تحليل: فلوريان جوسجين
يكاد الأمر لا يصدق: حتى مجزرة الحولة لم تغير من النهج الأوروبي تجاه القضية السورية. يبدو أن قرار مصير الأسد يكمن في الكرملين ويرتبط بحسابات بوتين وطموحاته.
إن ما يجري في سوريا لأمر فظيع لا يمكن تصديقه، يقوم رجال بشار الأسد بذبح مواطني الحولة، أغلبهم من الأطفال.. كل هذا موثق لدى الأمم المتحدة و مؤكد.
روسيا والدول الغربية المتفرجة ما زالوا يتعافون من صدمة سريبرينيكا البوسنية. وماذا بعد؟ هل علينا نحن الغرب أن نقف صامتين أو نكتفي بالقول: نحن شديدو التأثر لما يحصل في سوريا ونأسف له يثور فينا الغضب ….لكننا مع الأسف لا نستطيع المساعدة بسبب الظروف.
الحقيقة هي: لا أمل للسوريين في المساعدة الغربية للتخلص من الأسد و ذلك لأسباب عديدة:
1. لأن الأسد متفوق في المجال العسكري على ما كان عليه جيش القذافي في ليبيا وجيشه أكبر من أن يتمكن الغرب من القضاء عليه من خلال عملية عسكرية سريعة….
2. سوريا هي بمثابة الصاعق لقنبلة جاهزة للانفحافي منطقة الشرق الأوسط والقنبلة الاقليمية جاهزة للانفحار ولا بدّ لشظاياها من أن تطال كل المكونات المتصارعة في إسرائيل، وإيران، السلاح النووي، حماس، وحزب الله؛
3. روسيا و الصين يتلافيان ما حصل في الأمم المتحدة في ليبيا العام الفاءت؛
4. إنّ موعد الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة الأمريكية قريبة جداً وباراك أوباما لا يريد أن يخسرها كما لا يريد أن يُهاجم من قبل منافسيه أو يقال عنه أنه رئيس انتحاري؛
5. ولأن الناتو لا يريد إن يُجر إلى أزمة لا أحد يستطيع أن يقدّر نهايتها؛
6. ولأن المعارضة السورية ما زالت مشتتة وغير موحدة؛
7. ولأن أحد لا يعرف تماماّ ما هي حقيقة الوضع في سوريا؛
8. ولأنّ إرهاقا عاما فيما يخص التدخل يعم العالم؛
لكل هذه المبررات التي يتبناها أيضا أنصار التدخل مثل “بيرنهارد ليفي” الذي يصر على التدخل العسكري لأسباب إنسانية لا يمكن تجاهلها وأسباب أخرى متعددة نقرأ كلمات استسلامية لسفيرة أوباما لدى الأمم المتحدة ويستمر القتل و نستمر بالمشاهدة… ممتعضين، غاضبين ولكن عاجزين بالرغم من مجزرة بحجم مجزرة الحولة.
قالت سوزان رايس سفيرة أوباما لدى الأمم المتحدة أن السيناريو الأكثر واقعية والأصعب هو توسع رقعة العنف مما سيؤدي إلى أزمة في المنطقة بأكملها وموت مخطط السلام الذي جاء به المندوب الخاص السيد كوفي أنان.
ماذا بوسعنا أن نفعل أمام هذه الكلمات الاستسلامية. لا يصح أن نتصرف و كأن البديل البسيط متوفر … و من الخطأ المميت كذلك أن نتصرف و كأن لا وجود لأي بديل جاد…. هذا الواقع وحده يمنح الجزار مزيدا من الوقت. لذلك: ما هي الخيارات المتاحة امام الغرب؟ وكيف ومتى عليه أن يبدأ؟
١) بإمكان الغرب التهديد بالتدخل العسكري
في واشنطن لا يجري استبعاد أي احتمال أو خيار متاح من طاولة الحوار بشكل نهائي. لقد كررت السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية يوم الخميس موقف أمريكا بيد أنها قالت أيضا أن المساعدة الروسية ضرورية؛ أما الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في تصريح له يوم الثلاثاء فقد نوه عن إمكانية التدخل العسكري – ولكن تحت غطاء مجلس الأمن الدولي. بعض المعارضين السوريين في المنفى يطالبون بإنشاء منطقة حظر جوي وإقامة ممرات آمنة أيضا على الأراضي السورية إلا أنّ روسيا و الصين لن يوافقا على هذه القرارات التي قد تفضي إلى أي تدخل عسكري. بذلك يصبح أي تصريح يتعلق بالتدخل الخارجي غير واقعي حتى أنه يهدد مصداقية من يطرحه فالموقف الروسي هنا هو موقف حاسم.
٢) بإمكان الغرب أن يقوم بحظر توريد الأسلحة
هذا سيشمل أيضا الثوار و الجيش السوري الحر ولكن الهدف النظام. هذا يتطلب تغيير الموقف الروسي و التراجع من الطرف الإيراني عن الموقف السياسي الحالي. في الخفاء تمد روسيا النظام السوري بالأسلحة. إذا الموقف الروسي هنا أيضاً هو موقفاً حاسماً.
٣) بإمكان الغرب بالرغم من كل الصعوبات الإصرار على تنفيذ خطه المندوب الخاص كوفي أنان للسلام و توسيع لجنة المراقبين الدوليين: ثمة اتفاقية على وقف إطلاق النار موقعة بين جيش النظام والثوار، إلى الآن هناك 300 مراقب غير مسلح في البلاد إلا أن هذا العدد في الواقع ليس كافيا لإيقاف العنف و يتوجب توفر جيش عازل تابع للأمم المتحدة يبلغ تعداده بضعة آلاف عسكري. هذا الاحتمال يتطلب كذلك موافقة روسيا و النظام السوري و الاثنان من الصعب تصور قبولهما له. أيضا السيدة مركل مستشارة المانيا تعتقد أن احتمال تطبيق خطه أنان للسلام ضئيل جداً.
٤) بإمكان الغرب أن يدعم و يمد المعارضة بالمال و السلاح مع الأمل في إنهاء الحرب الأهلية بأسرع ما يمكن: قطر، اولمملكة العربية السعودية يمدون منذ فترة قوى المعارضة بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن المعارضة ما زالت منقسمة و بعض المراقبين يشكون بأن إمداد الجيش الحر بالمزيد من الأسلحة لن يمكنهم من التفوق على جيش النظام.
٥) بإمكان الغرب الإصرار على الحل اليمني هذا يعني إن يترك الرئيس بشار الأسد منصبه و يغادر البلاد، أما بقية أجهزة النظام فتبقى على حالها:. إن مظلة ذهبيا كهذه التي قدمت لعلي عبدالله صالح تبدو للأسد و لروسيا عرضا مغريا. بذلك ينجو الرئيس السوري بحياته و روسيا تحتفظ بنفوذها بالرغم من التخلص من الطاغية المتعطش للدماء. ألمانيا تحبذ الحل اليمني إلا أنه ليس واضحا فيما إذا كان هذا الخيار واقعيا لأن العديد من مراقبي الوضع يتوقعون انهيار النظام بزوال وبمغادرة النظام الأسدي. و هنا أيضا: لا حل دون موافقة روسيا
ما هو الحجم الحقيقي للتأثير الألماني؟
إنه لأمر محبط و لكن الطريق الوحيد لتحريك أي شيء بشكل جدي في سوريا و لحماية الناس بشكل فعال يمر عبر موسكو و عن طريق الرئيس فلاديمير بوتين. و هذا الأخير لا تهمه التهديدات الغربييه. يضاف إلى ذلك… في زمن يهدف فيه حلف الناتو إلا تأسيس درع مضاد للصواريخ الروسية وشعور روسيا بأن الغرب يقلل من احترامه قد تؤدي الى جعل سوريا تبدو كساحة استعراض للقوة الروسية. لن يكون هناك مكان للحجج الإنسانية بالرغم من تصريح أنجلا مركل يوم الخميس بأن هناك الى حد ما توافق بين الرأي الروسي و الألماني فيما يخص الجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
لن يغير بوتين موقفة حيال الأزمة السورية و على رأسه الأسد إلا عندما تكون خسائر موسكو من خلال الحرب الأهلية في سوريا أكبر من خسارتها عند رحيل الأسد. كم سيكون عدد القتلي حتى اللحظة المذكورة يبقى أمرا مفتوحا. في جميع الأحوال الأمر متعلق بمدى تأثير مركل و هولاند على بوتين خلال زيارته لبرلين و باريس. بالأخص الدبلوماسية الألمانية مطلوب منها أن تثبت أنها تسمع في موسكو. وزير الخارجية الألماني “جيدو فسترفيليه” يتباهى بعلاقته الطيبة مع لافروف. بالرغم من مجزرة الحوله و فظاعتها لم تتغير المواقف تجاه الشعب السوري لتمكينه من عيش حياه امنة: في هذا البلد لن يتغير شيء إلا عندما ترفض موسكو أن تلطخ يديها بالمزيد من الدماء السورية.
—————–
نشر في صحيفة شتيرن الألمانية