الحاج أمين الحسيني والقادة الفلسطينيين للاستجابة لمطالب الوكالة اليهودية. فالقيادة الفلسطينية كانت تطالب بوقف الهجرة اليهودية وقفًا تامًا، واستقلال فلسطين، وتسعى للتوصل إلى ذلك من خلال النضال والضغط على بريطانيا، وليس من خلال التفاوض مع الحركة الصهيونية التي كانت ترفض استقلال فلسطين، وتتمسك بإنشاء دولة يهودية في فلسطين وباستمرار الهجرة اليهودية إليها. ففي اجتماعه مع إلياهو أبشتاين في 10 حزيران/ يونيو 1937 في باريس، وهو الاجتماع الخامس بين الرجلين في نصف العام الأخير، قال له جميل مردم إنه فشل في إقناع القيادة الفلسطينية بإجراء مفاوضات مع الوكالة اليهودية[14]. وليس مؤكدًا أحاول مردم حقًا إقناع الحاج أمين الحسيني، أم أنه ادعى ذلك في إطار براغماتيته التي تميز بها.

وأعرب مردم في هذا الاجتماع عن اعتقاده أن لجنة بيل لن تتمكن من إيجاد حل دائم للقضية الفلسطينية، فالحل – وفق ما طرح مردم – ينبغي أن يتم فقط من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين. وذكر أنه يعلم من مصادر موثوقة بأن لجنة بيل ستوصي بتقسيم فلسطين، وأن القسم العربي من فلسطين سيلحق بشرق الأردن تحت قيادة الأمير عبد الله، وأن الحاج أمين الحسيني يعارض ذلك بشدة، وسيتصدى له بكل قوته. وأضاف أنه بعد أن يتمكن من حل مشكلات سورية الملحة في الشهور القادمة، فإنه سيبذل جل جهده للتوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين والوكالة اليهودية.

وقال جميل مردم لأبشتاين في هذا الاجتماع إنه لا يعارض الصهيونية، وإنه لم يعارضها قط في يوم من الأيام، وإنه قدّر دائمًا مواهب قادتها، وأيّد – ولا يزال يؤيد – التوصل إلى اتفاق عربي – يهودي، وأنه أخبر كبار الموظفين الفرنسيين الذين التقى بهم خلال زيارته الحالية لباريس أن سورية بحاجة إلى الكثير من الخبراء في المجالات المختلفة، وأن مساعدة اليهود في هذه المجالات ستكون مفيدة للغاية. وأشار مردم إلى أنه سيقول ذلك لرئيس الحكومة الفرنسية ليون بلوم عندما يجتمع به في زيارته الحالية. وكال جميل مردم المديح لليون بلوم، وعبّر عن قناعته بأن بلوم سيعمل من أجل التوصل إلى تفاهم بين اليهود والعرب. وقال جميل مردم لأبشتاين في سياق تودده إليه إنه – أي جميل مردم – كان قد كتب رسالة مطولة إلى الملك عبد العزيز ملك السعودية في ضرورة التوصل إلى اتفاق بين اليهود والعرب، وأكد له أنه يعتزم إثارة موضوع ضرورة التوصل إلى اتفاق بين اليهود والعرب مجددًا مع الملك عبد العزيز في أقرب فرصة. شكر إلياهو أبشتاين جميل مردم على مواقفه، وأكد له في ختام الاجتماع أن الوكالة اليهودية ثمّنت وتثمّن عاليًا مواقفه الودية والعديد من زملائه تجاه الوكالة اليهودية، وبأنها ستستمر في علاقاتها به وبالكتلة الوطنية، بغض النظر عن القرارات التي ستوصي بها لجنة بيل[15].

في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر 1937 تعرضت دمشق وعدة مناطق أخرى في سورية إلى أمطار غزيرة وفيضانات أدّت إلى وقوع خسائر في الكثير من الأرواح والممتلكات. وقد اقترح دافيد بينتو أن تقوم الوكالة اليهودية بتعزية الحكومة السورية، وأن تقدم لها مبلغًا ماليًا لإسعاف المنكوبين، وذلك من أجل تعزيز العلاقات بينها وبين الحكومة السورية. وكانت الوكالة اليهودية تخشى أن لا تقبل الحكومة السورية مثل هذه الخطوة. لذلك طلب إلياهو ساسون من دافيد بينتو فحص الأمر مع الحكومة السورية. واستفسر بينتو عن هذا الأمر رئيس الحكومة السورية جميل مردم الذي أبلغه قبوله بهذه الخطوة[16]. وعلى إثر ذلك أرسل رئيس الدائرة السياسية للوكالة اليهودية موشيه شرتوك، من خلال دافيد بينتو، رسالة تعزية للحكومة السورية وشفعها بشيك من الوكالة اليهودية وبنك أنكلو فلسطين، وقدره ألفا ليرة سورية. فقبلها رئيس الحكومة السورية جميل مردم وأرسل رسالة شكر إلى موشيه شرتوك[17].

اجتماع ساسون وشيلواح بلطفي الحفار

في أواخر كانون الأول/ يناير 1938 طلب عميل الوكالة اليهودية عضو البرلمان السوري عن الطائفة اليهودية يوسف لنيادو[18] من موشيه شرتوك إرسال ممثلين للوكالة اليهودية إلى دمشق؛ للاجتماع بلطفي الحفار ونسيب البكري القياديين في الكتلة الوطنية السورية. وقد جاء هذا الطلب على إثر اجتماع لنيادو بالحفار والبكري وتطرقهما في هذا الاجتماع إلى الثورة في فلسطين، وتأكيدهما ما تؤدي إليه هذه الثورة، وما يقود إليه استمرار الكفاح الفلسطيني المسلح من آثار سلبية في المسألة السورية. وقد حثهما يوسف لنيادو في هذا الاجتماع على دعوة ممثلين للوكالة اليهودية ‘من أجل التشاور في شأن القيام بعمل مشترك مع الوكالة اليهودية ضد استمرار الثورة في فلسطين وضد الدعاية الأجنبية’ التي تخدم ألمانيا وإيطاليا[19]. وقد وافق لطفي الحفار ونسيب البكري على اقتراح لنيادو، وكتب لطفي الحفار رسالة خطية إلى الوكالة اليهودية دعاها فيها من خلال لنيادو إلى عقد اجتماع في دمشق بمندوبيها[20]. استجابت الوكالة لهذا الطلب، وأرسلت إلياهو ساسون وريؤوفين زاسلني شيلواح[21] إلى دمشق. وفي 30 كانون الثاني/ يناير 1938 اجتمع إلياهو ساسون وريؤوفين شيلواح، يرافقهما يوسف لنيادو، بلطفي الحفار في بيته في دمشق. ولم يشارك نسيب البكري في هذا الاجتماع لأنه لم يكن موجودًا في دمشق في ذلك اليوم، وفق ما جاء في تقرير ساسون وزاسلني إلى موشيه شرتوك عن هذا الاجتماع[22]. وبعد ترحيب لطفي الحفار بضيوفه حرص يوسف لنيادو على شرح أسباب الاجتماع وهدفه، ثم تحدث لطفي الحفار فقال: إنه هو وزملاءه في قيادة الكتلة الوطنية اعتقدوا دائمًا ضرورة إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وأن ‘الشعبين العربي والعبري أبناء عمومة’، وأنه لا يمكن إيجاد حل للقضية الفلسطينية من دون أخذ الطرف اليهودي في الحسبان. وذكر ساسون وشيلواح في تقريرهما لموشيه شرتوك عن هذا الاجتماع أنهما تدخلا هنا لكي لا يتمحور الحديث في هذا الاجتماع عن الحل السياسي، وقالا إنه يجب – قبل الحديث عن الحل السياسي للقضية الفلسطينية – التشاور والبحث في كيفية التغلب على العنف وانعدام الأمن السائدين في فلسطين. وأشارا – في سياق إجابتهما عن سؤال لطفي الحفار حول من تقع عليه مسؤولية العنف في فلسطين – إلى أن القيادة الفلسطينية هي المسؤولة عن ذلك، واتهماها بأنها تتلقى دعمًا ماليًا من ألمانيا وإيطاليا. نفى لطفي الحفار أن تكون القيادة الفلسطينية تتلقى دعمًا ماليًا من ألمانيا وإيطاليا، وأشار إلى أن هذه التهمة بالذات وجهت أيضًا إلى قيادة الكتلة الوطنية السورية التي لم تكن لها علاقة بألمانيا وإيطاليا. ثم طرح ساسون وشيلواح موضوع الدعم الذي تتلقاه الثورة الفلسطينية من الشعب السوري، وقالا إن سورية تقدم دعمًا للثورة الفلسطينية، وأشارا إلى أن العديد من الشهداء والجرحى في فلسطين في المدّة الأخيرة كانوا سوريين. فقال لطفي الحفار إنه قد يكون قد انضم إلى الثورة في فلسطين بعض السوريين ‘بدافع الحصول على المال’، وأكد لهما أن سورية لا تقدم مساعدات للثورة في فلسطين. وشرح لطفي الحفار لهما ‘الوضع الصعب’ للكتلة الوطنية والحكومة السورية. فعند تجدد الثورة في فلسطين وازدياد عمليات البطش والقمع التي يقوم بها الجيش البريطاني ضد الفلسطينيين – بما في ذلك إبعاد العديد من القادة الفلسطينيين إلى خارج فلسطين – تعاظم التعاطف مع الثورة الفلسطينية في صفوف الشعب السوري، وازدادت الدعوات من جهات سورية مختلفة إلى مساعدة الثورة. وطالبت هذه الجهات ذات التأثير الكبير في أحياء دمشق ومناطق سورية مختلفة الكتلة الوطنية والحكومة السورية بالتوقف عن الوقوف على الحياد، وبدعم الثورة في فلسطين. ووضع هذا الضغط الحكومة السورية والكتلة الوطنية في موقف حرج جدًّا، بيد أن الحكومة السورية والكتلة الوطنية صمدتا أمام هذا الضغط، وفق ما ذكر الحفار، وبذلتا جهدًا جمًّا، وتمكنتا من منع انضمام السوريين إلى الثورة في فلسطين، وذلك لأن مصلحة سورية تقتضي وقف الثورة في فلسطين. وشدد الحفار على أن السوريين لا يشاركون في الثورة في فلسطين باستثناء بعض الأفراد، وذلك نتيجة للجهد الذي بذلته الكتلة الوطنية والحكومة السورية.

أعرب ساسون وشيلواح عن تثمين الوكالة اليهودية العالي هذا الجهدَ الذي بذلته الكتلة الوطنية والحكومة السورية، بيد أنهما أشارا إلى أن دمشق باتت تشكل مركزًا لقيادة الثورة في فلسطين التي تنظم مختلف صور الدعم للثورة الفلسطينية. فأجابهما الحفار بقوله إنه عندما يلجأ القادة الفلسطينيون إلى دمشق فإن ‘واجبنا القومي يحتم علينا استضافتهم لأننا عرب قوميون، ولكننا حذرناهم بوضوح من القيام بأي نشاط يدعم الثورة في فلسطين وشددنا مراقبتهم. وأعتقد أنهم لا يقومون بنشاطات تذكر’. وأضاف أن الشعب السوري والصحافة السورية ينتقدان بشدة موقف الكتلة والحكومة السورية من الثورة في فلسطين، ولا سيما مع عمليات القمع والبطش التي يقوم بها الجيش البريطاني ضد الفلسطينيين. وأكد أن الكتلة الوطنية تسعى لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وأنها تدرك أهمية ‘الشعب اليهودي’ في القضية الفلسطينية، وأنه لا يمكن حلها من دون أخذهم في الحسبان، وأنها ترى فيهم قوة منتجة، بمقدورها جلب البركة إلى الشرق وفلسطين[23].

أولى موشيه شرتوك رئيس الدائرة السياسية الاتصالات بالكتلة السورية في تلك المدة من تطورات القضية الفلسطينية السورية اهتمامًا كبيرًا. وقد احتلت هذه الاتصالات مكانة مهمة في كلمتَي موشيه شرتوك في اجتماع مركز ‘اللجنة المركزية’ لحزب مباي الذي كان يقود الوكالة اليهودية ومجتمع المستوطنين اليهود في فلسطين، والذي عقد في 2 شباط/ فبراير 1938، وكذلك وفي اجتماع إدارة الوكالة اليهودية في 6 شباط/ فبراير 1938[24]. وقد ذكر موشيه شرتوك في اجتماع إدارة الوكالة اليهودية أن رجال الدائرة السياسية للوكالة اليهودية يذهبون بين الفينة والأخرى إلى سورية ولبنان من أجل تعقب نشاطات رئيس الهيئة العربية العليا الحاج أمين الحسيني وقادة الثورة الفلسطينية المقيمين في سورية ولبنان. وأضاف موشيه شرتوك أن يوسف لنيادو عضو البرلمان السوري طلب في الأيام الأخيرة من الوكالة اليهودية إرسال أحد نشطائها إلى دمشق؛ لتزويده بمعلومات مهمة عن الثوار الفلسطينيين، ولإجراء مفاوضات مع الكتلة الوطنية في إمكان تحقيق اتفاق عربي – يهودي. وأعرب عن اعتقاده أن الحكومة السورية والكتلة الوطنية تتعاطيان بجدية في اتصالاتهما بالوكالة اليهودية لحل القضية الفلسطينية والتوصل إلى اتفاق عربي يهودي. وأكد شرتوك أن الحكومة السورية معنيّة بوقف الثورة في فلسطين لعدة أسباب، يأتي في مقدمتها اعتقاد الحكومة السورية أن استمرار الثورة في فلسطين يؤخر تصديق البرلمان الفرنسي على المعاهدة السورية – الفرنسية، وأنه موضوع تستغله المعارضة السورية بقيادة عبد الرحمن الشهبندر ضد الحكومة السورية، وأنه يلحق أضرارًا اقتصادية بسورية. وأشار إلى أنه على اطلاع أيضًا بأن اهتمام الحكومة السورية والكتلة الوطنية بالقضية الفلسطينية وبالمفاوضات مع الوكالة اليهود؛ يعود إلى عوامل سياسية سورية داخلية. فالقضية الفلسطينية تُعَدّ موضوعًا مهمًا عند المعارضة السورية بقيادة الشهبندر، يستعملها هي وملف المفاوضات بين العرب واليهود ضد الحكومة السورية؛ لخدمة أغراضه السياسية في سورية. وأضاف أن الحكومة السورية والكتلة الوطنية تسعيان لإخراج ملف المفاوضات مع الوكالة اليهودية في شأن التوصل إلى اتفاق عربي – يهودي من يد الشهبندر وإبقائه في يدها[25].

تعامل نسيب البكري مع الوكالة اليهودية

حققت الوكالة اليهودية في شباط/ فبراير 1938 إنجازًا مهمًا جدًّا عندما نجحت في تجنيد نسيب البكري، أحد قادة الكتلة الوطنية في سورية، للعمل جاسوسًا لها مقابل مبالغ مالية دفعتها له. كان نسيب البكري الذي احتل مكانة مهمة في قيادة الكتلة الوطنية في سورية خصوصًا والحركة الوطنية السورية عمومًا، جاسوسًا مثاليًا في نظر الوكالة اليهودية، ولا سيما أنها جندته للعمل لمصلحتها أثناء وصول الثورة في فلسطين إلى أعلى مراحل قوتها، وأشدِّها إيذاءً للمشروع الصهيوني.

ولد نسيب البكري (1888-1966) في دمشق لعائلة أرستقراطية تدعي نسبها إلى النبي محمد. ودرس في المدرسة التجهيزية في دمشق، وفي المدرسة السلطانية في بيروت، وتخرج فيها في عام 1912. انضم نسيب البكري وأخواه فوزي وسامي إلى جمعية ‘العربية الفتاة’ السرية، وكان نسيب سكرتيرًا لها. وكان من أوائل الملتحقين بثورة الأمير فيصل الذي عينه في عام 1918 مستشاره الخاص[26]. وبعد سقوط حكومة فيصل واحتلال الجيش الفرنسي دمشق كان نسيب البكري أحد المرشحين لعرش سورية. وعند نشوب الثورة السورية في عام 1925 كان من أوائل الملتحقين بها. وفي عام 1932 انتخب في البرلمان السوري نائبًا عن دمشق، وأعيد انتخابه في البرلمان في عام 1936. كما كان من مؤسسي الكتلة الوطنية وأحد قادتها ورئيس فرعها في دمشق، وعينته الحكومة السورية التي شكلتها الكتلة الوطنية في عام 1936 محافظًا لجبل العرب. وفي أواخر 1939 تقرب نسيب البكري إلى معسكر الشهبندر وأصبح يُحسب عليه[27]. وتولى وزارة العدل من شباط/ فبراير 1939 إلى حزيران/ يونيو 1939، ثم تولى وزارتي الزراعة والاقتصاد. وانتخب في البرلمان السوري في عامَي 1943 و1949، وكان من أبز مؤسسي حزب الشعب في عام 1948، إذ انتُخب نائبًا لرئيس الحزب. وكان محافظًا اجتماعيًا ودينيًا أكثر من زملائه في قيادة الكتلة الوطنية، وحظي بالدعم القائم على السمعة الدينية ومكانة عائلته الاجتماعية، فكان يتحرك بسهولة في أوساط الجماهير التقليدية في الأحياء الشعبية، وعلى علاقات قوية بقدامى المحاربين في ثورة 1925[28].

ويتبين من الوثائق الإسرائيلية أن نسيب البكري ظل عميلًا للوكالة اليهودية سنواتٍ[29]. وقد تمكنت الوكالة اليهودية من خلال تعامله معها من تحقيق عدة أهداف مهمة لها جدًا، أبرزها:

الحصول على معلومات دقيقة عن الثوار الفلسطينيين، وعن أنصارهم السوريين، وعن طرق دخولهم إلى فلسطين، وطرق تهريب السلاح من سورية إلى فلسطين، وعن مصادر السلاح وكمياته.
الحصول على مزيد من المعلومات المهمة والدقيقة من مصدر أوّلي عن قرارات الكتلة الوطنية الكتلة الوطنية والحكومة السورية وسياساتهما، ولا سيما تجاه القضية الفلسطينية والثورة في فلسطين، وتجاه الوكالة اليهودية والمشروع الصهيوني.
التأثير من خلاله، ولا سيّما أنه أصبح وزيرًا في الحكومة السورية، في العديد من سياسات الحكومة السورية والكتلة الوطنية وقراراتهما في الموقف من الثورة في فلسطين، والدعم السوري لها، والموقف من الوكالة اليهودية.

بداية تعامل نسيب البكري

كانت علاقات نسيب البكري مع يوسف لنيادو عضو البرلمان السوري وعميل الوكالة اليهودية حسنة جدًّا. وفي بداية شباط/ فبراير 1938 أرسل يوسف لنيادو تقريرًا إلى المكتب العربي (جهاز المخابرات) التابع للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية؛ أخبره فيه بأن نسيب البكري على استعداد للتعاون مع الوكالة، وأن لديه معلومات مهمة يريد إبلاغها إليها. وعند وصول هذا الخبر المهم سافر إلياهو ساسون من القدس إلى دمشق للاجتماع بالبكري، وتجنيده للعمل لمصلحة الوكالة اليهودية. وفي الرابع والخامس والسادس من شباط/ فبراير 1938 اجتمع ساسون بالبكري في بيته في دمشق ثلاث مرات. وقد توقف الاجتماعان الأول والثاني بينهما فلم يكملا حديثهما؛ بسبب حضور ضيوف لزيارة البكري. أما الاجتماع الثالث الذي عقد في بيت البكري مساء 6 شباط/ فبراير 1938 فاستمر ساعتين وشارك فيه يوسف لنيادو، وقد جرى فيه الاتفاق على بدء التعاون بين نسيب البكري والوكالة اليهودية[30]. ويشير ساسون في تقريره عن هذا الاجتماع لموشيه شرتوك رئيس الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، إلى أن نسيب البكري وإلياهو ساسون تحدثا بصراحة في هذا الاجتماع. وقد ذكر البكري في بداية هذا الاجتماع أنه ‘جرت بينه وبين يوسف لنيادو عدة محادثات عن الوضع في فلسطين، وأن كليهما استخلص ضرورة دعوة ممثلين من الوكالة اليهودية للتداول معهم في الوسائل التي يجب القيام بها في سورية وباريس ولندن، والتي من شأنها إحداث تغيير إيجابي سريع وملموس في الوضع في فلسطين’. شكر ساسون نسيب البكري على أقواله هذه، وقال بعد مداولة قصيرة بينهما: ‘لقد ذكر يوسف لنيادو في رسالته الموجهة إلينا أن لديكم معلومات تودون إبلاغنا بها، عن الدعاية الإيطالية والألمانية في سورية، وعن منظمات الثوار، وعن تهريب السلاح إلى فلسطين. وفي حديثه معي قال لي لنيادو إنكم معنيون بالتعاون معنا، بعدما استخلصتم بوضوح أن مصالح سورية توجب ذلك’. وقد أيد لنيادو ما قاله ساسون، وأقر نسيب البكري بذلك. وقال في سياق سعيه لتعزيز مكانته ودوره، وأهمية المعلومات والخدمات التي بمقدوره تقديمها للوكالة اليهودية إنه ‘على استعداد لإجراء بحث جدي من أجل كشف كل هذه الأمور، وإنه على ثقة بأنه سيتلقى كل المساعدة المطلوبة من أصدقائه الذين كانوا قد شاركوا معه في الثورة السورية في عام 1925، والذين يقوم بعضهم بتهريب السلاح وتجنيد الثوار. وفي إمكانه، بواسطة أخيه مظهر البكري مدير شرطة دمشق، تجنيد جميع رجال الشرطة والمخبرين لتقصّي نشاطات الثوار الفلسطينيين في سورية. ويستطيع من خلال معرفته الكولونيل بانكه مدير عام الجندرمة السورية إدخال تغييرات أساسية في حراسة الحدود رغم أنف عادل العظمة، مدير قسم الداخلية’. وأضاف نسيب البكري أنه ‘يعرف العلاقات القائمة بين عادل العظمة وأخيه نبيه، وبين الثوار الفلسطينيين، وادعى أن في إمكانه وقف هذه العلاقات بواسطة قادة الحكم في سورية. وله معارف وأصدقاء وأقارب في معظم البنوك في دمشق، وباستطاعته الاطلاع بواسطتهم على جميع المبالغ التي تصل من خارج سورية بأسماء الثوار الفلسطينيين أو بأسماء مؤيديهم وأصدقائهم في دمشق. كما يعرف أن محمد الأشمر يقف على رأس مهربي السلاح إلى فلسطين، وقد سمع قبل أسبوعين من الأشمر نفسه أنه هرّب إلى فلسطين خلال أسبوع واحد فقط 220 بندقية، وكمية كبيرة من الرصاص. وقد سافر محمد الأشمر هذا الأسبوع إلى العراق والحجاز’، وأن نسيب البكري ‘يعرف القائمين بأعماله، وبوسعه أن يعرف من خلال الحديث معهم، مرة أو مرتين، أسماء المهربين وطرق التهريب وأسماء الثوار الفلسطينيين المسؤولين عن التهريب'[31]. وفي ختام أقواله سأل نسيب البكري إلياهو ساسون عمّا إذا كانت الوكالة اليهودية على استعداد لـ ‘بحث كل هذه الأمور معه بجدية’. أجاب إلياهو ساسون، وفق ما ذكره في تقريره، بأن البكري – في ما يبدو – لم يدرس المسألة بما فيه الكفاية، وأنه من الأفضل أن يدرسها ويحيط بها من جميع جوانبها وأن يعد، بناءً على ذلك، خطة ملموسة خلال أسبوع أو أسبوعين، ويقدمها للوكالة اليهودية. وهذه الخطة ‘نقبلها إذا وجدناها ملائمة لنا ونرفضها إذا لم تكن تتلاءم مع مصالحنا’. واستوضح نسيب البكري عن ‘التكاليف’، أيطرحها في الخطة؟ فأبلغه ساسون أنه ‘ينبغي التطرق إلى تكاليف كل هذه الأمور لكي يكون كل شيء واضحًا ومعروفًا منذ البداية لمديري عند اتخاذه قراره النهائي في شأن الخطة’. وأضاف أنه إذا ما قرر مديره الرفض لسبب من الأسباب فإنه ينبغي أن لا يؤثر ذلك في العلاقات الودية بين الطرفين. فردّ نسيب البكري مدّعيًا أن قبوله القيام بهذه المهمة لا يهدف إلى تقديم الخدمة للوكالة اليهودية فقط ولكن لسورية أيضًا. فهو وأصدقاؤه يقدّرون، كما ذكر، الخطر الذي يهدد سورية من جراء استمرار الثورة في فلسطين. وأضاف أنه ينبغي الاهتمام بأربعة موضوعات:

‘أولًا، وقف الثورة في فلسطين.

ثانيًا، وقف الدعاية السامة ضد الصهيونية في الصحف السورية، وفي الخطب في المساجد، وفي الاجتماعات المختلفة في سورية.

ثالثًا، محاولة كسب ما يمكن كسبه من أصدقاء للوكالة اليهودية من بين صفوف الشعب السوري، لا سيما من بين صفوف قادته.

رابعًا، محاولة إيجاد حل ملائم للقضية الفلسطينية'[32].

وقال نسيب البكري إنه على استعداد أن يهتم بمعالجة الموضوع الأول، وأن الكتلة الوطنية قد تقوم بمعالجة الموضوع الرابع، بينما على الوكالة اليهودية متابعة الموضوعين الثاني والثالث ومعالجتهما، بمساعدته هو ومساعدة أصدقائه. وقبل نهاية الاجتماع التزم البكري تقديم خطته خلال عشرة أيام، ويمليها على يوسف لنيادو لينقلها إلى الوكالة اليهودية. وفي ختام الاجتماع أبلغ البكري ضيفه ساسون أن الحكومة السورية تقترح عليه وظيفة محافظ دمشق تعويضًا له عن استقالته من منصب محافظ جبل العرب[33].

وبعد نحو أسبوعين أرسل البكري اقتراحه، وقد شمل الاقتراح بنودًا أساسية التزم البكري السعيَ لتحقيقها وهي: وقف الدعاية ضد الصهيونية في الصحافة وفي المساجد، ومنع التحاق السوريين بالثورة في فلسطين، منع دخول ثوار فلسطينيين إلى سورية، ووقف تجارة السلاح في دمشق، ومراقبة الطرق المؤدية إلى فلسطين وحراستها، وتشديد الرقابة على محطات الحدود[34].

جهاز مخابرات الوكالة اليهودية على استعداد الدفع للبكري بسخاء ولكن بشروط

في 24 شباط/ فبراير 1938 بحث قادة القسم العربي (جهاز المخابرات) التابع للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية في اقتراح نسيب البكري وكيفية التعاطي معه. كان ساسون وبقية قادة جهاز المخابرات يعلمون، من خلال يوسف لنيادو، أن نسيب البكري يطلب مبلغًا ماليًا كبيرًا مقابل تعامله مع الوكالة. وكانت ميزانية جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية متواضعة في تلك المدة. إضافةً إلى أن الاقتراحات التي قدمها البكري للوكالة اليهودية كانت عامة، وكان من الصعب تحقق الوكالة اليهودية من قدرته فعلًا على تنفيذها. في ضوء ذلك، قرر قادة جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية، وبخاصّةٍ أن الوضع الأمني لليشوف قد تفاقم من جراء تصاعد عمليات الثوار الفلسطينيين، الاستجابةَ لاقتراح نسيب البكري، وتقديم المال إليه مقابل تعاونه مع الوكالة اليهودية؛ ولكن تقرر في الوقت نفسه إبلاغ البكري بأن اقتراحه عامٌّ وليس وافيًا، وأنه لا يمكن التحقق من مدى تنفيذه، وأن الوكالة اليهودية معنية بالعمليات والنشاطات التي تكون نتائجها واضحة، وأنها مستعدة لدفع المال فقط مقابل الأعمال التي تستطيع التحقق من أنها نُفِّذت بالفعل. وتقرر كذلك في هذا الاجتماع أن المعلومات والقضايا المهمة والملحة للوكالة اليهودية هي: ‘المعلومات التفصيلية عن حالة الثوار الفلسطينيين في سورية، وعن وضعهم التنظيمي، والحصول سلفًا على معلومات عن دخول مجموعات الثوار ومهربي السلاح من سورية إلى فلسطين، لكي يكون ممكنًا اتخاذ الإجراءات مسبقًا لإلقاء القبض عليهم’.

أما المبلغ المالي الذي سيدفعه جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية، فقد تقرر في هذا الاجتماع أن جهاز المخابرات مستعد ليدفع لنسيب البكري بسخاء، ويخصص له 500 جنيه فلسطيني بل أكثر من ذلك، بعد أن يتم التيقن من جدوى عمله، شريطة أن لا يدفع له سلفًا، وأنه ينبغي في الوقت الحاضر تخصيص 150 إلى 200 جنيه فلسطيني فقط[35]. وتقرر أيضًا أن يسافر ريؤوفين شيلواح مع إلياهو ساسون إلى دمشق للاجتماع مع البكري.

وفي 27 شباط/ فبراير 1938 اجتمع ساسون وشيلواح مع البكري في بيته في دمشق، وحضر يوسف لنيادو هذا الاجتماع الذي استمر ساعتين. وأبلغ ساسون وشيلواح في هذا الاجتماع البكري أن الوكالة على استعداد دفع المال مقابل الأعمال التي يقوم بها فقط، والتي يمكن التحقق من حدوثها. فوافق البكري على ذلك وسألهما عن الأعمال التي يريدان أن يقوم بها، فطلبا منه ثلاثة أمور:

‘أولًا، تقرير شامل ومفصل عن نشاطات الثوار الفلسطينيين؛ علاقاتهم وخططهم ومصادرهم المالية… إلخ.

ثانيًا، المعلومات التي يمكننا استعمالها للطلب من السلطات الفرنسية إبعاد أشخاص فلسطينيين من دمشق وبيروت، كما فعلت مع معين الماضي.

ثالثًا، معلومات واضحة عن مواعيد تهريب مجموعات الثوار والأسلحة إلى فلسطين من أجل القيام بالاستعدادات لإلقاء القبض عليهم’.

وشدد ساسون وشيلواح في حديثهما مع البكري على أن البند الثالث هو البند الأكثر أهمية في نظر الوكالة اليهودية، وأن الوكالة على استعداد لدفع المال بسخاء، مقابل تحقيق ما ورد في هذا البند بالذات[36]. ودار الحديث في هذا الاجتماع عن الوسائل التي سيستعملها البكري في جمعه للمعلومات المطلوبة، فأشار البكري إلى علاقاته المتشعبة بالنخب والدوائر المختلفة في سورية، ولا سيّما الذين شاركهم في الثورات السورية ضد فرنسا، والذين يقوم البعض منهم بدعم الثورة في فلسطين. وقال أيضًا إنه على يقين بأن أخاه مدير شرطة دمشق سيضع الشرطة تحت تصرفه. وأضاف البكري أنه يتمتع بعلاقات قوية بالحكومة السورية؛ لكونه قياديًا مهمًّا في الكتلة الوطنية، وأنه سيستعمل هذه العلاقات عند الضرورة، وبخاصةٍ أن الحكومة السورية، وفق ما ذكر، لا تؤيد استمرار الثورة في فلسطين. وفي ختام الاجتماع سأله إلياهو ساسون عن المبلغ الذي يطلبه مقابل إنجازه المهمات الثلاث المشار إليها، فأجاب بأنه سيفكر في الأمر مليًا، وسيخبرهما بواسطة يوسف لنيادو بعد عدة ساعات عن المبلغ المطلوب. وبالفعل، نقل لنيادو بعد عدة ساعات جواب نسيب البكري إلى ساسون وشيلواح اللذين كانا ينتظرانه في أحد فنادق دمشق. وقد طلب البكري ألف جنيه فلسطيني من أجل القيام الكامل بالمهمّات التي كلف القيام بها، تُدفع له على خمس دفعات. عدّ ساسون وشيلواح هذا المبلغ مرتفعًا جدًا ورفضاه، وبعد أخذ وردٍّ بينهما وبين نسيب البكري ووساطة يوسف لنيادو جرى الاتفاق في 28 شباط/ فبراير 1938 على أن يتسلم نسيب البكري من الوكالة اليهودية 50 جنيهًا فلسطينيًّا مع بداية عمله، و50 جنيهًا فلسطينيًّا تدفع له بعد تقديمه التقرير المفصل عن الثوار الفلسطينيين في سورية، و50 جنيهًا فلسطينيًا تدفع له بعد أن يأتي بمعلومات دقيقة عن العديد من قادة الثوار الفلسطينيين، و50 جنيهًا فلسطينيًا تدفع له بعد أن يقدم معلومات عن مجموعات مسلحة ومهربي أسلحة تقود إلى إلقاء القبض على واحدة منها عند دخولها من سورية إلى فلسطين. واتفق ساسون وشيلواح مع يوسف لنيادو على أن يتابع هو عمل البكري، وأن يكون هو حلقة الوصل بين البكري والوكالة، واتفقا على الترتيبات المختلفة التي يقوم وفقها لنيادو بنقل المعلومات والرسائل من البكري إلى مقر الدائرة السياسية للوكالة اليهودية في القدس[37].

أولى ساسون وشيلواح نجاحهما في تجنيد نسيب البكري جاسوسًا لمصلحة الوكالة اليهودية أهمية كبيرة، واقترحا في تقريرهما الذي أرسلاه إلى رئيس الدائرة السياسية موشيه شرتوك أن يغادر أحدهما القدس قريبًا إلى دمشق، ويمكث فيها عدة أسابيع من أجل متابعة نشاط البكري عن قرب. فلقد كان لنيادو الذي كان مخلصًا في عمله لمصلحة الوكالة اليهودية كبيرًا في السن، ويعاني المرض. أما عميل الوكالة اليهودية الدكتور يوسف بينتو فلم يكن لديه الوقت الكافي لمتابعة نسيب البكري لانهماكه في عمله، وأما عميل الوكالة اليهودية دافيد لوزيه فلم يكن مقبولًا عند نسيب البكري؛ إذ كانت علاقته سيئة به في تلك المدة.

لم يكد يمر أسبوع على طلب ساسون وشيلواح من موشيه شرتوك أن يسافر أحدهما إلى دمشق ليتابع مباشرة وعن قرب عمل نسيب البكري، حتى وصل ساسون إلى دمشق في 10 آذار/ مارس 1938، ليجد لنيادو في انتظاره، ليخبره فور وصوله أن البكري يعمل بهمة وبجهد، وأنه جنّد ثلاثين رجلًا وكلفهم بمهمات عديدة، شملت المراقبة، وجمع المعلومات عن الثوار الفلسطينيين، وعن مهربي السلاح من سورية إلى فلسطين، وعن طرق التهريب[38]. وأخبره كذلك بأن مدير شرطة دمشق مظهر البكري وضع تحت تصرف شقيقه نسيب البكري عشرين مخبرًا لجمع المعلومات، ولتحقيق المهمّات المنوطة به. وقد أعطى إلياهو ساسون 50 جنيهًا فلسطينيًّا ليوسف لنيادو ليوصلها إلى نسيب البكري فورًا، وطلب منه تحديد موعد عاجل له معه. وأخبر يوسف لنيادو إلياهو ساسون بالمعلومات التي كان قد سلمه إياها نسيب البكري في اليوم السابق، وشملت ما يلي:

* تسلّم عزة دروزة قبل أربعة أيام من نبيه العظمة مبلغ 8000 ليرة سورية من الأموال المودعة لديه، من أجل تغطية مصروفات بعثة ستسافر في الأيام القليلة المقبلة إلى منطقة كردستان في تركيا لشراء السلاح.

* زار حسين محمود العلي، من قرية طوبا الواقعة قرب صفد، دمشق في الأسبوع الماضي، وحصل على كمية كبيرة من البنادق والرصاص من دروزة وأوصلها إلى فلسطين، وتعهد بمهاجمة المستوطنات اليهودية القريبة من قريته.

* زار نسيب البكري البارحة محمد الأشمر وهنأه بسلامة عودته من الحجاز. وتحدث البكري والأشمر عن الثورة في فلسطين. وتحدث الأشمر عن المشاورات التي أجراها في بيروت مع المفتي ومساعديه وعن الدعوة التي تلقاها للعمل بجدية في تنظيم الثوار في دمشق. ويعد نسيب البكري بضبط الأشمر وكسبه إلى جانبه.

* وصل في الأسبوع الماضي الكثير من [الثوار] الجرحى إلى دمشق. وقد نظم موسى حاج حسين إقامتهم في دمشق في بيوت خاصة، وعين لهم أطباء للاعتناء بهم. وبذل الجهد لمعرفة أسماء الجرحى وعناوين البيوت.

* وفق الشائعات، جرى تهريب مجموعات مسلحة كبيرة من الثوار في المدة الأخيرة إلى فلسطين عبر حدود لبنان وسورية، والذين يتجمعون بالقرب من عكا وبيسان وصفد. لا تراقب السلطات السورية الثوار الفلسطينيين بجدية لأنها مشغولة في شؤونها الداخلية. ولا تقوم السلطات الفرنسية بضغط يُذكر على السلطات السورية في هذا الأمر، وهناك حاجة إلى عمل جدي في باريس في هذا الشأن.

* اتخذت الحكومة السورية قرارًا لمنع جمع التبرعات في سورية لمصلحة أي مشروع غير سوري. وهدف هذا القرار منع جمع التبرعات لمصلحة الثورة في فلسطين[39].

تقرير نسيب البكري الشامل عن الثوار الفلسطينيين

تابع إلياهو ساسون عن كثب نشاط نسيب البكري، وكثف لقاءاته به. وفي 18 آذار/ مارس 1938 أرسل ساسون إلى موشيه شرتوك تقريرًا شاملًا ومفصلًا عن الثوار الفلسطينيين وحركتهم من سورية ولبنان إلى فلسطين، وعن تهريب السلاح إلى فلسطين ومصادره، وعن كبار السوريين المرتبطين بالثورة، استنادًا إلى المعلومات التي حصل عليها من نسيب البكري، وقد شمل التقرير الآتي[40]:

* قائمة بأسماء 26 فلسطينيًا يقودون الثورة في فلسطين.

* قائمة بأسماء 12 ثائرًا يتنقلون باستمرار بين سورية ولبنان وفلسطين للوصل بين قيادة الثورة في دمشق وبيروت والثوار في فلسطين.

* اسم مصور كان يرافق الثوار في معاركهم وعملياتهم في فلسطين ويرسل صورهم إلى الصحف العربية.

* قائمة بأسماء ستة ثوار كانوا يتنقلون ويوصلون ما بين مواقع الثوار في فلسطين وأنصار المفتي الحاج أمين الحسيني في القدس.

* قائمة بأسماء سبعة رجال من سورية ولبنان كانوا يشترون السلاح للثوار.

* قائمة بأسماء تسعة رجال يهربون السلاح من سورية إلى فلسطين.

* اسمَيْ سائقين اثنين من دمشق يهربان السلاح بسيارتيهما إلى فلسطين.

* قائمة بأسماء المدن والمناطق التي يشتري الثوار منها السلاح، وشملت دمشق وبيروت وحلب والإسكندرونة وكردستان والعراق واليونان وألمانيا، ومن الفرنسيين في سورية.

* قائمة تضم أسماء عشرة طرق يسلكها الذين ينقلون السلاح من سورية ولبنان إلى فلسطين.

* قائمة بأسماء 12 رجلًا يعملون في استقطاب الثوار وتجنيدهم ونقلهم إلى فلسطين.

* قائمة بأسماء تسعة من كبار القادة والموظفين السوريين الذين يدعمون الثورة في فلسطين، ويساعدون في نقل الثوار والسلاح من سورية إلى فلسطين، من بينهم منير الريس وعادل العظمة وفخري البارودي.

* قائمة بأسماء 13 رجلًا يقومون بالاتصال والتنسيق بين الثوار الفلسطينيين والقنصليتين الألمانية والإيطالية في دمشق.

* قائمة بأسماء سبعة رجال يديرون الدعاية لمصلحة الفلسطينيين.

* قائمة بأسماء 15 شخصية قيادية سورية ولبنانية تدعم المفتي الحاج أمين الحسيني.

* قائمة بأسماء قيادة الثورة الفلسطينية في سورية، مكونة من عشرة أعضاء، مع تفصيل عن مهمات كل منهم[41].

ساسون يمكث في دمشق معظم شهر آذار لمتابعة عمل البكري

مكث إلياهو ساسون معظم آذار/ مارس 1938 في دمشق وبيروت لجمع المعلومات ولمتابعة نشاطات العديد من عملاء الوكالة اليهودية، ولا سيّما نشاط نسيب البكري. وفي هذا السياق اجتمع ساسون بنسيب البكري في 29 آذار/ مارس 1938 في بيت يوسف لنيادو في دمشق، واستمر هذا الاجتماع ثلاث ساعات، قدّم خلالها البكري عرضًا مفصلًا عن الأوضاع السياسية في سورية، وعن نشاطه التجسسي لمصلحة الوكالة اليهودية. وقدم ساسون في أعقاب هذا الاجتماع تقريرين إلى موشيه شرتوك؛ أولهما سياسي، وثانيهما أمني.

الجانب السياسي

قدم نسيب البكري في هذا الاجتماع شرحًا وافيًا ومفصلًا عن الأوضاع السياسية في سورية، وعما يدور في داخل الكتلة الوطنية، وذكر أن رئيس الحكومة السورية جميل مردم نجح في حل الصراع الذي كان محتدمًا في الحكومة السورية والكتلة الوطنية، وأن قادة الكتلة الوطنية وافقوا على اقتراح جميل مردم أن يقتصر عدد الوزراء في الحكومة السورية على ثلاثة وزراء بمن فيهم رئيس الحكومة، إلى أن يصدق البرلمان الفرنسي على الاتفاقية الفرنسية – السورية. واستعرض نسيب البكري التقرير المفصل الذي قدمه جميل مردم لقيادة الكتلة الوطنية عن سير المفاوضات مع فرنسا، ثم نقل إلى ساسون ما تداوله قادة الكتلة الوطنية عن الوضع الإقليمي والدولي، وأشار إلى خشية جميل مردم من أن تقوم تركيا باحتلال أجزاء كبيرة من شمال سورية (الإسكندرونة وحلب والجزيرة ودير الزور) إذا نشبت حرب عالمية أو حرب بين سورية وتركيا. وكذلك أبلغه عن الخشية التي عبّر عنها قادة الكتلة الوطنية في هذا الاجتماع من أن تتفق بريطانيا مع فرنسا وتركيا على تقسيم سورية، فتحتل تركيا بموجبه شمال سورية، في حين يجري ضم جنوب سورية إلى شرق الأردن وفلسطين تحت الاحتلال البريطاني، أما لبنان فيبقى تحت الاحتلال الفرنسي. وتقرر في هذا الاجتماع أن يتبع جميل مردم سياسة ودية تجاه بريطانيا، وأن يستمر في التشاور حول ذلك مع قادة الكتلة الوطنية[42].

إلى جانب ذلك، أخبر نسيب البكري إلياهو ساسون عما دار في اجتماع قيادة الكتلة مع نوري السعيد وأنه جرى التطرق إلى الوضع الدولي المتوتر، والخشية من اندلاع حرب عالمية، وإلى الأخطار المحدقة بالبلاد العربية، وخاصة بالعراق وسورية، وإلى ضرورة العمل المشترك بين الدول العربية في التصدي بحزم للدعاية الألمانية والإيطالية والتركية في سورية والعراق، والوقوف بوضوح إلى جانب بريطانيا. وتحدث نوري السعيد، وفق ما ذكره البكري لساسون، عن ضرورة وقف الثورة في فلسطين، وضرورة اتخاذ موقف مؤيد لبريطانيا وفرنسا، وقال نوري السعيد لقادة الكتلة الوطنية إنه لا توجد لديه أي خطة جديدة لحل القضية الفلسطينية. وتطرق نوري إلى ما جرى في اجتماعه باللورد لويد مؤخرًا، وقال إن هذا الاجتماع كان مهمًا، وإن اللورد لويد وضح له أن بريطانيا ستقف إلى جانب فرنسا، وأنها ستتوصل إلى اتفاق معها في شأن مجمل الخلافات العالقة بين الدولتين، وأن اللورد لويد Lord Lioyd قال له إنه يجب على العرب مساعدة بريطانيا بكل طاقاتهم لتحقيق أهدافها، إذا كانوا يرغبون في الحفاظ على حدود بلادهم الحالية.

وأخبر نسيب البكري في عرضه السياسي أن الكتلة الوطنية والحكومة السورية قررتا ضبط الوضع الداخلي في سورية، والتصرف بحزم تجاه المعارضة، وأن الكتلة الوطنية ستقوم في هذا السياق بتعزيز نشاطها وإنشاء فروع لها في مختلف الأحياء في المدن السورية، وأنها ستسعى بالتعاون مع الحكومة السورية لضبط الصحافة، ومراقبة نشاطات مكتب الدعاية والنشر التابع لفخري البارودي، وأنها ستعمل على إمداد سورية بكميات كبيرة من السلاح على نحو رسمي وغير رسمي. وأشار ساسون في ختام تقريره إلى أن ‘نسيب البكري حلّفني أن أحافظ بشدة على سرية كل أقواله'[43].

ذكر إلياهو ساسون في تقريره الأمني أن البكري قال له إنه يأمل أن ‘ينجح اليهود في إلقاء القبض على العصابة المكونة من 120 مسلحًا التي كان قد أخبرنا عنها قبل ثلاثة أيام؛ لكي نتأكد أنه لا يجلس مكتوف اليدين، ولكي نقدر أعماله'[44]. وذكر ساسون في تقريره أيضًا أنه حاول تشجيع نسيب البكري في التقرب من المفتي الحاج أمين الحسيني وقادة الثوار الفلسطينيين في دمشق وبيروت؛ لكي يتمكن من الاطلاع على ما يدور عندهم. لكن نسيب البكري الذي لم تكن تربطه علاقة بالمفتي قال لساسون إنه يخشى أن تحوم الشكوك حوله إذا ما تقرب من المفتي ورجاله. وطلب من ساسون ألا يضغط عليه في هذا الأمر، وأن يتركه يعمل لمصلحة الوكالة اليهودية وفق رؤيته ووفق الأوضاع السياسية والاجتماعية في سورية، وأن ‘نثق في أنه يعمل بأمانة وإخلاص’. وأضاف نسيب البكري أنه ‘من المستحيل أن يتم في شهر واحد، وخاصة في صفوف شعب محرَّض ومتعصب، هدم ما بناه الحاج أمين الحسيني ومؤيدوه في سورية والدول العربية طوال السنين الماضية’. وأضاف أنه يعمل على تعزيز مكانته وزيادة تأثيره في الحكومة السورية وفي الكتلة الوطنية والبرلمان السوري وعامة الشعب السوري؛ لكي يستطيع بعد شهر أو شهرين الحديث علانية عن الأضرار الاقتصادية التي تلحق بسورية من جراء استمرار الثورة في فلسطين، وعن الأضرار السياسية التي تصيبها من جراء وجود الثوار الفلسطينيين في سورية وسياستهم المعادية لبريطانيا.

وأخبر البكري ساسون في هذا الاجتماع أنه علم من مصدر حكومي سوري موثوق أن شكري القوّتلي تحدث مع الملك عبد العزيز بن سعود عن ضرورة قيام السعودية وسورية بدعم الثورة في فلسطين. وقال البكري إنه سيزور شكري القوّتلي في أقرب فرصة، وسيناقش معه جديًّا هذا الموضوع، وسيناقش علاقته مع قادة الثوار الفلسطينيين. وفي هذا السياق قال البكري إن في الحكومة السورية وقيادة الكتلة الوطنية السورية أصدقاء وأعداء للصهيونية، وعدد أعداء الصهيونية في قيادة الكتلة الوطنية أكثر من أصدقائها، ويُعَدُّ شكري القوَّتلي من أعداء الصهيونية، لكن جميل مردم يُعَدّ من أصدقائها. وفي نهاية الاجتماع استجاب البكري إلى طلب ساسون في أن يقوم البكري بدعوة فخري البارودي من أجل التجسس عليه وعلى نشاطاته، والحصول منه على معلومات عن زيارته الأخيرة إلى العراق والكويت، وعن المهمة الحالية لأكرم زعيتر في بغداد. واختتم ساسون تقريره إلى موشيه شرتوك بجملة لا تخلو من التبجح والاعتزاز بما حققه بقوله: ‘كان طلب نسيب البكري الوحيد أن أزوره في أوقات متقاربة'[45].

محاولة تجنيد محمد الأشمر

اقترح عميل الوكالة اليهودية في دمشق عبد الله عبود[46] في تقرير أرسله إلى إلياهو ساسون في تشرين الثاني/ نوفمبر 1937، أن تقوم الوكالة اليهودية بتجنيد محمد الأشمر للعمل لمصلحتها. وأشار عبد الله عبود في هذا التقرير إلى أنه اجتمع مع محمد الأشمر وأنه يعتقد أنه في إمكان الوكالة اليهودية ‘شراؤه'[47]. اهتم قادة الوكالة اليهودية بتقرير عبد الله عبود بسبب مكانة محمد الأشمر ودوره في النضال الوطني السوري والفلسطيني؛ فقد كان محمد الأشمر (1892–1960) أحد قادة الثورة السورية في عام 1925، والتحق بالثورة الفلسطينية، ودخل فلسطين في آب/ أغسطس 1936، على رأس مجموعة كبيرة من الثوار السوريين، عن طريق شرق الأردن، وانضم إلى الثوار العرب الذين دخلوا فلسطين حينئذ بقيادة فوزي القاوقجي. وبعد حصوله على موافقة موشيه شرتوك رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية، طلب ساسون من البكري تجنيد محمد الأشمر للعمل لمصلحة الوكالة اليهودية. بيد أن البكري كان حذرًا، ورفض أن يقوم هو بهذا الأمر لأنه لا يستطيع المبادرة ومكاشفة محمد الأشمر في شأن ‘بيع نفسه لليهود’. واقترح على ساسون أن يقوم بهذه المهمة يوسف لنيادو، وإذا ما نجح لنيادو في تجنيد الأشمر للعمل لمصلحة الوكالة اليهودية فإن البكري يتسلمه ليعملا معًا[48].

وأخبر البكري ساسون أنه – أي نسيب البكري- تحدث مع الأشمر في لقائه الأخير به عن ضرورة وقف دعم السوريين للثورة الفلسطينية؛ وأنه شرح له مدى قوة نفوذ اليهود في فرنسا، وأن في إمكانهم إيذاء سورية والضغط على رئيس وزراء فرنسا اليهودي يهودا بلوم، وعلى حزبه الذي يوجد فيه الكثير من اليهود، وتأجيل التصديق على الاتفاقية بين سورية وفرنسا. وقد استمع محمد الأشمر باهتمام لما ذكره البكري وصدّقه، بحسب قول البكري، ووعد بالتحدث في هذا الأمر مع رجاله. وقال الأشمر للبكري إن قادة الثورة الفلسطينية في سورية يطلبون منه بإلحاح دعم الثورة الفلسطينية بالسلاح والمتطوعين، ولكنه يؤجل الموضوع أسبوعًا فأسبوعًا، وإن المعارضة السورية بقيادة الدكتور عبد الرحمن شهبندر تطالبه بالتفرغ فقط لقضايا سورية[49].

اجتمع يوسف لنيادو، بطلب من ساسون، بمحمد الأشمر مرتين لمحاولة تجنيده للعمل لمصلحة الوكالة اليهودية. وأعرب الأشمر خلال هذين الاجتماعين عن استعداده لمساعدة الوكالة في وضع حد للثورة في فلسطين بكل الوسائل التي بحوزته. فهو من ناحية، يستطيع التأثير في الدمشقيين الذين يقومون بتجنيد الثوار وتهريب السلاح؛ ليتوقفوا عن ذلك، وهو من ناحية أخرى، يستطيع إعطاء معلومات عن منظمات الثوار وعن فعالياتهم وطرق دخولهم إلى فلسطين، ومعلومات تقود إلى إلقاء القبض عليهم. لم يتطرق لنيادو والأشمر إلى الحديث عن المبلغ المالي الذي سيتقاضاه الأشمر مقابل الخدمات التي سيقدمها للوكالة اليهودية. فقد كان محمد الأشمر معنيًا أساسًا بإقامة علاقات سياسية بها؛ إذ طلب من لنيادو ترتيب اجتماع له بممثل رسمي للوكالة. كانت الوكالة في تلك المدة تجري اتصالات غير رسمية بالكتلة الوطنية السورية، ولم ترغب في أن تجري في الوقت نفسه اتصالات بمحمد الأشمر المعروف بانتمائه إلى ‘المعارضة’ السورية الشهبندرية التي كانت خصمًا للكتلة الوطنية. ومن ناحية أخرى كانت الوكالة اليهودية لا تريد تضييع هذه الفرصة الثمينة، فرصة الاتصال بمحمد الأشمر، ولا سيما أنه اقترح تقديم خدمات مهمة للوكالة اليهودية في شأن وقف الثورة في فلسطين. وكان الحل الذي توصلت إليه الوكالة إرسال آبا حوشي (Abba Hushi 1898–1969) إلى دمشق للاجتماع بمحمد الأشمر. لم يكن حوشي موظفًا رسميًا في الوكالة اليهودية، ولكنه كان قد اكتسب خبرة واسعة في التعامل مع العرب واستقطابهم وتجنيد بعضهم للعمل لمصلحة الصهيونية، من خلال نشاطه في الهستدروت، واختصاصه بمتابعة علاقات الوكالة اليهودية بالعرب الدروز في جبل العرب بسورية. ولكن قبل التطرق إلى اجتماع آبا حوشي بمحمد الأشمر المنتمي إلى المعارضة السورية، من الضروري معالجة علاقات الوكالة اليهودية بالمعارضة السورية في تلك المدة التي كان يقودها الدكتور عبد الرحمن الشهبندر.

علاقة الوكالة اليهودية بالمعارضة الشهبندرية

أجرى الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الكثير من الاجتماعات مع قادة الحركة الصهيونية والعديد من كوادرها قبل ثورة 1936-1939 وأثناءها، في كل من مصر وسورية وأوروبا.

ولد الدكتور عبد الرحمن الشهبندر (1879-1940) في دمشق وتلقى علومه الابتدائية والثانوية فيها. ودرس الطب في الكلية السورية البروتستانتية في بيروت التي أصبحت تعرف منذ عام 1921 باسم الجامعة الأميركية ببيروت. لم تكن عائلة الشهبندر تنتمي إلى الطبقة العليا الأرستقراطية الدمشقية، بيد أن الدكتور عبد الرحمن تزوج من أخت نزيه المؤيد العظم، ابنة تقي الدين بك العظم، فساهم ذلك في فتح آفاق أمام نشاط عبد الرحمن الشهبندر السياسي، وفي تحسين دخله أيضًا؛ إذ كان يحصل على دخل من أراضي زوجته، إلى جانب دخله من بعض الأملاك التي ورثها[50]. وقد شغل الدكتور الشهبندر منصب وزير الخارجية في الحكومة السورية التي شكلها هاشم الأتاسي في أيار/ مايو 1920. وأسس الدكتور الشهبندر حزب الشعب في عام 1925، وانضم إلى الثورة السورية التي اندلعت في العام نفسه، وأصبح أحد أبرز قادتها السياسيين. وبعد قمع القوات الفرنسية للثورة السورية سافر الدكتور الشهبندر إلى العراق، ومن ثم إلى مصر التي مكث فيها نحو عشرة أعوام.

وكان الدكتور الشهبندر مواليًا جدًا للهاشميين ولبريطانيا، فقد أقام علاقات متينة بالأمير عبد الله وبالضباط السياسيين البريطانيين في ‘المكتب العربي'[51]. وعاد الشهبندر إلى سورية في 14 أيار/ مايو 1937، حيث استقبل استقبالًا شعبيًا ورسميًا واسعًا[52].

منذ عودته إلى سورية وحتى اغتياله في تموز/ يوليو 1940، نقد الشهبندر الكتلة الوطنية والحكومة السورية نقدًا لاذعًا، وشن ضدهما حملة مستمرة، واستعمل في مقارعته لهما جملة من القضايا كان أهمها[53]:

* رفض المعاهدة السورية الفرنسية. ولهذا، دأب على مهاجمة الكتلة الوطنية والحكومة السورية بشدة لتوقيعها على المعاهدة السورية – الفرنسية.

* طرح قضية لواء الإسكندرونة الذي احتلته تركيا حينئذ كقضية سورية المركزية، وانتقد بشدة موقف الكتلة الوطنية والحكومة السورية تجاه هذه المسألة.

* سعى، ولا سيّما بعد عودته إلى سورية، لاستعمال القضية الفلسطينية، والمفاوضات التي قام بها هو وجماعته في المعارضة السورية، مع الوكالة اليهودية، لخدمة مصالحه ومصالح المعارضة السورية ضد الكتلة الوطنية والحكومة السورية. فقد جاءت اجتماعاته واجتماعات العديد من قادة المعارضة الشهبندرية بالوكالة اليهودية أثناء اشتداد الصراع بين الكتلة الوطنية والمعارضة الشهبندرية، ولا سيما في 1938، مثل اجتماعات نزيه المؤيد ومحمد الأشمر ونصوح بابيل بالوكالة اليهودية، لخدمة هذا الغرض بالذات كما سنرى بعد قليل.

لقد أجرى الدكتور الشهبندر سلسلة من الاجتماعات بقادة الوكالة اليهودية قبل ثورة 1936-1939 الفلسطينية وأثناءها، في كل من مصر وسورية وأوروبا. واجتمع في هذا السياق بحاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، وموشيه شرتوك رئيس الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، ودوف يوسف (بيرنارد جوزيف 1899-1980Bernard Josef ) نائب رئيس الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، وإلياهو ساسون. وأقام عبد الرحمن الشهبندر علاقات قوية بناحوم فيلنسكي (Nahum Velansky)[54] رئيس ‘وكالة الشرق’ وعميل الوكالة اليهودية في القاهرة، و’اجتمع به مرات لا تحصى'[55]. وتمحورت اجتماعات عبد الرحمن الشهبندر بقادة الوكالة اليهودية وناشطيها، والتي كان يبادر هو إلى عقدها، غالبًا حول القضية الفلسطينية، وحول إمكان التوصل إلى اتفاق عربي – يهودي صهيوني شامل.

وطرح الشهبندر خلال هذه الاجتماعات عدة تصورات لإيجاد حل للقضية الفلسطينية التي لم تلتزم المطالب الفلسطينية الأساسية، وفي مقدمتها وقف الهجرة اليهودية وقفًا تامًا واستقلال فلسطين. واستندت تصورات الشهبندر لحل القضية الفلسطينية إلى قبوله هجرة اليهود إلى فلسطين، شريطة أن يبقى عدد اليهود في فلسطين أقل من عدد العرب فيها. وذكر موشيه شرتوك في مذكراته أن المحادثات التي أجراها الشهبندر مع الوكالة اليهودية لم تؤد إلى نتائج ملموسة، لأن الشهبندر الذي كان يقوم في البداية بدور الوسيط، وفق ما ذكر شرتوك، لم ينجح في أن يأتي بالطرف العربي الفلسطيني للتفاوض مع الوكالة اليهودية. ويضيف شرتوك أنه عندما بدأ عبد الرحمن الشهبندر نفسه بالتفاوض مع قادة الوكالة اليهودية، وأساسًا عن طريق ناحوم فيلنسكي، في شأن اتفاق عربي – يهودي صهيوني، اتضح أن الفجوة بين موقفه وموقف الوكالة اليهودية كانت لا تزال واسعة، وأن موقف الشهبندر – على الرغم من قبوله بالهجرة اليهودية إلى فلسطين شريطة أن يظل عدد اليهود في فلسطين أقل من عدد العرب فيها – لا يمكنه أن يشكل أرضية للمفاوضات بالنسبة إلى الوكالة اليهودية[56]. وأشار شرتوك إلى أن المفاوضات بين الشهبندر وفيلنسكي توقفت عندما وصلت إلى هذه النقطة. فحاول الشهبندر الاجتماع بحاييم وايزمان في أوروبا بيد أنه لم ينجح في ذلك. وأشار شرتوك إلى أن رغبة الشهبندر في الاجتماع بحاييم وايزمان ‘تثير الشك في دوافعه’؛ لأن شرتوك ‘تعلم من خلال التجربة أن العرب الذين يطلبون الاجتماع بوايزمان بعدما اجتمعوا بنا هنا، يقومون بذلك استنادًا إلى وهم لديهم أنهم سيجدون آذانًا تصغي إليهم لدى وايزمان، للأمر نفسه الذي نرفضه؛ بقائنا أقلية في فلسطين. فهم ليسوا راضين عنا لأننا نبدو متطرفين في نظرهم، وهم يريدون يهودًا وصهيونيين معتدلين'[57].

مفاوضات الشهبندر ووايزمان

بعد جهد حثيث، تمكن الدكتور عبد الرحمن الشهبندر من الاجتماع بحاييم وايزمان في القاهرة، وذلك بفضل مساعدة زعيمي الطائفة اليهودية في مصر يوسف أصلان قطاوي باشا وإيلي موصيري اللذين كانت تربطهما علاقات حسنة بالشهبندر أثناء سنوات مكوثه في القاهرة. ففي الأسبوع الأول من شباط/ فبراير 1938 زار حاييم وايزمان قطاوي باشا في بيته في القاهرة، ووجد هناك أيضًا إيلي موصيري. وأخبر قطاوي وموصيري حاييم وايزمان أنهما دعَوَا عبد الرحمن الشهبندر، وأنه سيصل بعد قليل من أجل اللقاء بوايزمان. ولم يكن لوايزمان حتى تلك اللحظة علم بترتيب القطاوي لهذا الاجتماع مع الشهبندر.

وفعلًا، وصل عبد الرحمن الشهبندر إلى بيت القطاوي باشا بعد وصول وايزمان إليه بقليل. وقد تبين لعبد الرحمن الشهبندر خلال هذا الاجتماع بوايزمان أن آماله في أن يجد مرونة وأذنًا صاغية لدى وايزمان لم يكن لها ما تستند إليه. فقد أكد له وايزمان في هذا الاجتماع أمرين أساسيين مهمين بالنسبة إلى الوكالة اليهودية في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وإمكان التوصل إلى اتفاق عربي – يهودي؛ أولهما، أنه لن يكون هناك أي اتفاق عربي – يهودي يستند إلى بقاء اليهود أقلية في فلسطين. وثانيهما، أن الوكالة اليهودية لن تجري مفاوضات مع العرب على نسبة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وينبغي أن تبقى الهجرة اليهودية وحجمها تحت قرار الوكالة اليهودية وحدها. وقد أجابه الشهبندر بأنه يدرك أنه ينبغي عدم الحديث عن بقاء اليهود في فلسطين أقلية. ولذلك يتحدث عن تحديد الهجرة اليهودية في السنوات الخمس القادمة التي يتم خلالها توضيح شروط السلام بين العرب واليهود. فسأله حاييم وايزمان عن تصوره عن حجم الهجرة اليهودية إلى فلسطين في مرحلة الخمس سنوات. وعندما حاول الشهبندر التهرب من الإجابة ضغط عليه وايزمان، فاستفسر الشهبندر عن عدد المهاجرين اليهود الذين ترغب الوكالة اليهودية في إدخالهم إلى فلسطين في مرحلة السنوات الخمس. فأجابه وايزمان: ربع مليون. عندها قال الشهبندر إن هذه المسألة معقدة جدًا وإنها بحاجة إلى بحث ودراسة، بيد أنه أعرب عن رغبته في الدخول في مفاوضات جدية مع الوكالة من أجل التوصل إلى سلام بين اليهود والعرب. واختتم الشهبندر حديثه مع وايزمان بقوله إن هناك أمرًا واحدًا واضحًا له، وهو أنه ينبغي إخراج رئيس اللجنة العربية العليا الحاج أمين الحسيني من هذه المفاوضات؛ لأنه من الصعب جدًا التوصل معه إلى أي اتفاق. وقد طلب الشهبندر من وايزمان إبقاء ما جرى في هذا الاجتماع في غاية السرّيّة[58].

اجتماع نزيه المؤيد بإلياهو ساسون

في خضم صراع المعارضة الشهبندرية مع الحكومة السورية والكتلة الوطنية بادر نزيه المؤيد – أحد قادة المعارضة ونسيب عبد الرحمن الشهبندر – إلى الاجتماع بإلياهو ساسون، فدعاه إلى بيته في 11 آذار/ مارس 1938[59]. أخبر نزيه المؤيد في هذا الاجتماع إلياهو ساسون بأنه كان قد دعم الثورة في فلسطين في مراحلها الأولى في عام 1936، بيد أنه توقف عن دعم الثورة في فلسطين توقفًا تامًّا بناء على طلب الشهبندر. وأضاف أنه لولا تدخل الشهبندر وطلبه من قادة المعارضة في سورية وفي مقدمتهم محمد الأشمر التوقف عن دعم الثورة، لعاد محمد الأشمر وانضم إلى الثورة في فلسطين. فقد طلب العديد من القادة الفلسطينيين من الأشمر الانخراط في الثورة، وتولّي مسؤولية قيادتها، بيد أنه رفض ذلك بناء على تعليمات الشهبندر. ووضح نزيه المؤيد لساسون بأن المعارضة بقيادة الشهبندر مهتمة جدًا بالقضية السورية أكثر من اهتمامها بالقضية الفلسطينية، وأنها تتنافس مع القيادات الفلسطينية في هذه المدة بالذات في تجنيد السوريين لمصلحة القضية السورية، وأنها تسعى بكل جهد لاستقطاب السوريين، ولا سيما الثوار الذين يذهبون إلى فلسطين. لأنه من الوارد جدًا أن تضطر المعارضة، كما ذكر نزيه المؤيد، إلى الإقدام على خطوة جريئة، وتطالب باستقالة حكومة جميل مردم، وترغمه على الاستقالة باستعمال القوة. وأشار نزيه المؤيد إلى أن حكومة جميل مردم ما كانت لتتجرأ على اعتقال قادة المعارضة، وشن هجوم قاس على الشهبندر؛ لولا دعم الحكومة الفرنسية، ولا سيما دعم دي مارتل. بيد أن المعارضة ستعرف كيف ستصفي حسابها مع جميل مردم وحكومته عاجلًا أم آجلًا. وأشار نزيه المؤيد إلى أنه بحث أمس مع الأشمر في كيفية زيادة قوات المعارضة.

وأكد نزيه المؤيد لساسون أن الشهبندر يعارض بشدة هو وجميع رجال المعارضة استمرار الثورة في فلسطين، وأنه يحاول بكل جهده هو ورفاقه بوسائلهم الخاصة وقفها. بيد أنهم لا يستطيعون إظهار موقفهم هذا على الملأ؛ لئلا تستغل الكتلة الوطنية والحكومة السورية ذلك ضدهم، وتقوم بتوسيخ سمعتهم في صفوف الشعب السوري. وأشار نزيه المؤيد في اجتماعه بساسون إلى وجود خطة للدكتور الشهبندر لحل القضية الفلسطينية لمصلحة كلا الشعبين العربي واليهودي، وقال إن الشهبندر قد تحدث مع الأطراف العربية والإنكليزية واليهودية في شأن خطته، ووضح لساسون بأن الشهبندر لن ينشر خطته قبل أن يصبح وضعه متينًا في سورية، وقبل أن يضع حدًا لشعبية الكتلة الوطنية في صفوف الشعب السوري. فعندما يصبح الشهبندر قويًا وينشر خطته فلن يتجرأ أي سياسي سوري أو فلسطيني أو عراقي على معارضته أو انتقاده[60].

اجتماع محمد الأشمر بآبا حوشي

جاء هذا الاجتماع كما رأينا سابقًا بطلب من محمد الأشمر، وذلك في خضم صراع المعارضة الشهبندرية مع الحكومة السورية والكتلة الوطنية. ومن غير المتصور أن يكون قد جرى هذا الاجتماع من دون علم الدكتور الشهبندر وموافقته. فقد تحدث الأشمر في هذا الاجتماع باسم المعارضة الشهبندرية، وطلب أن تقوم الحركة الصهيونية بمساعدة المعارضة السورية للوصول إلى الحكم في سورية من خلال علاقات الحركة الصهيونية بفرنسا.

ففي 23 آذار/ مارس 1938 اجتمع محمد الأشمر بآبا حوشي في بلدة حرستا بالقرب من دمشق[61]. وأخبر الأشمر آبا حوشي في بداية الاجتماع بأنه سمع عنه أخبارًا طيبة من يوسف العيسمي[62] ومن شخص آخر – لم يذكر حوشي اسم هذا الشخص الآخر في تقريره – وعن علاقات آبا حوشي بالعرب. ثم قال الأشمر له: إن أطرافًا عربية عديدة ضغطت ليقبل بقيادة الثورة المسلحة في فلسطين، فبعد عودته مؤخرًا من أداء مناسك الحج اجتمع بالحاج أمين الحسيني مرتين بطلب من الحسيني نفسه. وفي الاجتماع الثاني الذي عقد في الأسبوع الماضي طلب الحاج أمين منه أن يقود الثورة المسلحة في فلسطين. ووضع محمد الأشمر جملة من الشروط على الحاج أمين الحسيني كي يقبل بقيادة الثورة المسلحة في فلسطين. وقد رفض الحاج هذه الشروط. وأضاف الأشمر أن الأوضاع الداخلية في سورية قد تغيرت، وأن ذلك يدعوه إلى التفرغ للقضية السورية. لذلك أبلغ الحاج أمين الحسيني في لقائهما الأخير قراره النهائي؛ أنه لن يقود الثورة الفلسطينية المسلحة.

وقال الأشمر إن السبب الحقيقي لموقفه هذا هو أن قيادة المعارضة في سورية تخطط سرًا للسيطرة على الحكم في سورية بالقوة. وهنا، يقول آبا حوشي في تقريره، إن محمد الأشمر طلب منه القيام والسير معه، ويضيف، ‘سرت معه نحو 150-200 خطوة من الغرفة التي جلسنا فيها، ثم أدخلني إلى قبو، ونزلنا 16 درجة وأشعل شمعة، فرأيت مخزنًا للسلاح في هذا القبو الذي عرضه نحو ثلاثة أمتار وطوله 8-10 أمتار، وكان نصفه مليئًا بأنواع مختلفة من السلاح، أكوام من البنادق والمسدسات وصناديق رصاص ومتفجرات وقذائف’. بعد ذلك عاد محمد الأشمر بضيفه إلى الغرفة التي كانا يجلسان فيها، ويضيف حوشي في تقريره، هنا وصل محمد الأشمر ‘إلى الموضوع المهم والذي كان وراء دعوته إياي’. قال الأشمر لحوشي إن المعارضة السورية غير راضية عن الحكومة السورية لأنها فاسدة، وأوصلت البلاد إلى وضع صعب. لذلك تريد المعارضة الاستيلاء على السلطة في سورية بالقوة. وطلب الأشمر من حوشي أن تقوم الحركة الصهيونية بالتأثير في رئيس الحكومة الفرنسية بلوم لاتخاذ موقف مؤيد للمعارضة السورية في الاستيلاء على السلطة. فالمعارضة السورية تدرك أنه لا يمكن الاستيلاء على السلطة بالقوة من دون موافقة فرنسا التي لا زالت قوتها كبيرة في سورية. وتدرك أيضًا أن هناك تأثيرًا كبيرًا للحركة الصهيونية في فرنسا؛ إذ إن رئيس الحكومة الفرنسية يهودي واشتراكي، وهناك تأثير كبير للحركة الصهيونية فيه. وأضاف الأشمر، وفق تقرير آبا حوشي، أن الدكتور الشهبندر يقود المعارضة السورية، وهو يريد التوصل إلى سلام بين اليهود والعرب، ولديه خطة لتحقيق ذلك، وإذا استجابت الوكالة اليهودية لطلب التأثير في بلوم وفي فرنسا لمصلحة المعارضة والدكتور الشهبندر، فإنه – أي محمد الأشمر- ‘على استعداد أن يساعدنا في كل ما يستطيع القيام به’. وإلى أن تصل المعارضة إلى السلطة في سورية فإن الأشمر ‘على استعداد أن يمنع انضمام رجال الميدان للثورة’. وإذا وصلت المعارضة إلى الحكم في سورية فإنها ‘ستمنع انضمام السوريين للثورة في فلسطين وستستعمل اليد القوية ضد الثوار الفلسطينيين’ الموجودين في سورية[63].

الاجتماع بين ساسون وبابيل

في 3 أيلول/ سبتمبر 1938 في دمشق، اجتمع إلياهو ساسون بنصوح بابيل صاحب جريدة الأيام وأحد قادة المعارضة الشهبندرية[64]. لم يكن هذا الاجتماع الأول بينهما، فقد اعتاد ساسون لقاء نصوح بابيل بكثرة قبل هذا الاجتماع وبعده. بيد أن ما ميّز هذا الاجتماع الذي استمر ثلاث ساعات هو تعميقه تعاون نصوح بابيل مع الوكالة اليهودية، لم يكن مظهر هذا التعاون العميق في تلبية بابيل طلب ساسون أن تقوم جريدة الأيام بتهدئة الوضع السوري الهائج المؤيد للثورة الفلسطينية، مقابل حصول بابيل على مبلغ مالي، فحسب، بل بلغ التعاون أن يسعى بابيل للتوصل إلى اتفاق بين المعارضة الشهبندرية والوكالة اليهودية على أرضية المصالح المشتركة بينهما.

أخبر نصوح بابيل ساسون أن الدكتور الشهبندر يعلم من مصادره في باريس ولندن أن اليهود يبذلون جهدًا جمًّا في فرنسا وبريطانيا من أجل إفشال المعاهدة السورية – الفرنسية وعدم تصديق البرلمان الفرنسي عليها. وأضاف بابيل أنه يفهم هذا الموقف ويبرره؛ لأنه إذا كانت سورية في وضعها السياسي الراهن المعقد تدعم الثورة في فلسطين بالعتاد والرجال وتسمح بالتحريض العلني في كل مكان ضد المشروع الصهيوني، فمما لا شك فيه أنها ستقوم عند حصولها على الاستقلال الكامل بتقديم أضعاف الدعم الذي تقدمه للثورة في فلسطين في الوقت الحالي. وأشار نصوح بابيل إلى وجود مصلحة مشتركة بين المعارضة الشهبندرية والوكالة اليهودية في إلغاء المعاهدة السورية – الفرنسية. فإلغاء المعاهدة وإفشال حكومة جميل مردم تتصدران أولويات المعارضة، لأن عدم إلغاء المعاهدة، وفق ما ذكر بابيل، قد يضع حدًا لمشروع سورية الكبرى الذي ينادي به الدكتور الشهبندر. أما نجاح حكومة جميل مردم فقد يؤدي إلى تعزيز قوة الكتلة الوطنية وإضعاف المعارضة الشهبندرية أو قمعها.

وأشار بابيل في هذا الاجتماع إلى إمكان حدوث ثورة في سورية إذا ما عاد جميل مردم من فرنسا من دون التصديق على المعاهدة السورية الفرنسية. وأكد أن المعارضة الشهبندرية ليست معنية وليس لها مصلحة في حدوث ثورة في سورية؛ لأن الثورة قد تعزز من مكانة الكتلة الوطنية وتضع المعارضة في موقع حرج يرغمها على تأييد الثورة؛ الأمر الذي يبقي السلطة بأيدي جميل مردم والكتلة الوطنية. وأخبر نصوح بابيل ساسون أن المعارضة الشهبندرية ما انفكت تفكر مليًا في الوسيلة الأكثر ملاءمة، والتي تقود إلى إلغاء المعاهدة، وإلى سقوط حكومة جميل مردم، من دون حدوث ثورة في سورية ضد فرنسا؛ لأن مثل هذه الثورة لا تخدم المعارضة الشهبندرية. وقد استخلصت المعارضة أن الوسيلة الأفضل لتحقيق ذلك هي إجراء مفاوضات بين المعارضة بقيادة الدكتور الشهبندر والوكالة اليهودية على أرضية المصالح المشتركة بينهما، والتوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن.

وفي نهاية الاجتماع طلب نصوح بابيل من إلياهو ساسون الاجتماع بالقياديين البارزين في المعارضة الشهبندرية زكي الخطيب والدكتور منير العجلاني. بيد أن ساسون اعتذر عن ذلك لأنه غير مخوّل إجراء مثل هذا الاجتماع، ولكنه وعد نصوح بابيل بعرض مقترحاته على قيادة الوكالة اليهودية. فطلب منه بابيل القيام بذلك في أسرع وقت ممكن، وشدد على ضرورة الحفاظ على سرية ما دار في هذا الاجتماع[65].

البحث عن العملاء، ونسيب البكري يواصل تجسسه

استمر نسيب البكري في تقديم المعلومات عن الثوار الفلسطينيين وعن السلاح الذي يحصلون عليه وكمياته ومصادره والطرق التي يسلكها الثوار وطرق تهريب السلاح إلى فلسطين. ويتضح من تقرير أرسله إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك في 10 نيسان/ أبريل 1938، بناء على المعلومات التي حصل عليها من نسيب البكري، أن محمد الأشمر زار البكري في بيته في 6 نيسان/ أبريل 1938 وأنه علم منه أن السعودية تمد الثوار الفلسطينيين بالسلاح، وأنه وصلت من السعودية إلى الثوار الفلسطينيين 300 بندقية و12 رشاشًا، وأنها ستنقل إلى فلسطين قريبًا. واقترح البكري على الوكالة اليهودية إبلاغ هذه المعلومات إلى القنصلية البريطانية في جدة من أجل الضغط على السعودية للكف عن تزويد الفلسطينيين بالسلاح. وحدد البكري بالتفصيل، كما في إخبارياته السابقة، الطرق التي يستعملها الثوار الفلسطينيون والعرب للوصول إلى فلسطين من سورية ولبنان[66]. إلى جانب ذلك، ذكر ساسون في تقريره أن البكري طلب من أخيه مظهر البكري مدير شرطة دمشق وضع العديد من الثوار الفلسطينيين والناشطين السوريين الذين يساندونه تحت المراقبة الصارمة، ففعل ذلك[67].

استفادت الوكالة اليهودية والسلطات البريطانية في فلسطين من المعلومات التي حصلت عليها من نسيب البكري، فقد أوصلت الدائرة السياسية للوكالة اليهودية هذه المعلومات إلى السلطات البريطانية في فلسطين، فاتخذت هذه السلطات إجراءات ضد الثوار ونصبت الكمائن لهم ولاحقتهم، بناء على تلك المعلومات. ويتضح ذلك من تقرير أرسله عميل الوكالة اليهودية في دمشق عبد الله عبود إلى إلياهو ساسون ذكر فيه أن معلومات وصلت من قادة الثورة في فلسطين إلى قياديي الثورة الفلسطينية في دمشق؛ عزة دروزة والدكتور صبحي أبو غنيمة، تفيد بأن السلطات البريطانية شددت مراقبة الطرق التي يتنقل منها الثوار الفلسطينيون من سورية ولبنان إلى فلسطين، وتقوم بملاحقتهم وبنصب الكمائن لهم، وأن قادة الثورة في فلسطين يعتقدون أن هناك خونة من بين الذين يعرفون عن حركة الثوار الفلسطينيين، وعن تهريب السلاح من سورية ولبنان إلى فلسطين[68]. وعلى إثر وصول هذه المعلومات المزعجة، استشار عزة دروزة والدكتور صبحي أبو غنيمة عادل العظمة الذي كان يشغل حينئذ منصب مدير وزارة الداخلية السورية من أجل العمل على كشف الخونة. وبحث عادل العظمة بدوره في هذا الموضوع مع منير الريس الذي كان يشغل حينئذ منصب مدير فرع مكافحة التجسس في وزارة الداخلية السورية. وعلى إثر هذه المداولات قرر منير الريس تكليف 30 مخبرًا وضابطًا سوريًا بمتابعة هذا الموضوع ومحاولة الكشف عن الخونة. بيد أن هذا الجهد لم يثمر شيئًا؛ إذ تابع وراقب فرع مكافحة التجسس التابع لوزارة الداخلية السورية الأشخاص الخطأ[69].

ارتفاع مكانة نسيب البكري

اجتمع إلياهو ساسون في 23 نيسان/ أبريل 1938 بنسيب البكري لمدة ثلاث ساعات في بيت يوسف لنيادو في دمشق. وذكر ساسون في تقرير له مطول عن هذا الاجتماع، أرسله إلى موشيه شرتوك، أن ‘الحديث كان فقط عن الوضع السياسي في سورية، وأنه كشف لنا عدة قضايا قيمة من المهم جدًا لنا معرفتها’، وأنه تقرر تخصيص اجتماع آخر بنسيب البكري لمتابعة نشاطه ‘التجسسي الأمني'[70]. ويتبين من هذا التقرير أن البكري لم يسعَ في تلك المدة لإطلاع الوكالة اليهودية على المعلومات الكاملة وبأدق تفاصيلها عما كان يدور بين صفوف قيادة الكتلة الوطنية والحكومة السورية فحسب، بل سعى أيضًا لإقامة علاقة بين الكتلة الوطنية والوكالة اليهودية، والاستعانة بالوكالة اليهودية للتأثير في مجريات الأمور في سورية، بما في ذلك إمكان قيام الوكالة اليهودية بالسعي في فرنسا لتغيير الحكومة السورية.

تحدث البكري عن الأزمة التي كانت تعصف بالحكومة السورية وعن النقاشات والصراعات الدائرة في صفوف قادة الكتلة الوطنية في شأن العديد من القضايا، وفي مقدمتها سياستها تجاه فرنسا في ظل رفض البرلمان الفرنسي التصديق على الاتفاقية السورية – الفرنسية. وذكر البكري أن رئيس الحكومة السورية جميل مردم طلب من قيادة الكتلة الوطنية مساعدته في الحصول على تصديق البرلمان السوري على المعاهدة وملاحقها الجديدة التي أضيفت إليها، من أجل تحسين فرص تصديق البرلمان الفرنسي عليها. وقد طلب قادة الكتلة الوطنية الاطلاع على هذه الملاحق الجديدة، بيد أن جميل مردم رفض ذلك، وقال إنه سيعرضها مباشرة على البرلمان. عندها قال قادة الكتلة الوطنية إنهم لن يلتزموا دعم تصديق البرلمان عليها سلفًا من دون رؤيتها. وقد طرح قادة الكتلة الوطنية توسيع الحكومة السورية، وإضافة أربعة قادة من الكتلة الوطنية؛ ثلاثة من دمشق وهم لطفي الحفار وفايز الخوري ونسيب البكري، وواحد من جبل العلويين، وقبل جميل مردم بهذا الاقتراح، بينما رفضه سعد الله الجابري وهدد بالاستقالة؛ فطالب قادة الكتلة، بما في ذلك المرشحون الثلاثة للانضمام للحكومة، باستقالة الحكومة وإعادة تشكيلها من دون سعد الله الجابري. ولم ينجح قادة الكتلة الوطنية في اجتماعاتهم المكثفة التي عقدوها في العشرة أيام الماضية في التوصل إلى أي اتفاق أو توافق. وبعد عرضه هذا، طرح نسيب البكري على إلياهو ساسون ثلاثة أسئلة، وطلب منه أن يجيب إجابة صريحة عليها، وقال البكري إنه بعد أن يسمع الإجابة سيشرح لساسون الأسباب التي دفعته إلى طرح هذه الأسئلة. وكانت الأسئلة ما يلي:

* هل تعلم الوكالة اليهودية عن الجهد الذي يُبذل في فرنسا لإلغاء الاتفاقية؟

* هل الوكالة اليهودية معنية برفض تصديق البرلمان الفرنسي على الاتفاقية؟

* هل في قدرة اليهود مساعدة السوريين في تصديق البرلمان الفرنسي على الاتفاقية وملاحقها؟

أجابه إلياهو ساسون بأنه – كما هو معروف للبكري – أتى إلى هذا الاجتماع من أجل الحصول على معلومات من البكري تخص عمله المخابراتي مع الوكالة اليهودية، وأن ساسون لا يستطيع الإجابة رسميًا عن هذه الأسئلة؛ لأنه لا يملك الصلاحية في ذلك، ولكنْ في إمكانه التعبير عن رأيه الشخصي. وفي هذا السياق قال ساسون في إجابته عن السؤال الأول إن هناك جزءًا ليس قليلًا في فرنسا يعارض الاتفاقية، وبخاصة بين صفوف ذوي المصالح الاقتصادية. أما السؤال الثاني فأجاب ساسون بأن الوكالة اليهودية لا تتدخل في الشؤون السياسية والداخلية للدول العربية المجاورة، ولكن اليهود يحتجون في بريطانيا وفرنسا على قبول السوريين بجعل بلادهم مركزًا للدعاية المعادية لبريطانيا وللصهيونية ومقرًا للثوار الفلسطينيين. وفي إجابته عن السؤال الثالث قال ساسون إن الوكالة اليهودية على استعداد لتقديم المساعدة في النواحي السياسية والاقتصادية، ليس فقط إلى السوريين ولكن إلى جميع البلدان العربية أيضًا، في حال اعترف العرب بحقوق اليهود السياسية في فلسطين، وأظهروا استعدادهم للتعاون معهم. بعد ذلك طرح البكري على ساسون الأسئلة التالية:

* ألا تعتقد أن الحل النهائي للمسألة السورية مرتبط إلى حد بعيد بالتوصل إلى حل بين اليهود والعرب في فلسطين؟

* هل في الإمكان الحصول على التزام رسمي من قادة الحركة الصهيونية أن يعملوا من أجل موافقة البرلمان الفرنسي على الاتفاقية وملاحقها، إذا وعدناهم بوضوح بأننا سنعمل على التأثير في العالم العربي عمومًا، وفي الفلسطينيين خصوصًا؛ لكي يوافقوا على التوصل إلى حل عربي – يهودي يكون مقبولًا من الطرفين؟

* هل يمكن الحصول على وعد واضح من قادة الحركة الصهيونية بأنهم سيبذلون جهدهم في فرنسا من أجل تشكيل حكومة جديدة في سورية، وفق ما نشاء، في حال رفضت الحكومة الحالية تأييد خطواتنا تجاه الاتفاق العربي – اليهودي؟

كان ساسون ينتظر سماع الأسباب التي دعت نسيب البكري إلى طرح هذه الأسئلة، فأجاب باختصار بأن هناك مصالح مشتركة لفرنسا وبريطانيا في الشرق الأوسط، وأن المسألتين السورية والفلسطينية مرتبطتان إحداهما بالأخرى، ويوجب هذا الأمر على بريطانيا وفرنسا مساعدة إحداهما الأخرى في إيجاد حل لقضية البلد التي تحت انتدابها. ومن المنطقي أن لا توافق بريطانيا أن تحل فرنسا المسألة في سورية ما دامت بريطانيا لم تحل المسألة في فلسطين. أما السؤال الثاني فأجاب ساسون، كأستاذ يلقن تلميذه درسًا، بأنه لا يمكن الطلب من اليهود والوكالة اليهودية التزامًا رسميًا أن يصدق البرلمان الفرنسي على الاتفاقية، فاليهود ليسوا حكام فرنسا ولا أي دولة أوروبية أخرى. وأضاف أنه يمكن طلب المساعدة من اليهود في التأثير في الرأي العام الفرنسي لتمهيد الطريق للتصديق على الاتفاقية، وأعرب عن قناعته بأن اليهود سيقومون بذلك إذا ما التزم السوريون مساعدة اليهود في تحقيق تطلعات اليهود القومية في فلسطين. وجوابًا عن السؤال الثالث؛ ادّعى ساسون أنه شخصيًا يعتقد أن الوكالة اليهودية تحاول أن تظل حيادية تجاه هذه الصراعات.

عند ذلك شرح نسيب البكري الأسباب التي قادته إلى طرح أسئلته؛ فقال إن قادة الكتلة الوطنية مختلفون مع موقف الحكومة السورية وسياستها تجاه فرنسا، وكيفية معالجة الحكومة السورية الاتفاقيةَ وملاحقها. وأضاف البكري أن قيادة الكتلة الوطنية علمت أن المؤسسة العسكرية في فرنسا تعارض الاتفاقية بشدة، وتطالب بإلغائها، وأن قيادة الجيش في فرنسا طلبت من قيادة الجيش الفرنسي في سورية إيجاد البراهين التي تؤكد أنه لن تحدث هبّة جماهيرية في سورية في حال رفض البرلمان الفرنسي التصديق على الاتفاقية. لذلك بادر الجيش الفرنسي في سورية، وأثار القلاقل في منطقة الجزيرة السورية، من أجل ضمان عدم مشاركة سكانها في الاحتجاجات التي قد تندلع في حال رفض التصديق على الاتفاقية. وللسبب ذاته يعمل الجيش الفرنسي على إثارة القلاقل والاضطرابات في منطقة العلويين ومناطق أخرى في سورية. وأضاف البكري أن النقاش في صفوف قيادة الكتلة الوطنية في شأن الوضع في سورية اتسع، وقاد إلى بحث الوضع في فلسطين، وسياسة بريطانيا في الشرق الأوسط، ومدى تأثير سياستها تجاه فلسطين في سياسة فرنسا في سورية، وإلى بحث قوة اليهود في باريس ولندن. وأضاف نسيب البكري أنه ‘اتهم بعضنا اليهود بالتسبب في مشكلات سورية، والبعض تحدث عن ضرورة إنهاء الثورة في فلسطين والعمل على التوصل إلى اتفاق بين العرب واليهود، والبعض تحدث عن قوة اليهود في باريس ولندن وضرورة استغلال هذه القوة لمصلحة العرب، والبعض قال إنه في الإمكان بواسطة اليهود إسقاط الحكومة القائمة في سورية وتشكيل حكومة جديدة تتفاهم مع فرنسا وبريطانيا واليهود على كل المسائل المتعلقة بسورية وفلسطين. والبعض عارض أي علاقة باليهود وقال إنه ممنوع التضحية بالعرب الفلسطينيين لمصلحة المسألة السورية’. وقال البكري إن هذه النقاشات في صفوف قيادة الكتلة الوطنية أدت إلى حدوث اصطفافات وتحالفات جديدة، وظهور مجموعات مختلفة في داخل قيادة الكتلة الوطنية. وأشار البكري إلى أن المداولات في صفوف مجموعة من قيادة الكتلة الوطنية لا تزال مستمرة، وقال ‘نحن نجتمع منذ أسبوع في الصباح وفي المساء، مرة في بيتي ومرة أخرى في بيت لطفي الحفار، ونبحث أساسًا في قضية فلسطين وفي إقامة علاقات مع اليهود. وهذه المداولات هي التي دفعتني إلى استغلال مجيئك إلى دمشق من أجل الوقوف بوضوح على موقف اليهود، وللتزود بمادة في حديثي مع زملائي في الاجتماعات القادمة’. فسأله إلياهو ساسون عن أسماء زملائه هؤلاء، فذكر نسيب البكري أنهم ‘لطفي الحفار وفارس الخوري وفايز الخوري والدكتور توفيق الشيشكلي وعفيف الصلح وآخرون’. فسأله ساسون: لماذا لا يشركون في مداولاتهم واجتماعاتهم هذه رئيس الحكومة جميل مردم، ‘إذ إنه من المعروف أن جميل مردم ليس شخصًا عنيدًا، ولا ينفي تأثير اليهود في فرنسا، ولو كان جميل مردم معكم واتخذتم قرارًا للشروع في محادثات رسمية أو غير رسمية مع اليهود بخصوص جميع الأسئلة التي ذكرتها، فلا شك أن جميل مردم بوصفه رئيسًا للحكومة كان سيجد أذنًا صاغية لتقديم المساعدة من جانب الوكالة اليهودية’.

في نهاية الاجتماع طلب البكري من ساسون أن يستوضح على نحو غير رسمي موقف قيادة الوكالة اليهودية من الأسئلة والقضايا التي طرحها؛ كي يتمكن من الحصول على أجوبة واضحة من إلياهو ساسون عندما يتطلب الأمر[71].

استمر نسيب البكري في تزويد ساسون بالمعلومات المهمة، وفي 27 نيسان/ أبريل 1938 أخبر ساسون الوكالة اليهودية، هاتفيًا من بيروت، وفق المعلومات التي حصل عليها من البكري، أنه توجد شحنة من السلاح في بيت يقع بالقرب من منزل محمد الأشمر في دمشق فيها ما يربو على 5000 رصاصة، معدة للإرسال إلى الثوار في فلسطين، وأن 72 من الثوار المسلحين سيجتازون الحدود إلى فلسطين في الأيام القريبة. ويتبين من تقرير ساسون أن نشاط نسيب البكري لم يقتصر على تزويد الوكالة اليهودية بالمعلومات المهمة، فقد امتد أيضًا ليشمل العمل في التأثير في تطور الأحداث في سورية لمصلحة الوكالة اليهودية؛ فقد ذكر ساسون أن البكري اتخذ الإجراءات الضرورية في دمشق من أجل إفشال دعوة لجنة الدفاع عن فلسطين إلى القيام بإضراب عام، وإجراء تظاهرات في 28 نيسان/ إبريل 1938 بمناسبة وصول اللجنة الملكية إلى فلسطين[72]. وفي 9 نيسان/ أبريل 1938 أخبر ساسون الوكالة اليهودية في اتصال له من بيروت استنادًا على المعلومات التي حصل عليها من نسيب البكري، أن هناك شحنة كبيرة من السلاح في مدينة بعلبك معدة للتهريب إلى فلسطين، وأن البكري زوده بأسماء الأشخاص الذين يقومون بالتهريب، وأن البكري يعتقد أنه ينبغي إعلام القنصل البريطاني في بيروت بهذا الأمر وتفعيله، وعدم الاكتفاء بإخبار السلطات الفرنسية[73].

مردم يطمئن ساسون بعدم دعم الثورة في فلسطين

انتقد إلياهو ساسون في اجتماع له بنسيب البكري الحكومة السورية بسبب تحول سورية إلى مركز دعم أساسي للثورة في فلسطين، ونوّه إلى أن ذلك قد يقود الحركة الصهيونية إلى الضغط على فرنسا كي لا تصدق على المعاهدة السورية – الفرنسية. ونقل البكري ما سمعه من ساسون إلى رئيس الحكومة السورية جميل مردم؛ ما حدا به إلى دعوة ساسون للاجتماع به في بيته. وفي 25 تموز/ يوليو 1938 اجتمع مردم بساسون واستمر الاجتماع نحو ساعة[74]. وفي تقريره عن هذا الاجتماع إلى موشيه شرتوك ذكر ساسون أنه عرض على جميل مردم المعلومات التي لديه عن الدعم الذي تتلقاه الثورة الفلسطينية من سورية. فذكر نشاط كل من عادل العظمة ونبيه العظمة ومنير الريس والحاج أديب خير ونافع القدسي وغيرهم في دعم الثورة في فلسطين. كذلك أشار إلى عقد المؤتمر المناصر للشعب الفلسطيني في بلودان في سورية وإلى الحرية التي يتمتع بها الثوار الفلسطينيون في سورية وإلى تهريب السلاح والثوار من سورية إلى فلسطين وإلى الصحافة السورية المؤيدة للثورة في فلسطين، ولا سيما مكتب فخري البارودي، وإلى الدعاية المؤيدة للفلسطينيين في المدارس والمساجد والنوادي والمقاهي وإلى الاجتماعات والنشاطات التي تنظمها لجنة الدفاع عن فلسطين، وإلى المؤتمر البرلماني المناصر للثورة الفلسطينية المزمع عقده خلال الشهور القادمة في القاهرة بمشاركة برلمانيين سوريين. وقال ساسون لمردم: إن كل هذه المعلومات تؤكد أن سورية تدعم الثورة في فلسطين وهو ما يتناقض مع وعود قادة الكتلة الوطنية للوكالة اليهودية؛ الأمر الذي قد يقود الحركة الصهيونية إلى استعمال الوسائل الكفيلة بجعل الحكومة السورية تدرك خطأها، وتدرك أيضًا أنها أضرت بمصالحها السياسية والاقتصادية في دعمها للثورة في فلسطين، في إشارة إلى أن الوكالة اليهودية قد تضغط على فرنسا لكي لا تصدق على المعاهدة السورية – الفرنسية.

أجابه مردم بأنه من الواضح أن الوكالة اليهودية تحصل على معلومات غير صحيحة من مصادر غير موثوقة، وهي ليست وحيدة في ذلك، فالقنصلية البريطانية أيضًا تحصل على معلومات مغلوطة. وأضاف مردم أنه يجد من الضرورة تصحيح هذه الأخطاء، تمامًا كما فعل قبل مدة وجيزة مع القنصلية البريطانية في دمشق. ووضح جميل مردم النقاط التالية لساسون:

* لم يحدث أي تغيير في موقف الحكومة السورية تجاه الصهيونية وهي لا تزال تؤمن بالبركة التي تنجم عن الوصول إلى اتفاق عربي – يهودي. ولم تبدأ الحكومة السورية المفاوضات الرسمية مع الوكالة اليهودية لانشغالها بقضايا سورية الداخلية، وعلى الرغم من ذلك فإن بعض قادة الكتلة الوطنية عقدوا اجتماعات بممثلي الوكالة اليهودية. وقال مردم لساسون إنه على اطلاع تام على اجتماعات لطفي الحفار في المدة الأخيرة مع زاسلني وساسون.

* أعرب مردم عن قناعته بأن مؤتمر بلودان ألحق ضررًا كبيرًا بمصالح سورية، وأشار إلى أن هذا المؤتمر عقد عندما كان هو في باريس، وأكد أنه لو كان هو في سورية لما سمح بعقد هذا المؤتمر، وأن زملاءه باتوا يدركون بعد مرور الوقت الأضرار السياسية الكبيرة التي ألحقها هذا المؤتمر بسورية.

* أوضح مردم أنه رفض بشدة عقد المؤتمر البرلماني المناصر للشعب الفلسطيني في سورية، وأنه يصر على أن مشاركة أعضاء البرلمان السوري في هذا المؤتمر تتم بصفاتهم الشخصية لا كممثلين للبرلمان السوري[75].

* لم تدعُ الحكومة السورية الثوار الفلسطينيين إلى القدوم إلى سورية، وعندما سئلت الحكومة السورية في شأن رغبة رئيس اللجنة العربية العليا الحاج أمين الحسيني الإقامة في دمشق، رفضت الحكومة السورية ذلك وطلبت سرًا من المندوب السامي معارضة ذلك. ولا تستطيع الحكومة السورية إساءة معاملة عزة دروزة والقادة الفلسطينيين الآخرين المقيمين في دمشق، في حين تعامِل حكومتا مصر والعراق اللتان تقعان تحت النفوذ البريطاني، القادة الفلسطينيين الموجودين فيها باحترام.

* صحيح أن الصحافة السورية تؤيد – عمومًا – الثورة في فلسطين وتقف ضد الصهيونية وبريطانيا، بيد أنها تعد معتدلة عند مقارنتها بالصحافة العربية في فلسطين ومصر والعراق ولبنان. وأضاف مردم أنه قال للقنصل البريطاني في دمشق عدة مرات إن الوسيلة الأفضل لوقف دعم الصحف السورية للثورة الفلسطينية هي أن تقوم السلطات البريطانية بمنع الصحف الفلسطينية ومراسلي الصحف المصرية في فلسطين من نشر الأخبار المؤيدة للثورة في فلسطين؛ لأن الصحف السورية ليس لها مراسلون خاصون في فلسطين، وهي تنقل عادة أخبارها من الصحف الفلسطينية والمصرية. وأضاف مردم أن هناك طريقة مهمة أخرى لوقف الصحف عن دعم الثورة في فلسطين وهي شراؤها.

* أكد مردم أنه بذل – ولا يزال يبذل – جهدًا كبيرًا للتأثير في القادة السوريين لوقف دعمهم للثورة في فلسطين والاهتمام بالقضية السورية فقط، وقال إنه يقف بحزم ضد أي موظف حكومي سوري يقدم دعمًا للثورة في فلسطين، وطلب من ساسون أن يخبره بأي موظف حكومي سوري يدعم الثورة الفلسطينية لكي تتخذ الحكومة السورية الإجراءات الملائمة بحقه.

* لا تدعم سورية الثورة في فلسطين لا بالسلاح ولا بالثوار، ولا يجري تهريب السلاح والثوار إلى فلسطين من الحدود السورية ولكنْ من لبنان. وليست الحكومة السورية التي ليس لديها إلا قوة صغيرة من الشرطة؛ بمسؤولة عن الحدود مع فلسطين، وإنما الفرنسيون وحدهم هم المسؤولون عن ذلك. وعلى الوكالة اليهودية أن تطلب من فرنسا حراسة الحدود مع فلسطين لوقف تهريب السلاح والثوار. وأضاف مردم أنه لو كانت سورية مستقلة لاختلف الوضع كليًّا، ولكانت الحكومة ستحكم إغلاق الحدود، وتمنع تهريب السلاح والثوار، وتوقف كلية دعم سورية للثورة في فلسطين.

* أصدرت الحكومة السورية قبل ثلاثة أشهر تعليمات مشددة إلى كل من مسؤولي المدارس والمساجد والنوادي والمقاهي ودور السينما بوقف الدعاية المؤيدة للثورة في فلسطين.

* طلب جميل مردم البارحة من نسيب البكري الذي عين حديثًا رئيسًا لفرع الكتلة الوطنية في دمشق دعوة أعضاء الكتلة الوطنية وأنصارها خصوصًا، والسوريين عمومًا، التوقف عن دعم الثورة في فلسطين[76].

البكري ينشط شعبيًا وسياسيًا لوقف الدعم السوري للثورة في فلسطين

خطا نسيب البكري في حزيران/ يونيو 1938 خطوة أخرى في نشاطه في خدمة الوكالة اليهودية لوقف مختلف أشكال الدعم السوري للثورة في فلسطين، وحاول علنًا التأثير في الرأي العام في دمشق من خلال وجهاء وشخصيات من الحارات المختلفة في دمشق لتحقيق هذا الهدف. ففي تقريره إلى موشيه شرتوك ذكر إلياهو ساسون أن نسيب البكري دعا في 7 حزيران/ يونيو 1938 سبعين وجيهًا من وجهاء الحارات المختلفة إلى اجتماع في منزله في القابون، وبحث معهم في هذا الاجتماع الذي استمر خمس ساعات في الوضع السياسي في سورية. وبعد حديثه عن قضية لواء الإسكندرونة والمشكلات والاحتجاجات التي حدثت في تلك المدة في منطقة الجزية السورية، قال نسيب البكري: إن استمرار الثورة في فلسطين هو أحد الأسباب المهمة التي تقف وراء رفض فرنسا التصديق على المعاهدة السورية – الفرنسية. وشرح ذلك بقوله: إنه من المؤكد أن بريطانيا طلبت من فرنسا عدم التصديق على المعاهدة، وإرجاء التوقيع عليها إلى ما بعد أن تتمكن بريطانيا من قمع الثورة في فلسطين، وإيجاد حل سياسي للصراع فيها. وما كانت بريطانيا لتطلب من فرنسا هذا الأمر، وفق ما ذكره البكري، لو أن سورية عرفت الحفاظ على حيادها في شأن الثورة في فلسطين، ويتحمل مسؤولية ذلك أولئك السوريون الذين وافقوا على تحويل بلادهم إلى قاعدة للثوار الفلسطينيين ومركز دعاية ضد بريطانيا[77]. وذكر ساسون في تقريره أن غالبية المجتمعين أيدت أقوال البكري، وأنه تقرر عقد اجتماع ثان في منزل أحمد المارديني، زعيم حارة باب السريجة، من أجل استمرار البحث في الوضع السياسي في سورية، واتخاذ قرارات في شأن الوسائل التي ينبغي اتباعها لضمان حياد سورية منذ تلك اللحظة فصاعدًا تجاه الثورة في فلسطين[78].

لم يقتصر نشاط نسيب البكري على الاتصال مع السوريين، وإنما امتد إلى لبنان أيضًا. فقد ذكر إلياهو ساسون في تقريره أن نسيب البكري استقبل في 8 حزيران/ يونيو 1938 في بيته، الشيخ توفيق الهبري رئيس جمعية المقاصد الإسلامية في بيروت الذي أرسله الداعوق وسلام وبيهم من أجل التشاور مع نسيب البكري في الوضع في فلسطين، ومعرفة موقفه من الثورة الفلسطينية. وذكر إلياهو ساسون في تقريره أن نسيب البكري عاد وكرر ما كان قد قاله بالأمس في اجتماعه مع الوجهاء الدمشقيين السبعين، وأنه شدد على ضرورة وقف الثورة في فلسطين، وأن هناك ضرورة ملحة لإيجاد الطريقة الملائمة لإبعاد الثوار الفلسطينيين من سورية ولبنان، وتحذير نبيه العظمة وزملائه من دعم الثورة في فلسطين، وأن عليهم وقف ذلك. وقد وعد الشيخ توفيق الهبري بنقل موقف نسيب البكري إلى الداعوق وسلام وبيهم، وبالحفاظ على علاقة وطيدة بنسيب البكري، وأنه سيدعوه إلى المشاركة في الاجتماع المزمع عقده بعد مدة وجيزة في بيروت، والذي سيجري فيه بحث الوضع في فلسطين[79].

محاولات عرقلة المؤتمر البرلماني في القاهرة

عقد في القاهرة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 1938 مؤتمر للبرلمانات العربية والإسلامية لمناصرة الشعب العربي الفلسطيني بدعوة من محمد علوبة باشا رئيس اللجنة البرلمانية المصرية للدفاع عن فلسطين. وقد بذلت الوكالة اليهودية عشية عقد المؤتمر جهدًا ملحوظًا لعرقلته وتقليل عدد أعضاء البرلمانين السوري واللبناني المشاركين فيه. وفي هذا السياق كثف إلياهو ساسون اتصالاته بالعديد من الشخصيات القيادية وبصحافيين، ومحررين، وأصحاب صحف في سورية ولبنان. ونشرت صحف الأحوال والاتحاد ولسان الحال وصوت الأحرار وبعض الصحف الدمشقية عشية عقد المؤتمر العديد من المقالات باسم هيئات التحرير، بعد أن اتفق ساسون معها على ذلك، انتقدت فيها المؤتمر البرلماني وأهدافه ودعت إلى مقاطعته[80].

ذكر ساسون في تقريره إلى موشيه شرتوك عن نشاطاته لعرقلة المؤتمر البرلماني؛ أن ساسون اقترح على عفيف الصلح عضو البرلمان السوري زيارة رئيس اللجنة العربية العليا الحاج أمين الحسيني، وأن عفيف الصلح استجاب لطلبه وزار الحاج أمين الحسيني، وسأله في هذه الزيارة عن توجيهاته للوفد البرلماني السوري المشارك في المؤتمر[81]. وأخبر عفيف الصلح ساسون بأن طلب الحاج أمين الحسيني من الصلح وزملائه السوريين المشاركين في المؤتمر البرلماني كان هو دعم الثورة في فلسطين، ومعارضة تقسيم فلسطين، واتخاذ قرارات شبيهة بالقرارات التي اتخذها مؤتمر بلودان الذي عقد في العام الماضي. وأضاف عفيف الصلح أن الحاج أمين الحسيني أخبره بأنه كان يرغب في المشاركة في المؤتمر البرلماني في القاهرة، بيد أن السلطات الفرنسية في لبنان طلبت منه عدم مغادرة لبنان، لئلا يستغل الإنكليز والصهيونيون ذلك، ويضغطوا على فرنسا بألا تسمح له بالعودة[82].

وذكر ساسون في تقريره أنه اجتمع في نهاية أيلول/ سبتمبر وبداية تشرين الأول/ أكتوبر ثلاث مرات بنسيب البكري الذي أخبره بأسماء أعضاء البرلمان السوري المشاركين في المؤتمر، والبالغ عددهم 13 عضوًا. ودعا نسيب البكري، بناء على طلب ساسون، أعضاء البرلمان السوري المشاركين في المؤتمر ثلاث مرات إلى الاجتماع قبل سفرهم للتداول في شأن المؤتمر من أجل الاطلاع على مواقفهم وإخبار ساسون بها. وأخبر البكري ساسون بأن القيادي الفلسطيني عزة دروزة شارك في هذه الاجتماعات، وأنه تحدث عن القضية الفلسطينية ومخاطر الصهيوينة على العرب، وتحدث عن مطالب العرب. وأضاف البكري أنه سأل عزة دروزة عن قوة الثورة في فلسطين، وأن دروزة أجابه بأن لدى الثوار الفلسطينيين القدرة والوسائل التي تمكن الثورةَ أن تستمرّ في فلسطين مدة عامين.

ووعد البكري وفق ما ذكره ساسون، أن يطرح على نحو مباشر أو غير مباشر القضايا التي تهم الصهيونية، مثل الوضع في سورية، وضرورة وقف الثورة في فلسطين، وإجراء مفاوضات مباشرة بين العرب والحركة الصهيونية. وأضاف ساسون أن نسيب البكري سيحاول ذلك مع اللجنة السياسية للمؤتمر، ومع لجان مهمة أخرى، وأنه سيحافظ على علاقة متواصلة بساسون الذي سيكون موجودًا في مكان المؤتمر خلال أيام انعقاده. وأنه سيحاول ترتيب اجتماعات لساسون ببعض المسؤولين المصريين المشاركين في المؤتمر، وببعض أعضاء الوفد السوري المشاركين؛ بغرض التأثير فيهم، أو توضيح بعض الأمور المتعلقة بالمواقف الصهيونية.

وذكر ساسون في تقريره أن لطفي الحفار استجاب لطلب ساسون وأثر في خمسة أعضاء برلمانيين سوريين لئلا يشاركوا في المؤتمر، وأن لطفي الحفار طلب من لنيادو إخبار ساسون بذلك. وأضاف ساسون أنه تبين له أن جميل مردم لم يرسل أي توجيهات إلى أعضاء البرلمان السوري في شأن مشاركتهم في المؤتمر البرلماني، ولو أنه اتخذ موقفًا معارضًا للمشاركة لانخفض عدد المشاركين في المؤتمر إلى النصف، وفق ما ذكره البكري لساسون[83].

الخاتمة

حققت الوكالة اليهودية إنجازات مهمة جدًّا من سلسلة الاتصالات الواسعة والاجتماعات الكثيرة التي أجرتها مع قادة في الكتلة الوطنية السورية، ومع المعارضة الشهبندرية وقيادات ونخب سورية أخرى أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى. فقد أقامت الوكالة اليهودية علاقات حميمة برئيس الحكومة السورية جميل مردم، والتي تعززت في العامين اللاحقين، وكذلك بلطفي الحفار القيادي في الكتلة الوطنية والذي أصبح رئيسًا للحكومة في آذار/ مارس 1939 أسابيع معدودة، والتي تعززت أيضًا في الأعوام اللاحقة. وأقامت الوكالة اليهودية أيضًا علاقات حميمة بالعديد من قادة المعارضة الشهبندرية، ولا سيما نصوح بابيل.

وحققت الوكالة اليهودية إنجازًا مهمًا جدًّا عندما تمكنت من تجنيد القيادي في الكتلة الوطنية نسيب البكري ليعمل جاسوسًا للوكالة اليهودية مقابل دفعات مالية. فقد حصلت منه على معلومات مهمة ودقيقة عن الثوار الفلسطينيين وأنصارهم السوريين، وعن طرق دخولهم إلى فلسطين وتوقيته، وعن مصادر السلاح وطرق تهريبه إلى فلسطين. وكذلك على معلومات مهمة ودقيقة عن قرارات الكتلة الوطنية والحكومة السورية وسياستهما في شأن القضية الفلسطينية والثورة في فلسطين وقضايا مهمة أخرى. وقد ساهمت شبكة العلاقات التي أقامتها الوكالة اليهودية بمختلف النخب المشار إليها في الدراسة، إلى جانب العلاقات الحميمة التي أقامتها مع قادة مهمين في جبل العرب في سورية، في إطلاع الوكالة اليهودية بدقة على ما يجري في سورية، وفي التأثير في توجهات بعض هذه النخب من الثورة في فلسطين ومواقفها، وفي عرقلة الدعم الذي كان يقدمه الشعب السوري وقواه الوطنية للثورة الفلسطينية.

المراجع:

رجع الباحث إلى الأرشيف الصهيوني مرجعا أساسيا للدراسة.

العربية

بابيل، نصوح. صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين. ط 2. بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 2001.

خوري، فيليب. سورية والانتداب الفرنسي: سياسة القومية العربية 1920-1945. بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1997.

دروزة، محمد عزة. القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها. ط 2. صيدا/ بيروت: منشورات المكتبة العصرية، 1959.

زعيتر، أكرم. الحركة الوطنية الفلسطينية 1935 -1939: يوميات أكرم زعيتر. ط 2. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1992.

محارب، محمود. ‘المفاوضات بين الوكالة اليهودية والكتلة الوطنية في سورية’. مجلة أسطور. العدد 1 (كانون الثاني/ يناير 2015).

________. ‘المقالات الصهيونية المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية (1936-1939)’. مجلة الدراسات الفلسطينية. العدد 78 (ربيع 2009).

العبرية

أبشتاين، إلياهو. عودة صهيون والعرب [شيبات تسيون فعراف]. تل أبيب: دفير، 1974.

ساسون، إلياهو. الطريق إلى السلام [بديرخ إيل هاشلوم]. تل أبيب: عام عوفيد، 1978.

شاريت، موشيه. مذكرات سياسية [يومان مديني]. تل أبيب: عام عوفيد، 1972.

شاكيد، حجاي. موساد لرجل واحد: ريؤوفين شيلواح أب المخابرات الإسرائيلية [موساد شل إيش إحاد: ريؤوفين شيلواح]. القدس: عيدنيم، 1988.

غوريون، دافيد بن. مذكرات [عبري]. تل أبيب: عام عوفيد، 1974.

[1] هذه الدراسة هي جزء من بحث شامل يجريه الباحث عن العلاقات بين الوكالة اليهودية وقادة الحركة الوطنية في سورية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي. ومن المحبذ قراءة دراسة: محمود محارب، ‘المفاوضات بين الوكالة اليهودية والكتلة الوطنية في سورية’، مجلة أسطور، العدد 1 (كانون الثاني/ يناير 2015).

[2] للمزيد عن هذين الاجتماعين الرسميين بين الوكالة اليهودية والكتلة الوطنية، انظر: المرجع نفسه.

[3] ولد إلياهو ساسون (1903-1978) في دمشق، وهاجر منها في 1920 إلى فلسطين، وانضم في 1934 إلى ‘القسم العربي’ (جهاز المخابرات) التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية، وسرعان ما أصبح مديرًا لذلك القسم، ثم مديرًا لقسم الشرق الأوسط في الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، للمزيد انظر: إلياهو ساسون، الطريق إلى السلام [بديرخ إيل هاشلوم] (تل أبيب: عام عوفيد، 1978).

[4] انضم إلياهو أبشتاين (1903-1990) في عام 1934 إلى ‘القسم العربي’ (جهاز المخابرات) التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية وتابع في الثلاثينيات، مثل إلياهو ساسون، الاتصالات والعلاقات بالنخب العربية، ولا سيما في سورية ولبنان، للمزيد انظر: إلياهو أبشتاين (إيلات)، عودة صهيون والعرب [شيبات تسيون فعراف] (تل أبيب: دفير، 1974).

[5] الأرشيف الصهيوني المركزي، ‘زيارة سورية’، تقرير إلياهو أبشتاين وإلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، 7/1/1937، ملف 5570/S25.

[6] ولد دافيد (داوود) بينتو في دمشق، كان له علاقات بدائرة واسعة من الدمشقيين بحكم أنه طبيب. ورأس في ثلاثينيات القرن الماضي لجنة الطائفة اليهودية في دمشق، ونظمه جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية للعمل لمصلحته في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي.

[7] الأرشيف الصهيوني المركزي، ‘زيارة سورية’.

[8] المرجع نفسه.

[9] محمد عزة دروزة، القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها، ج 1، ط 2 (صيدا/ بيروت: منشورات المكتبة العصرية، 1959)، ص 158-159

[10] محمود محارب، ‘الصهيونية والهاجس الديمغرافي’، مجلة شؤون فلسطينية، العدد 194 (أيار/ مايو 1989)؛ دافيد بن غوريون، مذكرات [عبري]، مج 4 (تل أبيب: عام عوفيد، 1974)، ص 289-299.

[11] ولد دوف هوز (1894-1940) في بولندا، وهاجر في صغره إلى فلسطين، وخدم في الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى، وكان من مؤسسي المنظمة العسكرية الصهيونية ‘الهاغاناه’ في 1920، وكان من قادتها الأوائل.

[12] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو أبشتاين إلى موشيه شرتوك عن اجتماع دوف هوز وإلياهو أبشتاين برئيس الحكومة السورية جميل مردم في دمشق، 26/2/1937.

[13] المرجع نفسه.

[14] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو أبشتاين إلى موشيه شرتوك من باريس، 10/6/1937، ملف 22179/S25.

[15] المرجع نفسه.

[16] الأرشيف الصهيوني المركزي، رسالة دافيد بينتو إلى إلياهو ساسون، 4/11/1937، ملف 22229/S25.

[17] الأرشيف الصهيوني المركزي، رسالة رئيس الحكومة السورية جميل مردم إلى موشيه شرتوك رئيس الدائرة السياسية للوكالة اليهودية، 14/11/1937، ملف S25/22179.

[18] ولد يوسف لنيادو في دمشق وانتخب في ثلاثينيات القرن الماضي عضوًا في مجلس الشعب السوري، ونظّمه جهاز المخابرات التابع للدائرة السياسية للوكالة اليهودية للعمل لمصلحته في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي.

[19] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون وريؤوفين زاسلني إلى موشيه شرتوك، 2/2/1938، ملف S25/22211.

[20] المرجع نفسه.

[21] ولد ريؤوفين زاسلني شيلواح (1909-1959) في القدس، وتابع الاتصالات بالنخب العربية في الثلاثينيات والأربعينيات، وكان من مؤسسي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية غداة تأسيس إسرائيل، ورأس جهاز الموساد في 1948-1952، انظر: حجاي شاكيد، موساد لرجل واحد: ريؤوفين شيلواح أب المخابرات الإسرائيلية [موساد شل إيش إحاد: ريؤوفين شيلواح] (القدس: عيدنيم، 1988).

[22] المرجع نفسه.

[23] المرجع نفسه.

[24] موشيه شاريت، مذكرات سياسية [يومان مديني]، مج 3 (تل أبيب: عام عوفيد، 1972)، ص 26-34.

[25] المرجع نفسه.

[26] فيليب خوري، سورية والانتداب الفرنسي: سياسة القومية العربية 1920-1945 (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية،1997)، ص 198-199.

[27] المرجع نفسه، ص 634.

[28] المرجع نفسه، ص 360.

[29] ثمة تقارير كثيرة عن استمرار تعامل نسيب البكري مع الوكالة اليهودية لسنوات آتية. انظر مثلًا: الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون الموجه إلى ي. يوسف، 23/1/1940، ملف S25/6568.

[30] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون من دمشق إلى موشيه شرتوك، 6/2/1938، ملف S25/22211.

[31] المرجع نفسه.

[32] المرجع نفسه.

[33] المرجع نفسه.

[34] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون وريؤوفين زاسلني إلى موشيه شرتوك من القدس، 4/3/1938، ملف S25/22211.

[35] المرجع نفسه.

[36] المرجع نفسه.

[38] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون من دمشق إلى موشيه شرتوك، 10/3/1938، ملف S25/22211.

[39] المرجع نفسه.

[40] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، 18/3/1938، ملف S25/4550.

[41] المرجع نفسه.

[42] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك من دمشق، 29/3/1938، ملف S25/10103.

[43] المرجع نفسه.

[44] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون الذي أرسله إلى موشيه شرتوك عن اجتماعه مع نسيب البكري في 29/3/1938، 30/3/1938، ملفS25/10103.

[45] المرجع نفسه.

[46] كان عبد الله عبود أحد أهم عملاء الوكالة اليهودية في سورية. بدأ تعامله مع الوكالة اليهودية في عام 1935 واستمر في تعامله معها بلا انقطاع حتى عام 1948، للمزيد انظر: محارب، ‘المفاوضات بين الوكالة اليهودية والكتلة الوطنية في سورية’.

[47] الأرشيف الصهيوني المركزي، رسالة إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، 16/11/1937، ملف S25/5569.

[48] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون الذي أرسله إلى موشيه شرتوك عن اجتماعه بنسيب البكري في 29/3/1938، 30/3/1938، ملفS25/10103.

[49] المرجع نفسه.

[50] فيليب خوري، ص 152.

[51] المرجع نفسه، ص 269.

[52] نصوح بابيل، صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين، ط 2 (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 2001)، ص 114-115.

[53] في مقارعته للكتلة الوطنية قال عبد الحمن الشهبندر إنه من الكتلة الوطنية ولكنه ليس من حزب الكتلة الوطنية، ووضح ذلك بقوله: ‘أنا من الكتلة الوطنية المستعدة لمد يد المصافحة لكل رجل نافع في البلاد فتجذبه إلى ساحة العمل، والتي لا تبقي رجلًا صالحًا خارج الحظيرة الوطنية، وأنا عدو حزب الكتلة الوطنية، عدو شديد الوطأة، وستعلمون شدة وطأتي إذا كانت حزبية الكتلة تمنع الأمة من أن تجمع كلمتها على صعيد واحد’، للمزيد انظر: نصوح بابيل، ص 117-118.

[54] أنشأ ناحوم فيلنسكي عميل الوكالة اليهودية في مصر وبتكليف من الوكالة اليهودية، وكالة أنباء في القاهرة أطلق عليها اسم ‘وكالة الشرق – شركة تلغرافية لإذاعة الأنباء السياسية والاقتصادية والمالية’، وقام بتسجيلها رسميًّا في القاهرة. وهدفت الوكالة اليهودية من تأسيس هذه الوكالة إلى اختراق الصحف العربية والتأثير في الرأي العام العربي بما يخدم الأهداف الصهيونية. للمزيد، انظر: محمود محارب، ‘المقالات الصهيونية المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية (1936-1939)’، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 78 (ربيع 2009).

[55] موشيه شاريت، مج 3، ص 10.

[56] المرجع نفسه.

[57] المرجع نفسه، ص 11.

[58] المرجع نفسه، ص 36-37.

[59] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، 12/3/1938، ملف S25/22211.

[60] المرجع نفسه.

[61] أرشيف الهاغاناه، ملف آبا حوشي 5/8 ب، تقرير آبا حوشي إلى الوكالة اليهودية عن الاجتماع مع محمد الأشمر، 25/3/1938. وذكر آبا حوشي في تقريره أنه عندما وصل إلى المكان المحدد في حي الميدان في دمشق وجد شخصًا في انتظاره، ودعاه إلى مرافقته في سيارة أجرة إلى بلدة حرستا بالقرب من دمشق. وعند وصوله إلى البيت الواسع في حرستا؛ وجد محمد الأشمر مشغولًا في كيّ باطن قدمه، فنهض على الفور ورحب بآبا حوشي واعتذر إليه عن تغيير مكان الاجتماع الذي كان من المفترض أن يجري في بيته في حي الميدان في دمشق.

[62] كان يوسف العيسمي أحد أهم عملاء الوكالة اليهودية في سورية، وقد جنده آبا حوشي في 1937 للتعامل مع الوكالة اليهودية مقابل راتب شهري، وظل يعمل جاسوسًا للوكالة اليهودية سنوات طويلة. عن تجنيد آبا حوشي ليوسف العيسمي انظر: الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير آبا حوشي إلى ريؤوفين زاسلني شيلواح عن زيارة جبل الدروز، 1/11/1938، ملف S25/5570.

[63] تقرير آبا حوشي إلى الوكالة اليهودية عن الاجتماع بمحمد الأشمر، 25/3/1938.

[64] الأرشيف الصهيوني المركزي، ‘اجتماع مع صاحب الأيام’، تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، 7/9/1938، ملف S25/5568.

[65] المرجع نفسه.

[66] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، 10/4/1938، ملف S25/10103.

[67] المرجع نفسه.

[68] المرجع نفسه، 11/4/1938، ملف S25/10103.

[69] المرجع نفسه.

[70] المرجع نفسه، 23/4/1938، ملف S25/5568.

[71] المرجع نفسه.

[72] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير ريؤوفين زاسلني إلى موشيه شرتوك، 27/4/1938، ملف S25/22211.

[73] المرجع نفسه، 9/5/1938، ملف S25/ 22211.

[74] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، 25/7/1938، ملف S25/22211.

[75] يبدو أن جميل مردم رفض فعلًا عقد المؤتمر البرلماني في بلودان. فقد ذكر أكرم زعيتر في مذكراته أن محمد علي علوبة باشا رئيس اللجنة البرلمانية المصرية للدفاع عن فلسطين اقترح في حزيران/ يونيو 1938 عقد مؤتمر برلماني عربي عام في بلودان في سورية، وأن علوبة باشا أجرى اتصالات مع فارس الخوري رئيس المجلس النيابي السوري في شأن عقد هذا المؤتمر في بلودان. وقد أسفرت الاتصالات بينهما على عقده في مصر، فتولى علوبة باشا الدعوة إلى عقده في القاهرة، انظر: أكرم زعيتر، الحركة الوطنية الفلسطينية 1935-1939: يوميات أكرم زعيتر، ط 2 (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1992)، ص 461.

[76] المرجع نفسه.

[77] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، 14/6/1938، ملف S25/22211. ويذكر إلياهو ساسون في تقريره هذا أن من بين الوجهاء السبعين الذين شاركوا في هذا الاجتماع كان كلٌّ من: محمد الأشمر، وجمال العابد، وزكي الدروبي، وبكري الحايك، ومسلم قدور، وفوزي البكري، وحمدي الزيبق، وعبد العزيز كريّم، وبشير البكري، وعلي الذهبي.

[78] المرجع نفسه.

[79] المرجع نفسه.

[80] للمزيد انظر: محارب، ‘المقالات الصهيونية المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية’.

[81] الأرشيف الصهيوني المركزي، تقرير إلياهو ساسون إلى موشيه شرتوك، 2/10/1938، ملف S25/22211.

[82] المرجع نفسه.

[83] المرجع نفسه.

 

بقلم: د.محمود محارب . 

نشرت هذه الدراسة لأول مرة في مجلة “سطور” .

 

هذه الدراسة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News