ترمب بين عواطف موسكو وعواصف واشنطن

هيئة التحريرLast Update :
rdgfkji

rdgfkji

لم يكن دونالد ترمب يخفي إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما كان مجرد مرشح للرئاسة الأميركية وحتى قبلها بسنوات، وعندما ولج الملياردير الجمهوري البيت الأبيض رئيسا

فيما يشبه المفاجأة نثر أسئلة كثيرة بشأن علاقة فريقه الملتبسة بـموسكو لتعصف تلك الشبهات ببعض أركان إدارته.

قبل سنوات طويلة، وعندما كانت الرئاسة -وحتى نيل ترشيح الجمهوريين للرئاسة- حلما يبدو صعب المنال لم يبق ترمب وده لـروسيا ورئيسها سرا، وصرح لشبكة “سي سي أن” عام 2007 بأن الرئيس بوتين يقوم بـ”عمل عظيم”، في إشارة إلى محاولته إعادة روسيا إلى سابق قوتها في العصر السوفياتي.

وعام 2013 غرد ترمب على موقع تويتر “هل تعتقدون أن بوتين سوف يحضر مسابقة ملكة جمال الكون في نوفمبر/تشرين الثاني في موسكو، وإذا كان ذلك هل يصبح صديقي المقرب الجديد؟”.

وصرح رجل الأعمال الأميركي لقناة “أم أس أن بي سي” عام 2015 بأن “بوتين قائد حقيقي، على خلاف ما لدينا في هذا البلد” -في إشارة إلى باراك أوباما- قائلا إن التقارير عن قتله المعارضين السياسيين لا تزعجه، وإن “بلدنا يقوم بالكثير من عمليات كذلك”.

وكرر ترمب إشاداته بنظيره الروسي بوتين، ونعته أكثر من مرة في تصريحاته قبل الانتخابات أو بعد فوزه بأنه “رئيس ذكي جدا”، وأنه يفضله على بارك أوباما، وأنه سوف “ينسجم جيدا” معه.
وأعرب عن اعتزازه بالتقارير التي تفيد بأن بوتين معجب به، ومن وصفه له بأنه “لامع وموهوب”.

وبعيد توليه الرئاسة جدد ترمب في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز -وهي الأولى له بصفته رئيسا- إعجابه واحترامه لبوتين، وجادل المذيع الذي وصف بوتين بأنه “قاتل”، قائلا إن “هناك الكثير من القتلة في الولايات المتحدة، وهل تعتقد أن بلادنا بريئة؟”، وهو ما أثار جدلا واسعا في الأوساط الأميركية.

تجاوز المحظور

وفي تصريحاته المرسلة هذه تجاوز ترمب مرشحا ورئيسا أحد “محرمات” السياسة الأميركية في العلاقة مع الروس حتى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ولا سيما أن إدارة أوباما انتهجت خيار التصعيد مع الروس على خلفية الأزمة الأوكرانية وغيرها.

وأثناء حملته الانتخابية في مواجهة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بنى ترمب إستراتيجيته الخارجية على علاقة قوية مع موسكو، ووعد برفع العقوبات عنها، بينما شن حملة كبيرة على حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي “تخطاه الزمن ” -على حد تعبيره- وعلى أوروبا التي طالبها بتسديد فواتير الدعم والحماية.

وهذه الإستراتيجية الجديدة إذا أضيفت إلى توجه ترمب للتشدد مع الصين، وإعادة النظر في الملف النووي الإيراني، وطروحاته التي توصف بالمتطرفة بشأن الهجرة، ومراجعة العلاقات التجارية مع المكسيك وكندا وبلدان أخرى فإنها تمثل قطيعة مع تراث سلفه أوباما، وربما مع الإدارات الأميركية المتعاقبة.

وأثار ترمب القادم من خارج المؤسسة ومن عالم الأعمال والتجارة عواصف من اتجاهات متعددة عليه، ودخل في حرب مع الإعلام والأحزاب والقضاء والمخابرات وغيرها عندما أظهر كل هذا الود تجاه موسكو ورئيسها، واتهم بأن روسيا أوصلته إلى الرئاسة عبر عمليات القرصنة، واختراق حسابات ضد خصومه في الحزب الديمقراطي.

وكشفت التحريات الاستخباراتية المعلنة كيف كان مستشار الأمن القومي الجنرال مايكل فلين يجري مباحثات “سرية” مع السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلاك لترتيب العلاقات ما بعد مرحلة باراك أوباما، واضطر فلين الى تقديم استقالته تحت الضغط الإعلامي.

وتبين أيضا -وفق التسريبات- أن النائب العام البلاد -وهو بمثابة وزير العدل جيف سيشنز- تورط بدوره في اجتماعات مع السفير الروسي بواشنطن، وأنه كذب على الكونغرس الأميركي وهو تحت القسم عند سؤاله عن العلاقات مع روسيا، حيث أخفى لقاءين له مع السفير الروسي.

تسريبات وتحقيقات

من جهتها، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن لقاء بين زوج ابنة الرئيس ترمب جاريد كوشنر والسفير الروسي في نيويورك يوم 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي عندما كان الرئيس السابق أوباما يتخذ إجراءات عقابية ضد روسيا بسبب فرضية تورطها في التأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وكانت الصحيفة قد ذكرت أيضا أن سجلات لاتصالات هاتفية جرى التقاطها أظهرت أن أعضاء في حملة ترمب في انتخابات الرئاسة ومساعدين آخرين له قاموا باتصالات متكررة مع مسؤولين كبار في المخابرات الروسية في العام الذي سبق الانتخابات التي أجريت في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

من جهتها، نشرت صحيفة “بوليتيكو” تفاصيل علاقات مشبوهة بين السفير الروسي ومستشار ترمب خلال الحملة الانتخابية كارتر بيج الذي كان يعمل أيضا مستشارا لفائدة الشركة الروسية العملاقة “غازبروم”.

وبدا أن السفير الروسي في واشنطن أصبح “الشبح” الذي يطارد فريق ترمب، وربما الرئيس الأميركي نفسه، حيث تتالت التقارير بشأن علاقته بالفريق الانتخابي لترمب، فيما تنفي موسكو دائما أنها تجاوزت أي أعراف دبلوماسية في علاقة سفيرها بالمسؤولين الأميركيين.

وينقل الإعلام الأميركي -الذي دخل في معركة مع ترمب قبل الرئاسة وبعدها- عن رجل المخابرات البريطاني السابق كريستوفر ستيل تأكيده أن المخابرات الروسية تمتلك أشرطة تتعلق بالرئيس ترمب أثناء تواجده مع بغايا في غرفة الفندق، وأنه تم عرض صفقات تجارية مربحة على ترمب لكنه رفضها.

وأفادت تقارير بأن هناك مزاعم أخرى تفيد بأن الكرملين كان يحاول استمالة رجل الأعمال ترمب منذ أكثر من خمس سنوات من أجل أن يصبح بالفعل “مرشح موسكو” في البيت الأبيض، وهو ما نفته موسكو، كما نفت كل الادعاءات بشأن تدخل لفائدة ترمب بالانتخابات.

وفي مقال له بعنوان “شركة ترمب لدراسة الخصم.. وكالات الاستخبارات الروسية” أبدى الكاتب والمؤرخ العسكري الأميركي ماكس بوت مخاوفه من تحول ترمب إلى أداة في يد الرئيس بوتين لإزالة العوائق التي تعترض النفوذ الروسي، وذلك في ضوء الإعجاب المتبادل وشبكة العلاقات التي تربط الطرفين، وفق تعبيره.

ويشير بوت إلى أن ترمب سعى في فترة ما إلى الحصول على تمويلات من مستثمرين روس من أجل مشاريعه التجارية، خاصة بعد أن توقفت أغلب البنوك الأميركية عن إقراضه عقب إعلانات إفلاسه المتكررة، على حد قوله.

الحقيقة والمؤامرة
ويرفض الرئيس الأميركي تحميل تصريحاته أو علاقته بروسيا فوق ما تحتمل، ويؤكد أن لا شيء خاصا فيها، وأن اتصالات بعض مستشاريه مع السفير الروسي في واشنطن أمر طبيعي، ويتهم الديمقراطيين بأنهم التقوا أيضا دبلوماسيين روسيين، وجهاز المخابرات “سي آي أي”، وأجهزة “الدولة العميقة ” ومعارضيه بحياكة مؤامرة ضده.

وقالت نيويورك تايمز (عدد 1 مارس/آذار الجاري) إن الرئيس أوباما حث قبيل انتهاء فترته الرئاسية أجهزة الاستخبارات على تقصي ونشر معلومات مرتبطة بالاتصالات التي أجريت بين حملة ترمب وروسيا لكبح جماح الرئيس الجديد في توجهه للقطع مع سياسة سلفه تجاه روسيا، مضيفة أن مسؤولين في إدارة أوباما حرصوا على نشر معلومات في هذا السياق في آخر ولاية أوباما.

وهذه المعلومات وغيرها حاول ترمب من خلالها أن يشن هجوما معاكسا ضد خصومه الديمقراطيين والآخرين في مفاصل الدولة المناهضة له كما يقول، ويستحضر أيضا فضيحة “ووترغيت” عندما أعلن أن سلفه باراك أوباما تجسس عليه خلال الحملة الانتخابية.

والأجواء من الشكوك غير المسبوقة في المشهد السياسي الأميركي، والتي تلامس حدود “التخوين” وتمس مؤسسة الرئاسة الأميركية ترخي بظلالها على العلاقة بين المؤسسات الأميركية إلى درجة الصراع كما يؤكد محللون أميركيون.

ويشير هذا الاشتباك المفتوح في المرحلة الراهنة بأبعاده المختلفة إلى مواطن ضعف وتخلخل في صلب النظام السياسي الأميركي بدأت في الحملات الرئاسية “الفضائحية” وحرب التسريبات والتصريحات المثيرة، وهو يحيل إلى صراع أجنحة متضخم داخل المؤسسات.

ويدافع مؤيدون لترمب عن أن ما يحصل ما هو إلا حملة من ما يسمونها “الدولة العميقة”، في إشارة إلى إدارة باراك أوباما المتخلية والحزب الديمقراطي ودوائر الاستخبارات.

وفي تفنيده لتلك الحملة يقول ترمب إن “سي آي أي” التي تتهم موسكو بمساعدته على الفوز بالانتخابات هي نفسها التي أكدت أن صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل.

وهذا الغزل الذي أبداه ترمب لروسيا ورئيسها بوتين استحال “صرفه” أميركيا على الصعيد السياسي، وصنف توجها خارجا عن الأعراف، وضمن دائرة “العشق الممنوع” في العلاقات الخارجية الأميركية، ويستحق عليه الرئيس ترمب أكثر من التقريع مثلما تظهر ردود الأفعال في واشنطن ودوائرها السياسية.

وتتخوف عدة أوساط سياسية وإعلامية أميركية من تحول التصعيد الحالي إلى ما يسمونه “روسيا غيت” قد تعصف برئاسة ترمب كما حصل حين استقال الرئيس ريتشارد نيكسون في سبعينيات القرن الماضي بعدما تورط في فضيحة التجسس على الحزب الديمقراطي التي فجرها الإعلام الأميركي ضمن ما عرفت بفضيحة “ووترغيت”.

الجزيرة

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News