في أول مقابلة إعلامية له منذ هجره منصبه كرئيس لوحدة العناية المركزة بمستشفى حلب العسكري قدم الطبيب أحمد تقريرا كشاهد عيان على عنابر سرية قال إن المرضى كانوا يُعذبون فيها أو يرسلون إلى حتفهم.
وقال الطبيب -الذي عرف نفسه باسم أحمد فقط لأسباب أمنية- إن “المرضى المهمين المعتقلين، أولئك الذين كان لديهم معلومات أكثر ليكشفوها، كان لا بد من مداواتهم. وأولئك الذين كانوا عديمي الفائدة للجهات الأمنية كانوا يرسلون إلى عنبر سري سميناه “الغرفة المظلمة” حيث كانوا يعذبون هناك أو يُصفون جسديا أو يُتركون ليموتوا”.
وقالت صحيفة ديلي تلغراف -التي أجرت المقابلة مع الطبيب أحمد- إنه كان يعمل في المستشفيات العسكرية في حلب ودرعا وضواحي دمشق والتي كان في كل مستشفى منها مثل هذه العنابر.
وأشارت الصحيفة إلى أن المرضى كانوا يُحتجزون في حالات رهيبة وأيديهم وأرجهلم مقيدة بالأغلال في الأسرة وأعينهم معصوبة في عنابر خالية من النوافذ والتي غالبا ما تكون في الأقبية.
وكان هؤلاء المرضى يُحرمون من المضادات الحيوية ومسكنات الآلام وغالبا ما كانوا يُتركون مضطجعين في برازهم وكثير منهم كان يُستهزأ بهم ويُتركون بجروحهم الملتهبة.
وقال الطبيب “كانوا يُتركون ليموتوا ببطء أو يُقتلون فورا بحقنة كالسيوم التي تجعل نبض القلب يتباطأ حتى يصاب الجسم بتشنجات”.
وأضاف “في حلب كنت أعالج مريضا ضُرب بقضيب حديدي وتعرفت على العلامات على جسمه. فقد كُسر له 12 ضلعا وكتفه ورجلاه. وأتى لي وقتها القائد العسكري وقال لي: لماذا لم تقتل هذا المريض حتى الآن؟
وذكرت الصحيفة أن العنبر في مستشفى حلب العسكري، مبنى محاط بالأشجار في وسط المجمع، كان محظورا على معظم العاملين وكان الأطباء يحتاجون إلى إذن خاص من رئيس المستشفى أو الشرطة العسكرية بالمدينة.
وقال الطبيب أحمد إنه حصل على تصريح لدخول الغرفة للمرة الأولى في فبراير/شباط هذا العام عندما طُلب منه أن يكون طرفا في عملية تستر لطمس المعالم في مواجهة زيارة لمراقبي الجامعة العربية.
وبصفته رجلا عسكريا رفيع الرتبة وطبيب التخدير الوحيد في المستشفى قال أحمد إن رؤساءه أمروه بتخدير كل المرضى السجناء بالمستشفى للدرجة التي يغيبون فيها عن الوعي كي لا يدلوا بشهادتهم للمراقبين.
وقال أحمد “لقد دعاني قائد المستشفى إلى مكتبه حيث جلست مع لواءين. وقالوا إني كنت وفيا وجديرا بالثقة وينبغي أن أساعد في مكافحة هذه الهجمات. وقالوا لي هذا دورك الآن يا دكتور”.
ولأنه كان يعرف أن رفضه إنما يعني سجنه ولخوفه من الانتقام من أسرته وافق أحمد على ما قيل له.
وقال أحمد “من بين مائتي مريض كان هناك 27 مريضا معتقلا موزعين على المستشفى و25 كانوا في الغرفة المظلمة. وقد حقنت 52 شخصا بالكتامين (مخدر عام سريع التأثير) كي يفقدوا وعيهم. وجاء ثلاثة مراقبين من الجامعة العربية مع أربعين رجلا من الأمن السوري. واصطنع الحراس حالة من الفوضى كي لا تُجرى مقابلة مع أي أحد ولم يُسمح بالتقاط أي صور. وأتذكر أني كتبت في ذاك اليوم أخبر زوجتي بأني كنت في حالة ذهول مما اضطررت لفعله. وقلت لها إني خدرت 52 شخصا”.
وفي حادثة سابقة تذكر الطبيب أحمد أنه كان يزور عنبرا مشابها في مستشفى عسكري بمدينة درعا حيث قال إنه شاهد قوات الأمن يضربون المرضى المصابين.
وقال “كان هناك أربعون رجلا مصابا اعتقلوا في مظاهرات عامة ورأيت ضابطا يضرب رجلا كان مكبلا في سريره ثم أُطلق عليه النار وتحولت الأرض إلى بركة من الدم”.
وقال الطبيب أحمد إن الأمر كان من الخطورة لدرجة لا يستطيع معها الأطباء التدخل: “وإذا بدا على أي طبيب أي انزعاج كان يُرسل فورا إلى مركز الحجز العسكري في دمشق. ويوجد الآن الكثير من الأطباء العسكريين مسجونين هناك”.