افتتاحية “الإيكونومست” – في حمص يدفنون موتاهم تحت غطاء الظلام، وذلك حتى لا يصبح المعزُّون هم الضحايا الجدد.
إن قوات الحكومة السورية تخطط لضرب العيادات المؤقتة، حيث الأرض مبقعة بالدم.
لم يُظهِر العالم الخارجيّ، من عاره، أيّ حل.
التصويت على قرار في مجلس الأمن الدولي في الرابع من شباط الحالي لإدانة الرئيس السوريّ بشار الأسد، ودعوته إلى تسليم السلطة لنائبه، فشل بفضل حق النقض الذي استخدمته روسيا والصين. بالنسبة للرئيس الأسد فقد كان ذلك هو الحصانة التي يحتاج إليها لمضاعفة القتل. وفي وقت سابق انتهت مهمة بعثة آيلةٌ للسقوط، من قبل الجامعة العربية إلى سوريا بالتخاصم. وكانت الانقسامات انتزعت التعاون الدوليّ بمجرد أن عمّت اضطرابات الربيع العربيّ، وجعلت هذا التعاون ضرورياً.
إنّ الشعب السوريّ يستحق ما هو أفضل. ومع ارتفاع عدد القتلى على نحو سريع عن 7,000 قتيل فإنّه تقع على العالم مسؤولية التصرف، وله في ذلك مصلحة؛ فسوريا تحتل موقعاً حيوياً في الشرق الأوسط: فهي موجودة بين تركيا، والأردن، والعراق، و”إسرائيل”، ولبنان. ومتحالفة مع روسيا وإيران. إنّ البلد مرجل من الأديان، والطوائف، والمذاهب التي تغلي بالأحقاد والرِّيَب. والكثير من الأقليات السورية تحتمي بطائفة الأسد العلوية لخشيتها تصفية حسابات الطائفة السنية السوريية، وهي أكبر الطوائف، في حال انتصارها.
إنّ حرباً أهلية طويلة المدى في سوريا ستغذي فوضى وصراعاً دينياً في جزء غير مستقر من العالم.
لذلك فإن إزاحة الرئيس الأسد من السلطة في أسرع وقت هو أمرٌ ضروري. لقد فوّت عليه التفاوض مع شعبه من أجل التوصل إلى تسوية الخلافات بطريق الإصلاح ورفع مستوى الديمقراطية. إنّ تكراره اللجوء إلى العنف أكسبه عدم ثقة أبديّ من قبل غالبية شعبه. وأية حرية يكتسبونها ستتحول إلى وسيلة لمقاومته. إذن، فإنّ من مصلحة سوريا والمنطقة أن يكون الهدف هو خلع الرئيس الأسد وتقليل الخسائر في الأرواح، على حد سواء. وما يبعث على الأسف هو أن هذين الهدفين حتى الآن على طرفي نقيض.
كدأب الطغاة، سيكون لدى الرئيس الأسد أفضليتان: الأولى استعداده لفعل كل ما يمكنُ من أجل إخماد الثروة.
ففي حين كانت القوات في ميدان التحرير بالقاهرة غير راغبة في إطلاق النار على الجماهير، كان الجنود السوريون غارقين في الدم. وبرغم أن بعضهم غيروا ولاءهم بدلاً من قتل مواطنيهم، فإنّ الرئيس الأسد يحكم وحدات منشقة، وضباطاً موالين نسبياً، وكذلك المدرعات، والمدفعية الثقيلة والقوات الجوية؛ والثوار السوريون غير المنظمين لم يستطيعوا هزم هؤلاء في مواجهات مباشرة.
أمّا الأفضلية الثانية فهي افتقار الأطراف الأخرى للوحدة ليس في الأمم المتحدة والجامعة العربية فحسب، بل داخل المعارضة السورية أيضاً. المجلس الوطنيّ السوريّ جماعات في المنافى منقسمة، بوجود سُلطة محدودة في مكان يسمونه الوطن. وفي سوريا توجد ميليشيات من هنا وهناك، بالإضافة إلى الجيش السوريّ الحرّ، الذي يتكون أساساً من جنود انشقوا على النظام.
إنّ الرَّدَّ الأكثر مباشرة هو موازنة المعركة بغَمْرِ سوريا بالأسلحة أو ربما، قصف قوات الأسد في ثُكُناتهم. غير أن هذا التركيز على قوة النيران يمكن أنْ يكون في مصلحة الرئيس الأسد: فالأراضي التي أشدّ ما يَرغب في القتال عليها هي أراضٍ عسكرية.
إنّ القصف الأجنبيّ يمكن أن يُشبِع دوافع الغرباء لفعل شيء ما أيِّ شيء لإظهار غضبهم. لكنْ حتى في ليبيا، التي لها خط أمامي ومنطقة أكثر عرضة لهجوم جويّ، استغرق القصفَ وقتٌ طويل لإضعاف قوات القذافي؛ في سوريا يمكن أن يكون لمثل ذلك القصف قيمة أقلُّ.
يمكن أن يأتيَ الوقت الذي يكون فيه لتزويد المعارضة بالأسلحة جدوى، لكنّ مثل هذه السياسة لن تحوِّل المعارضة فجأة إلى قوة قتالية. ثم إنّ بلداً غارقاً بالأسلحة قد يعمُّه العنف الذي دأب العالم على تجنبه. فالبنادق التي تدفّقَتْ إلى أفغانستان لتسليح السكان المحليين ضد الاتحاد السوفييتيّ ساعدت في خلق الفوضى التي فرَّختْ طالبان.
من الأفضل مهاجمة نظام الأسد حيث هو عُرضة لذلك بطريق خلع ما يدعمه من الأقليات السورية، وداعميه في الخارج على حد السواء، خاصة في روسيا، وهي رأس المدافعين عنه في مجلس الأمن الدوليّ. إنّ كلاًّ من علويِّي سوريا وفلاديمير بوتِن يتمسكون بهذا الديكتاتور لأنهم يعتقدون أنه برغم أخطائه أفضل من البديل. ومع ذلك فسوريا، في ظلّ حكم الأسد، ليس لها مستقبل. أدتْ محاولاته لتحديث الاقتصاد، قبل الربيع العربيّ، إلى إثراء زمرة من رفاقه غير أنها لم تفعل إلا القليل للسوريين العاديين. وإذا شَهِدَ نهاية لانتفاضة اليوم، فإنه سيُترَك ليحكم بلداً معزولاً، وفقيراً، ومتوعِّداً بالغضب. ومن المؤكد أنّ المعارضة تقَدِر على تقديم عدد كاف من السوريين من العقائد كافة مستقبلاً أفضل من ذلك.
لجعل ذلك الوعدِ موثوقاً، على المعارضة السورية المنقسمة أن تتحد. فجماعة اتصال من القوى الخارجية جنباً إلى جنب مع المعارضة يمكن توصل المال إلى سوريا، وكذلك يمكن أن تساعد في الاتصالات والعمليات اللوجستية. وبصوت واحد وزعيم موثوق، بإمكان المعارضة السَّعْيُ في سبيل التأكيد للتجار، والأكراد والمسيحيين الذين يدعمون الأسد أنهم سيكونون أكثر أماناً وأكثر ازدهاراً من دونه.
الروسيون، كذلك، يمكن أن يغيروا مواقفهم. السيد بوتِن ينعُم بالقوف إلى جانب الغرب المتدخل، ليس أقله من أجل أسباب سياسية محلية، بل لأن التمسك برئيس محكوم عليه بالفشل سيكلف روسيا قاعدتها البحرية للتزويد في طرطوس بالإضافة إلى صادراتها من الأسلحة. وكلما كثر المنشقون عن النظام من كبار المسؤولين ومن ضباط الجيش كان احتمال أنْ يغيّر السيد بوتِن، كذلك، مواقفه أكبر. وللمساعدة في إقناعهم، فإنّ على تركيا بمباركة من الناتو والجامعة العربية أنْ تنشئ منطقة آمنةً في الشمال الغربي من سوريا وتدافع عنها. وهنالك يستطيع جيش سوريا الحر أنْ يدرب المقاتلين، وكذلك يمكن لمعارضة ذات موثوقية أن تتشكل فيها. إنّ تركيا تبدو راغبة في فعل ذلك، بشرط حصولها على دعمٍ غربيّ. هذه المنطقة الآمنة ستكون مماثلة للتي أنشئتْ للأكراد في شمال العراق؛ ولسوف يعاني الرئيس الأسد إذا هاجمها.
هذا الملاذ مُحَمَّل بالمخاطر فقط في حال انقسام المعارضة على نحو شديد. بيد أنه من المحتمل أن يتسبب في سفك الدماء على نحو أقل مما يحدث بسبب الانخراط المباشر في حرب أهلية تسمح للرئيس الأسد أن يذبح شعبه بتصميم. إنّ هذه الرقعة من سوريا (المنطقة الصغيرة الحرة) ستكون الدليل القويّ على أنّ أيام الرئيس الأسد الوحشيةَ معدودةٌ.