أشرف أصلان
مع صعوبة تحقيق قدر من الحسم الداخلي للأمور في سوريا، تتجه الأنظار إلى الحراك الدولي والعربي وما يمكن أن يسفر عنه في المرحلة المقبلة في ضوء محاولات مستميتة لإثناء روسيا والصين عن دعمهما نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والذي تجسد عبر فيتو مزدوج في مجلس الأمن، اعتبر بمثابة الضوء الأخضر لمزيد من سفك الدماء. وتبدو فكرة التدخل العسكري المباشر أو حتى غير المباشر -رغم استبعادها حاليا- من أسوأ السيناريوهات المحتملة.
وبعد 11 شهرا من المواجهات، يبدو الجيش النظامي السوري وعناصر الشبيحة الموالية له عاجزة عن إنهاء الاحتجاجات المطالبة برحيل الأسد، في الوقت الذي يؤكد فيه السوريون أنهم نزلوا إلى الشوارع ولن يعودوا قبل رحيل الأسد، مهما كانت التضحيات.
وتبدو خيارات نظام الأسد في المرحلة الحالية محصورة في الرهان على مزيد من القتل واستغلال تصدع الموقف الدولي بفعل الفيتو المزدوج، واللعب على عامل الوقت، أملا في إنهاك الشارع وإجباره على التراجع ورفع الراية البيضاء، تحت وطأة القصف والقتل.
في المقابل، يراهن الشارع على الضغط الدولي، والحث على طلب النجدة المباشرة والسريعة على خلفية المشاهد المتتالية للمجازر التي ترتكب في حمص وغيرها من المناطق بحق المدنيين. كما يراهن على عمليات نوعية مأمولة من الجيش السوري الحر، ينتظر أن تلحق قدرا من الهزيمة النفسية لنظام الأسد.
الجيش النظامي السوري يواصل عملياته في أوساط المدنيين بلا تردد:
ويبدو أن سقوط نحو خمسة آلاف قتيل, لم يكن كافيا بعد لرحيل الأسد, كما لم يكن ذلك رادعا للشعب السوري للتراجع. في الوقت نفسه بات هذا العدد من الضحايا مطروحا على شكل تساؤل أمام روسيا والصين. “كم من القتلى يكفي للتوقف عن دعم الأسد؟”.
وتكاد كل القوى الدولية، بما فيها الولايات المتحدة والغرب عموماً، تجمع على صعوبة التدخل العسكري الخارجي المباشر في سوريا بسبب عوامل القرب والجوار الجغرافي مع إسرائيل واحتمال اشتعال حرب إقليمية تجر إليها إيران الحليف الأبرز لنظام الأسد، والتي هي أصلا في حالة مواجهة مع الغرب على خلفية البرنامج النووي، وتهديدات بإغلاق مضيق هرمز حيث تمر أغلب سفن النفط العالمية في منطقة الخليج العربي.
في هذا المشهد أيضاً، تبدو بوضوح قاعدة الصيانة البحرية الروسية في ميناء طرطوس السوري، وهي القاعدة الوحيدة لروسيا خارج أراضي الاتحاد السوفياتي السابق, وتحظى بأهمية كبرى لدى موسكو، الأمر الذي قد يجعل العسكرية الروسية طرفا في مواجهة ما، إذا تدهور الأمر.
وفيما يشبه الخطوة الاستعراضية رست سفن حربية روسية بما فيها حاملة طائرات في ميناء طرطوس في 8 يناير/كانون الثاني الماضي بينما كانت المحافظات السورية تلتهب مطالبة بإسقاط النظام.
صراع بالوكالة:
وهنا يبدو أسوأ السيناريوهات المحتملة وهو صراع بالوكالة بين العرب والغرب من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى, حسبما يرى أندرو تابلر خبير الشؤون السورية بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
يقول تابلر “أعتقد أننا سنرى الآن دولا مختلفة بالمنطقة تراهن على الجيش السوري الحر فالأسلحة تدخل من لبنان بالفعل، وسنرى الآن المزيد يدخل من الأردن وتركيا والعراق أو من روسيا فالجميع سيواصلون العمل في هذا المناخ”.
من ناحية أخرى تقول روسيا وإيران ومعهما الصين إنهم يحثون دمشق على إجراء إصلاحات لكنهم يرفضون محاولة يشرف عليها الغرب للإطاحة بنظام من أوثق حلفائهم. وهنا يشار إلى أنه خلال الحرب الباردة خاضت واشنطن وموسكو حروبا بالوكالة في أميركا اللاتينية وأفريقيا وأفغانستان وغيرها, فكانتا تسلحان الحكومات المتحالفة أو المتمردين”.
استبعاد التدخل العسكري حاليا, ربما لا يعني التخلي عنه مستقبلا, مع إمكانية اللجوء لأشكال أخرى من التدخل, تحت مسميات ودعاوى حماية المدنيين أو توفير “سماوات آمنة”, عبر حظر جوي وتقييد لحركة الجيش النظامي السوري”.
والحقيقة أن الموقف الروسي الصيني لم يمنع في السابق غزو العراق, أو التحرك خارج حسابات وتوازنات مجلس الأمن الدولي في ليبيا لإزاحة العقيد معمر القذافي.
مجرد رسالة:
وربما لا تسفر الجهود الدولية الحالية عن أكثر من مجرد توجيه رسالة للأسد بضرورة التخلي عن السلطة والتجاوب مع مبادرة الجامعة العربية التي عاودت تجهيز بعثات المراقبين لاستئناف مهمتها في سوريا.
ويبدو طريق العقوبات هو الحل العملي الوحيد, حيث يستمر الغرب في فرض مزيد من الإجراءات, رغم كونها لم تحقق نتائج على الأرض. في الوقت نفسه بدأت قوى غربية ومن بينها الولايات المتحدة تتحدث بشكل غير رسمي عن “الخروج الآمن” للأسد وعائلته, وتكشف عن عروض غير مباشرة وتلميحات بحصانة من نوع ما, في محاولة لفتح الطريق لتنازل عن السلطة يوقف سفك الدماء.
في هذا الصدد قال سفير الولايات المتحدة في الجزائر هنري إنشر إن بلاده لا تمانع في منح بشار الأسد الحصانة منعا للحرب الأهلية. وقال لصحيفة الخبر الجزائرية إن “الحديث عن إمكانية ضمان خروج آمن للرئيس السوري مقابل وقف العنف وتفادي الحرب الأهلية أمر وارد، على اعتبار أن الأولوية بالنسبة للإدارة الأميركية تكمن بحماية المدنيين”.
في المشهد, أيضا تبدو تركيا -الأقرب جغرافيا والقاعدة الأبرز لحلف شمال الأطلسي- أكثر حراكا على عدة أصعدة, بداية من استضافة قطاعات من المعارضة السورية واللاجئين, ومرورا باتصالات دبلوماسية لا تنقطع مع واشنطن, ووصولا إلى التهديد بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي, وإن ظلت حتى اللحظة تستبعد الحل العسكري, وتتحدث عن مؤتمر دولي موسع.
لكن استبعاد التدخل العسكري حاليا, ربما لا يعني التخلي عنه في المستقبل, أو عبر اللجوء لأشكال أخرى من التدخل, تحت مسميات ودعاوى حماية المدنيين أو توفير “سماوات آمنة” على سبيل المثال, وهو إجراء يتضمن حظرا جويا وتقييدا لحركة الجيش النظامي السوري, مع الرهان على توالي الانشقاقات واستمرار الضغط الداخلي وتقديم مساعدات عسكرية مباشرة للجيش الحر.
وأخيرا يبدو أن الموقفين الروسي والأميركي مربوطان بشكل ما بالوضع الداخلي في البلدين, حيث انتخابات رئاسية مرتقبة, لها حساباتها, يسعى بموجبها البيت الأبيض والكرملين إلى تأمين الفوز واسترضاء الناخبين, ولو على حساب السوريين أنفسهم.