على الطريق الواصل بين اللاذقية وحلب وقبل الوصول إلى منطقة جسر الشغور، يقع عدد من القرى المسيحية التي تتبع إداريا لمحافظة إدلب. وتشكل هذه المنطقة بحسب مصادر المعارضة السورية امتدادا استراتيجيا للجيش السوري الحر، إذ تؤمن له معبرا للإمداد عبر الحدود التركية.
وبحسب أهالي المنطقة، فإن مقاتلي المعارضة باتوا يسيطرون على مساحة كبيرة، ويدخلون القرى واحدة بعد الأخرى معلنين تحريرها. كما يوضحون أنه – ونظرا للحساسية التي تحملها بعض القرى المسيحية الواقعة هناك – فإن دخول عناصر من “الجيش الحر” إليها دفع بعض سكانها إلى مغادرة بيوتهم والنزوح عند أقربائهم في المدن والمحافظات الأخرى، فيما بقي البعض الآخر في منازلهم وهم يتعايشون مع الواقع الجديد.
سهيل، وهو أحد سكان قرية الغسانية التي تبعد 10 كيلومترات عن جسر الشغور، وتعيش فيها غالبية مسيحية، يقول لـ”الشرق الأوسط” إن “الجيش الحر تصرف بحكمة عند دخوله إلى القرية”. ويوضح الرجل الخمسيني، الذي بقي في قريته خلال الأحداث الماضية حتى اليوم، إنه “كانت هناك حرب بين مقاتلي المعارضة والجيش النظامي، وقد تمكن الجيش الحر من حسم الأمر والسيطرة على المنطقة ومنها قريتنا”.
ويشير إلى أن “هناك بعض الممارسات السيئة حصلت من قبل بعض مقاتلي المعارضة، كسرقة بعض البيوت ونهب محتوياتها.. لكن لم يصب أحد من سكان القرية بأي مكروه”، لافتا إلى أن “سكان الغسانية كانوا يوالون نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد بشكل كبير، وبعضهم كان ينزل إلى شوارع جسر الشغور بالسيارات مطلقين العنان للأغاني المؤيدة بشكل استفزازي لأهالي المدينة، ورغم ذلك لم يقم الجيش الحر بأي عمليات انتقامية ضد السكان”..
ولا ينفي سهيل “نزوح عدد لا يستهان به من الأهالي بسبب القصف من قبل طائرات النظام على المنطقة، حيث أصيبت الغسانية بعدد من القذائف مما أثار الرعب في نفوس الناس”. في قرية مسيحية أخرى تدعى برج القصب، وهي أقرب إلى اللاذقية منها إلى إدلب، نزح جميع السكان المسيحيين بسبب المعارك الضارية التي حصلت هناك. وتشكل هذه القرية بالنسبة لـ”الجيش الحر” موقعا عسكريا استراتيجيا فائق الأهمية، كونها تطل على كل المنطقة الجبلية الواقعة في شمال غربي سوريا من الحدود مع تركيا حتى هضاب اللاذقية على البحر المتوسط. وتشرف برج القصب على جبلين يقعان قبالة منطقة اللاذقية الساحلية، جبل التركمان الذي يعيش فيه تركمان يتكلمون اللغة التركية، وجبل الأكراد الذي لا يسكنه أكراد كما يدل عليه اسمه، بل عرب من السنة.
وكان نظام الأسد قبل سيطرة “الجيش الحر” عليها يستخدمها قاعدة لتوزيع القذائف المدفعية على القرى المجاورة. وفي قرية كنسبا، التي يتوزع عدد سكانها بين مسيحيين ومسلمين، يؤكد فرح، أحد الشباب المسيحيين المقيمين فيها لـ”الشرق الأوسط” أن “الأهالي سيظلون في قريتهم مهما حدث”، ويقول: “الجيش الحر يسيطر على القرية وعلى عموم المنطقة، وهناك بعض التجاوزات التي تحصل هنا وهناك.. لكن الجو العام جيد ونشعر أننا بأمان، خصوصا أن كنسبا كانت ومازالت واحة للعيش بين الطوائف وستبقى كذلك”.
ويضيف الشاب الثلاثيني: “هناك حقوق للشعب السوري يجب أن يحصل عليها، أقلها سقوط هذا النظام المجرم الذي قصف قريتنا بالميغ دون أن يفرق بين مسلم ومسيحي”.