كتبت صحيفة ديلي تلغراف أن التصعيد الوحشي للصراع في سوريا منذ بداية اندلاعه قبل 16 شهراً هو السمة الأبرز للاعتراض على حكم الرئيس بشار الأسد. فقد ولد القمع مقاومة، والعكس بالعكس، إلى الدرجة التي صارت فيها أكبر المدن ساحات قتال. وحلب إحدى تلك المدن القديمة التي كان الاستحواذ عليها قد حسم من قبل مصائر الملوك لعدة قرون. والقتال من أجلها أساسي لبقاء نظام الأسد. ولهذا كان مستعدا لتجريد المحافظات المجاورة من الجنود والدبابات لحشد القوات لهذه المعركة، رغم أن هذا الأمر يعني تسليما كاملا لمناطق شاسعة من البلاد للسيطرة الفعلية للثوار.
وقد بدأت تتضح الخطوط العريضة لإستراتيجية الأسد الجديدة للنجاة. فهو سيفعل كل ما في وسعه للتشبث بدمشق وحلب والطريق السريع الرئيسي الشمالي الجنوبي الرابط بين المدينتين. وهذا الأمر سيضطره إلى التخلي عن معظم القرى لأعدائه.
وكان الأسد قد تحول بالأسابيع القليلة إلى حد كبير إلى محافظ غير محصن لدمشق وحلب بدلا من أن يكون رئيسا لكل البلاد، بالإضافة إلى كونه قد أصبح شرطي سير على الطريق الرابط بين المدينتين. ومع تصاعد الحرب انخفض سقف أهدافه الواقعية.
ومع تحول “التمرد” هذا العام إلى “عصيان مسلح”، تغيرت شخصية الأسد من رئيس دولة إلى شخصية قائد الحرب البائس. وما زال يتنبأ بالنصر لكن كلماته باتت أشد سوداوية مع اعترافه بالارتكابات التي مورست باسمه.
أما عن القوات المسلحة فقد تمددت حتى بلغت حد الانهيار بفعل هذه الأزمة. فعلى الورق يبلغ عدد أفراد الجيش 220 ألفا لكن معظم جنوده من السنة، وولاؤهم للأسد -الذي تهيمن أقلية علوية على نظامه- غير مضمون دائما. وبالتالي فإن عبء القتال وقع على وحدتين منفصلتين: الفرقة الرابعة بقيادة أخيه ماهر والحرس الجمهوري.
وهذان التشكيلان معا لا يتعدى عددهما الثلاثين ألف فرد -أقل من 14% من كامل قوة الجيش- وقد حُملوا نصيب الأسد في مهمة مقاتلة العصيان المسلح. وخاض هؤلاء الجنود حربا على مساحة تمتد من درعا في الجنوب إلى إدلب في الشمال وقد دفعوا ثمنا باهظا: إذ يُعتقد أن ما لا يقل عن خمسة آلاف جندي قُتلوا بأيدي الثوار خلال الـ16 شهرا الماضية. ومن باب المقارنة، فقدت أميركا 1939 جنديا بأفغانستان خلال حرب دامت نحو 11 سنة.
ونظرا لانخفاض سقف أهدافه إلى مستوى الدفاع عن حفنة من المدن وتشكيكه في ولاء جزء من جيشه, لم يعد الأسد يبذل جهدا لتحقيق نصر كامل. ومع أن جزءا مركزيا من قواته الأمنية ما زال يمكن الاعتماد عليها في إطاعة الأوامر ودحر الثوار في معارك هامشية، فإن الساعة الحقيقة بدأت تدق. وما زال بإمكان الرئيس السوري شراء بعض الوقت -ربما لعدة أشهر- لكنه لن يفوز.
وبعد أن استثمرت الكثير في بقائه حيا, ما الذي يدفع روسيا إلى التفكير بالحكمة من السعي لتجنب القدر المحتوم؟ الإجابة قد تكون -من باب المفارقة- في فرص نجاح الأسد في حلب. فإذا احتفظ بالجائزة وتشبث بدمشق وتخلى عن معظم بقية سوريا، فإنه بذلك يخبر العالم أن النصر الكامل لم يعد في المتناول، حينها قد يصل أصدقاؤه إلى ذات الاستنتاجات التي توصل إليها.