تتواتر الأنباء القادمة من حلب بشمال سوريا عن قوافل دعم وإسناد من الجيش السوري النظامي تتجه إلى المدينة من أجل “تطهيرها” من المسلحين الذين استولوا على مناطق فيها، بينما يقول عناصر الجيش السوري الحر إنها معركة الحسم التي ستكون محطة الانطلاق نحو “تحرير” دمشق والتخلص من نظام الرئيس بشار الأسد.
وجعلت التطورات الميدانية المتلاحقة في ثاني أكبر المدن السورية منذ أسبوع، الجيش النظامي يستعد لشن هجوم شامل على المدينة وذلك بالاستعانة بأفراد الفرقة الخاصة وجنود من مناطق أخرى أقل توترا. فقد سحب النظام معظم قواته من منطقة جبل الزاوية في محافظة إدلب، قرب الحدود التركية، ودفعها إلى حلب. وتواصل القوات النظامية منذ 48 ساعة إرسال تعزيزات في اتجاه المدينة من مناطق عدة.
ووسط هذه الأجواء، قالت صحيفة “الوطن” السورية القريبة من السلطات أمس الخميس إن “حلب ستكون المعركة الأخيرة التي يخوضها الجيش العربي السوري. وبعد القضاء على الإرهابيين فيها ستخرج سوريا من أزمتها”.
ولكن ما الذي يدفع النظام إلى هذا الاستنفار من أجل هذه المدينة دون باقي المناطق التي اكتفى بإرسال فرق من الجنود معززة بعناصر من الشبيحة، الجواب قد يكون في الموقع الإستراتيجي الذي تحتله هذه المدينة، فهي ملاصقة جغرافيا لتركيا، وتعتبر رئة اقتصادية مهمة للبلاد ومركزا لتجمع أصحاب رؤوس الأموال، ورغم عمل الأسد على تحويل قدر كبير من التجارة إلى دمشق إلا أن حلب ما تزال أهم المدن الصناعية في سوريا.
كما أن حلب التي تبعد عن العاصمة دمشق بـ355 كيلومترا، كانت من بين المناطق القليلة التي لم تشهد احتجاجات في نفس المستوى الذي شهدته المناطق الأخرى، وسيطرة الجيش الحر عليها قد يفقد النظام أحد أهم المدن التي استند إليها في مواجهة الثورة.
معركة حسم:
غير أن هذه المعطيات هي نفسها التي تدفع المعارضة للإصرار على السيطرة على المدينة، فكما هي معركة مصيرية بالنسبة للنظام فإن الثوار يعززون مواقعهم داخل المدينة، وأعلنوا أنها “معركة حسم وتحرير” وفقا لتعبير مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن.
ومن أجل مواجهة الهجوم المحتمل من قبل القوات النظامية توجه نحو ألفين من مقاتلي الجيش الحر إلى المدينة بغية الوقوف إلى جانب الثوار الموجودين هناك، فيما يعمل رفاقهم في المناطق الأخرى على مهاجمة القوات النظامية وقطع طرق الإمدادات عنها في ما يشبه معركة استنزاف للجهود والعتاد.
ويرى مقاتلو المعارضة أن حلب ستكون “بنغازي” الثورة السورية، للانطلاق منها لـ”تحرير” باقي المناطق، ويأملون في أن تضع السيطرة على هذه المنطقة -مع بسط الجيش الحر سيطرته على منافذ حدودية مع الدول المجاورة- لبنة في إنشاء منطقة عازلة لطالما نادت بها المعارضة، وستمنح موطئ قدم في داخل سوريا للمعارضة المشتتة في الخارج، وهو ما سيمكنها من تشكيل الحكومة الانتقالية التي رأى رئيس المجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا أن أوان تشكيلها قد حان.
ووفقا لما كتبته صحيفة ديلي تيلغراف فإن سيطرة المعارضة السورية على حلب ستجعل من فرص بقاء بشار الأسد في الحكم “أكثر كآبة من ذي قبل”.
الوضع بدمشق:
ورغم أهمية السيطرة على حلب بالنسبة للمعارضة فإن فعالية ذلك قد تتأثر بالوضع في العاصمة دمشق، ذلك لأن من “يسيطر على جوهرتي التاج سيسيطر على سوريا” وفقا لتعبير صحيفة نيويورك تايمز في إشارة إلى دمشق وحلب. فدمشق تحتفظ بمكانتها في معادلة الصراع انطلاقا من كونها العاصمة ومركز الحكم ورمزا لشرعية الحاكم.
ورغم تراجع الجيش الحر عن بعض المناطق في العاصمة السورية، إلا أن المؤشرات تؤكد أنه انسحاب مؤقت، ذلك لأن عناصر الجيش الحر الذين وصل عددهم إلى أربعين ألفا والداعمين لهم يدركون أنه سيكون من الصعب عليهم مواجهة تبعات التخلي عن جميع المناطق والمخاطرة بتحمل رد فعل السلطة وانتقامها.
وفي الجهة المقابلة يؤشر استعادة القوات النظامية لسيطرتها على بعض المناطق على أن أمد الصراع قد يطول، فمواجهة الهجمات المتكررة من الجيش الحر ستجبر السلطة على نقل مجموعات من القوات النظامية إلى العاصمة مما يمنح فرصة للثوار للتقدم نحو مناطق أخرى والسيطرة عليها، كما أن إطالة أمد الصراع وخاصة في أحياء العاصمة المختلفة قد يدفع بحالة الاحتقان لدى المترددين أو الموالين للنظام بشكل يهدد بانقلابهم على الأسد.
ويبقى الأكيد أنه وبعد المعارك السابقة لم يعد من الممكن بعد الآن للحكومة أن تتفاخر بأن العاصمة تشكل واحة.