سوريا والمجتمع الدولي: عجز وترقُّب وتمنٍ

هيئة التحريرآخر تحديث :
slamkwa kbisyrbkj 765

slamkwa kbisyrbkj 765بقلم سلام الكواكبي
منذ انطلاقة خطة كوفي أنان ذات البنود الهلامية الستة في نيسان الماضي، يسجل عدد الضحايا ارتفاعا ملحوظا وتثبت الوقائع اليومية فشل تطبيق كل نقاط الخطة ووجود رغبة “أنانية” في تمويه هذا الفشل بالبيانات حمّالة الأوجه والتي تساعد في الحفاظ على صيغة وظيفية دولية مهمة للمعني وفريقه.

 

لم تتم الإشارة من جانب المعنى المباشر بتنفيذ الخطة والمحيطين به، إلا خجلا، إلى العقبات الأساسية والواضحة للقاصي والداني والتي اعترضت تنفيذ النقاط “الهادئة والمهادنة” الواردة في الخطة بخصوص احترام وقف النار والافراج عن المعتقلين والانفتاح على الإعلام الخارجي والعمل الإنساني الدولي وسحب المعدات الحربية.

وقد أتى “اتفاق جنيف” الميمون، ليرسّخ صيغاّ أكثر هلامية وقبولا للاجتهاد من الخطة الأصلية لإرضاء الطرف الروسي تحديدا والذي عبّر رغم ذلك عن رفضه للتفسيرات الغربية لما جرى الاتفاق عليه في جنيف.

القاء نظرة سريعة على النص الجديد يحمل على الابتسام رغم مرارة الموقف، فالسادة والسيدات في جنيف، وفي اتفاق دولي على أعلى مستوى لحل الأزمة السورية، لم ينسوا أن يوردوا بندا واضحا وصريحا حول ضرورة أن “تحظى النساء بتمثيل كامل في كل جوانب العملية الانتقالية”!! وكأن المجتمعين في جنيف، الذين تداعوا للقاء بهدف محاولة إيقاف العنف والمذابح، يضعون تصورا تفصيليا لمراحل العملية الانتقالية التي هي في طور التطبيق. ويُخال لقارئ هذا البيان بأن من صاغه يريد أن يضع فيه كل العبارات الملائمة للنصوص المتعارف عليها من القواعد الحقوقية “المثالية” البعيدة عن مركز المأساة وعن واقع المذابح اليومية. كان من الأجدر ربما أن يرد في النص ما يشير إلى ضرورة أن تحظى جثث الشهداء بمعاملة إنسانية أو حتى بقبر، أو يتم تطبيق وقف موقت لإطلاق القذائف لتوفير ممر إنساني للمقابر.

وبعيدا عن الكوميديا السوداء التي أصبح السوريون من أهم ضحاياها ومن أكثر مستخدميها أيضا في إدارتهم الإبداعية للمرحلة، يبدو أن ما يسمى تسرعاً المجتمع الدولي يقف في حالة عجز وترقب وتمنٍ.

عجز عن معرفة ما يريده فعلا من التغيرات الحاصلة في المنطقة، بحيث يطور صيغا تخويفية من بروز أو طغيان تيار لا “يستسيغه” بعد. وعجز أمام موقف روسي واضح النية وصريح التعبير، بحيث إن الروس يريدون أن يكونوا مفتاح الحل والإغلاق بعيدا عن كل التفسيرات المتسرعة التي تربطهم بمصالح ضيقة أو آنية. وعجز أمام تلبية الاحتياجات الإنسانية المتعاظمة بحيث لم يستطع كل هذا المجتمع الدولي أن يساعد مراقبيه المصطافين في سوريا على زيارة مواقع المجازر إلا عندما ينقشع الظلام وتدفن الجثث وتتغير الروايات ويسمح السلطان.

أما الترقب، فهو الأساس في الاتفاق الروسي – الأميركي الواقع في جنيف. حيث فهم الروس أن الأميركيين مجمدون في سياستهم الخارجية بانتظار الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل، وفهم الروس أن الأميركيين يولون الشأن الإسرائيلي المرتبط بالملف النووي الإيراني حيّزا أكبر في صوغ مواقفهم. وبالتالي، فالطفل المدلل يوجه سياستهم الخارجية ويدفعها للبحث مع الروس على حل الملف النووي الإيراني بأولوية تتعالى بكثير على دماء الضحايا في بقاع أخرى من العالم وخاصة إن كانت دماء سورية. ولتعزيز مرحلة الترقب والانتظار، ليس من المضر أن يطلب الأميركيون من المعارضة السورية أن تتحد، وفي المقابل، يساهمون في تعزيز انقسامها من خلال تقاسم الأدوار بين ممثليهم الديبلوماسيين بحيث يدعم هذا فريقا وذاك فريقا آخر ولتأتي النصيحة بالتوحيد. وعلى الرغم من أن التوحيد في أي إطار سياسي، وخصوصا إن كان ساعيا للتعددية وللديموقراطية، هو ظاهرة شمولية ليست واردة في تجارب المعارضات التي نجحت في وضع تصور مشترك، ولكن يبدو أن هذا الأمر أسعد أيضا الأوروبيين فأضافوه إلى صيغهم الديبلوماسية بالتوازي مع افتقارهم لسياسة خارجية منسجمة ووجود تيارات متنوعة تشابه مثيلاتها الأميركية في تعزيز تشتيت المعارضة السورية.

وفي ما يتعلق بالتمني، فالجميع يتمنى أن يتم حلّ المسألة السورية بعيدا عن حديقته المرتّبة وزهوره الملوّنة. لا يريد أن يلوّث صفاء عطلته الأسبوعية برماد الحرائق أو صور الثكالى. يشارك في لقاءات تضامنية صوتية أو تعبيرية ويعود ليستحم ويجلس لمشاهدة التلفاز أو مؤشرات البورصة أو رسائل الرضى من ناخبيه في الداخل وفي الخارج. وكان التمني، الذي أخّر اتخاذ المواقف، بأن يتم الحلّ من طريق النظام نفسه بالقيام ببعض الإصلاحات التجميلية وإيقاف مسلسل العنف من طرف واحد قبل أن يتمدد في كل الاتجاهات. وكان التمني أيضا، ولم يزل، بأن تحصل انشقاقات أساسية تسرّع في زعزعة أركان المنظومة القائمة.
وكان التمني أيضا، ولم يزل، بأن يتفق السوريون على صيغة تفاوضية وسطية تزيل عن عاتق هذا الكائن الغريب المسمى المجتمع الدولي ثقل مسؤولية إنسانية وأخلاقية وسياسية.

ومن المؤكد أن العجز والترقب والتمني ليست خصائص غربية بامتياز، ففي الحالة السورية، يبدو أن هناك مشاركة فاعلة لجميع القوى الإقليمية والدولية. والعرب لاعبون أساسيون كما الأتراك في هذا النطاق السياسوي المرن الهلامي الأبعاد.

ليس بالضرورة إذا أن تتوحد المعارضة السورية لعدم حتمية هذا المسار ولعدم واقعيته في ظل التاريخ السياسي الحديث لسوريا وتاريخ التشكيلات السياسية التقليدية والمستحدثة. وعليها السعي إلى تعزيز عملها السياسي في اتجاه الشعب السوري في الوطن وفي المهجر، وأن تبعد عن صفوفها متسلقي الفرصة أو عشاق الذات أو كارهيها. ومن الضروري أن تتعرّف بجلاء إلى حقيقة الموقف الدولي بكل أبعاده. إن توجه المعارضة نحو موسكو، إن حصل، ليس دليل ضعف أو تراجع، ولكنه اعتراف بواقع دولي يجب التعامل معه بالحنكة السياسية اللازمة وليس بالغوغائية الخطابية. والحديث مع موسكو بعيدا عن الأقنية الغربية غير الواضحة والمتناقضة هو خطوة أولى في تعزيز استقلالية المسار الديبلوماسي المأمول.

إن السند الأكبر لكل تشكيلات المعارضة السياسية والفكرية السورية هو الشعب السوري، والذي أثبت طوال سنة ونصف السنة من عمر ثورته قدرة هائلة على الإبداع والتحمّل والتكاتف رغم كل ما جرى ويجري العمل عليه من سياسات تفريقية ممنهجة بهدف تخريب النسيج المجتمعي الذي لطالما افتخر به السوريون. ومسوولية التأطير، إن كانت نخبوية بالمعنى السياسي، فهي تكمن في خلق الظروف الملائمة لتعزيز قواعد الحياة الجديدة للسوريين وبناء مسار انتقالي واعٍ على أسس علمية مدروسة يتفق عليها كل السوريين بطرائق موقتة مبتدعة تؤسس لليوم التالي. وهي ستؤول حتما، إن نجحت، إلى أن يلجأ السوريون، وبعد خمسة عقود من القحط السياسي في الممارسة والتفكير، للاتفاق بالاستناد إلى صناديق اقتراع شفافة الغلاف وجليّة المحتوى ومضمونة التمثيل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة