بقلم: جهاد يازجي
على الرغم من أن الدمار يجسّد عنواناً واضحاً للمرحلة الحالية في سوريا، لكنه من المؤمَل أن تكون مرحلة إعادة الإعمار غير بعيدة.
في حين يصعب تقييم الكلفة الحقيقية للأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للبلاد على مدى ستة عشر شهراً من ثورتها الشعبية؛ حيث وقع معظم الدمار بعد صيف 2011 قام المجلس الوطني السوري مؤخراً، والذي تعتبره الدول الغربية محاوِرها الأساسي في المعارضة، بتقدير حاجة سوريا إلى دعم مالي فوري يبلغ زهاء 12 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى التالية للسقوط المحتمل للنظام.
وفيما ضُرب عدد قليل من مؤسسات الصناعات الضخمة في سوريا –كمحطات توليد الطاقة ومصافي النفط– امتلأت المساحات العمرانية في العديد من المدن السورية بركام الأبنية وحطام شبكات المياه والكهرباء والهاتف كما وأنقاض الجسور والطرق. مدينتيْ حمص (ثالث أكبر المدن في البلاد) ودير الزور على وجه التحديد تعرّضتا للتدمير، حالهما حال عشرات المدن الأصغر مساحة والبلدات المنتشرة في طول البلاد وعرضها، هذا بالإضافة إلى ضواحي كلٍ من دمشق وحلب. إجمالاً، فإن عملية إعادة بناء شاملة لأجزاء كبيرة من سوريا ستكون مطلوبة.
إنه لمن الصعب تخمين ما يمكن أن تشتمل عليه ال 12 مليار دولار، لكن إذا صحّ أنها لتغطية نفقات الأشهر الستة الأولى فعندها سوف يُستثنى من المبلغ كلفة إعادة إعمار معظم البنية التحتية الثقيلة، كون أن بناءها يتطلب أكثر من ستة أشهر لإنجازه كما هو واضح– بعبارة أخرى، فإن الميزانية الإجمالية لإعادة إعمار البلد سوف ترتفع لما هو أعلى من ذلك بكثير. على أية حال، يبقى السؤال المطروح هو كيفية تأمين مثل هذه المبالغ.
صرّح ناطقون باسم المجلس الوطني السوري بأنهم سوف ينشدون الدعم من “الأصدقاء”. وبحكم إدراكهم لحجم الأزمة المالية التي يمر بها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فهم يفكرون على الأرجح بدول الخليج الغنية، خصوصاً السعودية وقطر اللتان لم تتوانيا عن دعم المعارضة. المسألة الأخرى التي يتوجب عليهم أخذها بالاعتبار هي كيفية التعامل مع أية عملية إنفاق ضخمة للأموال. في الواقع، بخلاف الحالة الليبية أو العراقية على سبيل المثال، (وهما اللتان تمتلكان احتياطات كبيرة من النفظ والغاز تمكنهما بالتالي من تسديد أي مبالغ يقترضانها)، فإن على السوريين أن يكونوا حذرين جداً كيما يحسنوا استخدام الأموال التي سيحصلون عليها. لن يقوم أحد في الحقيقة بإقراض سوريا أموالاً من دون مقابل، وبمعزل عن التكلفة السياسية التي سترافق مثل هذه المساعدة فثمة تكلفة مالية أيضاً، أي عبء مديونية سيتكفل الشعب السوري بالعمل على تسديده لسنوات وربما لعقود قادمة.
هل ستمتلك أية حكومة انتقالية في سوريا الوسائل اللازمة لإدارة إنفاق مساعدات مالية تقدّر ب 12 مليار دولار، عدا عن وجوب إنفاقها في غضون أشهر ستة فقط؟ من وجهة نظر سياسية، هل تستطيع أي هيئة غير منتخَبة –فأي سلطة انتقالية لن تكون منتخبة في الغالب- أن تنفق وبشكل قانوني مبلغاً ضخماً كهذا، مبلغاً سيرهق السوريين لسنوات قادمة؟ ماذا عن الآجال الطويلة والمبالغ الأكبر التي سترافق أي برنامج إعادة إعمار قد تديره حكومة سورية في المستقبل؟ هل سيستطيع السوريون تجنّب العثرات وحالة الفساد الهائل التي رافقت برنامج إعادة الإعمار العراقي؟
لقد أظهرت الحكومات السورية, سواء الحالية منها أوالسابقة، عجزاً كبيراً في التعامل مع المشاريع الضخمة وفي إدارة الاستثمارات عالية التكاليف بالكفاءة المطلوبة. في الواقع، فإن عدداً قليلاً جداً من مشاريع البنى التحتية الضخمة التي أعلنتها السلطات السورية في العقدين الماضيين جرى تنفيذها وذلك بسبب من المعوقات البيروقراطية والسياسية المتعددة. حتى تلك المشاريع التي تم إنجازها تعرضت لتأجيلات لا تنتهي وتكاليف إضافية وشبهات فساد. إنه لمن السذاجة الاعتقاد بأن تلك المعوّقات سوف يمكن تجاوزها بسهولة. فبالنظر لما أبدته المعارضة من “نقص” في المعرفة والإمكانيات ومن واقع ما شهدناه في التجربة العراقية، تتوفر أسباب موجبة للقلق.
إن أي برنامج لإعادة الإعمار في سوريا، وبسبب التداعيات السياسية والتكاليف المستقبلية، يتوجب عليه أن يوضح آلية تمويله وكيفية تسديد ديَنه كما وأن يفصّل التدابير التي سيجري اتباعها للحد من الفساد قدر المستطاع؛ لكن الأهم من كل ذلك، أن يتم إقراره والتصديق عليه من قبل ممثلين شرعيين عن الشعب حتى يجسد ذلك بداية جديدة وذات معنىً حقيقي للبلاد.