بقلم: أحمد الأحمد
انطلقت الثورة السورية من حادث صغير في أحد أطراف سورية في منطقة عشائرية سنية استفادت سابقاً من إجراءات النظام في الستينات، وكانت تعد إحدى المناطق المتحالفة معه. انطلقت كاحتجاجات سلمية بتاريخ 17 آذار احتجاجاً على الحادثة الصادمة بالتعذيب الوحشي والمطالبة بإطلاق سراح أطفال في المدرسة الابتدائية الذين اعتقلوا بتاريخ 6 آذار 2011 في مدينة درعا بسب كتابتهم شعارات بإسقاط النظام تقليداً لما يشاهدونه في التلفزيون منذ شهور عما يحدث في بعض الدول العربية . فردت الدولة بعنف أقصى أدى لقتل ستة متظاهرين سلميين مما أدى لاشتعال حركة احتجاجية شملت محافظة درعا ثم توسعت لتنطلق شرارات الحريق المحلي إلى مناطق أخرى تدريجياً إلى دمشق فبانياس فحماة فحمص فإدلب فدير الزور الخ… لتشمل معظم مناطق سورية. وكانت منذ بدايتها سلمية ذات مطالب سياسية.
كانت السمة العامة السائدة هي استخدام الدولة للعنف الشديد (اعتقال و تعذيب وقتل وتخريب ممتلكات) في مقابل رد فعل الشارع يتجلى بتوسيع الدائرة الجغرافية وتزايد أعداد المتظاهرين، بحيث بلغت في الجمعة الأخيرة في نحو800 نقطة تظاهر تغلغلت إلى القرى في مواجهة العنف المنفلت للسلطة يشارك فيها باستمرار أكثر من 7ملاين متظاهر. واستعملت الدولة العنف من قبل الجيش والأمن و”عصابات الموت” التي شكلها النظام، وسقط حتى الآن ما يقارب ال16000 شهيد واعتقل أكثر من 80000وعذب بالمحصلة ما يزيد على مليون شخص اعتقلوا وأفرج عن قسم كبير منهم بعد تعذيب شديد، ويبقى أكثر من 30000 آلاف مفقودين وأكثر من مليون من المهجرين داخل سورية وأكثر من 75000لاجئ خارجها في (تركيا العراق لبنان والأردن).
يمكن تصوير الوضع الآن بأن المناطق التي تعد معارضة بشكل شبه كامل تمتد من شمال وشرق سورية من كامل محافظات القطر وبعض المحافظات ذات الحراك المتوسط مثل محافظة السويداء والقنيطرة وطرطوس هي جميعها مؤيدة للتظاهر ومؤيدة للتغيير ومناوئة للنظام. وقد نما حجم بعض المظاهرات فيها في الفترة الأخيرة وبالتالي فإن الجزء الأوسع من الأراضي السورية تشارك بقوة في التظاهر المعادي للنظام بل إن سيطرة الدولة أصبحت معدومة في هذه الناطق.
يمكن القول إن بنية المعارضة وحراكها يتكونان من العناصر التالية:
• التنسيقيات وهي لجان تتشكل في غالبها من رجال وسيدات متعلمين ومثقفين يتولون التنظيم والتوثيق والإعلام دون أن يشاركوا بقوة في التظاهر وهم متخفون عن الظهور في معظمهم. وقد توحدت هذه التنسيقيات في ثلاث مجموعات من التنسيقيات. وتنطلق التظاهرات من أساس قاعدي من الأسفل إلى الأعلى وهي تعكس حراكاً ينبع من قاعدة المجتمع السوري، مستفيداً من كون الجامع هو الساحة الوحيدة المتبقية للحراك السياسي والاجتماعي بعيداً عن سيطرة الدولة الشمولية. بعض هذه التنسيقيات انطلق من بعض الجوامع المحلية والتي تتجمع عادة حول شخصيات دينية مركزية، وتنتظم عادة على شكل جامع مركزي يدور حوله عدد من الجوامع التابعة أو التي تدور في فلكه. وتعكس هذه البنية تشكيلاً شبكياً معقداً تحدده آليات توزيع موارد الزكاة والتبرعات سواء من أوساط رجال الأعمال أو من الجاليات السورية في خارج البلاد. كما أن بعض هذه التنسيقيات تتعاون أو تتبلور أحياناً حول شخصيات مجتمعية أو سياسية ديمقراطية أو علمانية معارضة ( برهان غليون ،سهير الأناسي، بهية مارد يني، رزان زيتونه). ولا نستطيع بالتالي القول بأن هذه التنسيقيات على علاقة تنظيمية مع الأخوان المسلمين،أو أي تنظيم ديني بل المجموعة الأكبر بالحراك الشعبي الغير متأطر ضمن أي اتجاه سياسي أو ديني بل يمكن القول بالعكس إن الإخوان المسلمين هم الذين يطورون ردود أفعالهم الآن على إيقاع تطور الحراك الشعبي في الداخل.
• المعارضة العلمانية التقليدية وفيها العديد من الشخصيات والأحزاب التي رغم ترهلها وهرمها لا تزال تشكل خبراتها السياسية والتنظيمية مرجعية سياسية وفكرية هامة للحركة، غير أن هذه الأحزاب لا تملك تواجداً قوياً على الأرض، كما أن تنسيقها مع متظاهري الشارع مازال ضعيفاً.
• تنظيم الإخوان المسلمين: الذي يحتفظ بتكوينات سرية وكذلك ببني غير تنظيمية في الداخل السوري لكنه يتمتع بعلاقات واسعة مع الحلقات الدينية والجوامع والحركة الشعبية الإسلامية. لم يظهر هذا التنظيم في الفترة الماضية المرونة والمبادرة اللازمة في الاستجابة للحراك القائم بل عانى من ملامح إرباك حقيقي فسره البعض على انه موقف حزبي ضيق. ويعكس هذا الإرباك جمود بنية التنظيم بعد عقود من التصفية الجسدية و العمل السري والمنافي، بحيث لم يجر فيه حراك بين الأجيال ولا التفاعل السياسي الحي المطلوب للتعاطي بالدينامكية اللازمة مع الحراك الشبابي الأخواني الراهن بكل ما يتمتع به من هذا الحراك من بنية عقلية وتنظيمية ومقاربة بعيدة عن الجمود العقائدي.
• تجمعات وكتل واسعة النطاق من المثقفين والقوى العلمانية والإسلامية غير المحددة المعالم التي أفرزتها الأحداث.
• والمكون الأكبر والاهم هم النشطاء الذين يتحركون ويحركون الحراك دون أي منهج أو سياسة أو أيديولوجية هدفهم الوحيد هو إسقاط النظام هو سياستهم ومبدئهم وأيديولوجيتهم التي يضحون في سبيلها
*معالجة السلطة للأزمة:
واجهت السلطة التظاهر بالعنف المتصاعد مما أدى بالمقابل إلى تصاعد الاحتجاج وليس لجمه. وكانت ثقة الدول بفعالية العنف كبيرة لكن العنف لم يؤدي إلى انكسار إرادة الشارع المصر على التحدي وإزاحة تلك الفئة التي سيطرة على مقدرات البلاد.
اتبعت السلطة جملة من التدابير في محاولة لضبط الأحداث:
• الإغلاق الإعلامي.
• الرشوة السياسية والمالية المباشرة لرجال الدين ورجال الأعمال وقيادات الأحزاب الكردية والعشائر، مع السعي لمقابلة أعداد كبيرة من وجهاء المجتمع في محاولة لسحب البساط من تحت المعارضة.
• تحريض شرائح من المجتمع السوري بعضها ضد بعض (العشائر ضد الأكراد، عائلات محددة في حلب ضد عائلات أخرى الخ..).
• التجييش الطائفي والتخويف للطائفة العلوية والمسيحية بأن المتظاهرين “السلفيين” يستهدفونهم وبأن القاعدة هي من تحرك المتظاهرين وما قامت به من محاولات متكررة لخلق بعض الحوادث ذات الصبغة الطائفية ( إحداث التمانعة في الغاب مجزرة الحولة مجزرة القبير ) كل ذلك ليقول للعالم ولطائفته والأقليات أما هو أو الحرب الطائفية التي ستطحن الجميع .
• محاولة تخويف المجتمع الدولي من الإرهابيين والسلفيين والقاعدة بالفترة الأخيرة . وتخويف تركيا بال PKK (احتفال كبير ل PKK في عفرين نظمته الدولة شارك فيه مسئولون سوريون).
• محاولة استرضاء الأكراد بإصدار قانون الجنسية ومحاولة ضبطهم من خلال اتفاقات مع الطالباني والبرزاني وأوجلان.
• مزيد من عسكرة المجتمع، إذ قام الرئيس بتسمية عدد من المحافظين الجدد من العسكريين مثل محافظ حمص ومحافظ درعا ومحافظ اللاذقية ومحافظ دير الزور فجميعهم ضباط جيش أو أمن سابقين.
• دولياً: الضغط على الأردن لإغلاق حدودها، الضغط على لبنان لمحاصرة الحراك السوري، محاولة إشعال الجبهة مع إسرائيل، فتح الباب للتغلغل الإيراني في الجيش وأجهزة الأمن وعمليات التشيع.
• السعي لمنع أي اعتصام في أماكن ثابتة، وإبقاء دمشق وحلب (المدينتين الأكبر والأهم في سورية) بعيدة عن التظاهر، لمدة طويلة لكنه بدء يفقد السيطرة عن هاتين المدينتين
• توجيه ضربات مؤلمة لبلدات صغيرة والمدن كي تخاف المدن الكبيرة (درعا، المعضمية ، ، حمص ،تلبيسة، تلكلخ، البيضا، جسر الشغور ، قلعة المضيق ، كفر زيتا مؤخرا ).
*و قد استمرار النظام التائه بعدم الاعتراف بالمعارضة كند سياسي.حتى لا يكون ملزم اتجاهها بأي شي وليقنع مؤيديه أنهم عصابة أو صناعة خارجية.
ولكن الواضح في هذه الأحداث أن النظام فشل بكل الحلول التي جربها واستخدمها ما نتج عن حلوله إلا زيادة المعارضين ورص صفوف المعارضة في الداخل والتفافها حول قيادات اختارتها وأصبح أكثر من 65 بالمائة من الأرض السورية تخضع للجيش الحر الذي أظهر تنظيما رائع في الفترة الأخيرة وحكمة في التعامل مع الكثير من الأحداث التي تعرض لها.
وقد أصبح الأسد قريب قريب من التنازل عن موقعه ومواجهة المصير المحتوم له.