تزايدت أعداد المجالس التي أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارات بإنشائها أو إعادة تنظيمها بشكل واسع منذ توليه الرئاسة، وباتت تستوعب قطاعات ونشاطات يفترض أنها
أدوار أساسية لوزارات مختلفة تديرها الحكومة.
وتجاوز عدد تلك المجالس -حسب مراقبين- الثلاثين مجلسا، في وقت يترأس السيسي بنفسه تسعة مجالس عليا منها تدير أبرز القطاعات في الدولة، يأتي في مقدمتها الاستثمار والسياحة وكان آخرها المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب الذي تم تشكيله مؤخرا على خلفية تفجيرات كنيستي الإسكندرية وطنطا.
ويضم عدد من تلك المجالس في أعضائه وزراء ورؤساء أجهزة أمنية ورموزا سابقة في الحزب الوطني، في وقت تجتمع خيوطها في النهاية بيد السيسي، الذي يرى مراقبون أنه عمل على إنشاء تلك المجالس وإدارتها بنفسه أو الإشراف عليها لضمان إحكام السيطرة على تلك القطاعات.
وتوسع السيسي في صلاحيات تلك المجالس على حساب الوزارات المختلفة، وهو ما اعتبره محللون سياسيون دليلا على عدم قناعته بما تقوم به تلك الوزارات وإدراة الحكومة لها وحرصه على التفرد بالقرارات المتعلقة بتلك القطاعات.
وكان للإعلام نصيب من تلك المجالس، حيث أصدر السيسي مؤخرا قرارات بتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام.
طاقم سكرتارية
ويعتبر رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية ممدوح المنير أن الحكومة ووزاراتها المختلفة لا تتعدى كونها في حقيقة الأمر “طاقم سكرتارية رديئا للحاكم العسكري كما هي الحال في كل العهود العسكرية”.
ورأى أن السيسي أنشأ تلك المجالس والهيئات ليتجاوز بها حتى آليات الشكل الديمقراطي والقانوني الزائفة التي كان يحاول إظهار اعتماد الدولة لها، كونه لا يريد إزعاجا من أحد حتى لو كان الأمر يتمثل في تأخر الاستجابة لمطالبه نتيجة صور إجرائية حكومية.
ويذهب المنير إلى وجود صراعات بين أجنحة النظام المختلفة وافتقاد السيسي للثقة في أي منها، ومن ثم فهو في حاجة لشكل يعمل من خلاله على تركيز السلطة بيده وحده، يخوّل له سحب اختصاصات هذه الأجهزة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية ووصول الحالة الاقتصادية إلى مستوى غير مسبوق من الانهيار.
من جهته يرى رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى خضري أن إنشاء هذه المجالس يعد “تقليدا سيئا” للاتحاد الاشتراكي الذي صنعه جمال عبد الناصر كحكومة موازية تسانده ضد رفقائه بمجلس قيادة الثورة، وقد اعتمده السيسي نتيجة الفقر السياسي الذي يعانيه.
هاجس الخيانة
وذهب إلى أن السيسي “مصاب بهاجس الخيانة”، فهو بعد انقلابه على رئيسه محمد مرسي يخاف من ترك ظهره مكشوفا لأي جهة أو مؤسسة خشية الانقلاب عليه، فيلجأ لصناعة خناجر متداخلة في ظهر كل مؤسسة أو جهة حتى لا تنفرد بالقرار.
ويرى خضري أن منظومة النظام الحالي هي “مثال لصناعة الفشل الإداري”، حيث دفع الشك والخوف المتزايد لدى السيسي من دوائره المختلفة إلى سلسلة إجراءات تسبق كل قرار، أصبح معها عمل الوزارات والهيئات الحكومية مبنيا على التآمر والترصد.
أما مختار الغباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية فيرى أن هذا الشكل من إدارة ملفات الدولة يشكل “سلاحا ذا حدين” إلا أنه بحاجة إلى فرصة حقيقية لتقييمه والحكم عليه.
وأشار إلى أن هذه المجالس من الممكن أن تكون كيانات موجِّهة ومعاونة للوزارات المعنية بالأدوار التي قامت لأجلها تلك المجالس، ومن الممكن أن تكون بديلا مهمشا لتلك الوزارات، معتبرا تحديد ذلك سيظهر من خلال الأداء الذي لم يأخذ فرصته بعد، على حد تقديره.
وكشف الغباشي عن وجود تقارير تؤكد التوسع في إنشاء تلك المجالس وتجاوز عددها الثلاثين مجلسا، لافتا إلى أنه مما يؤخذ عليها ميزانياتها المهدرة في البدلات والمكافآت والمزايا المعتمدة لأعضائها دون وضوح أدوار حقيقية لهؤلاء الأعضاء.
الجزيرة