قدمت الأمم المتحدة دعم لنظام بشار الأسد بمئات آلاف الدولارات لترميم سوق دمرته قواته, وقال مسؤول أممي أن هذا يجلب السياح, والسوق هو أشهر أسواق محافظة حمص، الذي
تعرض مراراً لقصف بالأسلحة الثقيلة من قوات النظام، وذلك في وقت وجهت فيها اتهامات للمنظمة الأممية بالانحياز للأسد.
وبدأ نظام الأسد بأعمال ترميم لسوق حمص الأثري أو ما يعرف بـ”سوق حمص القديمة”، وتعمل محافظة حمص التي يسيطر النظام على أجزاء واسعة منها بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على إزالة أثار القصف والمعارك التي شهدتها منطقة السوق خلال عامين من المواجهات بين النظام والمعارضة. وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية فإن المشرف العام على مشروع تأهيل السوق من الأمم المتحدة، ويدعى غسان جانسيز، مشيراً أن الأعمال في السوق ستحتاج إلى نحو عامين لإنجازها. وقال جانسيز إن تكلفة المشروع تقدر بـ”مئات آلاف الدولارات لإعادة السوق إلى سابق عهدها قبل حوالى مئة عام، فلن تكون مجرد سوق تجارية وشعبية بل أيضا ستصبح مركزاً لاستقطاب السياح”.
وبدا جانسيز وكأنه متحدث عن النظام في ترويجه لأعمال الترميم، وقال إن “عملية تأهيل وترميم السوق ستمر بأربع مراحل هي”التنظيف، الأرشفة، الترميم وأخيرا إعادة البناء”، مشيرا إلى أن “مرحلة إزالة الأنقاض صعبة وخطرة فقد وجدنا متفجرات وعبوات ناسفة”، على حد زعمه. من جانبها، أشارت وكالة أنباء النظام “سانا” نقلاً عن مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي طارق سفر قوله إن “المشروع يتضمن تركيب أربعة أبواب رئيسية لمداخل المنطقة المستهدفة وإعادة تأهيل نحو 200 محل (…) مع الحفاظ على الطبيعة التراثية للمنطقة (…) وتوثيق كل العناصر والمفردات التراثية للسوق”. تدمير السوق وكالة الأنباء الفرنسية نقلت عما قالت إنه مصدر في محافظة حمص، وأشار إلى أن “السوق شكل خط تماس خلال المعارك إذ استخدمها المسلحون كنقطة عبور بين حي وآخر، لذلك لم تتعرض للكثير من الدمار، فقد طالتها الاشتباكات ولكن ليس القصف”.
ويتنافى تصريح المسؤول في نظام الأسد مع ما شهدته منطقة السوق خلال عامين من قصف ممنهج بطائرات ومدفعيات النظام عليه، وهو ما وثقه ناشطون سوريون بالصوت والصورة، ولم يكن سوق “حمص القديمة” المنطقة الأثرية الوحيدة التي دمرتها قوات النظام، فهنالك أيضاً من بين أبرز المناطق المستهدفة منطقة المسجد الأموي في حلب التي أصابها دمار كبير. وتقول المعارضة السورية إن “الأمم المتحدة لم تحافظ على دورها الحيادي في حل القضية السورية”، وبنظر المعارضة ومراقبين عرب وغربيين تحولت إلى طرف داعم لنظام بشار الأسد الذي تسبب بمقتل ما لا يقل عن 500 ألف شخص، وتهجير نحو 9 ملايين. ويدور حول عمل المنظمة في الملف السوري اشارات استفهام وشكوك تزيد مصداقيتها ما كُشف عنه من تواطؤ لدى المنظمة الأممية سواء في توزيع المساعدات، أو في تخفيف وطأة تحميل النظام مسؤولية ما يجري في سورية، مرورا بأخر فضيحة فجرتها صحيفة “الغارديان” البريطانية، التي أكدت تعامل المنظمة مع مقربين للأسد وإفادتهم بملايين الدولارات.
وأنشأ سوق حمص القديمة في القرن الثالث عشر في ظل الدولة الأيوبية ومؤسسها صلاح الدين الأيوبي، وقد ازدهرت في وقت لاحق في ظل الحكم المملوكي حتى القرن الرابع عشر وصولاً إلى مرحلة السلطنة العثمانية التي انتهت في بدايات القرن العشرين. وتعد حمص من أول المدن التي دخل فيها السلاح بحركة الاحتجاجات رداً على العنف المفرط من النظام عام 2012، وإثر معارك عنيفة وحصار خانق للمدينة القديمة وقصف متواصل دام عامين، تمكنت قوات نظام الأسد في العام 2014 وفي إطار اتفاق مع الفصائل المعارضة من استعادة السيطرة على مجمل المدينة. ولا تختلف سوق حمص القديمة عن سوقي دمشق وحلب الشهيرين، إلا أنها أصغر منهما حجماً، ويتضمن 13 شارعاً و982 محلا، وفق ما يقول المدير العام للآثار والمتاحف السورية مأمون عبد الكريم لوكالة الأنباء الفرنسية. ولا يزال الجزء الأكبر من السوق مهجوراً، تدخله أشعة الشمس من الثقوب التي خلفها رصاص المعارك. وهو عبارة اليوم عن محال دون أقفال أو أخرى احرقت نيران الحرب أبوابها، وقضبان حديدية تتدلى من السقف وسط جدران سوداء اللون وأعشاب نمت بين الحجارة. “شانزليزيه حمص” ويقول ممثل الاتحاد الأوروبي سابقاً في دمشق أنيس نقرور المتحدر من حمص: “قبل أربعين عاماً، كانت سوق حمص بمثابة شارع الشانزليزيه الفرنسي في مدينة صغيرة”. مضيفاً: “الجميع كان هنا، هي السوق التي كنت تجد فيها كل الحرفيين من الخشب والنحاس والذهب الى القماش والعطور”. ويتذكر الدبلوماسي الفرنسي أيام الطفولة، ويقول: “مساء وأثناء العودة من المدرسة كنا نمر على السوق لاستنشاق الهواء في مكان مليء بمحال الحلويات الممتازة وعصائر الفاكهة اللذيذة”. أما اليوم فقد تغير حال هذه السوق التراثية، وتم حتى اليوم تأهيل شارع واحد فقط وقد أعيد فتححوالى 14 متجراً فيها لا غير، وقد طلي سقفها باللون الازرق الفاتح وأغلقت ثقوب الرصاص ورسم العلم الخاص بنظام الأسد على أبواب المحال ومعظمها مغلق.