يحتفل الاتحاد الأوروبي اليوم السبت بالذكرى الستين للتوقيع على وثيقته التأسيسية التي تعرف بـ”معاهدة روما”، وهي مناسبة قرر القادة الأوروبيون الاحتفال بها في العاصمة الإيطالية
روما في قمة تخصص للنظر في مستقبل المشروع الأوروبي.
وتخيم على القمة مجموعة من الأزمات على رأسها ملف خروج بريطانيا من الاتحاد (بريكست) الذي يعزز مواقف المنظمات اليمينية المتطرفة والقومية في أوروبا، إضافة إلى مواجهة التهديدات الإرهابية وموجات اللجوء والأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وأمام هذه التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية، يحتاج الاتحاد بأعضائه الـ27 (دون بريطانيا) إلى العمل أكثر على الوحدة والتجمع ودرء أي انقسامات قد تهدد -حسب مراقبين- البناء الأوروبي.
ويرى خبراء أن ملفات اللاجئين والحفاظ على دولة الحق والقانون، خاصة في دول شرق أوروبا، مواضيع ينقسم حولها الأوروبيون الذين باتوا يفتقدون لرؤية مشتركة لمستقبلهم.
وتأتي هذه المخاوف رغم قرار القادة الأوروبيين، بعد صدمة خروج لندن من الاتحاد، ضرورة إعطاء دفعة جديدة للمشروع الأوروبي وإطلاقهم “خريطة الطريق حول مستقبل الاتحاد الأوروبي” في قمة براتيسلافا في سلوفاكيا يوم 16 سبتمبر/أيلول 2016.
لكن بروز توافق في الآراء بشأن مجموعة من الملفات كالأمن والسياسة الدفاعية لم يمكّن من تفادي الاختلافات في موضوعات أساسية أخرى ما زالت تخضع للمصالح الوطنية المختلفة.
تنوع الأسباب
وفي هذا السياق، يقول الخبير في الشؤون الأوروبية نيكولا غرو فيرهايد “يجب أخذ بعين الاعتبار تنوع أسباب وطبيعة هذه التوترات بين الدول الأعضاء، مما يجعل من الصعب البحث عن حلول بسيطة وموحدة”.
ويضيف للجزيرة نت أنه من المصادر الرئيسية لهذه الاختلافات التقوقعُ القومي الناجم عن العولمة الاقتصادية والثقافية وردود الفعل المتباينة إزاء الأزمات العالمية الكبرى الاقتصادية والأمنية خاصة، واستمرار التباين في التنمية الاقتصادية بين دول الاتحاد الأوروبي وما يعنيه من ارتفاع حدة الفقر وبروز أزمات اجتماعية في عدد من البلدان، إضافة للاختلالات الخطيرة في منطقة اليورو التي تهدد بلدانا بكاملها كـاليونان.
ويعتبر غرو فيرهايد أن الطلبات المتزايدة للاتحاد للقرار في مجالات جديدة وحساسة كالهجرة والشؤون الداخلية وغيرها يدفع بالمواطنين إلى الشعور بفقدان دولهم للسيادة، وهو أمر -بنظره- تستفيد منه الحركات الشعبوية للمطالبة بالخروج من الاتحاد أو تقزيم دوره.
من أجل الوحدة
وتفادي أي انقسام لوحدة الاتحاد الأوروبي هو ما سيحاول الزعماء الأوروبيون تحقيقه اليوم خلال نقاشهم مستقبل الاتحاد، فقد اكتفوا خلال قمتهم الأخيرة في بروكسل يومي 9 و10 مارس/آذار الجاري بالتأكيد على وجود اتفاق على النقاط الأساسية للبيان الخاص بالاحتفال بمرور 60 عاما على ميثاق روما.
وإذا كانت الوثيقة الرسمية تنص على أن الاتحاد يظل موحدا بعد “بريكست”، فما زالت النقاط التي تثير جدلا هي تلك المتعلقة بتعزيز أوروبا بسرعات متفاوتة كما تطالب كل من ألمانيا وفرنسا بدعم من إسبانيا وإيطاليا، في حين ترفض ذلك مجموعة من الدول خوفا من أن تتحول لأعضاء من الدرجة الثانية في الاتحاد.
وحسب غرو فيرهايد فإن معاهدة أمستردام التي وقعت قبل عشرين عاما، تنص على السماح لعدد قليل من الدول بالمضي قدما في مشروع أوروبي ما، كما توجد حاليا بعض الاتفاقيات التي اعتمدت على هذه المعاهدة.
إرادة وروح
ويضيف الخبير الأوروبي أن الدول الأعضاء قد تعمل على تعزيز هذا التوجه ليصبح القاعدة، مشيرا إلى أن القادة الأوروبيين يتمنون أن تطغى على القمة إرادة إيجابية وروح جديدة قادرة على تخفيف حدة التوتر وإعادة الثقة للأوروبيين في هذا البناء للشعور مرة أخرى بالتضامن والأمن.
وينتظر أن يظل إعلان روما سبيلا لاحتواء الاختلافات وترك الباب مفتوحا أمام استمرار النقاشات حول مستقبل أوروبا، خاصة وأن القادة الأوروبيين قرروا عقد قمة يوم 29 أبريل/نيسان القادم لبحث إدارة ملف “بريكست” بعد أن أعلنت لندن أنها ستعمل على تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة -والمتعلقة بفك الارتباط بالاتحاد- يوم 29 مارس/آذار الجاري.
وإذا كان “بريكست” لا يعني نهاية الاتحاد كما يردد الزعماء الأوروبيون، إلا أنه يشكل جزءا هاما من الأزمة الحادة التي يعيشها الاتحاد والمتعلقة بمستقبله ووجوده.
الجزيرة