أنحى الدكتور رضوان زيادة عضو المجلس الوطني السوري ومدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن باللائمة في تأخر الحل في سوريا على المجتمع الدولي وأميركا.
وقال في مقابلة خاصة مع “الأيام” إن الإدارة الأميركية الحالية تتصف بالضعف وتهتم فقط بالقضايا الداخلية، إضافة إلى رعب أعضاء الكونغرس من الانخراط في عملية عسكرية جديدة تعيد سيناريو حرب العراق. كما شدد الدكتور زيادة على عدم واقعية مطالبة المجتمع الدولي للمعارضة السورية بالتوحد لأنه لا وجود لمعارضة موحدة في كل دول العالم، غير أنه ألمح إلى بعض الخلافات التي تعصف بجهود المعارضة السورية.
وهذا هو نص اللقاء.
نرحب بالدكتور رضوان زيادة في لقاء خاص مع جريدة الأيام ونأمل أن نخرج بفائدة للقراء وكذلك للثوار.
الأيام: في الواقع سيكون لدينا معك حديث من نوع الحوار المفتوح باعتبارك عضو المجلس الوطني الذي لدى كثير من السوريين تحفظات على أدائه ونتمنى أن يكون صدرك رحبا.
كيف يمكن أن تقيم أداء الحكم وأداء المعارضة خلال العام الذي استمرت فيه الثورة السورية؟
د.زيادة: الثورة في سوريا شعبية تشبه ثورات مصر وتونس، بمعنى أنها لم تكن تتبع قيادة معينة نجحت في تحقيق حراك ضد نظام الأسد، وهذه كانت نقطة قوتها بحيث أنه أصبح من الصعب جدا على نظام بشار الأسد ان يقمعها، فكلما اعتقل ناشطين ظهر غيرهم، وفي نفس الوقت كانت نقطة ضعفها أنها لم تستطع تطوير نفسها بشكل مناسب وكان إيقاعها بطيئا لأسباب عديدة منها الخوف الشديد والقمع الوحشي الذي واجهها به النظام وخصوصا الرصاص الحي، ولهذا السبب يعتبر الشعب السوري من أجرأ وأشجع الشعوب في العالم باستمراره في ثورته. أذكر أن شخصا قال لي إن هذه البلد عاشت بهدوء فترة طويلة والسوريون ليسوا معتادين على سماع صوت الرصاص والانفجارات ومناظر الدم، وليس سهلا عليهم الآن رؤية الشهداء والجرحى والشعور بلزوجة الدماء بين أيديهم، لهذا فالشعب السوري كله الآن في حالة صدمة نفسية من العنف الذي مارسه الأسد بحقهم، وهذا ما أخر بعض المدن في الانضمام لها مثل حلب. ما حصل أن ثورة مصر انتهت سريعا وبدأت تدخل في تفاصيل المرحلة الانتقالية المؤلمة والمعقدة والطويلة والصعبة، الآن سوريا تمر بالمرحلة الانتقالية في نفس الوقت الذي يحاول الأسد قمعها، لهذا فهي ترسم ملامح مستقبلها وتعمل لإسقاط النظام في نفس الوقت. لقد توقعنا ان تكون الثورة كما كان الحال في تونس ومصر ليست بحاجة إلى معارضة سياسية ولكن عندما تطورت الأمور ووجدت الثورة نفسها بحاجة لقيادة سياسية لها من أجل تركيز ضغط المجتمع الدولي تحركت جهات معارضة وبهذا بدأ ضغط الشارع من اجل توحيد أقطاب المعارضة وتتالت المؤتمرات مثل أنطاليا وبروكسل والإنقاذ، فكان الحراك السياسي هدفه الرئيسي هو توحيد جهود المعارضة وليس قيادة الثورة، ومن الطبيعي والحال كذلك إضافة إلى قلة الخبرة بين السوريين في العمل السياسي والمعارض أن تولد الحركة السياسية ضعيفة.
الأيام: إذن في كل ما مرت الثورة به من قمع وقتل وتنكيل وبعد مرور 14 شهرا كيف ترى وضعها حاليا؟
د.زيادة: في بدايات الثورة كنا نخاف مساء الخميس أن يأتي يوم الجمعة بدون مظاهرات لكننا الآن واثقون من قوة الثورة واستمرارها على رغم أن سوريا لم تسجل في تاريخها ثورات شعبية عارمة كهذه خصوصا بهذا القمع الذي تواجهه، وأنا لست خائفا أن لا تتمكن الثورة من إسقاط النظام، لكني خائف مما بعد إسقاط النظام والمرحلة الانتقالية لأننا نعيش مرحلة الثورة يوما بيوم بسبب الخوف المسيطر على الوضع.
الأيام: المجلس الوطني كان استجابة لطلب الشارع والثورة اليوم لا زالت تعاني من مواقف سياسية تلهث وراء حركة الشارع بينما الشارع يحتاج إلى من يأخذ بثورته إلى بر الأمان، برأيك ما هو المخرج؟
د.زيادة: أعتقد انه من المستحيل ان تكون القيادة السياسية ناجحة في هذه الفترة وكذلك من المستحيل ان يستطيع اي تنظيم سياسي ان يمثل الشارع، احد اهم الاعراض الجانبية للثورات الشعبية هي الضبابية، اي لا احد يتحدث باسم احد بشكل واضح، نرى هذا عندما تذهب جهات من هيئة التنسيق الى روسيا وتتحدث باسم الشارع على رغم معارضة كثيرين، فليس هناك انتخابات لمعرفة من يمثل من، وبالطبع من المستحيل تنظيم هكذا انتخابات في ظل حكم نظام الاسد، لهذا فرؤيتي هي ان نقبل بالهيئة الانتقالية في المجلس كما هي بالرغم من كل اخطاء المجلس الوطني وقناعتنا بانه لا يؤدي الدور الضروري إلى أن يتم اسقاط النظام ومن ثم نمر بالمراحل الانتقالية التي نرى تعقيدها وصعوبتها في مصر وتونس، لكننا الان نفتقر الى اختبار القدرات الحقيقية لكل التكتلات السياسية التي تنشأ.
نشهد الآن كيف أن عملية ايجاد توافقات في ليبيا وتونس ودول أخرى من دول الربيع العربي هي عملية صعبة ومعقدة لذا فإن امكانية الوصول خلال مرحلة الثورة إلى توافقات حول المرحلة الانتقالية أراه من المستحيل لأنه في الواقع يمثل غياب اختبار القدرات أو الأوزان الحقيقية لكل التكتلات السياسية الجديدة الناشئة
الأيام: ثمة تحفظ بسيط على كلمة “مستحيل” التي تفضلت بها، فمن خلال اتصالاتنا مع بعض المعارضين الثوريين الذين يعملون في بعض تنسيقيات الداخل نلحظ فيهم فكرا ووعيا يلفت النظر ويستحق الانتباه. جميعنا يعلم أن شرعية تشكيلات الخارج جاءت من استمرار الثورة في الداخل وصمودها والسؤال: فيما الثورة تعيش شهرها الرابع عشر لماذا نستبعد امكانية اتفاق مناضلي الداخل على تسمية مجموعة تمثلهم وتبرز بالفعل حقيقة الثورة وتكون قادرة على تهيئة الأجواء المناسبة للمرحلة التالية؟.
د.زيادة: الصعوبة تكمن في القوى الثورية الموجودة في الداخل، 60% من المجلس الوطني هي من الداخل وهي تسمى “بقوى الحراك الثوري”، والمشكلة أنّ هذه القوى هي في خلاف فيما بينها نظراً لعدم تواصلها بسبب القمع الأمني والصعوبات اللوجستية (فمن المستحيل مثلا عقد اجتماع في اللاذقية أو دير الزور أو حمص أو غيرها)، وهذه القوى لا تعرف بعضها البعض وتعاني من انعدام الثقة نتيجة 50 عاماً من الديكتاتورية وانعدام الحياة السياسية وترسيخ ثقافة التشكيك والتخوين التي نراها تطفو على الساحة السياسية اليوم لدى النظام والمعارضة على السواء. في نفس الوقت هي غير قادرة إقامة الحوار ومناقشة نقاط الخلاف وإيجاد البنود المشتركة التي يمكن الالتقاء حولها لوضع أجندة مشتركة وبناء الثقة. هناك مناضلون كأنس الشغري في بانياس ويحيى شربجي في دمشق وغيرهم وهم من أوائل من لعبوا أدواراً مهمة في اطلاق المظاهرات الأولى في الثورة وقيادتها هم رهن الاعتقال الآن، فهل يمكن لحراك الداخل أن يسميهم ممثلين له؟ هذا يعني تصفية هؤلاء المناضلين هم وذويهم كما فعل النظام بغياث مطر صديق الشربجي. هذا هو الحال في عدم إعلان أسماء ممثلي الداخل في المجلس الوطني حماية لهم ولذويهم من التصفية والاعتقال. لذا لا بد أولاً من اسقاط النظام قبل الشروع في المرحلة الانتقالية الديموقراطية ومنها بناء الأحزاب الذي سوف يكون عملاً صعباً يتطلب وقتاً طويلاً رايته ثقافة العمل المشترك الضروري لبناء الوطن، فالإنسان السوري هو أصلاً صعب المراس. ومن الواضح أنه لأسباب متعددة لن يكون للمجلس الوطني الذي هو ليس حزباً سياسياً بل ائتلافاً لقيادة الثورة أي دور في المرحلة الانتقالية بعد سقوط النظام، من هذه الأسباب ضعف أداء المجلس وخلافاته الداخلية وتأخر تأييد القوى العالمية له وظهور قوى جديدة على الساحة كالجيش الوطني الحر الذي أصبح لاعباً أساسياً على الساحة الثورية اليوم، وهو ما يدعونا للتفكير كيف ستكون المرحلة الانتقالية وما هي المكونات التي سوف تكون فاعلة فيها.
الأيام: يبدو أن الثورة تدور في حلقة مفرغة. من ناحية أثبتت سورية أن لها أهمية اقليمية وجيوسياسية مميزة فالنظام نجح في لعب أوراقه الاقليمية، ووفر الأمن لحدود اسرائيل الشمالية على مدى 45 عاماً ولعب الدور المطلوب منه في إدارة الأزمات المختلفة بنجاح، كما انه نسج تحالفات عنكبوتية عسكرية وسياسية وعالمية هي أساس وجوده اليوم، بينما لم تستطع المعارضة على الرغم من تمثيلها لثورة حضارية باسلة أن تقدم ما يطالبها العالم به وهو تقديم البديل الذي يقنع العالم بتبنيه، بل واقعها سئ ومفتت والأخطاء التي تقع فيها مكررة وأداؤها لا يرقى لتضحيات ثوار الداخل الأبطال. ما هو الحل بنظرك للخروج من هذه الحلقة المفرغة؟.
د. زيادة: أكيد أن الأمور في سوريا خرجت عن سيطرة المجلس الوطني السوري. الفاعل الوحيد على الساحة السورية اليوم هو الشعب السوري الذي يتظاهر يومياً ويجبر العالم على الاستمرار في تداول المسألة السورية، لو توقفت المظاهرات اليوم فسوف نرى تغيرا فورياً في الموقف الدولي. لكن من يتكلم باسم الشعب السوري اليوم غير معروف، وقطعا هذا المتحدث ليس المجلس الوطني الذي أخرج نفسه بأدائه الضعيف من شرف تمثيل الشعب السوري. لنقارن بين المجلس الانتقالي الليبي والوطني السوري، توقع الكثيرون أن الناتو سوف يبدأ فور تشكيل المجلس الوطني السوري بقصف الجيش الأسدي كما حصل في ليبيا. ولكن ثمة فارقا بين الحالة الليبية والحالة السورية. من أعطى الدعم للمجلس الانتقالي الليبي ليس تفاهم وتجانس مكوناته بل عوامل أخرى أولها وجود مساحة على الأرض سيطر عليها المجلس الليبي (وهذا غير متاح في سوريا) والأمر الآخر هو قيام المجتمع الدولي بدعم عربي باتخاذ قرار اللجوء الى الحسم العسكري تحت الفصل السابع في وقت مبكر (أي السماح باللجوء إلى جميع الوسائل الممكنة – منها التسليح ومن ثم التدخل العسكري لتنفيذ القرار 1970) وثالثها قيام محكمة الجنايات الدولية بتجريم القذافي وأولاده وأعوانه وإتهامهم بارتكاب جرائم حرب والمطالبة بالتحقيق معهم ومحاكمتهم، وبعد ذلك بدأ التدخل العسكري الأممي باسم حماية المدنيين وتحول خلال فترة قصيرة إلى دعم الثورة الليبية من أجل إسقاط النظام. في سوريا كان السيناريو مختلفاً، الثورة بدأت سلمية أولاً مع رفض للعمل العسكري أو التدخل الخارجي، غير أنّ استمرار القمع العسكري الوحشي للمظاهرات السلمية واستخدام الجيش السلاح ضد الشعب الأعزل والانشقاقات التي حصلت في صفوف الجيش السوري وتشكيل الجيش السوري الحر دون تسليح كافٍ يخوله بالقيام بواجبه وضعف اداء المجلس الوطني السوري على مختلف الأصعدة، وعدم توافر بدائل أخرى لحماية الشعب السوري، عوامل اجتمعت على قلب الموازين والدفع باتجاه تغيير جذري في استراتيجية الثورة نحو الحل العسكري والدعوة الى التدخل الخارجي لحماية المدنيين الذين يقتلون يومياً ومدنهم وقراهم التي تهدم فوق رؤوسهم دون أي رادع انساني او أخلاقي. ولكن هنا يأتي تردد المجتمع الدولي وعدم توافر اجماع أممي في مجلس الأمن لاتخاذ قرارات حاسمة من أجل دعم الثورة السورية واسقاط النظام. فالقرار الوحيد الذي حصلنا عليه بعد 14 شهراً من بدء الثورة هو نشر 30 مراقب ونشر آخرين لا يتجاوزون 300 خلال ثلاثة أشهر. روسيا لعبت هنا دوراً أساسياً في تأخير الدعم الدولي بحجة عدم السماح للمجتمع الدولي بتكرار مع حدث في ليبيا. قرار الحسم العسكري على المستوى الدولي غير موجود في سوريا، فثوارنا المسالمون ليسوا إلا قرابين لجيش الأسد يتم ذبحهم على مرأى وسمع العالم. روسيا قامت بشل الحراك الدولي. حالة الثورة السورية تشابه تماماً حالة البوسنة والهرسك كما كنت قد قلت في اجتماع المجلس الوطني في ديسمبر الماضي في تونس من حيث حجم المجازر والقتل والترويع – وكما قالت لي رئيسة التحقيق الدولية في البلقان كارين أبو زيد عندما قابلتها الأسبوع الماضي – وضعف القرار العالمي آنذاك كان أيضاً بمعارضة روسية وكأنّ التاريخ يعيد نفسه الآن في سوريا، وكذلك فقدان المعارضة السياسية آنذاك لأي مصداقية وقيام جيش كوسوفو الحر باستلام قيادة الثورة. الأمور الآن بيد مجلس الأمن قطعاً بأخذ قرار تحت الفصل السابع لحماية المدنيين.
الأيام: من خلال اتصالاتك المستمرة مع الغرب، كيف يمكنك توصيف نظرته إلى الثورة السورية، هل بالامكان الرهان على مساعدته في الوقت الراهن خاصة نظرته إلى المعارضة المشتتة؟
د.زيادة: ثمة نقطتين رئيسيتين، الرهان أولاً وأخيراً على الشعب السوري، فتوقف الشعب السوري عن المظاهرات قد يغير المشهد، لقد بدأ الشعب السوري الثورة ووحده من يقرر مصيرها. الأمر الثاني هو وقف استخدام العنف والأسلحة الثقيلة ضد الشعب الأعزل، هنا يقع الرهان على المجتمع الدولي وحده إذ ليس للسوريين سبيل آخر لوقف آلة القتل دون تدخل دولي وفرض حظر جوي ومناطق آمنة. الخيار الآخر المطروح هو تسليح الشعب، وهو خيار خطر قد يقود سوريا لحرب أهلية طويلة المدى، فالتاريخ لم يسجل نموذجا واحدا نجحت فيه المعارضة الشعبية المسلحة إلا في حالة سيراليون حيث كان فيها النظام الحاكم ضعيفاً. الجيش الأسدي يعتبر الجيش السادس عشر في العالم من حيث الجهوزية والتسليح والعدد والنظام ليس وحيداً بل يتمتع بدعم روسي لوجستي وايراني. لذا، الهدف من تسليح الجيش الحر ليس كافياً هو محاولة لتعديل توازن القوى لتمكين الجيش الوطني الحر من حماية المدنييين لا اسقاط النظام، لأن اسقاط النظام يتطلب حتماً تدخلا دوليا عسكريا متكاملا. فيما يتعلق بموقف المجتمع الدولي من الحالة السورية، القناعة بضرورة استخدام القوة العسكرية أصبحت واقعاً قائماً على المستوى الدولي، ولكن ثمة غربين أو أكثر وهنا ثمة حاجة إلى وجود قوة عظمى تتبنى هذا القرار وتقنع باقي الدول في ذلك- كما حصل في ليبيا حيث تبنت كل من فرنسا وبريطانيا اقناع الولايات المتحدة القيام بذلك – في الحالة السورية الأمر مختلف فما زالت الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة تختلف بالرأي، فلكل من هذه الدول أوضاعه السياسية الداخلية من انتخابات في فرنسا وأمريكا. غير أنه على الرغم من تردد هذه القوى فإنها قد وصلت إلى قناعة أنه لا سبيل في النهاية إلاّ إلى اتخاذ قرار التدخل العسكري مهما كان التأخير – كما حصل في البلقان سابقاً – فقد لجأ العالم إلى العمل الدبلوماسي ومن ثم إلى العقوبات العسكرية ومازال نظام الأسد يقتل ويقمع ويستخدم مختلف أنواع الأسلحة، هذا الغباء السياسي هو الذي سوف يدفع الحمائم والصقور في كل البلدان الغربية على الاتفاق والدفع باتخاذ قرار الخيار العسكري. ومثل هذه الأصوات أصبحنا نراها بوضوح بدءاً من الدول الاسكندنافية التي تعتبر الرائدة في مجال حقوق الانسان. لا شك أنه يجري اليوم في واشنطن نقاش حول ضرورة ووجوب اتخاذ القرار، قد يتأخر كما حصل في البوسنة والهرسك ولكن في النهاية فإنّ قرار التدخل آتٍ لا محالة.
العالم يختلف الآن عما كان عليه في الثمانينات، من المستحيل أن يصمّ أذنيه عن نظام ارتكب ويرتكب جرائم على المستوى الانساني بشكل يومي، قد يتأخر التدخل الدولي كما حصل في البوسنة والهرسك ولكنه آتٍ لا محالة.
الأيام: هل معنى كلامك انه المطلوب من الشعب تقديم التضحيات من خلال التظاهر وتقديم مزيد من الدماء للضغط على المجتمع الدولي ليتخذ إجراءات أكثر صرامه كالتدخل تحت البند السابع بينما المعارضه السياسية تقف متفرجة لاحول لها ولا قوة؟
د.زيادة: المعارضة لاقيمة لها أو وزن من دون استمرار المظاهرات، فالمعارضة السياسية تستمد شرعيتها من هذه المظاهرات.
الأيام: المظاهرات مستمرة منذ 14 شهراً
د.زيادة: هنا تأتي المسؤولية الأخلاقية للمعارضه بعدم ابراز خلافاتها الشخصية والاتفاق على أجندة ورؤية موحدة. صحيح أنه يتوجب على المعارضة السياسية أن تتحمل مسؤوليتها، لكن المسؤوليه الأكبر تقع على عاتق المجتمع الدولي – إنه يستخدم حجة توحيد المعارضة وهو شيء مستحيل وقوعه، لأنه لا يوجد معارضة موحده في أي دولة في العالم – وهو شرط يستخدمه المجتمع الدولي لتاخير اتخاذ أي اجراءات فاعلة وتبرير فشله في اتخاذ هذه الاجراءات.
الأيام: منذ انطلاق الثورة وأنت تزور كبار عواصم القرار في العالم وقدمت شهادتك أمام الكونجرس من خلال وجودك في واشنطن واجتمعت بمسؤولين أمميين… ألم يكن بإمكانك توضيح أمر أنه ليس المطلوب من المعارضة أن تتوحد ايديولوجياً إنما الاتفاق فقط على مطلب اسقاط النظام ومدنية الدولة كأطار! ماهي النتائج التي استخلصتها خلال زياراتك ومناقشاتك معهم؟
د.زيادة: النقاشات في موسكو مختلفة عن واشنطن ففي أمريكا لا يملك الرئيس الامريكي طموحات تغييرية في العالم كما كان أيزنهاور وبوش مثلاً، إنما ينصب اهتمامه على الوضع الداخلي في الولايات المتحدة الأميريكية، وموقفه من الثورات العربية جاء من خلال كون أمريكا دولة عظمى. موقفه من ليبيا كان رضوخا لضغوط مارستها عليه بريطانيا وفرنسا. في سوريا تريد إدارته تغيير الأسد لكن دون أن تدفع أي تكلفة! لقد وصلوا الآن للحظه الحقيقة التي أدركوا فيها أنّه لابدّ لهم من دفع الثمن لإسقاط نظام الأسد.
منذ يومين اجتمع في الكونجرس بانيتا وزير الدفاع وكبار قادة الاستخبارات وكبار المسؤولين في الإدارة الأميريكية… لقد عبر اعضاء الكونغرس جميعهم عن دهشتهم لعدم وجود قرار أو رؤية واضحة عن كيفية اسقاط الأسد وعلى الرغم من ذلك لم يدعموا قرار التدخل العسكري رغم وضوح الموقف.
كل الاعتبارات داخلية:
الموقف بالنسبة لهم كالتالي:
– المعارضة السياسية تطالب بإنشاء مناطق آمنة… فهل إنشاء مثل هذه المناطق على الحدود السورية التركية كافياً أو كفيلاً لتأمين سقوط الأسد أم هو بدايه لتوريط أمريكا في عمليه عسكرية لايعرفون متي تنتهي. في العراق مثلاً فرضت أمريكا مناطق آمنة لمدة 12 عاماً قبل أن تتدخل خارجياً لاسقاط النظام.
– هل التدخل العسكري عبر انشاء المناطق العازلة أو فرض الحظر الجوي سيجعل الامور اسوأ أم سوف يكون كفيلاً بإسقاط النظام.
– هل ثمة جهة ما تملك تصوراً عن كيفية سير الأمور في سوريا بعد التدخل أو هل من هو متأكد مما سيكون عليه الحال.
هذة الاسئلة تواجه الولايات المتحده عند أي عملية تدخل لكن الغائب في هذه الأسئلة هو المحركان الداخلي والخارجي:
– ففي حالة العراق كان ثمة تحركاً داخلياً من قبل المحافظين الجدد.
– وفي ليبيا ضغطت بريطانيا وفرنسا والدول العربية وطالبت بالتدخل الدولي وتعهدت بدفع التكلفة.
بالنسبة لسورية هناك دول عربية لديها مواقف ولكن لاتوجد دول أوربية تضغط على واشنطن بخصوص سوريا.
موقف فرنسا متغير بسبب ما تمر به حاليا من تغيير في الرئاسة وجمود سياسي.
كما أنّ الامور في سوريا لم تحسم على الارض بعد. فعلى الرغم من أنّ الجيش الوطني الحر تمكن من السيطرة على بعض المناطق لكن الجيش الأسدي عاد وسيطر على هذة المناطق وعليه حدثت مراجعة لقوة الجيش السوري الحر الفعلية هذه الامور كلها تلعب دوراً وهذة االأسئلة تلعب دوراً في وضع الاجابات من قبل الادارة الأمريكية
لايوجد أدنى شك بسقوط النظام في النهاية لكن ماهو الثمن الذي سندفعه لذلك.
وظيفتنا كمعارضه في الداخل والخارج العمل على تخفيف التكلفة على الضحايا المدنين .
الأيام:: تم تدويل القضية الآن وجميع الاطراف الدولية تدخلت برؤى متعددة… وبالعودة إلى موضوع المقارنة بين الحالتين السورية الليبية، نرى أنه خلال الشهور السبعة منذ اتخاذ القرار بالتدخل العسكري في ليبيا ثم الانسحاب الامريكي وترك القيادة لأوروبا حصلت أخطاء أوضحت أن الناتو هو أمريكا والمرحلة لتي تمر بها أمريكا تمنعها من اتخاذ قرار ومن دون قرار أمريكي لن يحدث حراك عربي أو دولي … فهل الأسباب لتي تجعل أوباما متردداً في اتخاذ قرار هي الأسباب التي ستصيبه في مقتل في الانتخابات المقبلة ؟ وهل من الممكن أن نتأكد أنه لا شك سيتم اتخاذ قرار عسكري من قبل أمريكا قبل الانتخابات؟.
د.زيادة: سوف أشرح الآن الجهود لتي نقوم بها في المجلس الوطني ومن خلال هذا الشرح سوف أحاول الرد على السؤال المطروح.
لقد أنشأ المجلس مكتباً في واشنطن بهدف بناء تصور ورؤية استراتيجية عن كيفية الضغط على الإدارة الامريكية من أجل دفعها إلى التدخل في سوريا
استراتيجية تأخذ في اعتبارها أمرين:
1- ضعف الإدارة وعدم رغبتها في اتخاذ قرار.
2- ضعف وجود ضغط خارجي للقيام بذلك.
الشيء الممكن هو أن يقوم الكونجرس بالضغط على الإدارة من خلال المنظمات السورية الأمريكية كالمجلس السوري الأمريكي وموحدون من اجل سوريا الحرة والسوريون المغتربون وغيرها من منظمات وفرق عمل تشكلت للعمل معاً من أجل الضغط وتشكيل سيريا تاسك فورس وسيريا ووركنج جروب داخل الكونجرس وهي مجموعات من السيناتوريين الجمهورين والديمقراطيين غرضها الضغط على الإدارة الامريكية لانشاء مناطق آمنة تكون بداية لحماية المدنيين.
نحن نسعى إلى تحويل سوريا إلى معركة إعلاميه. لقد كتبت مقالاً في الجريدة الجمهورية النافذة “نيو ريبابلك” وهي المجله والجريدة الأولى للحزب الجمهوري ، كان المقال حول أهمية قيام القيادة الأميريكية بدور ريادي بالنسبة للوضع في سوريا وأوردت لذلك سببين:
1- الأهمية الاستراتجيه لسوريا فيما يتعلق بالعلاقة مع ايران وحزب الله ودورها في عملية السلام.
2- الازمة الإنسانيه. فنحن نعرف أن المجتمع الدولي بطئ الاستجابة عادة مع الأزمات الانسانية وتجاوبه السريع في ليبيا والكويت كانا بسب النفط.
مسؤوليتنا “أن نحول دون أن تصبح سوريا رواندا اوباما”
حتى الآن يعبر الرئيس كلينتون في كل لقاء عن ألمه عما حصل في رواندا والبوسنة والهرسك، وفي محاضرة في نيويورك دمعت عينه لأنه قال بأنّه كان يمكن تجنّب الكثير من الدماء والضحايا لو تدخل المجتمع الدولي بشكل أسرع في هذه الدول.
كل من يخدم الآن في إدارة اوباما خدم في عهد كلينتون سابقاً أثناء أزمه البوسنة
بانيتا: كان رئيس هيئة الأركان المشتركة وأنان: كان رئيس قوات حفظ السلام الدولية
المفروض أن هؤلاء تعلموا من الأخطاء التي وقعت في البوسنة. فكل لحظة تأخير ثمة دماء سورية تنزف، مسؤوليتنا أن نحافظ على دماء شعبنا ونمنع النظام من الاستمرار في إهدارها.
وبالتالي جهودنا تصب بشكل رئيسي في الضغط على الكونجرس من أجل الضغط بدوره على الإدارة لتحويل الموضوع إلى مسألة انتخابية.
على كلّ، ينبغي عدم التوهم بشأن النجاح في جعل المسألة السورية قضية انتخابية أميركية لأنّ القضايا الرئيسية في الحملات الانتخابية عادة ما تكون قضايا اقتصادية.
وعلى الرغم من ذلك فإنّ مستشار المرشح الجمهوري ميت رومني لشؤون الشرق الاوسط وهو أمريكي لبناني يقوم بالضغط في هذا الاتجاه وكذلك السيناتور كيري من الحزب الديمقراطي الذي قد يصبح وزير الخارجيه المقبل وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ومواقفه متقدمه من أجل ضرورة فرض المناطق الآمنه لحماية المدنيين، ثمة تحركات كبيرة قائمة على المستويين الدولي والأمريكي تصب في هذا الاتجاه علينا أن نعمل في سياقها ونتمنى لهذه الجهود أن تثمر سريعاً.