أخذ التوتر الحالي بين ألمانيا وتركيا منحى غير مسبوق بعدما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن ألمانيا لجأت إلى ممارسات نازية عقب إلغاء مدن ألمانية فعاليات لبعض وزرائه
تحث الأتراك على تأييد التعديلات الدستورية المزمع الاستفتاء عليها الشهر المقبل.
وقد ألغت مدينة هامبورغ تجمعا كان من المفترض أن يلتقي فيه اليوم الثلاثاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بمواطنيه هناك لحثهم على تأييد التعديلات الدستورية.
وجاء الإعلان عن إلغاء فعالية جاويش أوغلو بهامبورغ عقب منع ولايتي بادن فورتمبرغ وشمالي الراين فعاليتين مشابهتين لوزيري العدل والاقتصاد التركيين، ومطالبة تيارات سياسية ألمانية حكومة المستشارة أنجيلا ميركل بإعلان رفضها مشاركة أردوغان بفعاليات انتخابية بالبلاد.
ورد شتيقان زايبرت المتحدث باسم ميركل على هذه الدعوات بأن برلين لم تتلق أي إخطار رسمي من أردوغان برغبته في الحضور لألمانيا، وعلق زايبرت -في تصريحات صحفية ببرلين- على إلغاء فعاليتي الوزيرين التركيين قائلا إن هذه الفعاليات ترتبط بحريات التعبير عن الرأي والتجمع السارية على الجميع، وتخضع للتقديرات الأمنية للسلطات المحلية.
وبرسالة تهدئة تجاه أنقرة، رفض وزير الخارجية الألماني زاغمار غابرييل دعوة المستشار النمساوي كريستيان كرن لفرض حظر على الفعاليات الانتخابية التركية بأوروبا، واعتبر غابرييل -في مقال كتبه بصحيفة بيلد- أن “العلاقات التاريخية بين ألمانيا وتركيا تمر بأزمة هي الأصعب في تاريخها ولا يسمح بتدميرها”.
وأشار غابرييل -المتوقع لقاؤه غدا الأربعاء في برلين بنظيره التركي- إلى أن بلاده تتميز عن سائر دول أوروبا بوجود أكبر عدد من الأتراك فيها، وشدد على أن الأهم هو منع توجه تركيا -صاحبة ثاني أكبر جيش بحلف شمالي الأطلسي (ناتو)- إلى روسيا، وذكر أن بلاده ستواصل مساعيها للإفراج عن الصحفي الألماني التركي دينس يوغيل، المحتجز بتركيا بتهمة نشر تسريبات لقرصنة على البريد الإلكتروني الخاص بوزير الطاقة التركي.
في المقابل، دعا حزب اليسار المعارض الحكومةَ الألمانية لاتخاذ مواقف حادة تجاه تركيا منها إلغاء الاتفاقية الأوروبية التركية لاستعادة اللاجئين، وسحب القوات الألمانية من قاعدة إنجرليك، وإيقاف تحويل أموال لـ”الحاكم المطلق” أردوغان.
من جانبه، رأى كبير محللي صحيفة “تاتس” دانيال باكس أن مقارنة الرئيس التركي ألمانيا الحالية بالنظام النازي البائد يعكس سعيه للمواجهة، ويخدم تصويره لنفسه أمام الناخبين الأتراك بوصفه زعيما قويا يتحدى الأوروبيين المتغطرسين، واعتبر باكس أن إلغاء مدن ألمانية تجمعات انتخابية لوزراء أتراك يسهل على أردوغان تصوير الأوروبيين كمنحازين ضد بلاده ومتعاملين معها بمعايير مزدوجة.
واعتبر الصحفي الألماني أن منع الفعاليات التركية لا يفيد لأنه يقود للمقارنة بفعاليات مماثلة نظمتها الولايات المتحدة وبولندا للتأثير انتخابيا على مواطنيهما أصحاب الجنسية المزدوجة بألمانيا.
ولفت باكس إلى أن خطابات سياسية للسياسي الهولندي اليميني المتطرف غيرت فيلدرز ونظيره النمساوي هانز كريستيان شتراخه بمدن ألمانية، ومشاركة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في مؤتمر الحزب المسيحي الاجتماعي الحاكم بولاية بافاريا الجنوبية، لم تلق اعتراضا من أحد.
وفي السياق ذاته، اعتبر الخبير بالشأن التركي لؤي المدهون أن الأزمة الحالية بين ألمانيا وتركيا تعكس مرور علاقات البلدين بمحك هو الأخطر بتاريخها، وقال المدهون للجزيرة نت إن ميركل ووزير خارجيتها تعاملا بهدوء مع التوتر الحالي سعيا لمنع تصاعد الأزمة المتعلقة ببلدين وشعبين كبيرين تربطهما علاقات تعود لقرون خلت.
وأوضح المدهون أن برلين الرسمية لجأت للهدوء بعد إدراكها أن إرسال أردوغان لأكبر عدد من وزرائه لألمانيا وأوروبا لحشد تأييد الأتراك بهذه الدول للتعديلات الدستورية يعكس تخوفه من خسارة الاستفتاء على تلك التعديلات.
ورأى المدهون أن اللوبي الكردي وداعميه من حزبي اليسار والخضر لعبوا دورا بالوصول للوضع الراهن من خلال حملة هجوم شديدة شنوها على تركيا وأردوغان، واعتبر بالمقابل أن المسؤولين الأتراك أخطؤوا باستخدام خطاب قومي شعبوي حين يتحدثون لأتراك ألمانيا وأوروبا كأنهم من سكان قونية أو الأناضول، دون إدراك أن أكثرهم يشعرون بأنهم ألمان أو أوروبيون أكثر من كونهم أتراكا.
الجزيرة