صحفية أمريكية الولادة عملت لمدة 20 عاماً في صحيفة صنداي تايمز البريطانية حصلت على العديد من الجوائز غطت بتقاريرها الصحفية معظم المناطق التي نشبت فيها حروب: سيراليون, البلقان, الشيشان, تيمور الشرقية, الشرق الأوسط. فقدت إحدى عينيها في كمين أثناء تغطيتها لأحداث الحرب الأهلية في سريلانكا.
قتلت في مدينة حمص حي بابا عمرو جراء القصف على المدينة من قبل القوات السورية الحكومية.
نعيش في هلع من حدوث مجزرة:
يسمى القبو بملجأ الأرامل, فيها تكدس النساء والأطفال جنبا إلى جنب مع بعض الأسرة المؤقتة وبعض الأمتعة مبعثرة هنا وهناك. يجلسون مقرفصين بقلوب مليئة بالخوف مسجونين في مدينة الرعب، حمص المدينة التي ترزح تحت قصف وحشي لارحمة فيه.
واحدة من هؤلاء الثلاثمائة شخص القابعين في معمل الخشب،ذلك المكان الواقع في حي بابا عمرو هي: (نور) ذات العشرين سنة فقدت زوجها اثناء القصف بقذائف الهاون من قبل الجيش الحكومي.
كانت القذائف الصاروخية قد أصابت بيتنا ولذلك كنا 17 شخصا في غرفة واحدة, تقول نور بينما ابنتها ميمي 3 سنوات وابنها محمد 5 سنوات يتشبثون بأطراف عباءتها (الحجاب الكامل).
لم يكن لدينا شيئا من الطعام سوى الماء والسكر لمدة يومين بلياليها، فخرج زوجي بحثا عن بعض الطعام لنا. كانت تلك هي المرة الأخيرة التي ترى فيها نور زوجها مزيد 30 عاما الذي كان يعمل في محل لصيانة الهواتف الخلوية. تقطع جسده إلى أشلاء من الشظايا. بالنسبة لنور كانت المأساة مزدوجة حيث قتل أخاها عدنان 27 سنة في نفس المكان مع مزيد.
الجميع في هذا الملجأ لهم قصص مماثلة من المعاناة والموت. اختاروا هذا القبو لأنه من الملاجئ القليلة في بابا عمرو. فرش الإسفنج ممددة بمحاذاة الجدران والأطفال لم يروا ضوء النهار منذ بداية الحصار في 4 شباط. أغلب العائلات هربوا من منازلهم بالملابس التي كانت على أجسادهم.
المواد الغذائية نفذت تقريبا من المدينة, كل ماتبقى هو الرز والشاي وبعض معلبات الكونسروة من السمك أحضرها أحد رجال الدين من مخلفات إحدى محلات السمانة التي تعرضت للقصف.
إحدى الأطفال الخدج التي ولدت الأسبوع الماضي، بدت على سماتها هلع شبيه بتلك التي على وجه والتها فاطمة ذي ال19 سنة.التي هربت من منزلها المكون من طابق واحد، والتي تساوى مع الأرض من جراء القصف العشوائي. لقد نجونا بمعجزة تقول بنبرة خافتة. فاطمة مذعورة من هول الصدمة, لدرجة أنها لم تعد قادرة على أن ترضع طفلها, فالطفل يعيش فقط على الماء والسكر.
فاطمة ربما تكون أرملة وربما لا. زوجها يعمل راعيا وقد كان في الريف عندما بدا الحصار بحاجز عنيف من النيران. ومن حينها لم تسمع عنه أي خبر.
ملجأ الأرامل ذلك يعكس المآل والمصير الصعب لـ28000 شخصا نساء أ,طفالا، ورجالا يتشبثون بالحياة في بابا عمرو. الحي المؤلف من بيوتا إسمنتية منخفضة والمحاصر من جميع أطرافها من القوات العسكرية السورية.
الجيش يقصفهم بصواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون والدبابات. في الوقت الذي يتمركز القناصة على سطح بناء جامعة البعث وعلى الأسطح الأخرى العالية التي تحيط ب باب عمرو. طلقون النار على كل مدني يصبح في مرمى قناصتهم. في الأيام الأولى من الحصار سقط الكثير من الأهالي قتلى برصاصهم. الآن أصبحوا يعرفون مكان تواجد القناصة، ويركضون من الأماكن التي قد يكونون فيها عرضة للقنص.
ظاهرة في كل بناية, قذائف الدبابات قد اخترقت جدران الاسمنت المسلح ونفذت إلى داخلها. أو قذائف الهاون قد أحدثت فجوات كبيرة في الأجزاء العلوية من المنازل. في بعض الشوارع هناك العديد من البنايات التي هدمت تهديما كاملا. كل ما يستطيع المرء رؤيته هي قطع من الملابس المهترئة وبقايا موبيليا محطمة.
إنها مدينة البرد والجوع لايسمع فيها سوى صدى القنابل وطلقات البنادق، لايوجد هواتف، والكهرباء قد تم قطعها عن المدينة, القليل من المنازل لديها الوقود للمدافئ التي هم بأمس الحاجة إليها، في واحدة من أشد الشتاءات بردا على الإطلاق.
الأمطار المتجمدة تملئ حفر الشوارع، والثلج يدخل النافذة التي لم يعد عليها أي زجاج. لاتوجد محلات مفتوحة.
العائلات تتقاسم مالديها مع الجيران والأقارب. الكثيرون من الذين قتلوا هم من الذين خرجوا للبحث عن الطعام لعائلاتهم. الجيش يحاول بكل مأوتي من وحشية أن يسحق المقاومة في حمص, حماة، والمدن الأخرى التي انتفضت ضد حكم الرئيس السوري بشار الأسد. العائلة التي حكمت سورية لمدة 42 سنة.
في بابا عمرو هناك الجيش السوري الحر والذي يمثل المعارضة المسلحة. يحظى بتأييد شعبي شبه كامل بين السكان المدنيين. كما يعتبرهم السكان حماة لهم.
لكنها معركة غير متكافئة, دبابات الأسد والأسلحة الثقيلة في مواجهة الجيش السوري الحر, الذي يقاتل ببنادق الكلاشينكوف.
ما يقارب 5000 جندي يتواجدون في أطراف باب عمرو. والجيش السوري الحر ينتظر الهجوم الأرضي. نخاف أن يترك الجيش السوري الحر المدينة تقول حميدة 43 سنة، التي تختبئ مع أطفالها وعائلة أختها في شقة مهجورة بعد أن تم قصف منزلها. سوف تحدث مجزرة.
السؤال الذي على ألسنة الجميع: لماذا تخلى العالم عنا؟؟
عبد المجيد الذي ساعد الجرحى بالخروج من المنازل التي تعرضت للقصف، جاء بنداء وطلب بسيط: من فضلك اخبري العالم بأن عليهم أن يساعدونا, قالها بأعين مترقبة. أوقفوا القصف رجاءا, أوقفوا إطلاق النار.
أهالي المدينة يعيشون في رعب حقيقي. تقريبا كل عائلة قد أصابها فاجعة فقدان أحد من أفرادها قتيلا أو جريحا.
خالد أبو صلاح، ناشط شارك في أوائل التظاهرات ضد الأسد في آذار العام الماضي، كان جالسا على الأرض في إحدى المكاتب بيد مكسورة وملفوفة بالضماد, وجروح الشظايا في قدميه و كتفيه. خالد طالب جامعي عمره 25 سنة, خاطر بحياته عندما قام بتصوير الفيديو عن المذابح والانتهاكات التي حدثت بأهالي باب عمرو.
أصيب خالد حين كان يساعد اثنين من الجرحى لنقلهم إلى عيادة مؤقتة، التي يعمل فيها طبيب وطبيب أسنان, هو وثلاثة من رفاقه.عندما كنا نهم بالخروجسقطت قذيفة على المكان، أدت إلى مقتل رفاقي الثلاثة على الفور, والشخصين الآخرين أيضا.
أبو عمار 48 سنة سائق سيارة، خرج في الصباح الباكر ليأتي ببعض الخبز الأسبوع الفائت, هو وزوجته وابنته بالتبني كانوا قد لجئوا إلى منزل شقيقتين مسنتين وذلك بعد أن تعرض بيتهم للقصف.
يقول: عندما رجعت كان البيت قد تحول إلى حطام. لم يتبقى منه الا جدار واحد لم يسقط. من بين الأنقاض ظهر شالا نسائيا احمر اللون وبعض علب كونسروة الخضار التي لم تتحطم لسبب ما!
دكتور علي, طبيب أسنان يمارس عمل الطبيب البشري قال: لقد وصلت إحدى هؤلاء النسوة إلى هنا، أي المشفى الميداني وكانت قد فقدت قدميها الاثنتين، ولكنها فارقت الحياة.
علي بدأ بقص اللباس عن العريني على سرير العمليات، في المشفى الميداني.الشظايا كانت قد قطعت أجزاء كبيرة من فخذ ه. نزف الدم الغزير عندما أخرج علي إحدى الشظايا بملقط معدني من تحت عينه اليسرى. حرك العريني رجليه ثم فارق الحياة على الطاولة.صهره الذي كان يرافقه أجهش بالبكاء. لقد كنا نلعب الورق (الشدة) عندما سقطت قذيفة على البيت, قالها وعيناه تغرق بالدموع. أخذوا العريني إلى مستودع مؤقت للجثث. في مكان كانت سابقا غرفة نوم. عاري الجسم موضوعا في كيس بلاستيكي عليه فقط الأحرف الأولى من اسمه.
لا يوجد نهاية لهذا الوضع:
خالد أبو كمالي فارق الحياة قبل أن يلحق الطبيب بنزع ملابسه عنه. كان قد أصيب بشظية قنبلة.عندما كان في بيته. صلاح 26 سنة اخترق صدره قضيب من أثر القصف. لم يتوفر مادة تخدير لكنه بقي يتكلم بينما أدخل علي أنبوبا معدنيا في ظهره لكي يخفف من الضغط الناتج عن الدم المتراكم في صدره.
أم عمار 45 سنة أم لسبعة أطفال كانت موجودة للمساعدة بتضميد الجراح لقد قدمت بنفسها لكي تساعد في التمريض بعد أن تعرض منزل جيرانها للقصف, كانت تلبس في يديها قفازات بلاستيكية متسخة تبكي وتقول ماذا علي أن افعل ؟ أنا ملزمة بهذا الشئ لأن الشباب الذين يجلبونهم إلى هنا هم كلهم أبنائي.
أحمد محمد طبيب عسكري انشق عن قوات جيش الأسد, يقول مناديا: أين حقوق الإنسان ؟؟ هل يوجد ذلك؟؟
أين الأمم المتحدة؟؟؟
كان يوجد فقط سريرين للمعالجة في العيادة على إحداها كان احمد خالد مستلقيا قال بأنه قد أصيب عندما سقطت قنبلة على الجامع بينما كان يؤدي فريضة الصلاة. لقد اضطروا إلى استئصال الجزء الأيمن من خصيتيه باستعمال باراسيتامول فقط كمسكن للآلام, وأدان ادعاءات نظام الأسد بان الثوار هم من المتطرفين الإسلاميين!
قال: نحن نناشد كل البشر الذين يؤمنون بالله مسلمين، مسيحيين ويهود أن يساعدونا… إذا أراد الجرحى مغادرة بابا عمرو، فيجب أن يتم حملهم وبعدئذ يمكن نقلهم بالدراجات النارية, والذين يحالفهم الحظ يتم تهريبهم إلى مكان اّمن. الجرحى الذين إصاباتهم بليغة لايمكن القيام بتهريبهم. مع أن السلطات السورية لاتسمح لأحد بالمغادرة الا أن البعض قد توفق بدفع الرشوة.
مريم 32 عاما المتزوجة حديثا قرروا أن يهربوا حين سمعوا بأن ثلاثة عائلات قد قتلوا وامرأة تم اغتصابها من قبل ميليشيات الشبيحة المعروفة بوحشيتها والتابعة لشقيق الأسد -ماهر- حيث أعطت مريم خاتم زواجها لأحد المسئولين لكي تتمكن الخروج من بابا عمرو. إذا اقتحم الجيش السوري الحكومي باب عمرو فلن يكون للجيش السوري الحر أية فرصة للصمود في مواجهة الدبابات. سوف يستبسلون في القتال على الرغم من عدم التكافؤ، دفاعا عن أهلهم, فهم على دراية بوقوع مجزرة في حال الهزيمة.
يقول: أبو سعيد 46 سنة ضابط برتبة رائد منشق عن الجيش الحكومي منذ 6 أشهر. يقول: لقد تم وضع عنصر من المخابرات في كل وحدة عسكرية. وهم من جهاز الأمن المخيف، ولديهم الصلاحيات بإعدام كل من يرفض الانصياع الأوامر إطلاق النار أو يشك بتفكيرهم في الفرار. الوضع حتى الآن والى أمد غير معلوم يبدوا قاتما مميتا, فالجيش الحر ليس له أمل في النصر وذخيرتهم بدأت تنفذ.
الأمل الحقيقي الوحيد في النجاح للذين يقاومون الأسد هو أن يقوم المجتمع الدولي بمساعدتهم, مثل الناتو وما فعله ضد القذافي في ليبيا. حتى الآن لايبدو أن ذلك سيحدث في سورية. في الوقت التي تتذبذب فيها الدبلوماسية الدولية, يزداد اليأس في باب عمرو.
حميدة 30 عاما تختبئ مع أختها وأطفالهم الـ13 في قبو، بعد أن سقط قذيفتين هاون على منزلهم. ثلاثة بنات صغار بين 16 شهرا وستة سنوات, ينامون على فرشة أسفنجية رقيقة ومتهرئة ممددة على الأرض. وثلاثة آخرون اشتركوا بفرشة أخرى.
أحمد ابن شقيقتها ذي الـ16 ربيعا قتل من ضربة قذيفة صاروخية, عندما خرج بحثا عن بعض الخبز.
الأطفال يبكون طوال الوقت، وانأ أحس بأني عاجزة عن فعل أي شي, نحس بأننا متروكين لا أحد يهتم لحالنا.
لقد أعطوا بشار الضوء الأخضر لقتلنا!!!